حقائب يد تدخل المزادات وتزيد قيمتها مع الزمن

متى تتحول الموضة إلى استثمار؟

حقيبة «بانثير دو كارتييه» من الجلد الطبيعي وتزينها سلسلة من الذهب الأصفر  ورأس نمر مرصع بالماس والزمرد يمكن أن يتحول إلى بروش   -  حقيبة كلاسيكية من جلد الأليغايتور باللون الليلكي من «ديلفو» وهي من الحقائب التي تورثها البلجيكيات لبناتهن  -  تعرف «كارتييه» عمومًا بمجوهراتها وساعاتها الفاخرة لكنها تطرح أيضًا حقائب تصب فيها كثيرًا من خبرتها في مجال المجوهرات تتجلى في عدة تفاصيل منها. هذه الحقيبة مثلاً يتوسطها تمساح من الذهب مرصع بالماس والزمرد يمكن استعماله منفردًا كبروش بينما يمكن استعمال السلسلة الذهبية كقلادة.  -  حقيبتا «كيلي» من «هيرميس» بلونين نادرين فضي وبرونزي طرحا في مزاد «كريستيز» بباريس في عام 2014 وحققا مبيعات تتعدى الـ20 ألف يورو
حقيبة «بانثير دو كارتييه» من الجلد الطبيعي وتزينها سلسلة من الذهب الأصفر ورأس نمر مرصع بالماس والزمرد يمكن أن يتحول إلى بروش - حقيبة كلاسيكية من جلد الأليغايتور باللون الليلكي من «ديلفو» وهي من الحقائب التي تورثها البلجيكيات لبناتهن - تعرف «كارتييه» عمومًا بمجوهراتها وساعاتها الفاخرة لكنها تطرح أيضًا حقائب تصب فيها كثيرًا من خبرتها في مجال المجوهرات تتجلى في عدة تفاصيل منها. هذه الحقيبة مثلاً يتوسطها تمساح من الذهب مرصع بالماس والزمرد يمكن استعماله منفردًا كبروش بينما يمكن استعمال السلسلة الذهبية كقلادة. - حقيبتا «كيلي» من «هيرميس» بلونين نادرين فضي وبرونزي طرحا في مزاد «كريستيز» بباريس في عام 2014 وحققا مبيعات تتعدى الـ20 ألف يورو
TT

حقائب يد تدخل المزادات وتزيد قيمتها مع الزمن

حقيبة «بانثير دو كارتييه» من الجلد الطبيعي وتزينها سلسلة من الذهب الأصفر  ورأس نمر مرصع بالماس والزمرد يمكن أن يتحول إلى بروش   -  حقيبة كلاسيكية من جلد الأليغايتور باللون الليلكي من «ديلفو» وهي من الحقائب التي تورثها البلجيكيات لبناتهن  -  تعرف «كارتييه» عمومًا بمجوهراتها وساعاتها الفاخرة لكنها تطرح أيضًا حقائب تصب فيها كثيرًا من خبرتها في مجال المجوهرات تتجلى في عدة تفاصيل منها. هذه الحقيبة مثلاً يتوسطها تمساح من الذهب مرصع بالماس والزمرد يمكن استعماله منفردًا كبروش بينما يمكن استعمال السلسلة الذهبية كقلادة.  -  حقيبتا «كيلي» من «هيرميس» بلونين نادرين فضي وبرونزي طرحا في مزاد «كريستيز» بباريس في عام 2014 وحققا مبيعات تتعدى الـ20 ألف يورو
حقيبة «بانثير دو كارتييه» من الجلد الطبيعي وتزينها سلسلة من الذهب الأصفر ورأس نمر مرصع بالماس والزمرد يمكن أن يتحول إلى بروش - حقيبة كلاسيكية من جلد الأليغايتور باللون الليلكي من «ديلفو» وهي من الحقائب التي تورثها البلجيكيات لبناتهن - تعرف «كارتييه» عمومًا بمجوهراتها وساعاتها الفاخرة لكنها تطرح أيضًا حقائب تصب فيها كثيرًا من خبرتها في مجال المجوهرات تتجلى في عدة تفاصيل منها. هذه الحقيبة مثلاً يتوسطها تمساح من الذهب مرصع بالماس والزمرد يمكن استعماله منفردًا كبروش بينما يمكن استعمال السلسلة الذهبية كقلادة. - حقيبتا «كيلي» من «هيرميس» بلونين نادرين فضي وبرونزي طرحا في مزاد «كريستيز» بباريس في عام 2014 وحققا مبيعات تتعدى الـ20 ألف يورو

