الصين تطرح مبادرة «الوقفين» وفكرة «المسارين المتوازيين» للأزمة الكورية

ترفض برنامج بيونغيانغ النووي ونزاعاتها المستمرة مع واشنطن

نائب الرئيس الأميركي مايك بنس (وسط) يلقي خطابه أمس من على متن حاملة الطائرات رونالد ريغان في جنوب طوكيو (إ.ب.أ)
نائب الرئيس الأميركي مايك بنس (وسط) يلقي خطابه أمس من على متن حاملة الطائرات رونالد ريغان في جنوب طوكيو (إ.ب.أ)
TT

الصين تطرح مبادرة «الوقفين» وفكرة «المسارين المتوازيين» للأزمة الكورية

نائب الرئيس الأميركي مايك بنس (وسط) يلقي خطابه أمس من على متن حاملة الطائرات رونالد ريغان في جنوب طوكيو (إ.ب.أ)
نائب الرئيس الأميركي مايك بنس (وسط) يلقي خطابه أمس من على متن حاملة الطائرات رونالد ريغان في جنوب طوكيو (إ.ب.أ)

الصين باعتبارها جارا قريبا لشبه الجزيرة الكورية، لديها دوافع أكثر من أي دولة أخرى تدفعها إلى الاهتمام بالوضع فيه والقيام بدور بناء لصيانة السلم والاستقرار فيه. ولهذا فقد طرحت الصين مع اندلاع حالة التوتر مبادرة «الوقفين» وفكرة «المسارين المتوازيين» المترابطتين والمتكاملتين. إذ تهدف مبادرة «الوقفين» إلى تخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية وإيجاد نقطة الاختراق لاستئناف الحوار والتشاور، بينما ترمي فكرة «المسارين المتوازيين» إلى الدفع بعملية إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية وإقامة آلية السلام فيه بشكل متوازن على أساس المبادرة، بما يحقق دوام الأمن والأمان لشبه الجزيرة الكورية والمنطقة.
وقد حذر وزير الخارجية الصيني وانغ يي قبل أيام من أن أحدا لن يخرج فائزا إذا نشبت حرب في شبه الجزيرة الكورية، ناصحا بعدم القيام بأي شيء قد يؤدي إلى تصعيد الموقف. وقال وانغ في لقاء مع الصحافة عقب محادثات أجراها مع وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك إيرول «إن هناك توترا شديدا بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، من جهة، وكوريا الشمالية، من جهة أخرى»، مضيفا أن الوضع المحفوف بالمخاطر يسترعي اهتمامنا وقلقنا: «وبالنسبة لقضية شبه الجزيرة الكورية، فإن الذي يستخدم كلمات حادة أو يستعرض قوته لا يعني أنه سيفوز بالضرورة».
وكان قد أدلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تصريحات لصحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية قبل بضعة أيام من الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ للولايات المتحدة، قائلا: إن الولايات المتحدة ستقوم بحل قضية كوريا الشمالية من دون مساعدة الصين، وإن بكين ستقرر ما إذا كانت ستشارك في حل المشكلة مع كوريا الشمالية: «وإذا لم تقم بذلك فلن يكون ذلك جيدا لأحد»، وكتب ترمب على «تويتر»: «لقاء الأسبوع المقبل مع الصين سيكون صعبا جدا». وأججت هذه التصريحات التوقعات بأن «لقاء صعبا جدا» سيجمع ترمب مع نظيره الصيني، وتنبأ الخبراء بلقاء متوتر بسبب موقف بكين إزاء كوريا الشمالية. لكن العاصفة التي انتظرها المراقبون لم تهب وكانت القمة التي جمعت بين الرئيسين كافية لدرء الصدع بين البلدين. وقالت الصين إن اللقاء يمثل نقطة بداية جديدة لأهم علاقة ثنائية في العالم والتي لن تعود بالنفع على البلدين فحسب، بل على العالم كله. وبحسب الرئيس الصيني فإن ثمة «ألف سبب يجعل العلاقة الصينية الأميركية مفيدة ولا سبب لتخريبها». وقال ترمب «لقد حققنا تقدماً هائلا في علاقتنا مع الصين، أعتقد أن كثيراً من المشكلات السيئة المحتملة ستحل».
