«فتنة» بين أفغانستان وباكستان بسبب «خط ديوراند»

رسمه الحكم البريطاني عام 1893... وفجّر أزمة عام 2017

«فتنة» بين أفغانستان وباكستان بسبب «خط ديوراند»
TT

«فتنة» بين أفغانستان وباكستان بسبب «خط ديوراند»

«فتنة» بين أفغانستان وباكستان بسبب «خط ديوراند»

تحدث عبد اللطيف بدرام، عضو في البرلمان الأفغاني المنتمي لعرقية الطاجيك من ولاية بدخشان التي تقع في أقصى شمال شرقي أفغانستان، تحدث قبل أيام في مؤتمر صحافي عن أوضاع البلاد من الناحيتين السياسية والأمنية. وعرّج بدرام في سياق شرحه على ما سماه «ملف تدخلات باكستان» في شؤون بلاده، عازيا ذلك إلى وجود خلاف حدودي بين البلدين، ومتهما إسلام آباد بأنها تتدخل في الشأن الداخلي لأفغانستان بحجة أن كابل لم تعترف بالحدود الرسمية بين البلدين. وأشار البرلماني الأفغاني إلى أنه يعتبر «خط ديوراند» المثير للجدل خطا رسميا معترفا به بين أفغانستان وباكستان. وحث الحكومة في العاصمة الأفغانية كابل على إعلان ذلك خطا رسميا يفصل البلدين.
هذا التصريح كان كافيا لإشعال فتيل أزمة جديدة تتحول إلى كرة نار يتقاذفها أبناء عرقيتي الباشتون والطاجيك فيما بينهما عبر قنوات تلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي التي باتت تتوفر لغالبية الأفغان. كذلك شن عدد من أعضاء البرلمان من عرقية الباشتون في جلسة علنية غاب عنها عبد اللطيف بدرام، هجوما لاذعا عليه، واتهموه بأنه «جاسوس» تلقى الأموال من باكستان. بل وطالبوا رئيس البرلمان الأفغاني بالسماح لهم بـ«رجمه» بالحجارة «ليكون عبرة لمن يتخلى عن أراضي البلد في الجانب الباكستاني من الحدود». كما طالب آخرون من الساسة الباشتون بمنازلة بدرام وخوض حوار التحدي معه في أي قناة تلفزيونية يختارها… فما هي قصة «خط ديوراند»؟
من الطبيعي أن يختلف الأفغان على كل شيء تقريبا. ومن الطبيعي أيضا أن يتقاتلوا على موضوع قد لا يكون له أهمية كبيرة لا من الناحية التاريخية ولا من الناحية العملية... لكن ما هو ليس طبيعيا أن يتعمق الخلاف ليصل إلى درجة التخوين والتهديد بالقتل «رجما» على ألسنة نواب في البرلمان. وهم الساسة الذين يعوّل عليهم في إصدار قوانين ترسم ملامح مستقبلية للبلاد ولشعبها الذي عانى ولا يزال من تبعات الحروب الأهلية.
لقد تزايدت التوترات الفئوية والطائفية خلال العقود الثلاثة الماضية.
الغزو الأميركي لأفغانستان وتدفق ملايين الدولارات بحجة إعادة إعمار البلد وبناء مجتمع خال من العنف والتطرف عمّقا الخلافات الفئوية، وأعطيا نتائج عكسية. وهذا ما يظهر جليا خلال مناقشات سياسية وحوارات، يشارك فيها نخبة من الساسة من العرقيات المختلفة، حول ملفات قد تكون مهمة بالنسبة للمجتمع الأفغاني أو لا تكون أصلا في صلب اهتماماته. وهكذا غدا مألوفا أن يخالف النائب من الباشتون زميله من الطاجيك حتى لو كان رأيه صوابا والعكس صحيح.

