الإعلام التركي الموجه للعرب... اختراق أم محاولة لمد الجسور؟

توسع بعد «الربيع العربي» وسعى لتقديم بلاده «نموذجاً»

قناة «التركية» تعتمد على كوادر عربية
قناة «التركية» تعتمد على كوادر عربية
TT

الإعلام التركي الموجه للعرب... اختراق أم محاولة لمد الجسور؟

قناة «التركية» تعتمد على كوادر عربية
قناة «التركية» تعتمد على كوادر عربية

أثار اهتمام تركيا بتدشين وسائل إعلام باللغة العربية العديد من التساؤلات حول الهدف من وراء التوجه إلى شعوب المنطقة بلغتهم والتوسع في ذلك بشكل كبير تزامناً مع ثورات الربيع العربي وتبني الإعلام التركي لهذه الثورات ودعمها بشكل كبير. وتعددت التساؤلات حول السبب، فهل كان ذلك يشكل محاولة لاختراق المنطقة العربية أم أنه مد لجسور قديمة انقطعت لفترة طويلة وعادت حكومة العدالة والتنمية في تركيا لمحاولة إحيائها.
حتى العام 2010 لم يكن هناك اهتمام من جانب الحكومة التركية بإطلاق قنوات أو وسائط إعلامية باللغة العربية واقتصر الأمر على محاولات من جانب وكالات خاصة بهذا الأمر، في مقدمتها وكالة أنباء «جيهان» التي كانت تتبع شركة قريبة من حركة الخدمة التي يتزعمها فتح الله غولن وأطلقت نسختها العربية عام 1997 وأغلقت العام الماضي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) التي اتهمت السلطات غولن بالوقوف وراءها، ووكالة أنباء «إخلاص».
ولم تشكل المحاولتان سعيا إلى مخاطبة العالم العربي على نطاق واسع إذ كانت نشرتاهما العربيتان غير مفتوحتين وتقتصران فقط على المشتركين، وفي الغالب كان هؤلاء المشتركون هم السفارات العربية والمكاتب الإعلامية في تركيا.
* قرارات استراتيجية
عرفت تركيا أول محاولة حقيقية لمخاطبة العالم العربي من خلال افتتاح قناة «تي آر تي التركية» باللغة العربية في عام 2010 وأعلن في وقتها أن القناة تشكل جسرا للتواصل بين تركيا والعالم العربي وللمرة الأولى بدأت القناة تبث برامج ونشرات أخبار باللغة العربية من إسطنبول معتمدة على كادر عربي قوامه في الأساس من إعلاميين من عدد من الدول العربية من بينها مصر والعراق وسوريا وفلسطين وتونس بشكل أساسي تحت إشراف مسؤولين أتراك. وبحسب ما يقول تورجوت أوجي المسؤول بالقسم العربي في هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية «تي آر تي» فإن خطوة افتتاح قناة باللغة العربية جاءت في إطار التقارب الذي حدث بين تركيا والعالم العربي في عهد حزب العدالة والتنمية الحاكم إذ اتبع الحزب سياسات العودة إلى العمق الاستراتيجي لتركيا في الشرق الأوسط.
افتتحت القناة مكتبا لها في القاهرة واعتمدت مراسلين في عدد آخر من العواصم العربية مثل تونس وبغداد وبيروت إلى جانب أربيل وطهران وإسلام آباد.
وسبق افتتاح القناة تدشين هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية صفحات بلغات مختلفة منها العربية والإنجليزية والفارسية والأردية وغيرها من اللغات على الإنترنت في إطار سياسة جديدة اتبعتها الحكومة التركية للانتشار الإعلامي في البلاد التي ارتبطت معها بعلاقات قديمة.
* «نوستالجيا» عثمانية
وفي عام 2012 أطلقت وكالة أنباء «الأناضول» نشرتها باللغة العربية بعد فترة تحضير بدأت في عام 2011 عقب اندلاع الثورات، ومثلما فعلت قناة «تي آر تي» العربية التي اتخذت من القاهرة مقرا إقليميا لها فعلت أيضا وكالة أنباء «الأناضول».