الرئيس الأميركي طلب من شي جينبينغ الضغط على زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ - أون ليوقف البرنامج النووي. فبعد أسبوع من لقاء ترمب وشي جينبينغ في قمة بفلوريدا، ذكر التلفزيون الصيني أن الرئيس الصيني بحث الوضع في كوريا الديمقراطية مع نظيره الأميركي دونالد ترمب في اتصال هاتفي، وشدد الرئيس الصيني على ضرورة حل التوتر في شبه الجزيرة الكورية بالطرق السلمية. ومن جانبه، عبر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عن ثقته الكبرى في أن الصين ستتعامل بشكل جيد في قضية كوريا الشمالية.
الصين حليف رئيسي لكوريا الشمالية، لكنها ترفض برنامجها النووي، كما ترفض نزاعاتها المستمرة مع الولايات المتحدة الأميركية، ودعمت الصين العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على كوريا الشمالية. وفي أعقاب تجارب كوريا الشمالية المتكررة للصواريخ، حظرت الصين واردات الفحم الكوري الشمالي منذ 26 فبراير (شباط) الماضي، لتقطع بذلك أهم ما تصدره كوريا الشمالية للحصول على العملة الصعبة. وقررت شركة الطيران الوطنية الصينية نهاية الأسبوع الماضي، تعليق رحلاتها الجوية المتجهة بين بكين وبيونغ يانغ، وفقا لتلفزيون الصين المركزي «سي سي تي في». وتعد شركة «طيران الصين» هي الشركة الصينية الوحيدة التي تقوم برحلات جوية منتظمة بين البلدين. وقد أجرت كوريا الشمالية خمس تجارب نووية بينها اثنتان في العام 2016. والتجربة السادسة الفاشلة يوم 16 أبريل (نيسان) الجاري. وعلى إثره، تبادل عضو مجلس الدولة الصيني يانغ جيه تشي ووزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون وجهات النظر حول الوضع الجديد، حسبما ذكرته وكالة الأنباء الصينية.
يتزايد اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بمنطقة آسيا والمحيط الهادي بعد أن نأت عن التدخل في نزاعات هذه المنطقة لفترة طويلة، على أساس أن الصين تفتقر إلى القوة البحرية والجوية التي تمكنها من الوصول إلى أبعد من مياهها الساحلية. ولكن تطور القدرات العسكرية الصينية جعل واشنطن تعتبر بكين تهديدا لها. وأعلنت الإدارة الأميركية في عام 2009. استراتيجية أطلقت عليها «إعادة التوازن إلى منطقة آسيا - المحيط الهادي»، والتي تعني نقل ثقل الاستراتيجية الأميركية من أوروبا والشرق الأوسط إلى منطقة جنوب شرقي آسيا.
وبعد انتخاب ترمب رئيسا لأميركا تنفست الصين الصعداء باعتبار أن الأخير غير مهتم بالعودة إلى آسيا مثل سابقه أوباما، ورغم أن ترمب لم يذكر استراتيجية «إعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادي» مباشرة، فإن يوان تشنغ مدير معهد دراسات الشؤون الأميركية الخارجية التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية يعتقد أن توجهات ترمب نحو الحرب بالقرب من شبه الجزيرة الكورية تشير إلى أن آسيا لا تزال المنطقة الأكثر اهتماما من قبل الحكومة الأميركية الجديدة، مضيفا في تعليق لصحيفة «الشعب» اليومية: «إن ترمب لم يذكر استراتيجية إعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادي» مباشرة لينأى بنفسه عن إدارة أوباما، ولكن الولايات المتحدة لم تتوقف من تعزيز انتشارها العسكري والتحالفات والموارد في آسيا والمحيط الهادي منذ إطلاق الاستراتيجية في عام 2009. وبالنسبة للولايات المتحدة، سواء من ناحية مستوى المصالح الاقتصادية أو الناحية