لوبان تواجه اقتراب ماكرون من الإليزيه بحملة عنيفة

اليمين الفرنسي يراهن على الانتخابات النيابية للالتفاف على فشله

ملصقان انتخابيان لماكرون ولوبان في مدينة بيثون شمال فرنسا (رويترز)
ملصقان انتخابيان لماكرون ولوبان في مدينة بيثون شمال فرنسا (رويترز)
TT

لوبان تواجه اقتراب ماكرون من الإليزيه بحملة عنيفة

ملصقان انتخابيان لماكرون ولوبان في مدينة بيثون شمال فرنسا (رويترز)
ملصقان انتخابيان لماكرون ولوبان في مدينة بيثون شمال فرنسا (رويترز)

انطلقت حملة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى يوم 7 مايو (أيار)، على خلفية «تصفية نزاعات» داخل الأحزاب التي أصيبت بنكسة غير مسبوقة.
وأوضحت الأرقام النهائية لوزارة الداخلية أن مرشح الوسط إيمانويل ماكرون قد حقق اختراقاً استثنائياً، إذ حصل على نسبة 24.01 في المائة من الأصوات، متخطيا منافسته مارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرف، بثلاث نقاط. بيد أن الأهم من ذلك كله أن استطلاعات الرأي تجمع كلها على أن ماكرون سيحقق، في الجولة الحاسمة، فوزا باهرا مع تحقيق تقدم مريح للغاية على منافسته اليمينية.
و«الزلزال» السياسي الذي ضرب فرنسا، الذي تمثل بإخراج الحزبين اللذين كانا يتداولان السلطة منذ أربعين عاما وهما اليمين التقليدي المتمثل في حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي، أدى إلى انطلاق عمليات تصفية حسابات.
لم يتأخر اليمين في فتح النار على مرشحه فرنسوا فيون الذي حمله وزر الخسارة، وكذلك فعل الاشتراكيون مع بونوا هامون. وفي الوقت ذاته، تكاثرت رسائل التأييد لماكرون من اليمين واليسار. وانسحبت هذه الموجة على الرئاسة والحكومة، فأعلن فرنسوا هولاند تأييده لوزير الاقتصاد السابق، كذلك فعل رئيس حكومته برنار كازنوف والعديد من الوزراء.
وفي معرض تبريره وقوفه إلى جانب ماكرون، اعتبر هولاند أن «تأهل اليمين المتطرف (في الجولة الثانية) يمثل تهديدا لبلدنا». وأشارت أوساط في قصر الإليزيه إلى أن هولاند، في حال فوز لوبان بالرئاسة، قد يرفض لقاءها من أجل عملية التسلم والتسليم. كما أعلن أمس المحفل الماسوني المسمى «محفل المشرق الكبير» تأييده لماكرون وحث رئيسه كريستوف هاباس على الوقوف بقوة بوجه لوبان والاقتراع لمرشح الوسط.
بيد أن هذا السيناريو يبدو مستبعدا للغاية بسبب دعوات التأييد التي تهطل على ماكرون ليس إعجابا به، وإنما لقطع طريق الإليزيه على لوبان. وانطلقت هذه الموجة منذ إعلان أولى النتائج واستمرت طيلة يوم أمس؛ وشملت حزب الجمهوريين والحزب الاشتراكي وأحزاب الوسط والعديد من النقابات واتحاد أرباب العمل، ناهيك عن دعم البورصة الباريسية وارتفاع قيمة اليورو إزاء العملات الدولية.
ومرة أخرى، عاد الحديث عن تشكيل «جبهة جمهورية» تقف سدا بوجه مارين لوبان وتمنعها من تحقيق انتصار «تاريخي» ستكون نتائجه، وفقا للداعين للجبهة، بالغة الضرر على فرنسا وعلى البناء الأوروبي وعلى علاقات فرنسا مع بقية دول العالم.
وإزاء هذا الطوق الآخذ بالتشكل، سارعت مارين لوبان صباح أمس، إلى التنديد به وقالت في تصريح صباحي إن «هذه الجبهة الجمهورية العتيقة الفاسدة تسعى للالتفاف حول ماكرون»، مضيفة أن «أحدا لا يريدها والفرنسيون يمقتونها بعنف نادر». وبرأي لوبان، فإن قيام هذه الجبهة «سيكون عاملا مساعدا» لها.
