في حين أن الهجوم الصاروخي المحدود الذي شنته الولايات المتحدة على إحدى القواعد الجوية السورية نال تأييداً واسع النطاق في جميع أرجاء العالم، إلا أن حفنة من الدول اختارت تحليلاً للموقف «معاكساً» تماماً. وعمد الرباعي الذي يضم روسيا وإيران وكوريا الشمالية ونظام بشار الأسد، إلى نشر سبع أساطير، في محاولة للنيل من الموقف الأميركي الأخير.
أسطورة غياب التفويض
أولى هذه الأساطير هي أن الخطوة الأميركية كانت «غير قانونية»، نظراً إلى أنها تفتقر إلى التفويض المطلوب من قبل مجلس الأمن الدولي. ويقول فلاديمير سافرانكوف، الدبلوماسي الروسي الثاني لدى الأمم المتحدة: «كان ينبغي عليهم طرح مسألة (قصف خان شيخون بالأسلحة الكيماوية) على مجلس الأمن».
ومع ذلك، فإن سافرانكوف، شأنه شأن أي شخص آخر، يدرك تماماً أن روسيا ستعارض، باستخدام حق النقض (فيتو)، أي قرار أممي من شأنه التلميح إلى توريط بشار الأسد وعشيرته فيما يشكل بكل وضوح جريمة من جرائم الحرب. والأهم من ذلك، ربما، أن العمليات الروسية، بما في ذلك شهور من القصف العنيف ضد مدينة حلب المنكوبة، لا تستند إلى أي قرار أممي.
أسطورة انتهاك السيادة
الأسطورة الثانية التي يروج لها الرباعي الذي تتزعمه روسيا، تقول إن هجوم الولايات المتحدة انتهك السيادة السورية. ولقد كانت كوريا الشمالية صاحبة الصوت العالي في الترويج لهذه الأسطورة، إذ قال متحدث باسم حكومتها الاثنين الماضي إن «هذا هجوم لا يُنسى على دولة ذات سيادة».
ولكن كم تبقى في الحقيقة من السيادة السورية المزعومة؟ إنها الدولة التي تسيطر الحكومة المركزية فيها على نحو 5 في المائة فقط من الأراضي الوطنية وما يزيد قليلاً على 40 في المائة من تعداد السكان. وعلى أية حال، فإن روسيا وإيران، الدولتين الرئيسيتين الفاعلتين في الواقع السوري، لم تلتفتا بقليل أو كثير إلى «السيادة الوطنية السورية» التي يدافعان عنها بصوت مرتفع الآن.
فخلال الأسبوع الحالي، انعقدت سلسلة من جلسات «المشاورات» جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني حسن روحاني في وجود رؤساء أركان القوات المسلحة في كلا البلدين، إلى جانب مستشاري الأمن القومي. ووفرت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة في كل من موسكو وطهران تغطية إعلامية مكثفة لما أطلقت عليه «المحادثات الاستراتيجية». غير أنها لم تعطف إطلاقاً على ذكر مشاركة حكومة الأسد بأي صورة من الصور. فهل تتمتع سوريا حقاً بأي درجة من درجات السيادة الحقيقية تسمح لحكومة البلاد المزعومة بالمشاركة، أو على أدنى تقدير الاستماع هاتفياً إلى المحادثات التي تتعلق بها؟
أسطورة غياب الدافع
أما الأسطورة الثالثة فتفيد بأن بشار الأسد يحقق الانتصارات، وبالتالي لم يكن بحاجة إلى استخدام الأسلحة الكيماوية. فهل هو يحقق الانتصارات فعلاً؟
إن جوهر المأساة السورية يتمحور حول حقيقة مفادها أن كل المتنافسين على السلطة في سوريا ليس بمقدور أي منهم تحقيق النصر الحاسم من الناحية العسكرية. لقد تمكن الأسد من استعادة السيطرة على ما تبقى من أطلال مدينة تدمر، وتحظى الحكومة السورية بحضور «رمزي» في مدينة حلب المنكوبة، وذلك بفضل الهجمات الجوية الروسية. ورغم ذلك، إلا أن الأسد نفسه يدرك، وهو أقر بذلك علانية، أنه يفتقر إلى القوة البشرية المطلوبة للاستيلاء على الأراضي و«تطهيرها» والاحتفاظ بها. وهذا هو السبب في أن سيطرته الاسمية، حتى في العاصمة نفسها، هي أكثر وضوحاً من الحقيقة الواقعة.
ويمكن للأسد الاستمرار لفترة من الوقت لأنه لا يزال يسيطر على قدرات نيرانية معقولة ويحتكر السيطرة على أجواء البلاد. لكن تحقيق الانتصار الحقيقي يكون عن طريق القوات البرية. وهو يفتقر إلى هذه الميزة لأن السواد الأعظم من الشعب السوري يعارض نظام حكمه. ويقول المحلل الإيراني حميد قريبيان من طهران إن «الأسد لا يحقق الانتصارات. ويعلم حلفاؤه بذلك تماماً، لكنهم يحاولون فقط الحيلولة دون خسارته بوتيرة أسرع».
أسطورة قتال الأسد لـ«داعش»
ويروج خطاب الرباعي لأسطورة رابعة تقول إن الأسد يقاتل تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا. ورغم ذلك، إلا أن النظام وحلفاءه من روسيا وإيران، تجنبوا، بكل حذر، محاربة «داعش» على الأرض. كانت هناك ثلاث معارك كبيرة بين «داعش» وقوات الأسد التي تساندها قوات «حزب الله» اللبناني وغيرها من ميليشيات المرتزقة التي جلبتها إيران. معركتان منهما كانتا بمثابة مباراة كرة الطاولة لتبادل السيطرة على مدينة تدمر الأثرية. ومعركة واحدة دارت رحاها في أكتوبر (تشرين الأول) 2015 عندما حاولت قوات «داعش» الاقتراب من مدينة السويداء في جنوب غربي سوريا.