الجيوسياسية، فإن آسيا والمحيط الهادي هي المنطقة الأكثر أهمية، والتركيز الدبلوماسي للحكومة الجديدة لا يزال قائما. وتعتبر كوريا الشمالية الخصم الأكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة في آسيا في الوقت الحاضر. ويبدو أن اهتمام ترمب بشبه الجزيرة الكورية، يعكس عزمه لإصدار نسخة جديدة خاصة لاستراتيجية «إعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادي»، بغرض السيطرة على شمال شرقي آسيا، والدفاع عن مصالحها الاقتصادية والهيمنة العالمية.
وفي المقابل، فإن طموح الصين إلى تعزيز دورها الإقليمي والدولي بما يتناسب وتعاظم قدراتها ولا سيّما الاقتصادية، جعلها تتعامل بجدّية مع التطورات التي أفرزها عالم ما بعد الحرب الباردة وبروز نزعة الهيمنة الأميركية، ولا سيّما بعدما خيّم التوتر على علاقاتها مع واشنطن إثر حوادث ميدان «تيان آن مين» الشهيرة عام 1989.
كما تحاول الصين تطويق الاستراتيجية الأميركية والسيطرة على مناطق المصالح الصينية والممرات المائية الحيوية في المنطقة، وتواصل تحركاتها المضادة للاستراتيجية الأميركية التي ترى فيها تهديداً لمصالحها. ودفعت الصين إلى المضي في تنفيذ استراتيجيتها «الحزام والطريق» التي باتت تشكل المحرك الأساسي للسياسة الصينية داخلياً وخارجياً منذ أن أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ عام 2013. وتتضمن المبادرة نحو ألف مشروع ستنفذ تدريجياً، منها ربط الدول الأوروآسيوية التي يمر فيها الطريق بشبكة من الطرق البرية والحديدية وخطوط الطيران فضلاً عن الأنابيب وشبكات الإنترنت. ولا يمكن للصين أن توافق على أي معوقات تقف أمام نجاح استراتيجية «الحزام والطريق».
فكيف يمكن للصين التعامل مع قضية نووية في شبه الجزيرة الكورية؟ يؤكد القادة الصينيون الصعود السلمي للصين، ويكررون الدعوة إلى «عالم متناغم»، فضلاً عن إعلانهم التمسك بالمبادئ المتعلقة باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، كأحد ثوابت السياسة الخارجية الصينية. كما يؤكد هؤلاء أن الصين لن تهاجم ما لم تهاجم، ولن تشن أي هجوم مضاد إذا لم تعرضت لهجوم. لكن، الصين عبر التاريخ شنت بعض الحروب الوجيزة دون تعرضها لهجوم. أولا، الحرب الصينية الهندية الوجيزة في عام 1962. وهو أول اشتباك عنيف بين الطرفين وقع عندما هاجمت الصين في عهد ماو تسي تونغ الحدود الشمالية للهند المسماة بخط ماكماهون، بهدف تلقين الهند درسا بسبب دعمها للدالاي لاما والمقاومة التبتية. وقد استمرت الحرب بين الجانبين أربعين يوما، وانتهت بانتصار الصين، التي أعلنت في العشرين من الشهر التالي عن وقف إطلاق النار من جانب واحد. ثانيا، في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) 1979 زار دينغ شياو بينغ أميركا لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الرئيس كارتر والتأكد من أن أميركا لن تقف مع الاتحاد السوفياتي حين تهاجم الصين فيتنام و«تعاقبها». لهذا السبب كان حريصا على زيارة الولايات المتحدة.
في السادس عشر من فبراير (شباط) 1979 هاجمت القوات الصينية فيتنام عبر الحدود الشمالية المشتركة. وأعلنت الصين أن أهداف العملية العسكرية محدودة، ووقف العدوان الفيتنامي المسلح على كمبوديا وانتهى احتلال فيتنام لها. ورغم خسائر الجيش الصيني فإنهم أظهروا للفيتناميين أنهم قادرون على اختراق عمق الأراضي الفيتنامية وتدمير البلدان والقرى في طرقهم، ثم الانسحاب.