حتى الآن، بقي المرشح جان لوك ميلانشون الذي حل في المرتبة الرابعة متأخرا قليلا عن فرنسوا فيون، خارج مجموعة الداعين للاقتراع لصالح ماكرون. وفي الكلمة التي ألقاها ليل أول من أمس، بدا ميلانشون بالغ التأثر لأنه كان يأمل بنتيجة أفضل وأن يحل على الأقل في المرتبة الثالثة. ورفض مرشح «فرنسا المتمردة» الدعوة لدعم مرشح الوسط الذي كان يصفه في خطبه ومهرجاناته الانتخابية بأنه «مرشح المصرفيين». وقالت مجموعة من كوادر الحركة، اتصلت بهم «الشرق الأوسط» أمس، إن ثمة ميلا لعدم إعطاء توجيهات وترك حرية الخيار لأنصار الحركة. لكن هذا الموقف لا ينال الإجماع بتاتا، إذ سارعت صحيفة «لومانيتيه» الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الفرنسي، وهو أحد أهم المجموعات الداعمة لميلانشون، إلى إطلاق دعوة للوقوف «سدا منيعا» بوجه لوبان. بينما تأمل هذه الأخيرة التي تفتقر جديا لخزان من الأصوات يسمح لها بالحصول على تأييد فئات من أنصار ميلانشون.
وحجة لوبان في ذلك أن العديد من التدابير الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها الرغبة في إعادة التفاوض حول المعاهدات الأوروبية والخروج من العملة الموحدة واتخاذ تدابير حمائية للمنتجات الفرنسية والعداء بشكل عام للاتحاد الأوروبي وللعولمة. لكن مراقبين سياسيين يستبعدون أن يتحمل ميلانشون، الذي لم يوفر مناسبة للتنديد بلوبان وبأفكارها وآيديولوجيتها خصوصا إزاء الضعفاء والمهاجرين والإسلام، مسؤولية مساعدتها على الوصول إلى قصر الإليزيه.
يعي أنصار ماكرون أن لوبان ليست خصما هينا والدليل على ذلك أن الجبهة الوطنية التي ورثتها عن والدها استقطبت 7 ملايين ناخب، وهي نسبة عالية جدا وتمثل مليون ناخب إضافي قياسا لما حصلت عليه في الانتخابات الماضية. ويعي أنصار ماكرون أن الجناح المتشدد في حزب الجمهوريين لن ينساق لتوجيهات قيادة الحزب، وأنه سيميل لصالح زعيمة الجبهة الوطنية التي استأنفت منذ الأمس حملتها في زيارات لعدد من مدن الشمال الفرنسي الذي حلت فيه في المرتبة الأولى لجهة الأصوات التي حصلت عليها. كذلك، شهدت باريس مساء أمس في ساحة «لاريبوبليك» تجمعا شعبيا داعما لها، فيما هي تستمر في تقديم نفسها على أنها «مرشحة الشعب» مقابل مرشح العولمة وأوروبا وعالم المال والأعمال.
ويتوقع المراقبون حملة انتخابية عنيفة. وتمثل المبارزة التلفزيونية التي ستجرى يوم 3 مايو (أيار)، أي قبل أربعة أيام من جولة الإعادة، إحدى المحطات الفاصلة في السباق نحو الإليزيه. وتريد لوبان أن تتفوق على والدها الذي تأهل هو الآخر في العام 2002 للدورة الثانية، لكنه خسر السباق بوجه الرئيس جاك شيراك. والأسوأ من ذلك بالنسبة لليمين المتطرف، أنه حصل على أقل من عشرين في المائة من الأصوات بفضل أصوات اليسار التي انصبت لصالحه.
هذه الاعتبارات دفعت بالوزير السابق ورئيس حزب الديمقراطيين الوسطي، فرنسوا بايرو، وهو حليف رسمي لماكرون منذ ما قبل الجولة الأولى إلى التحذير من الاحتفال بالانتصار قبل أن يحصل. وقال بايرو منبهاً، إن الانتخابات «لا تكسب أبدا سلفا»، وخوفه أن تدفع استطلاعات الرأي أنصار ماكرون إلى التراخي باعتبار أن المعركة أصبحت محسومة وفق ما تفيد به استطلاعات الرأي، التي تعطي ماكرون ما بين 60 و64 في المائة من الأصوات.
ويبدو أن صورة الموقف السياسي في فرنسا ستشمل تغييرات جذرية، وإعادة تموضع، والبدء بالتفكير بالانتخابات النيابية التي ستحصل في شهر يونيو (حزيران) المقبل. ويراهن اليمين أن ماكرون لن يكون قادرا على توفير أغلبية برلمانية، وأنه إذا حافظ على وحدته فإنه سيكون قادرا على الفوز بها وبالتالي استعادة السلطة التي لم ينجح فيون في الإمساك بها بسبب فضائحه. ومنذ الآن، يطرح حزب الجمهوريين اسم عضو مجلس الشيوخ والوزير السابق فرنسوا باروان، ليكون رئيسا لحكومة التعايش بين رئيس جمهورية وسطي ورئيس حكومة يميني، مما سيدخل فرنسا، إذا ما تحقق هذا السيناريو، في دوامة من عدم الاستقرار السياسي.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».