وقال الباحث التركي المتخصص في الشأن الإعلامي أحمد بايدمير إن قناة «تي آر تي» التركية ومعها وكالة أنباء «الأناضول» وعدد آخر من المواقع الإلكترونية الصادرة من تركيا باللغة العربية اتخذت موقفا داعما للثورات العربية ولمجموعات بعينها مما جعلها تصطدم بالحكومات التي جاءت بعد الثورات ولا سيما بالنظام في مصر بعد مرحلة الإخوان المسلمين وشكلت أداة للهجوم عليه ونتيجة لذلك أغلق مكتبا القناة والوكالة في القاهرة.
واعتبر الباحث أن الهدف الأساسي من وراء إطلاق وسائل الإعلام التركية باللغة العربية كان إحياء تركيا لوجودها في مناطق النفوذ القديمة للإمبراطورية العثمانية حيث سادت في تلك الفترة مرحلة جديدة من السياسة التركية عرفت بالعثمانية الجديدة استندت إلى فكرة العمق الاستراتيجي التي نظر لها وزير الخارجية الأسبق رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أن تركيا أرادت أن يكون لها صوت باللغة العربية شأنها في ذلك شأن دول أخرى لها قنوات مؤثرة تبث باللغة العربية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا وإيران، لكنه أوضح أن القناة التركية لم تستطع أن تحدث تأثيرا كبيرا بسبب ضعف كوادرها من جانب وتحكم العقلية البيروقراطية فيها وكثرة التغيير في قياداتها وخرائط برامجها وضعف إنتاجها ومعدلات مشاهدتها المنخفضة جدا في المنطقة العربية من جانب آخر.
ولفت الباحث إلى أنه عندما انطلق الموقع الإلكتروني لهيئة الإذاعة والتلفزيون التركية في العام 2009 بلغات عدة في مقدمتها العربية، وكانت هذه هي بداية إدراك إردوغان وحكومة العدالة والتنمية أهمية توظيف الإعلام التركي للصفحات العربية من أجل التوجه إلى العالم العربي وسرعة الوصول إلى الشعوب العربية وتسويق سياساتها في المنطقة لا سيما مع اتباع خطاب معاد لإسرائيل عقب أزمة السفينة مافي مرمرة في 2010.
* إردوغان يخاطب العرب
وعقب ثورات الربيع العربي وما صاحبها من تغيرات سياسية واجتماعية في منطقة الشرق الأوسط سعت تركيا من خلال وسائلها الإعلامية باللغة العربية عن طريق الخدمة العربية لوكالة أنباء «الأناضول» وظهور مواقع باللغة العربية مثل «أخبار العالم»، و«تركيا الآن»، و«تركيا بوست»، و«تورك برس»، و«أخبار تركيا»، ولاحقا المواقع العربية لصحيفتي «يني شفق» في 2013 و«ديلي صباح» في 2015، وجميعها قريبة من حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، كما أدخلت رئاسة الجمهورية التركية ووزارة الخارجية اللغة العربية على موقعيهما، كما يخاطب إردوغان العالم العربي عبر «تويتر» باللغة العربية.
أما عن هدف التوسع الكبير في إدخال اللغة العربية إلى وسائل الإعلام التركية فكشف عنه المنسق الدبلوماسي العام لرئاسة الوزراء التركية جمال الدين هاشمي في اجتماع نظمته المديرية العامة للصحافة والإعلام التابعة لرئاسة الوزراء بالتعاون مع وكالة «الأناضول» في مايو (أيار) 2013 بقوله: «علينا الاعتراف بأن إصدار وكالة (الأناضول) نسختها العربية للمرة الأولى في تركيا يعد ثورة تعادل ثورات الربيع العربي»، مشيراً إلى أن تدشين صفحات عربية لوسائل الإعلام التركية تأتي في إطار التحول السياسي الذي تعيشه تركيا خلال العقد الأخير.
* غولن يرد بـ«زمان»