لا يختلف اثنان على أن تداعيات الأزمة الاقتصادية على الموضة كانت كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تراجع المبيعات التي أدت بدورها إلى استقالة أو إقالة كثير من المصممين والرؤساء التنفيذيين وما شابه من أمور هزت عالم الموضة. في المقابل، كان هناك جانب إيجابي للأزمة تمثل في خلق الموضة استراتيجيات تصب في صالح الزبون. فمفهوم الترف الراقي الذي تُسوقه لنا بيوت أزياء مثل «هيرميس» و«شانيل» و«لويس فويتون» و«ديور» وغيرهم ممن يتسابقون لطرح حقائب يد فريدة من نوعها تحت شعار الحرفية و«صنع باليد» تغير بشكل واضح. فزبون الترف الحقيقي، كما يسميه البعض، لا يؤمن بالديمقراطية التي تروج لها بعض الأوساط منذ سنوات، بل يريد أن ينأى بنفسه عنها وكل ما هو دارج فيها، مفضلاً أزياء وإكسسوارات غير مستهلكة بغض النظر عن الثمن.
وهذا تحديدًا ما تُؤكده لائحة الانتظار التي تطول إلى أكثر من ستة أشهر للحصول على حقيبة «بيركن» من هيرميس. تؤكده أيضًا شعبية حقيبة شانيل 2.55 التي ارتفع سعرها بنسبة 230 في المائة خلال 12 عامًا الأخيرة، فيما تشير نتائج المزادات العالمية بدورها إلى أن حقائب اليد أصبحت تنافس الساعات والجواهر قيمة، حيث بيعت في شهر يونيو (حزيران) الماضي حقيبة «بيركن» مصنوعة من جلد تمساح هيمالاوي في مزاد هونغ كونغ بـ300 ألف دولار.
وجاء أن كريستيز تبيع ما بين 10 إلى 20 حقيبة سنويًا وتحقق نتائج مهمة قد تصل إلى 100 ألف دولار للحقيبة الواحدة. بحسب ماثيو روبنجير، رئيس قسم الحقائب في كريستيز فإن أكثر الأسماء التي تحافظ على قيمتها إلى جانب «هيرميس» و«شانيل» حقائب «فينتاج» بتصاميم معينة من «غوتشي» و«كريستيان ديور»، فيما تحظى حقائب تصدر بأعداد محدودة وتكون ثمرة تعاون مع فنانين باهتمام وإقبال أيضًا.
ويضيف أن أهم العناصر التي يبحث عنها هواة الاقتناء هي اسم الماركة، وندرة الحقيبة وجلدها إضافة إلى الدقة التي صنعت منها المسكات والمشابك وما شابهها من تفاصيل.
ويوضح ماثيو روبنجير لـ«الشرق الأوسط» أن انتعاش حقائب اليد يتزامن مع الأزمة الاقتصادية. هذه الأزمة حسب رأيه «غيرت النظرة إلى الموضة عمومًا وطريقة التعامل معها خصوصًا. ففي بداية الألفية نذكر انتشار ظاهرة الحقيبة «النجمة» التي كانت تتسابق عليها المرأة. مع الوقت بدأت تلاحظ أنها تفقد وهجها بعد موسم واحد أو اثنين على الأكثر، أي مع ظهور تصميم جديد. هذا التغيير الموسمي كان يؤثر على قيمة الحقيبة كما على الميزانية، ثم حصلت الأزمة الاقتصادية ونتج عنها انتعاش الحقيبة التي لا تتأثر بالزمن، بل العكس يمكن أن تزيد قيمتها كلما زادت قدمًا».
كان طبيعيًا أن تتسبب هذه الظاهرة في تراجع أهمية الحقيبة الموسمية لحساب حقيبة لا تؤثر عليها المواسم ويمكن للمرأة أن تورثها لبناتها. ولم لا وهي بتصميم فريد من نوعه وخامات نادرة ودرجات ألوان لم يعد بالإمكان التوصل إليها بسهولة في الوقت الحالي رغم كل التطورات التي تشهدها صناعة الموضة؟. فما يذكرنا به الخبير روبنجير أن معظم الحقائب التي تباع في المزادات تأتي بدرجات ألوان غير تقليدية، مثل حقيبة من «هيرميس» باللون الأزرق السفيري لا تشبه أي من الحقائب التي تطرحها الدار حاليًا في لونها، وحقيبة «بركين» بلون الفوشيا لم تُكرره الدار لحد الآن.