لمحة تاريخية
عام 1893م، كانت بريطانيا تحكم شبه القارة الهندية، ويومذاك لم يكن هناك وجود لدولة باكستان الحالية، وقّع الأمير عبد الرحمن خان، حاكم أفغانستان، اتفاقية مع السير هنري مورتمور دیورند، الحاكم البريطاني على شبه القارة الهندية حددت فيها الخطوط الفاصلة بين ما بات اليوم أفغانستان وباكستان.
وفي وقت لاحق أطلق على ذلك الخط اسم «خط ديوراند»، الذي حدد واقعيا - وفيما بعد رسميا - الحدود بين أفغانستان وأراضي الاستعمار البريطاني في شبه القارة الهندية، وكانت بريطانيا تدفع مقابل ذلك للجانب الأفغاني مليون وثمانمائة ألف روبية هندية سنويا كميزانية للدولة. وقيل أيضا إن هذه الاتفاقية التي كانت سارية المفعول في حياة الأمير عبد الرحمن خان، استمر مفعولها بعد وفاته عندما تولى نجله الأمير حبيب الله خان. ولقد طمأن الأخير البريطانيين بأنه سيحترم اتفاقيات أبرمت مع والده بخصوص ترسيم الحدود. وجدد التوقيع على الاتفاقية المذكورة، التي لم يرد فيها ذكر أنها صالحة فقط لمدة مائة سنة وستنتهي بعدها صلاحياتها.
«خط ديوراند» هذا قسّم القبائل الباشتونية القاطنة عبره في أفغانستان وباكستان إلى شطرين. إذ بقي نحو أربعين مليون باشتوني داخل الحدود الباكستانية – حيث يُعرفون بـ«الباتان» – مقابل أقل منهم بكثير في الجانب الأفغاني... إلا أن هؤلاء يرفضون الاعتراف بالحدود الرسمية ويطالبون بضم القبائل الباشتونية عبر الخط إليهم.
وفي عام 1919م، عندما نالت أفغانستان استقلالها التام من المستعمر البريطاني، اعترفت بجميع الاتفاقيات الموقعة بين الأمير عبد الرحمن خان والبريطانيين، بما فيها «خط ديوراند»، وتنصّ المادة رقم 5 من اتفاق السلام الموقع بين كابل والحكم البريطاني في مدينة روالبندي (الباكستانية) صراحة على أن أفغانستان تعترف بالحدود الرسمية التي اعترف بها الأمير عبد الرحمن خان عام 1893م.
بعد ذلك، عندما أسست دولة جديدة باسم باكستان عام 1947 – في أعقاب تقسيم شبه الدولة الهندية بين دولتي الهند وباكستان – رفضت أفغانستان الاعتراف بالدولة الجديدة بحجة أن الحدود غير مرسومة بينهما وطالبت بأراضيها التي تصل حتى عمق مدينة بيشاور الباكستانية حاليا. ومنذ ذاك الحين توترت العلاقات بين كابل وإسلام آباد واستمرت الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، إذ اتهم كل منهما الآخر بالتدخل في شؤونه وتغذية العنف والتطرف في أراضيه. وكان الخاسر الوحيد في هذا الوضع العدائي أبناء شعب الباشتون الساكنون على جانبي «خط ديوراند»، الذين حرموا من التعليم والحياة الكريمة طوال التاريخ. وحاليا، تعتزم باكستان إنشاء بوابات رسمية وبناء سياج حديدي على طول حدودها مع أفغانستان لمنع تسلل مسلحي «طالبان – باكستان» الذين يشنون هجمات في العمق الباكستاني. وتدعي إسلام آباد أنهم يتخذون من أفغانستان مقرا لهم بينما تنفي كابل هذه التهم من أساسها وترد باتهام إسلام آباد بإيواء وتدريب مقاتلي طالبان الأفغانية.

