الكتب كأبيات الشعر من الصعب إعطاء الأولوية أو الأفضلية لأحدها على الآخر، ولكن بالطبع هناك بعضها له تأثير كبير في شخصية المبدع بصفة خاصة والإنسان بصفة عامة. ويمكن تصنيف الكتب التي أثرت في حياتي لثلاث مراحل: أولاها مرحلة التكوين، التي أدين فيها بالفضل لكتب السير الشعبية خاصة سيرة عنترة بن شداد والملك سيف بن ذي يزن، حين كان والدي مأذونا شرعيا في سوهاج بصعيد مصر ويقرأ تلك السير للناس في إطار الحكي والسرد. كان هذا يلفت انتباهي من حيث جماليات السرد من ناحية وجمال الشعر من ناحية أخرى، هذه السير ساهمت في إثراء مخيلتي. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة البحث عن الذات، وتمحورت حول كتب عن ثقافة مصر وحضارتها. أهم الكتب في تلك الفترة هو كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لطه حسين، وهو الكتاب الذي جعلني أضع كل ما عرفته عن العروبة وشعاراتها بين قوسين، جعلني هذا الكتاب أدرك أن الحضارة المصرية مرتبطة بحضارات كثيرة وممزوجة بحضارات البحر المتوسط، وشكل أفكاري عن العلم والفنون، وهو الذي دفعني لأن تكون رسالة الدكتوراه في الفلسفة عن تأثير الفلسفة المصرية في الفلسفة اليونانية، التي أصدرتها فيما بعد في كتاب «أصل الفلسفة». كتاب «أصل الحضارة» لسلامه موسى كان له أيضا تأثير كبير إلى جانب كتاب «شخصية مصر» لجمال حمدان، وخاصة الجملة التي قال فيها عن مصر: «فرعونية هي بالجد، ولكنها عربية بالأب. غير أن كلا من الأب والجد من أصل مشترك». وأنه لا تناقض بين الهويتين والحضارتين. أما في المرحلة الثالثة، مرحلة التكوين الشعري، فقد أبحرت خلالها عبر الكثير من دوائر التراث الشعري، وكان من أبرز الكتب التي قرأتها تلك التي تناولت المختارات الشعرية. لكن يمكن القول بأن ديوان «اللزوميات» لأبي العلاء المعري كان كتابا هاما في حياتي؛ فهو كان ديوانا متفردا لا مدح فيه ولا رثاء، وانتقد خلاله الفكر الديني السائد وتزمت رجال الدين. وأتذكر مثلا بيتا يقول فيه: «أﻳﻬﺎ اﻟﻐﺮ قد خصصت ﺑﻌﻘﻞ.. ﻓﺎﺳﺄﻟﻨـﻪ؛ ﻓﻜﻞ ﻋﻘﻞ ﻧﺒﻲ»، وظل تأثير هذا الديوان علي كبيرا وكتبت مؤلفا عنه بعنوان «أبو العلاء المعري.. نبي اللغة». أعتقد أن هذه الكتب كانت سباقة في الفكر التنويري ويجب تخصيص أجزاء منها لتدريسها لطلاب المراحل التعليمية كي ينهلوا منها. * شاعر مصري، عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة
أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحونhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D9%83%D8%AA%D8%A8/5097151-%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%82-2024-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D9%8B-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%AD%D9%88%D9%86
أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.
من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.
من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.
سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.
على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.
على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.
ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.
والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.