ورغم أن البعض لا يزال يشكك في قيمة الحقائب كاستثمار بعيد المدى مقارنة بالأحجار الكريمة والذهب، فإن دراسات حديثة تشير إلى أنها يمكن أن تنافس الذهب فعلاً. فهناك دراسة قامت بها «باغهانتر»، وهي مؤسسة إلكترونية متخصصة في حقائب اليد، تُفيد بأن قيمة بعض حقائب اليد أكبر وأقوى من قيمة الذهب، مستشهدة بحقيبة الـ«بيركين» من «هيرميس» التي لم تنخفض قيمتها أبدًا رغم تغير الأحوال الاقتصادية، بل ظلت صامدة في أسواق الأسهم والبورصة.
وتضيف الدراسة أن قيمة هذه الحقيبة شهدت ارتفاعًا بنسبة 500 في المائة على مدى 35 عامًا مقارنة باستثمارات في مجالات أخرى من شأنها أن تتعرض لتذبذبات الأسواق.
* لا ينصح الخبراء بشراء حقيبة جلدية ومن ماركة عالمية بنية الاستثمار فيها مستقبلاً، فالأولوية يجب أن تكون لحقيبة تُدخل السعادة على النفس في الوقت الحاضر وتناسب الذوق الشخصي أولاً، فهذه هي وظيفتها أساسًا لتأتي في المرتبة الثانية فكرة توريثها في المستقبل. فعملية الاستثمار ليست مضمونة 100 في المائة دائمًا حتى إذا كانت الحقيبة من جلد نادر ومرصعة بالمعادن والتفاصيل المبتكرة وربما الأحجار الكريمة. فدخول المزادات له عدة شروط نذكر منها:
- أن يكون كل ما فيها مميز عما هو مطروح في الأسواق من حيث التصميم والخامات.
- أن تكون معتقة، بمعنى ألا يقل عمرها عن 20 عامًا.
- ألا تكون قد طُرحت في الأسواق بأعداد كبيرة تجعلها مستهلكة.
- أن تكون مصنوعة من قطعة جلدية واحدة لا تحتاج إلى حياكتها بقطعة أخرى. فهذا ما يميز حقائب «هيرميس» ويبرر سعر حقيبتها «بيركين» التي يصل حجمها لـ40 سنتمتر من جلد التمساح. فهي من الحقائب النادرة للغاية.
* المتابع لأحول الموضة يُلاحظ أن صناعة الحقائب أصبحت تجارة مُربحة منذ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، لكنها لم تصل إلى مستوى الاستثمار إلا في العقد الأخير تقريبًا حسب مؤشر الأسهم الذي يشير إلى أنها ارتفعت بنسبة 8 في المائة ما بين عامي 2004 و2016. خلال هذه السنوات، بزغ نجم حقيبة «شانيل» الأيقونية 2.55 التي يمكن الحصول عليها من أي مزاد علني حاليا بسعر يقدر بـ5 آلاف دولار مقارنة بعام 2004 حين كان سعرها 1500 دولار فقط. فبينما تستمد حقيبة «بيركن» قوتها وقيمتها من عددها المحدود، فإن حقيبة «شانيل» ورغم أنها شائعة ومتوفرة حافظت على سحرها بفضل تصميمها والقصص التي تنسجها الدار حولها بشكل دائم. فصورتها لم تتأثر حتى بعد أن تم تقليدها واستنساخها على مستوى العالم، وحتى بعد أن مرت عدة عقود على ولادتها، حيث صممت أول مرة في عام 1955.
هذه الجاذبية التي لا تعترف بزمن هي التي يُعول عليها صناع الإكسسوارات، وعلى رأسهم دار «هيرميس» التي لا تزال حقائبها على رأس القائمة في المزادات. فقد نجحت الدار الفرنسية أن تخلق استراتيجية تعتمد على طرح عدد جد محدود تبرره بأن التوافق بقطعة جلد نادرة لا تشوبها شائبة يحتاج إلى وقت، كذلك صنعها وتنفيذها الذي يتم باليد ويمكن أن يستغرق أسابيع عدة، فيما يراه البعض استراتيجية ذكية لإشعال الرغبة فيها أكثر.
فحقيبة الـ«بيركن» العادية مثلا تباع بنحو 6 آلاف جنيه إسترليني، ومع ذلك فإن لائحة الانتظار عليها تصل إلى سنوات أحيانًا، بينما يكون الحصول عليها في المزادات بمثابة الفوز بصيد ثمين حسب الخبراء.



عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

TT

عزة فهمي... تحمل عشقها للغة الضاد والتاريخ العربي إلى الرياض

(عزة فهمي)
(عزة فهمي)

في ليلة دافئة من ليالي مدينة الرياض وقبل نهاية عام 2024 بأشهر قليلة، سطعت النجوم لتنافس بريق حضور تتقدمه يسرا وهند صبري وفاطمة البنوي إلى جانب باقة من الشخصيات المبدعة والمؤثرة في مجالات الفن والترف والجمال. المناسبة كانت افتتاح أول محل رئيسي لنجمة أخرى هي عزة فهمي.

فنانة تعتز بكل ما هو عربي أصيل وتُروجه للعالم في أجمل حالاته. فهي ترى الجمال في مشربيات البيوت القديمة وفي غموض الفراعنة كما في قصور المماليك وأشعار الشعراء وأغاني أم كلثوم وتفتُّح الورود وأجنحة الطيور. أي كل شيء يتحرك لتلتقطه عيناها. تختزل كل هذا في حليٍّ تحكي ألف قصة وقصة بخط عربي واضح، يزيد من جماله توظيفها فيه للفضة والذهب والأحجار الكريمة. كانت أول من فعل ذلك في العالم العربي لتتحول إلى مدرسة.

عزة فهمي مع النجمة يسرا في محلها الجديد بالرياض (عزة فهمي)

رباعيات صلاح جاهين

تقول إن فترة السبعينات من القرن الماضي كانت حقبة مهمة في تكوينها الفني. كان شعراء من أمثال عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وصلاح جاهين ضمن دائرة أصدقائها إلى جانب فنانين من مجالات أخرى مثل النحت والتصوير والسينما. تتذكر أن أول بيت شعر استعملته كان للشاعر التونسي أبو القاسم الشابي، وكان على سلسلة مفاتيح. أتبعته بمجموعة لرباعيات صلاح جاهين، لقيت صدى كبيراً، وفق ما تقول: «كانت هذه الرباعيات تلخص فلسفة الدنيا كلها. كل شخص كان بيلاقي نفسه في رباعية معينة، وهو ما أشعرني كم أنا محظوظة أني من هذه البقعة من العالم لما تحتويه من كنوز ثقافية فنية قديمة وحديثة على حد سواء».

عقد من مجموعة «ثريا» مستوحى من الطراز العثماني تتوسطه كلمة «سعادة»... (عزة فهمي)

حب مصر

هذا التفنن السردي الذي تصبه في مجوهراتها، ورثت جانباً كبيراً منه عن والدها، الذي تقول إنه «كان قارئاً نهماً وعاشقاً للثقافة العربية على وجه الخصوص... منه تعلمت أن أحب مصر، شعبها، وعمارتها، وأرضها».

ومع كل هذا الحب لمصر، كان توسعها خارجها مسألة وقت فقط. فمن ورشة صغيرة في حلوان ثم في «بولاق الدكرور» المنطقة الشعبية المواجهة للمهندسين بالقاهرة، بدأت تصاميمها تنتشر وتشد انتباه العالم، لا سيما بعد أن تزينت بها مثيلات لايدي غاغا وغلين كلوز وناعومي كامبل وقبلهن يسرا وسعاد حسني وأسمهان ونعيمة عاكف وسامية جمال وغيرهن كثيرات، فضلاً عن استقبال متاحف مثل «السميسونيان» في واشنطن إبداعاتها.

بادلتها لغة الضاد الحب ذاته، إذ لمست تصاميمها وتراً حساساً لدى كل امرأة تفهم الشعر وتسمع أغاني الحب، وتريد أن تتزين بهويتها أو فقط أن تجعل من مجوهراتها مفتاحاً لأحاديث ممتعة في سهراتها الطويلة.

بداية الشغف

تتذكر عزة أن الطريق لم يكن معبَّداً بالورود، لكنه كان واضحاً أمامها. شعرت منذ الصبا أن حسها الفني لا يضاهيه سوى طموحها الكبير للتميز، لهذا استقالت من عملها الحكومي لتتفرغ لممارسة فنها. ولكي تُتقنه ويأتي بالمستوى المطلوب، استعانت في البداية بـ«معلمي» خان الخليلي. تتعلم منهم وتتعامل معهم. لكن حتى هؤلاء، أدركت بعد وقت أن طموحاتها تفوق إمكاناتهم وتقنياتهم. ما كان يدور في خيالها من أفكار وصور تريد أن تجسدها في قلادات أو أساور أو أقراط وخواتم كان جديداً عليهم. تقول في مذكراتها «أحلام لا تنتهي»: «كان أمل حياتي أن أدرس في الكلية الملكية لفنون الحلي والمجوهرات بلندن حتى أصقل موهبتي وأتمرس في تنفيذ أفكاري وترتيب تلك الصور التي تتراكم في خيالي بشكل متسارع».

سوار من مجموعة «ثريا» مستوحى من الطراز العثماني تتوسطه كلمة «سعادة»... (عزة فهمي)

تحقق الحلم وتعلمت في عاصمة الضباب فنون التصميم وتطبيق النظريات بشكل علمي وتقني. والأهم تعلمت كيف تنفذ التصاميم بنفسها، وهذا يعني أنها تحررت من أسْر الاعتماد على الغير. تشير في مذكراتها: «حينها فقط، شعرت أني أستطيع تنفيذ تصميمات معقَّدة وجديدة وأنا في غاية السعادة».

من تلميذة إلى معلمة

كانت دراستها ثم تخرجها نقطة تحول مهمة في مسيرتها، إذ منحتها القدرة والثقة على التعامل مع الحرفيين بندية. تقول: «قبل لندن كنت عندما أطلب منهم أحياناً تنفيذ رسمة معقدة بعض الشيء يأتيني ردهم: مينفعش يا باشمهندسة». يُسهبون في تبرير الأسباب، فيُفحمونها، لتقف مكتوفة اليد. لكن بعد لندن تغيَّر كل شيء؛ «أصبحت لديّ الثقة في أن أردّ عليهم، وأنا متسلحة بقدرتي على تنفيذها بنفسي». كانت تقوم بذلك على مرآهم لـ«أبرهن لهم أن كل شيء ممكن». وهكذا تحولت التلميذة إلى معلمة، وتغير لقبها لدى الحرفيين من «باشمنهدسة» إلى «الأسطى المعلم».

أقراط أذن من مجموعة «حكايات النيل» مكتوب عليها كلمة «الوصال» للتعبير عن الحب الأبديّ (عزة فهمي)

تتحسر على تلك الأيام وهي تقول كم أنها تفتقد العمل بيدها: «لقد أخذتني مشاغل الحياة وأصبحت مجرد مصممة لا منفِّذة». ثم تستطرد قائلةً بنظرة رضا إنها كسبت نفسها في المقابل.

في دردشة حميمة معها على ضفاف نهر النيل منذ نحو عام تقريباً، ذكرت لي أنها الآن أكثر هدوءاً وتصالحاً مع نفسها، إذ باتت ترى العالم من منظور مفعم بالسكينة والإيجابية، بعد أن ابتعدت عن توترات الحياة وضغوطها. تنصحني باليوغا التأملية وهي تعدِّد لي محاسنها وتأثيراتها، وتقول إنها لا تستغني عنها أبداً. بل تؤكد أن سفرها لممارستها والتمرس فيها في أماكن مختلفة من العالم، بات تقليداً سنوياً لا تحيد عنه.

كلامها عن هذا الهدوء النفسي والروحي الذي ارتقت إليه، لا يُشعرك بأنه خفف الشعلة الإبداعية بداخلها ولا تعصبها لعروبتها. لا تزال «الأسطى المعلم» حتى بعد أن سلَّمت جانباً كبيراً من أمور عملها لابنتيها، فاطمة وأمينة غالي.

فاطمة، وهي كبرى بناتها، تقوم منذ سنوات بدور الرئيس التنفيذي لما تتمتع به من دراية بإدارة الأعمال وتعرف تماماً ما تحتاج إليه علامة «عزة فهمي» من تطوير من دون المساس بجيناتها.