رفض السياج الحديدي
كابل ترفض بالمطلق فكرة السياج الحديدي، وترى أنه غير مُجد في القضاء على التطرف، بل يجب محاربة ملاذات الجماعات الإرهابية الموجودة في العمق الباكستاني. أيضا، يعتبر كثيرون من الساسة الأفغان أن الأزمة بين كابل وإسلام آباد يجب أن تحل عبر الحوار البناء، وأن على كابل مصارحة إسلام آباد والاعتراف بـ«خط ديوراند» كخط رسمي يفصل البلدين كحدود دولية بينهما. غير أن قادة الباشتون من الجانب الأفغاني يرفضون ذلك، ويقولون إن الشعب في البلدين - المراد هنا شعب الباشتون على طرفي الحدود - هو من يجب أن يتخذ القرار المصيري وليس الحكومات.
في المقابل، فإن غالبية قادة عرقية الطاجيك وساستها، وكذلك باقي العرقيات من غير الباشتون، يعتبرون «خط ديوراند» حدودا دولية بين بلادهم وباكستان، ويرغبون في إنهاء هذه المعضلة التي طال أمدها. وهم يرون أن أي ادعاء آخر مجرد استهلاك داخلي لا غير، وذلك أن الحجة القائلة بأن الخط قسم الباشتون ليست دليلا مقنعا. ويعطون على ذلك حجة مقابلة هي أن الطاجيك أيضا مقسمون بين أفغانستان وجمهورية طاجيكستان المتاخمة لها، والشيء نفسه ينطبق على الأوزبك والتركمان المقسمين بين أفغانستان وجمهوريتي أوزبكستان وتركمانستان.
في هذا المناخ المضطرب، تذر الخلافات الفئوية بقرنها، وتبدو في تصاعد مستمر ينذر بحرب أهلية جديدة ما لم يتم تداركها من قبل ساسة عقلاء من الطرفين الباكستاني والأفغاني. وإذا ما تفاقم الموضوع فإنه قد يتحول إلى نقطة اللاعودة... وعندها يغدو تقسيم أفغانستان إلى دويلات صغيرة يصبح خطرا حقيقيا.

موقف حامد كرزاي
خلال مؤتمر علمي عقد في كابل وتحدث فيه الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي (وهو باشتوني) حول الاعتراف بـ«خط ديوراند» كحدود رسمية بين أفغانستان وباكستان، قال كرزاي إن الأفغان لن يعترفوا بهذه الحدود التي تفصل بين قبيلة واحدة في دولتين.
وأشار الرئيس الأسبق إلى أن «جميع الساسة بمن فيهم قادة الطاجيك والأوزبك والهزارة متفقون على أن هذه الحدود غير رسمية، ولا يجوز الاعتراف بها لأن حدود أفغانستان تصل إلى منطقة بول ختك، وهي آخر نقطة في مقاطعة بيشاور الباكستانية. ومن ثم تبدأ حدود إقليم البنجاب الباكستاني». وتدعي كابل تاريخيا أن هذه المناطق تعود إليها، ولكن بسبب تفاهم سياسي بين حكام أفغانستان في زمن الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية جرى تقسيم مناطق الباشتون - أو الباتان - إلى جزأين جزء يخضع لنفوذ باكستان والجزء الآخر ضمن الحدود الأفغانية الحالية.
غير أن باكستان، الطرف الآخر من المعادلة والأزمة، تقول إنها تعتبر مسألة الحدود محلولة ومحسومة بينها وبين أفغانستان، وأنه «لا توجد معضلة تستدعي البحث والنقاش» مع الجانب الأفغاني. كذلك فهي ترفض أي تدخل دولي بهذا الخصوص. وكما يبدو فإن كفة باكستان هي الراجحة في هذه المسألة نظرا لضعف الموقف الأفغاني في الوقت الراهن، فضلا عن أن المجتمع الدولي وجميع المؤسسات الدولية تعترف بـ«خط ديوراند» خط حدود رسمية بين أفغانستان وباكستان، كما أشارت إلى ذلك وزيرة الخارجية الأميركية في العام الماضي. فعندما نشبت أزمة الحدود الأخيرة بين كابل وإسلام آباد عبر إطلاق قذائف صاروخية بين حراس الحدود، قالت الخارجية الأميركية في عهد باراك أوباما إن الولايات المتحدة تعترف بالحدود الحالية كخط فاصل بين أفغانستان وجارتها باكستان.
ولكن ماذا عن بريطانيا الطرف الثالث في الاتفاق السياسي عام 1893م، والتي تحتفظ بنص التوافق السياسي في متحف تاريخي في لندن؟
على الرغم من أن بريطانيا لم تصدر أي تصريح رسمي بهذا الشأن، فإن المؤشرات تشير إلى أنها ترى مسألة الحدود بين أفغانستان وباكستان منتهية بالنسبة لها، وأن الحدود الحالية حدود رسمية معترف بها من قبل الجميع. ويصر الساسة البريطانيون على أن هذه الاتفاقية لم تقيد بمدة زمنية وأنها وقعت بين الطرفين برضاهما دون أي ضغوط عسكرية أو سياسية كما تدعي كابل.