وتجنب طيران نظام الأسد كذلك قصف معاقل «داعش» على الأرض، لا سيما عاصمة «الخلافة» المزعومة في مدينة الرقة السورية. بل كانت الأهداف الرئيسية هي الجماعات التي تقاتل النظام من غير «داعش»، ومن أبرزها «جبهة النصرة» و«جيش الفتح». وفي حقيقة الأمر، تتمحور الاستراتيجية حول خلق موقف معين يكون الخيار فيه إما نظام الأسد أو تنظيم «داعش».
قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال بور داستان قال إن «داعش» وافق على عدم الاقتراب لمسافة تبلغ 40 كيلومتراً من الحدود الإيرانية. والمقابل لذلك لا بد من أن يكون عدم الهجوم على «داعش» من قبل إيران وعملائها في سوريا. نفذت القوات الجوية الروسية نحو 4600 طلعة جوية لقصف الأهداف الأرضية في مدينة حلب وحدها، لكنها لم تنفذ غارات على الرقة حتى الآن.
أسطورة الحرب العالمية
وتقول الأسطورة الخامسة إن الهجوم الأميركي الذي دمر ما يقرب من 20 طائرة للنظام، كان يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وروسيا. ويروّج لهذه الأسطورة، على وجه خاص، معارضو التوجهات الأميركية من تياري اليمين واليسار، بما في ذلك المرشحة الرئاسية الفرنسية مارين لوبان وزعيم حزب «العمال» البريطاني جيريمي كوربين.
إن فكرة جنوح روسيا للانتقام بتوجيه الضربات ضد القوات الأميركية، قطع الأسطول السادس الأميركي الرابض في البحر الأبيض المتوسط على الأرجح، من أجل التعبير عن الغضب الشديد من الهجوم على قاعدة جوية تابعة للأسد، هي فكرة أسخف من مجرد التفكير بها. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاعب سياسي ماهر ومخضرم، لكنه ليس انتحارياً بكل تأكيد. وعلى أي حال، فلقد أبلغه الجانب الأميركي بقراره بالهجوم على القاعدة الجوية. وكان بإمكان بوتين تحذير الجانب الأميركي بأنه سيرد على الهجوم بهجوم مثله. غير أنه لم يفعل. وفي حقيقة الأمر، ولأن روسيا تسيطر فعليا على المجال الجوي السوري بالكامل، فلقد وفر الجانب الروسي للجانب الأميركي الممرات الواضحة واللازمة لمرور صواريخ «توماهوك - كروز» إلى أهدافها.
أسطورة «كيماوي المعارضة»
وتذهب الأسطورة السادسة إلى اتهام المعارضة السورية بتنفيذ الهجوم الكيماوي على خان شيخون، بهدف تحقيق انقلاب سياسي دعائي. ورغم ذلك، فإن مجتمع الخبراء الدوليين أقر وبالإجماع على دحض واستبعاد هذه النظرية بالكلية، لأن الحاويات التي تحتوي على المواد القاتلة أسقطت من الجو على الأرض، والقوات المعارضة لنظام الأسد لا تملك أية إمكانات جوية من أي نوع يُذكر.
وتقول الدكتورة بيازا أونال، الزميلة لدى إدارة الأمن الدولي في مؤسسة «تشاتام هاوس» البريطانية، إن غاز الأعصاب المحظور دولياً باهظ الثمن، وتصعب تنقيته وتخزينه. وأضافت في مقابلة شخصية أجريت معها أخيراً إن «التعامل معه يستلزم قدراً معيناً من الخبرة والمال. وأي منشأة تحتاج إلى توافر المقدرة على إخراج غاز الأكسجين تماماً من المكان الذي يتم تخزين غاز السارين فيه. ولا أعتقد أن جماعات المعارضة السورية تتاح لها القدرة المتاحة فقط لدى الحكومات لتنقية غاز السارين إلى المستوى الذي يجعله مستقراً عند التخزين».
ولا تترك العينات المتحصل عليها من تربة خان شيخون، حيث وقع الهجوم الكيماوي، إلى جانب الاختبارات التي أجريت في تركيا على أجساد ضحايا الهجوم، مجالاً للشك في الطريقة التي تفاقمت بها تلك المأساة.
أسطورة الإضرار بالتسوية
أما الأسطورة السابعة والأخيرة فتقول إن الضربة الصاروخية الأميركية قد تضر بالمساعي الدولية للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة السورية. والحقيقة الواقعة، رغم ذلك، تفيد بأنه ليس هناك حلاً سياسياً لتلك الأزمة، ما لم تنزع روسيا إلى الموقف الذي كانت تتخذه محادثات جنيف الأولى التي تضمنت الجدول الزمني المحدد لاستبدال الأسد.
لا يمكن لأي عدد من الأساطير أن يغير من الحقيقة بأن السواد الأعظم من الشعب السوري لا يرغب في أن يكون الأسد جزءاً من حياتهم ومستقبلهم. ولقد حاز هذا الرأي على تأييد قوي من الديمقراطيات الغربية الكبرى. واستبعاد قدرات الأسد الجوية من المشهد العام في سوريا، من شأنه التسريع من هذا الاحتمال كثيراً.