نودّع الحرب... ونستعدّ للحرب القادمة

جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)
جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)
TT

نودّع الحرب... ونستعدّ للحرب القادمة

جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)
جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)

كيف تتصرّف الأمم الصغيرة عند التحوّلات الكبرى؟ ما معنى العقلانية والواقعية السياسيّة في ظل الزلازل الجيوسياسيّة؟ هل مفروض على هذه الأمم أن تكون في وضع الخاسر - خاسر دائماً، وجُلّ ما يمكن لها القيام به هو السعي لتقليل الخسائر قدر الإمكان؟ لم يذكر التاريخ إمبراطوريّة واحدة قامت وتشكّلت من أمّة واحدة صرفة.

فقد وُعدت الأمم المتعدّدة ضمن الإمبراطوريات بالأمن والسلام والازدهار، وذلك مقابل الانصياع والانضمام إلى حدود القوّة. فالتمرّد على السلطة المركزيّة سيكون حسابه عسيراً وصولاً إلى حدّ الإبادة والإلغاء.

كان مركز السلطة في الإمبراطوريّة يُشكّل محور الكون. ومن هذا المحور - المركز، يتسلّل الضوء والقوّة معاً إلى الأطراف لفرض نوع مُعيّن من النماذج السياسيّة، كما فرض الإرث الثقافي والحضاريّ. وعندما يضعف المركز، تتفلّت الأطراف ويسقط المحور الكونيّ في مكان، لينبثق من مكان آخر. فالإمبراطوريات مثل طائر الفينيق. تنبعث الإمبراطورية الجديدة من رماد الإمبراطورية التي سبقتها، وعلى حسابها.

وعند التغيير، لزم على الأمم الصغيرة أن تعتمد خيارين ممكنين؛ الأولّ، أن تتمرّد على السلطة الجديدة فتدفع الأثمان، الثاني، أن تنضوي وتصطف، لتُبدّل الراية التي تنادي بـ«سقطت الإمبراطورية، عاشت الإمبراطوريّة».

يقول المفكّر الفرنسي جاك إتالي إن لقيام الإمبراطوريات مُحددات ومُتطلبّات معيّنة، أهمّها الحجم الجغرافيّ، الحجم السكانيّ، كما الثروة والقدرة على تمويل المشروع الكبير. لكن أهمّها هو الفكرة (The Idea) التي تقوم عليها هذه الإمبراطوريّة، والتي تقنع الأمم الأخرى بالانضمام إليه طوعاً. هناك الإمبراطوريات البحرية، كما البريّة - القاريّة. هناك إمبراطوريات نجحت طموحاتها، ومنها من فشل.

مؤشرات التحوّلات الجيوسياسيّة - عسكرياً!

شكّلت الحرب الأهليّة الإسبانيّة قبيل الحرب العالمية الثانية مسرحاً لتجربة واختبار الأسلحة الألمانيّة، وذلك إلى جانب اختبار التكتيكات؛ تدريب العسكر وتراكم للخبرات العسكريّة.

شكّلت الحرب الروسية على أوكرانيا مسرح اختبار لأسلحة القرن الواحد والعشرين. فهي، أي الحرب، حتى ولو شهدت أشكالاً من الحرب العالمية الأولى، كما الثانية، لكنها تدور في عصر الذكاء الاصطناعي، والعوالم الافتراضيّة. في هذه الحرب دخلت المسيّرات بشكل لم يحدث من قبل، الأمر الذي فاجأ القادة العسكرييّن، وغيّر معادلات الحماية في الحرب، كما ظهّر الفجوات الكبيرة في أغلب الاستراتيجيات العسكريّة (Military Doctrine). لم يقتصر تأثير المسيرات على القتال البريّ، لا بل تجاوزها إلى أبعاد الحرب الأخرى، من جو، بحر، برّ وحتى السيبرانيّ.