الباشتون... باشتونان
على صعيد آخر، لدى إجراء مقارنة بين أوضاع قبائل الباشتون القاطنة في أفغانستان ونظيراتها القاطنة في الجانب الباكستاني، يجد المتابع والدارس فارقا شاسعا بينهما من كل النواحي. فالباشتون في الجانب الأفغاني، رغم أنهم يحكمون أفغانستان منذ آلاف السنين، لم يتمكنوا من توفير أبسط الخدمات الأساسية للباشتون في بلادهم ولذا ترى قبائلهم متخلفة من الناحيتين التعليمية والاقتصادية، كما أن مناطقهم تعتبر أكثر المناطق حرمانا مقارنة بالعرقيات الأفغانية الأخرى التي تعيش في البلاد. ولهذا السبب تحولت القبائل الباشتونية إلى ملاذ آمن وحاضنة شعبية لجميع الحركات الراديكالية والجماعات المتشددة والإرهابية. وكمثال فإن حركة طالبان خرجت من قبائل الباشتون ويشكل الباشتون غالبية مقاتليها، وهي التي احتضنت زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وباقي عناصر التنظيم في مناطقها قبيل وبعد الغزو الأميركي لأفغانستان. ومفهوم أن الجماعات المتطرفة تجد في المناطق الفقيرة والمتخلفة تعليميا بيئة حاضنة ومساعدة تستطيع التمدد فيها والتعايش بسبب تلاقي الأفكار المتطرفة. ومن يدقق في الصور التي تخرج من قبائل الباشتون الأفغاني يجد أنهم لم يتغيروا على مر العصور، وتظهر أشكالهم الخارجية كأنهم يعيشون في العصور الحجرية إلا قلة قليلة منهم.
أما في باكستان، خاصة في المناطق التي تنتشر فيها قبائل الباشتون أو الباتان، مثل إقليم بيشاور ومقاطعة خيبر، بالإضافة إلى مدينة كويتا – كبرى مدن إقليم بلوشستان – التي تحولت أخيرا إلى مقر لجماعتي طالبان الأفغانية والباكستانية، فيختلف الباشتون هناك من حيث مستوى المعيشة ومستوى التعليم. هنا ترتفع عند باشتون باكستان نسبة التعليم أعلى بكثير من نظرائهم الأفغان، كما أنهم يعيشون حياة أكثر ترفا وازدهارا من باشتون أفغانستان، ومع أنهم أقلية عرقية في باكستان فلدى باشتون باكستان تمثيل كبير في الحكومة وقد وصلت أكثر من شخصية سياسية باشتونية إلى مناصب رفيعة وحساسة في الحكومات الباكستانية المتلاحقة، بل إن منهم من تقلد منصب رئيس الجمهورية مثل غلام إسحاق خان والجنرال محمد أيوب خان والجنرال يحيى خان... والأخيران توليا أيضا منصب قائد الجيش الباكستاني، وهو منصب جد رفيع في البلاد. كذلك كان في رؤساء جهاز الاستخبارات الباكستاني شخصيات باشتونية أمثال الجنرال حميد غول والجنرال أسد دراني وغيرهما. ومن ثم، فمن الناحية السياسية نرى باشتون باكستان أكثر تمثيلا ودراية بالسياسة وفن الحكم من نظرائهم الأفغان، كما أنهم يعيشون حياة أفضل بكثير من كل النواحي الاقتصادية والأمنية. وتشهد مناطق باشتون باكستان ازدهارا وتطورا كبيرين بالمقارنة مع مناطق الباشتون في أفغانستان حيث تنتشر تجارة المخدرات وزراعة الحشيش والخشخاش (مصدر مادة الأفيون وهي تصدر كما هائلا إلى العالم من هذه المادة القاتلة)... ثم إن معظم الانتحاريين هم من مناطق الباشتون الأفغان والقليل القليل منهم من باشتون باكستان.