أمينة غالي ابنة عزة فهمي مع ضيفاتها في الرياض (عزة فهمي)

أما أمينة غالي، صغرى بناتها، فالتحقت بالعمل مع والدتها في عام 2005. رافقتها كظلها لثلاث سنوات تقريباً، تتعلم منها كل صغيرة وكبيرة وتتشرب منها مبادئ الدار وأسسها قبل أن تصبح المديرة الفنية حالياً. لكنّ فاطمة وأمينة تعترفان بأن والدتهما لا تزال القائد الذي لا يقبل بأنصاف الحلول. أما عزة فتقول بنبرة فخر إنهما إضافة رائعة لها «نحن من جيلين مختلفين لكن يكمل بعضنا بعضاً بشكل متناغم».

الهوية العربية... خط أحمر

ما يُثلج الصدر في هذه المسيرة، إلى جانب أن عزة لا تزال تمسك بكثير من خيوط الدار بيد فنانة وأم، أنها لا تتهاون في أي شيء يرتبط بما هو عربي أو مصري، من ثقافة وفنون وتقاليد وتاريخ. ربما الآن أكثر من أي وقت سابق نظراً إلى توسعها في مناطق مختلفة من العالم.

افتتاح أول متجر رئيسي لعزّة فهمي في المملكة العربية السعودية حدث يعزّزها جسراً يربط بين التراث والفخامة (عزة فهمي)

لا تُنكر أن وجودها في لندن لسنوات، في «بيرلنغتون أركايد» بمنطقة «مايفير»، كان محطة رئيسية لعلامتها، إلا أن افتتاح أول محل رئيسي في مركز المملكة التجاري بمدينة الرياض، له نكهة أخرى. فهو إنجاز استراتيجي تعتز به، نظراً للشعبية التي تحظى بها في المنطقة منذ عقود. فلها فيها زبونات مخلصات قدَّرن فنّها منذ السبعينات. تشرح أن هذه الخطوة هي ثمرة لشراكة عمرها 14 عاماً تقريباً مع شركة «عطّار المتحدة»، التي فهمت جينات «عزة فهمي» واقتنعت بها، وهو الأمر الذي يتجلى في كل تفصيلة من تفاصيل ديكورات المحل، من الألوان والنقشات إلى الثريات مروراً بطاولات العرض والقطع المعروضة عليها بكل حب.

احترم مصممو ديكور المحل الجديد أن تصاميمها بمثابة جسر يجمع العراقة بالأصالة (عزة فهمي)

فالمحل يتنفس جيناتها وفلسفتها إلى جانب الفخامة التي يفرضها المكان ومدينة الرياض. ما يُحسب لمصممي الديكور استيعابهم أن المتجر سيكون بمثابة جسر يربط بين التراث والفخامة، وهذا ما جعل تصميمه يتعدى كونه مجرّد مساحة أنيقة وشاسعة لعرض الحليّ والمجوهرات الرفيعة، بل جاء امتداداً لرؤية عزّة والتزامها بالحرفية بوصفها تراثاً ثقافياً عابراً للأجيال.

كلمة «حب» التي تظهر في كثير من القطع المنزلية كما في قطع مجوهرات مثلاً لم تأتِ من فراغ، فهي تعكس شخصيتها وأسلوبها في التصميم على حد سواء. هي التي تكرر دائماً أنها لا تستطيع أن تقوم بأي شيء لا تحبه «لأنني أعرف مسبقاً أنه لن يكون جيداً وسيفتقر إلى شيء مهم».

قلادة من مجموعة «حكايات النيل» التقى فيها الآرت ديكو مع التراث المصري (عزة فهمي)

بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية لافتتاح محل رئيسي في الرياض، فإن الافتتاح نفسه لم يكن مجرد مناسبة اجتماعية تضم نجوم المجتمع والفن والمال والأعمال فحسب. كان احتفالاً برحلة عزّة فهمي على مدى 55 عاماً، متتبعاً أهم محطاتها الإبداعية من خلال مجموعات أيقونية وأخرى جديدة مثل مجموعة «حكايات النيل» التي عُرضت أول مرة في يوم الافتتاح، وقالت عزة فهمي إنها تُجسد قصصاً ملهمة من التراث المصري الأصيل، تجمع الماضي بالحاضر. كل قطعة منها تحاكي لوحة فنية في ظاهرها، وتسرد حكاية من حكايات الحب الأبديّ في مضمونها وكلماتها.