شكّلت الحرب على غزّة أهم تجربة لحرب المدن، كما لحرب العصابات. في هذه الحرب، خيضت الحرب في الأنفاق أيضاً، التي شكّلت العمق الجغرافي العمودي لحركة «حماس»، الأمر الذي عقّد العمليات العسكرية التقليدية للجيش الإسرائيليّ. ومن تجارب هذه الحرب، سوف تؤخذ الكثير من الدروس، خصوصاً وأن أغلب مسارح حروب المستقبل، وحسب بعض الدراسات العسكريّة، سوف تكون في المدن، وذلك بسبب النمط المتسارع لعملية التحضّر (Urbanization). في الحرب على غزّة، استخدم الجيش الإسرائيليّ الذكاء الاصطناعي في برنامجين هما «Gospel» لاقتراح الأهداف المتعلّقة بالأبنية والبنى التحتية لحركة «حماس»، وبرنامج «الخزامى» (Lavender) لاقتراح الأهداف البشريّة. سرّعت هذه البرامج عملية القتل، الأمر الذي يفسّر عدد القتلى في القطاع.

دبابة إسرائيلية بالقرب من الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة (رويترز)

شكّلت الحرب على لبنان تجربة مختلفة في الكثير من الأبعاد عن الحرب في غزّة. فهي انتقلت من الحرب الدفاعية (Positional) للجيش الإسرائيليّ، التي ترافقت مع السعي لاستنزاف قوات «حزب الله» إلى الحرب الهجوميّة وفي كلّ الأبعاد. شكّلت القوة الجويّة الإسرائيليّة العمود الفقري لعنصر المناورة والحركيّة في الجوّ. في الوقت نفسه، كانت المناورة البريّة المحدودة على الخطّ الأزرق ضد قوات «حزب الله» تسعى إلى وضع هذه القوات بين ما يُسمّى بـ«السندان والمطرقة».

لعب الهجوم البريّ المحدود داخل الخط الأزرق دور السندان، حتى لو كان متحرّكاً. أما سلاح الجو الإسرائيليّ فقد لعب وبامتياز دور المطرقة.

دبابات مهجورة على طريق سريع في منكت الحطب بالقرب من درعا (أ.ف.ب)

في المقابل استمرّ «حزب الله» بما تبقّى له من وسائل في تنفيذ الاستراتيجيّة التي كانت قد وُضعت أصلاً من قبل قياداته لاستعمالها في حال حصول السيناريو السيّئ. فكانت الصواريخ النوعيّة، كما الصواريخ المتوسّطة وقصيرة المدى، كما ما تبقّى من المسيّرات، لكن دون الوصول إلى المُبتغى المرسوم في الخطط الأصليّة. لكنه، أي الحزب، قد أقلق حتماً الخطط الإسرائيلية، خصوصاً عبر المسيّرات.

ماذا عن حروب المستقبل؟

* إذا كانت طبيعة الحرب ثابتة على أنها تُخاض لأهداف سياسيّة، فإن خصائص الحرب متبدّلة في الأبعاد السياسية، الاقتصادية والاجتماعيّة.

* سوف تتميز حروب القرن الـ21 عن سابقاتها، بدخول الذكاء الاصطناعي إلى الآلة العسكرية (Autonomous)، خصوصاً في جمع المعلومات والتنفيذ. أما قرار القتل فهو حتى الآن بيد الإنسان.

* لم تعد التكنولوجيا حكراً على الدولة وتحت سيطرتها. لا بل دخل إلى اللعبة الجيوسياسيّة أشخاص مدنيون يملكون الشركات الحديثة، التي تُصنع وتنتج هذه التكنولوجيا. وإذا كان قد قيل إن «الداتا» هي نفط القرن الـ21، فإن أغلب مراكز تجميع «الداتا» في العالم هي في يد الشركات المدنيّة؛ أغلبها أميركيّة.

* وبسبب الانتشار التكنولوجي السريع، والاستعمال المزدوج لها (Dual use)، كما سهولة الحصول عليها، أصبحت الحرب بالنسبة للاعب من خارج إطار الدولة ممكنة بسبب التكلفة المتدنّية. فمن يقاتل من حالياً في منطقة الهلال الخصيب؟ «حزب الله» ضد إسرائيل. حركة «حماس» ضد إسرائيل. الحوثيون ضد إسرائيل. وأخيراً وليس آخراً «هيئة تحرير الشام» ضد النظام السوري السابق.