النضج السياسي
إضافة إلى ما سبق، نجد أن العملية السياسية عند باشتون باكستان أكثر نضجا، وهناك أحزاب سياسية تخوض الانتخابات وتتمتع بشعبية واسعة بينهم وبين غيرهم من العرقيات الساكنة في باكستان، ويحصلون على عدد كبير من الكراسي في البرلمانات المحلية والمركز.
وصحيح أن الأحزاب الباشتونية في باكستان تناضل من أجل الحصول على كامل حقوقهم وتوفير حياة كريمة لبني جلدتهم، وصحيح أيضا أن معظم هذه الأحزاب أنشئت لتحقيق أهداف قومية، إلا أنها لم تقل في يوم من الأيام في نضالها السياسي إنها تسعى إلى الانفصال عن باكستان والانضمام إلى «أفغانستان الكبرى»، بل العكس تماما هو الصحيح. إذ إن غالبية الأحزاب الباشتونية في باكستان - وأبرز قادتها من أمثال محمود خان اتشكزاي وعبد الولي خان واسفنديار - كلها تطالب بحقوق الباشتون ولكن ضمن دائرة الدستور الباكستاني ورفض الانفصال عن الدولة.
وحقا، هذه هي الورقة الرابحة بالنسبة لباكستان، فحتى لو نظم استفتاء شعبي في الجانب الباكستاني ستصوت غالبية الباشتون بلا شك لصالح البقاء ضمن كيان باكستان، رافضة الانضمام لأفغانستان التي تمزقها الحروب المستمرة منذ أكثر من أربعين سنة ولا تزال تدفع أثمانها الباهظة.
وعن هذا الجانب يقول أحمد سعيدي، الكاتب والمحلل السياسي والدبلوماسي الأفغاني السابق في إسلام آباد، إن «الدعوة إلى إلحاق الباشتون في باكستان بأفغانستان دعوة فارغة وغير قابلة للتحقيق»، مشيرا إلى أن «ساسة أفغانستان يعرفون ذلك جيدا، وهم يبحثون عن أمر مستحيل». ثم أردف: «الأصوات التي تطالب بحق أفغانستان في أراضي باكستان أصوات مغرضة كل كلامها للاستهلاك المحلي، لأنه لا يمكن عودة عقارب الساعة إلى الوراء» على حد تعبيره.
ويشارك محللون كثيرون سعيدي تحليله هذا. ويدعو هؤلاء إلى تركيز الجهود في محاربة الإرهاب والتطرف ونشر ثقافة التسامح وتوفير حياة كريمة للشعب الأفغاني بغض النظر عن انتمائه الطائفي والمذهبي ليكون نموذجا في المنطقة بدل الدخول في نقاشات جانبية لا طائل من ورائها. ويرون أن أولويات أفغانستان يجب أن تكون محاربة التطرف والأفكار المتطرفة التي تجد حاضنة شعبية في مناطق فقيرة من البلاد وذلك عبر نشر التعليم ومحاربة ثقافة العنف والقضاء على المخدرات... لا خوض صراع سياسي سيلحق الضرر بالداخل الأفغاني المقسم أصلا والعيش في استقرار وسلام مع الجيران.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».