جاءت مجزرة الكيماوي في خان شيخون، أول من أمس، لتعيد إلى ذاكرة المعارضة كلام وزير الخارجية الأميركية السابق جون كيري، بأن «إبادة إدلب» باتت قريبة، وذلك قبل نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. هذه التوقعات التي أعلنها الدبلوماسي الأميركي معترفا بألا قدرة لواشنطن إلا حثهم على المشاركة في «جنيف» عشية جولتها الرابعة، تمثل اليوم أمام المعارضة المترقبة ما سيصدر عن مجلس الأمن من جهة وردة فعل الإدارة الأميركية الجديدة من جهة أخرى، وتحديدا كيفية تعامل الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع «الخطوط الحمراء» التي سبق أن حددها أوباما، المتمثلة في حظر استخدام الكيماوي، من دون أن تستبعد أن تمضي روسيا والنظام في خطتهما لإنهاء الفصائل المعتدلة في إدلب والغوطة الشرقية.
مع العلم أن مجزرة خان شيخون جاءت بعد يومين من قصف طيران روسي لمواقع تابعة لفصائل موقعة على «اتفاق وقف النار» ومشاركة في مؤتمر «آستانة»، ولحق بها يوم أمس عملية اغتيال طالت قياديين في المعارضة في إدلب أدت إلى مقتل العقيد علي السماحي، رئيس أركان «جيش إدلب الحر»، وإصابة المقدم أحمد السعود، قائد «الفرقة 13»، ووجهت المعارضة أصابع الاتهام إلى «هيئة تحرير الشام».
في حين يرجح المتحدث باسم الهيئة العليا التفاوضية، رياض نعسان آغا، أن تتخذ المعارضة قرارا بإيقاف مشاركتها في أي مفاوضات سياسية، ما لم يعلن بشكل واضح عن خطوات أو قرارات لمحاسبة النظام السوري، وتحديدا في مجلس الأمن، يذكّر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بما قاله كيري، نهاية العام الماضي، خلال الاجتماع الذي كان حاضرا فيه مع كيري إلى جانب رئيس الهيئة العليا التفاوضية، رياض حجاب، قائلا: «عندما سألناه عما سيحصل في إدلب بعدما باتت معقل الفصائل المعارضة والمحطة الوحيدة التي يلجأ إليها المهجرون من المناطق التي فرض عليها النظام (المصالحات)»، أجاب كيري «الإبادة. وليس أمامنا إلا أن ننصحكم بعدم مقاطعة (جنيف)». من هنا يقول آغا «يبدو واضحا أن إبادة إدلب قد بدأت وبموافقة دولية بعد استثنائها من كل اتفاقات وقف إطلاق النار انطلاقا من تواجد (جبهة النصرة) فيها، إلى جانب الفصائل الأخرى، وهي الحجة التي يتمسك بها النظام وموسكو لتنفيذ مخططهما وبالتالي الذهاب إلى النهاية في الحملة».
من جهة أخرى، يتفق كل من الباحث السوري المعارض، أحمد أبازيد، مع العقيد فاتح حسون، الذي شارك في «جنيف» و«آستانة»، في وضع مجزرة خان شيخون» ضمن خانة «اختبار الإدارة الأميركية» من قبل موسكو والنظام. ويرى أبازيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: أن «توقيت استخدام الكيماوي هذه المرة متعلق بالخطة الروسية للحملة على إدلب والغوطة الشرقية، وبالتالي فإن ردة الفعل الأميركية ستحدد توجه هذه الخطة التي يعد الطرفان لها في المنطقتين اللتين تعتبران معقل الفصائل المعارضة».
من جهته، يقول حسون لـ«الشرق الأوسط»: «النظام يريد أن يعرف عما إذا كانت الخطوط الحمراء التي وضعها أوباما سيتقيد بها أيضا الرئيس الجديد، وبالتالي يختبر تعاطيه مع الإرهاب الذي يمارسه، فإذا كانت تقليدية سيستمر في سياسته من دون رادع». مع العلم أن ردة فعل البيت الأبيض الأولى على مجزرة الكيماوي ارتكزت على هذا الموضوع، وجاء تعليقه منتقدا سياسة ترمب قائلا: «الأعمال المشينة من نظام بشار الأسد نتاج لضعف الإدارة السابقة وترددها».
في موازاة ذلك، كان لافتا يوم أمس، اغتيال العقيد علي السماحي، رئيس أركان «جيش إدلب الحر»، لدى مروره في منطقة خان السبل بريف إدلب الجنوبي، وإصابة المقدم أحمد السعود، قائد «الفرقة 13»، الذي كان في السيارة نفسها. وقد اتهمت بعض أطراف المعارضة «هيئة تحرير الشام» بالعملية، وربطت بينها وبين قرار إنهاء الفصائل المعارضة في إدلب، لكن مصدرا إعلاميا في «الهيئة» نفى لموقع «عنب بلدي» المعارض مسؤولية الفصيل عن عملية الاغتيال، وقال: «إطلاق الرصاص تم في منطقة بعيدة عن حاجز الهيئة بكيلومترات عدة».
ورأى مصدر قيادي في «الجيش الحر» في إدلب، أن كل المؤشرات من ضرب مواقع للفصائل في إدلب الأسبوع الماضي ومن ثم مجزرة الكيماوي وأمس عملية الاغتيال، ترتبط بقرار إنهاء الثورة في إدلب بشكل خاص وفي سوريا بشكل عام، مشيرا إلى أن إخراج أهالي الفوعة وكفريا، ورقة الضغط الوحيدة في يد المعارضة، باتفاق بين إيران و«جبهة النصرة» تصب أيضا في هذه الخانة. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما كنا نتوقعه منذ اللحظة الأولى لبدء عمليات التهجير من ريفي دمشق وحمص، بدأ اليوم»، موضحا «تجميع الثورة في إدلب وبعدها صبغ المحافظة وريفها باللون الأسود، ومن ثم تصنيف (هيئة تحرير الشام) التي تشكّل (جبهة فتح الشام) (النصرة سابقا) الفصيل الأبرز فيها، منظمة إرهابية، يعني وضع المجتمع الدولي أمام خيارين، إما النظام أو الإرهاب، وطبعا ستتم مساندة الأسد».
ويشكل تواجد «هيئة تحرير الشام» في إدلب، بحسب المصدر القيادي في «الحر» نحو 50 في المائة في المدينة وريفها، في حين تسيطر الفصائل الأخرى على النصف الآخر من المنطقة، مشيرا في الوقت عينه إلى أن مناطق النفوذ الجغرافية تبقى مختلطة ومتداخلة، وهو ما من شأنه أن ينعكس سلبا على المعارضة أمام أي حملة محتملة من قبل روسيا والنظام.
مجزرة خان شيخون... بين اختبار إدارة ترمب وبداية «إبادة إدلب»
«الهيئة العليا» تتجه لإيقاف مشاركتها في «جنيف» ما لم تصدر قرارات لمحاسبة النظام
مجزرة خان شيخون... بين اختبار إدارة ترمب وبداية «إبادة إدلب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة