«بورصة أسعار» في تعز إثر الحصار الانقلابي

اتهامات للميليشيات بابتزاز التجار وتغيير أثمان السلع يومياً

«بورصة أسعار» في تعز إثر الحصار الانقلابي
TT

«بورصة أسعار» في تعز إثر الحصار الانقلابي

«بورصة أسعار» في تعز إثر الحصار الانقلابي

يشبِّهُ سكان من مدينة تعز اليمنية أسعار السلع الغذائية وبعض المنتجات الأساسية في المحافظة المحاصرة منذ عامين بالبورصة، نسبة إلى تذبذبها غير المفهوم وزياداتها التي يرون أنها باتت جنونية.
ويزداد الوضع المعيشي في اليمن وبخاصة المناطق التي تحاصرها ميليشيات الحوثي وصالح الانقلابية بما فيها مدينة تعز، وسط اليمن، مأساوية مع الاستمرار في زيادة أسعار المواد الغذائية وزيادة البطالة ما تسبب في اتساع رقعة الفقر بين المواطنين خاصة مع ضعف القوة الشرائية لدى المواطن.
يتاخم ذلك ما وصفه تجار وسكان لدى حديثهم مع «الشرق الأوسط» من فرض الحوثيين إتاوات وجمارك ومجهودا حربيا على التجار الذين يعكسون خسارتهم تلك برفع الأسعار ويتحملها المواطن.
يقول أحد تجار تعز متحفظا على ذكر اسمه: «جعلت الميليشيات من الغاز المنزلي تجارة بورصة لها، وأصبح كل يوم له سعره الخاص»، كذلك بالنسبة للنفط وأسعار صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية؛ ما ساعد الميليشيات الانقلابية على إيجاد سوق سوداء لتتاجر بالعملة وبأسعار تجاوزت الأسعار المقررة من قبل البنك المركزي.
وكان مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، قد طالب في وقت سابق الحكومة اليمنية بـ«كسر احتكار نقل السلع من العاصمة المؤقتة عدن إلى بقية محافظات الجمهورية حيث تفرض نقابات النقل الثقيل أسعارا مبالغا فيها تصل إلى 400 في المائة من السعر الحقيقي للنقل».
وقال المركز إن «هذا يشكل أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع أسعار السلع الواردة عبر ميناء عدن وعزوف كثير من التجار والمستوردين عن الميناء واختيار موانئ بديلة، وبات ذلك يسهم في صعوبة تنشيط الحركة في ميناء عدن بوصفه أحد أهم الموانئ اليمنية كما يحرم الحكومة والخزينة العامة للدولة مبالغ مالية طائلة».
رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، علق على الوضع المعيشي الصعب وما تعانيه اليمن منذ انقلاب الميليشيات الحوثي وصالح بالقول، لـ«الشرق الأوسط»، إن «اليمن يعاني من وضع إنساني صعب للغاية حيث يزيد من هم بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة على 80 في المائة من السكان وهناك مؤشرات للجماعة في المحافظة جراء انعدام القدرة أو عدم القدرة على توفير قيمة السلع الأساسية».
وأضاف أن «المشكلة الأساسية الآن في البلد هي عدم صرف المرتبات للشهر السابع، وبعض موظفي الدولة من دون مرتبات وكذلك عدم صرف مبالغ الرعاية الاجتماعية وانعدام فرص الدخل للمواطنين، وأصبح هناك مأساة إنسانية كبيرة».
من جانبه، قال أحمد عادل، وهو مواطن من أبناء تعز، إن «الميليشيات الانقلابية لا تزال تفرض حصارها على منافذ المدينة وتمنع دخول المواد الغذائية والإغاثية والصحية وغيرها، وما يتم دخوله يتم عبر طرق وعرة وطرق تهريب، وتشهد أسواقها حركة نسبية وضعيفة جراء استمرار القصف من قبل الميليشيات الانقلابية على الأحياء السكنية والأسواق، إضافة إلى ضعف القوة الشرائية عند المواطنين».
وأضاف أن «انقطاع المرتبات الشهرية وتوقف المنظمات الإنسانية المانحة عن إرسال المساعدات الكافية للمتضررين في تعز، أدى إلى ضعف القدرة الشرائية للسكان، وضعفت حركة الأسواق المحلية، كما يرجع سبب ذلك إلى ارتفاع صرف العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية». وأشار إلى أن «كل هذه المشكلات تؤدي إلى كارثة إنسانية وأزمة اقتصادية كبيرة، لم يسبق أن عاشتها محافظة تعز منذ عشرات السنوات».
أحد تجار قطع الغيار في العاصمة صنعاء، رفض الكشف عن هويته، وصف الوضع المعيشي بالقول إن «المعيشة أصبحت صعبة للغاية، ويعود سبب ذلك لما تمارسه الميليشيات الانقلابية من إتاوات وفرض ضرائب وجمارك جديدة وابتزاز كبير على التاجر الذي ليس له منفذ للخلاص من الخسائر وما يفرضه عليه الانقلابيون سوى رفع الأسعار التي يتحملها المواطن، حيث إن هناك ركودا اقتصاديا وقوة شرائية لدى المواطن ضعيفة للغاية تكاد تكون معدومة».
وأضاف: «حتى إن عددا من التجار أصبحوا لا يستطيعون تسديد ما عليهم من إيجارات، والبعض الآخر أغلق محله بسبب عدم البيع أو قلة الدخل اليومي، حيث إنه من الصباح وحتى المساء لا يبيع ولا بريال واحد، وإن باع شيئا يكون بحق الصرف اليومي (الالتزامات اليومية)».
وذكر أنه «بسبب ضعف القوة الشرائية لدى المواطن، أعلن عدد من التجار إفلاسهم بسبب تراكم الإيجارات وغيرها من الالتزامات، وليس هذا فقط بل إن الميليشيات ما زالت تفرض المجهود الحربي رغم ما يمارسونه من ابتزازات، حتى في النقاط العسكرية داخل العاصمة صنعاء، هناك من الميليشيات من يمارس الابتزاز علينا، حيث إنه في كل ساعة نمر من عند هذه النقطة يأتيك أحد المسلحين ويقول لك أن تهرب في سيارة النقل ويجري التفتيش والتأخير والابتزاز، كل ذلك من أجل أن تعطيه مبلغا من المال، فما بالك بما يقومون به في المنافذ».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.