ونظراً لأن التوسع في وسائل الإعلام التركية باللغة العربية كان من بين أهدافه الأساسية تقديم تجربة تركيا على أنها نموذج لمنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي بحسب ما ذكر بايدمير، فقد تحولت الساحة العربية المزدحمة بنحو 350 مليون نسمة إلى ساحة تنافس بين وسائل الإعلام التي تسعى لتلميع وتقديم تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا والوسائل الأخرى المعارضة للحزب وسياساته، لتنتقل حالة الاستقطاب الداخلي في تركيا إلى المنطقة العربية التي أصبحت تعيش تفاصيل ما يجري في تركيا من خلال التكثيف الشديد للمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي في المرتبة الأولى ووكالة أنباء «الأناضول» في المرتبة الثانية، في ظل غياب تأثير واضح للقناة التلفزيونية الناطقة بالعربية، عبر إطلاق صحيفة «زمان» التركية نسختها العربية في يونيو (حزيران) 2014، لمواجهة تمدد الإعلام الموالي لإردوغان داخل المجتمعات العربية، وللكشف عن رؤية تركية مختلفة عما تقدمه «الأناضول» وموقع «يني شفق» الذي أسس عام 2013 من ترسيخ لفكرة زعامة إردوغان في المنطقة العربية.
وكان الدافع لإنشاء الموقع العربي لصحيفة «زمان» التي مثلت في فترة التوافق بين حزب العدالة والتنمية وحركة الخدمة بزعامة فتح الله غولن ركيزة إعلامية أساسية للحكومة التركية قبل حالة القطيعة بينهما في نهاية عام 2013 على خلفية ما عرف في تركيا بفضيحة الفساد والرشوة التي تفجرت في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2013 وطالت أبناء وزراء في حكومة إردوغان إلى جانب رجال أعمال ومسؤولين والتي أكد إردوغان أنها كانت محاولة من جانب غولن للانقلاب على الحكومة عبر تحقيقات وحملات توقيف في ادعاءات فساد ورشوة، وقد أغلقت صحيفة «زمان» عقب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي لكن موقعها العربي لا يزال يواصل عمله من خارج تركيا ويشكل الموقع الوحيد المعارض للحكومة التركية وسط عدد كبير من المواقع الناطقة بالعربية المؤيدة للحكومة لكن السلطات التركية منعت الوصول إليه عبر محركات البحث في تركيا. وتمتلك هذه المواقع صفحات باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي لتعزيز وصولها إلى العرب.
* كوادر من اللاجئين
وينظر الكثير من المسؤولين الأتراك باهتمام كبير إلى المواقع العربية لوسائل الإعلام التركية بسبب التطورات السريعة التي تشهدها المنطقة العربية والشرق الأوسط، وسبق أن عبر عن ذلك رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو بقوله إن منطقتنا شهدت خلال الفترة الماضية العديد من الثورات الشعبية وتحمل الصحافة على عاتقها مسؤولية كبيرة لنقل الأحداث وتعزيز التقارب بين شعوب المنطقة وإطلاق تركيا للمواقع العربية هو خطوة مهمة في هذا الشأن.
وبدوره اعتبر وزير العدل بكير بوزداغ عندما تحدث خلال افتتاح الموقع العربي لصحيفة «يني شفق» في 2013 أن الإصدارات العربية ستساهم في الترويج للسياسات التركية في الوطن العربي والشرق الأوسط.
وغالبية المحررين والقائمين على المواقع العربية هم من العرب خاصة من المصريين والعراقيين والسوريين اللاجئين في تركيا، يعملون تحت إشراف تحريري تركي وفقاً لسياسات تتفق مع رؤية حكومة العدالة والتنمية لكن الفترة الأخيرة شهدت، بحسب بعض العاملين في هذه المواقع وفي وكالة أنباء «الأناضول» وقناة «تي آر تي» التركية الناطقة بالعربية تقليصا للعناصر العربية وتوسعاً في الاستعانة بخريجي مدارس الأئمة والخطباء الذين يدرسون اللغة العربية ضمن مقررات دراستهم.



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.