أكبر حزبين كرديين يرفضان إنزال علم الإقليم في كركوك

عرب وتركمان في المدينة يؤيدون رفعه... وتركيا تدخل على الخط

محافظ كركوك نجم الدين كريم يرفع علم كردستان إلى جانب علم العراق أمام مقر المحافظة الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
محافظ كركوك نجم الدين كريم يرفع علم كردستان إلى جانب علم العراق أمام مقر المحافظة الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

أكبر حزبين كرديين يرفضان إنزال علم الإقليم في كركوك

محافظ كركوك نجم الدين كريم يرفع علم كردستان إلى جانب علم العراق أمام مقر المحافظة الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
محافظ كركوك نجم الدين كريم يرفع علم كردستان إلى جانب علم العراق أمام مقر المحافظة الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)

تمخض الاجتماع المشترك للحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان (الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني) الذي عُقد أفي أربيل، أمس، برئاسة رئيس الإقليم بارزاني، عن تشكيل لجنة مشتركة لبحث موضوع الاستفتاء حول مستقبل الإقليم مع الأطراف السياسية كافة، ومن ثم تحديد موعد لإجرائه، وشددا على أن علم كردستان لن ينزل من فوق أبنية الدوائر الحكومية في كركوك.
وذكر بيان للمكتبين السياسيين للحزبين، أن الجانبين بحثا مسألة الاستفتاء على حق تقرير المصير واستقلال كردستان بشكل مفصل، وأضاف البيان: «شدد الجانبان على العمل معاً بجدية لتنظيم الاستفتاء باعتباره مسألة قومية ووطنية بتوجه موحد، وقررا تشكيل لجنة مشتركة منهما لمناقشة هذا الأمر مع الأطراف السياسية والوطنية الكردستانية من أجل تشكيل لجنة مشتركة أوسع من الأطراف كافة لتحديد موعد إجراء الاستفتاء وآليته».
وشهد جانب آخر من الاجتماع بحث موضوع رفع علم كردستان في محافظة كركوك، وأوضح الجانبان بهذا الصدد أن رفع علم كردستان في كركوك أمر قانوني ودستوري، وبيّن الحزبان أن بغداد تتنصل منذ سنوات من تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي، الخاصة بحل مسألة المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والعراق، وأكدا أنه «كما يحق للحكومة العراقية أن يكون لها علم في كركوك، فمن حق كردستان أيضا رفع علمها في هذه المحافظة؛ لأن الدستور يشير إلى أن كركوك وعددا من المناطق الأخرى، مناطق متنازع عليها».
وجاء اجتماع الحزبين غداة تصويت مجلس النواب العراقي لصالح إنزال علم كردستان في محافظة كركوك وإبقاء العلم العراقي فقط فوق الأبنية الحكومية في المحافظة.
في غضون ذلك، أعلنت عشيرة الجبور العربية السنية في محافظة كركوك براءتها من رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري لدوره في إصدار قرار إنزال العلم الكردي في محافظة كركوك. وقال الشيخ مسرور الجبوري، رئيس عشيرة الجبور في كركوك، لـ«الشرق الأوسط»: «نؤيد رفع علم الإقليم في محافظتنا، ونفتخر بهذا العلم الذي وقف بوجه تنظيم داعش الإرهابي وحمى مدينتنا وقدمت قوات البيشمركة تحت هذا العلم دماءها من أجل الحفاظ على أمن كركوك ومكوناتها كافة واستقرارها». وأضاف: «سليم الجبوري لم يعد يُمثلنا، هؤلاء السياسيون كذبوا على أهلنا وسرقوا أصواتهم ورموهم في التهلكة؛ ولأننا نقترب من الانتخابات نراهم يبرزون عضلاتهم ويظهرون أنهم يخشون على العرب، لكن أوراقهم انكشفت وهم لا يمثلوننا».
وكانت الكتلة العربية في مجلس كركوك طالبت الأسبوع الماضي، بعرض القضية على المحكمة الاتحادية للفصل بين الأطراف المتنازعة حولها.
إلى ذلك، ورغم وقوف الجبهة التركمانية العراقية ضد رفع علم كردستان، فإن أطرافا تركمانية أخرى تعبر عن تأييدها رفع العلم في المدينة، وقالت نائبة رئيس حزب الإصلاح التركماني، منى قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: «رفع علم الإقليم في كركوك قانوني ودستوري، ونحن نؤيد ذلك، لأن قوات البيشمركة تحمي مكونات كركوك كافة، ونحن نعيش تحت ظل هذا العلم بسلام». وأضافت قهوجي: إن «الجبهة التركمانية تعمل على خداع مواطني كركوك، وتعمل على جر تركيا إلى التدخل في هذا الموضوع».
وبالفعل دخلت تركيا على خط الأزمة، وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إنه اتصل هاتفيا بنظيره العراقي حيدر العبادي، وإن بغداد عبّرت عن رفضها التام لما حدث في كركوك، معتبرا قرار رفع العلم «خطأ كبيرا» وإن بلاده «لن نقبل بفرض الأمر الواقع، وقد نبهنا الكرد إلى ذلك»، ملمحا إلى إمكان تدخل الأمم المتحدة في حال «اقتضى الأمر». ولم يصدر عن الحكومة العراقية تأكيدا لمكالمة يلدريم مع العبادي، كما لم يصدر عنها موقف رسمي وواضح بشأن أزمة العلم في كركوك.
وبرغم الحجج القانونية التي يقدمها الكرد حول شرعية رفع العلم في كركوك من جهة، والحجج التي يسوقها خصومهم من التركمان والعرب حول عدم شرعيته من جهة أخرى، لم يصدر حتى الآن أي تعليق من المحكمة الاتحادية العليا في بغداد حول الموضوع.
إلى ذلك، أكد الخبير القانوني طارق حرب شرعية قرار البرلمان، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قرار مجلس النواب يوافق أحكام المادة 12 من الدستور، التي قررت أن موضوع العلم يصدر بقانون اتحادي يصوّت عليه البرلمان». وبرأيه، فإن «قرار مجلس كركوك يخالف المادة 140 الدستور التي اعتبرتها محافظة متنازع عليها، ولم تعتبرها جزءا من إقليم كردستان».
وتؤكد المادة (140) من الدستور العراقي على تولي السلطة التنفيذية الاتحادية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية المتعلقة بتطبيع الأوضاع في كركوك الغنية بالنفط، ويطالب الأكراد بضمها إلى إقليم كردستان، وتمر العملية بثلاث مراحل، هي التطبيع والإحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها 31 ديسمبر (كانون الأول) 2007، غير أن الصراعات السياسية وعدم الاستقرار وعوامل مختلفة أخرى حالت دون إكمال عملية التطبيع، وما يحدث اليوم في كركوك أحد أشكال إخفاق الأطراف السياسية في إدارة الدولة وتنفيذ ما ورد في الدستور العراقي.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.