همزات الوصل بين «داعش» والجماعات المسلحة في ليبيا

بعضها شخصيات مذهبية «خالصة».. وأخرى تعمل لصالح جهات خارجية

متظاهرون يحتجون في مسيرات على تواجد الميليشيات المسلحة في شوراع العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
متظاهرون يحتجون في مسيرات على تواجد الميليشيات المسلحة في شوراع العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
TT

همزات الوصل بين «داعش» والجماعات المسلحة في ليبيا

متظاهرون يحتجون في مسيرات على تواجد الميليشيات المسلحة في شوراع العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)
متظاهرون يحتجون في مسيرات على تواجد الميليشيات المسلحة في شوراع العاصمة طرابلس (أ.ف.ب)

بينما تنجرف ليبيا سريعا نحو مزيد من الفوضى، وبخاصة في مناطق غرب البلاد، تنتشر خلايا تنظيم داعش في الكثير من البلدات والمدن الليبية، جنبا إلى جنب الكثير من الجماعات المسلحة، بطريقة مثيرة للاستغراب، بما في ذلك محاولات التنظيم للعودة إلى سرت التي جرى الإعلان عن طرد «داعش» منها في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبما في ذلك أيضا مشاركة عناصر داعشية في الهجوم على الموانئ النفطية قبل أسبوعين، ضمن خليط من ميليشيات جهوية ومذهبية مختلفة. وتلعب شخصيات مما يطلق عليها «شخصيات الصف الأول في (داعش)»، داخل ليبيا دورا كبيرا في التنسيق مع جماعات مسلحة أخرى تنتشر في عموم ليبيا، معظمها من الموالين للجماعة المقاتلة، ولجماعة الإخوان. ويجري خلال اللقاءات السريعة التي تجرى بعيدا عن الأضواء، تبادل المبررات الفقهية للتعاون والعمل المشترك؛ استنادا إلى مقولات تعود إلى القطب الإخواني سيد قطب، وإلى مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، وإلى قيادات أخرى تتبنى التفسير المتشدد للدين.
بحلول منتصف هذا الشهر، تمكن عدد من قيادات «دواعش ليبيا» من العودة إلى مدينة سرت، بعد أن جرى «طبخة فقهية» جعلت بعض الميليشيات الموالية لأحد متصدري الفتوى السابقين في ليبيا وهو (خليط إخواني - قاعدي)، تتقبل تفسيرات وفتاوى تصب في صالح التعاون مع «داعش».
ووفقا لتحقيقات تجريها المخابرات الليبية مع موقوفين من «داعش»، في كل من مصراتة وطرابلس، فقد رجع إلى سرت مجددا قادة من التنظيم لاستطلاع الأوضاع؛ تمهيدا للتمركز في المدينة مرة أخرى. ومن هؤلاء القادة «أبو إسحاق»، صومالي الجنسية، و«أبو المهاجر» ليبي الجنسية، و«أبو عبد الله» مصري الجنسية، وأشهر من كان يرفع شعار «جئناكم بالذبح»، انطلاقا من سرت، و«أبو حيدرة» تونسي الجنسية، وغيرهم.
حين توجهت هذه القيادات الداعشية إلى سرت، ومعها بعض العناصر المسلحة، لم تأخذ الإذن من الموالين للقوات المحسوبة على «دار الإفتاء»... ورغم التفاهم بين الطرفين، إلا أن مجموعة «دار الإفتاء» رأت في التحرك المنفرد للدواعش، إهانة، وتدخلت لمنعهم من الوصول إلى هناك، لكن الدواعش ردوا بعنف، وأطلقوا قذائف الـ«آر بي جيه» على السيارات الخمس التي وصلت لتوقيفهم على حدود سرت.
يقول مصدر أمني: «لم يكن أحد يتخيل حدوث مواجهة بينهما، فهما كانا حتى يومين سابقين يحاربان معا الجيش الوطني في الموانئ النفطية؛ ولهذا سارع خصوم حفتر باتهام الجيش بأنه هو من هاجم ميليشيات (دار الإفتاء) قرب سرت، بينما رد موالون لحفتر بأن الاشتباكات كانت بين بقايا قوات (البنيان المرصوص) المتمركزة في سرت والدواعش». ويضيف: «على كل حال جرى معالجة الموقف سريعا، بعد أن قتل (داعش) ثلاثة من المحسوبين على قوات دار الإفتاء. وبعد مفاوضات تم السماح للقيادات الداعشية باستكمال مهمتها الاستطلاعية داخل سرت».
ومن بين الدواعش الذين يجري التحقيق معهم لدى إدارة الاستخبارات العسكرية في مدينة مصراتة، تونسي يدعى زهير. وتمتلك مصراتة، الواقعة قرب العاصمة في غرب ليبيا، كتائب وميليشيات ومخابرات تعمل بمعزل عن السلطات الشرعية المتمثلة في البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق، في شرق البلاد، وهو البرلمان المنبثق عنه كل من الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، والجيش بقيادة حفتر.
وتنتشر كتائب وميليشيات محسوبة على مصراتة في طرابلس وفي سبها جنوبا. كما أن الغالبية العظمى من عناصر «قوات البنيان المرصوص» التي أشرف عليها المجلس الرئاسي المدعوم دوليا، كانت من مصراتة. وأدت إصابة آمر الاستخبارات العسكرية في مصراتة، العميد إبراهيم بيت المال، في قصف على منطقة الجفرة قبل شهرين، إلى ارتباك ملحوظ في العمل الخاص بملاحقة «داعش». ويعالج بيت المال حاليا في ألمانيا، بعد أن تمكن طوال العامين الماضيين من كشف ألغاز التنظيمات المتطرفة وعلاقاتها مع جهات خارجية، ومنها «داعش» و«المقاتلة» و«الإخوان».
وتواصل عناصر استخباراتية في مصراتة التحقيق مع قيادات داعشية من تلك التي جرى القبض عليها في فترة عمل العميد «بيت المال» وما بعدها أيضا. ومن هؤلاء التونسي زهير الذي جرى اعتقاله مطلع هذا الشهر أثناء مهمة لـ«داعش» على مشارف بلدة بني وليد الواقعة على بعد 180 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس. واعترف زهير للمحققين بأنه كان في السابق من عناصر وحدة العمليات الخاصة التابعة للجماعة الليبية المقاتلة. وأنه انتقل بتوجيهات من «الجماعة» للاشتراك في الحرب على رئيس النظام السوري بشار الأسد.
واستمر في سوريا حتى مطلع عام 2012، حيث صدرت له تعليمات من الجماعة المقاتلة بالعودة إلى ليبيا، التي دخلها من مطار في بنغازي، وهو المطار الذي كان في ذلك الوقت يخضع لهيمنة كل من الجماعة المقاتلة وجماعة الإخوان.
وتضيف اعترافات الداعشي التونسي، أنه بعد محطة بنغازي، انتقل بناء على رغبة الجماعة المقاتلة، إلى العاصمة، حيث انخرط ضمن ما يعرف بـ«كتيبة ثوار طرابلس». واستمر هناك إلى أن أعلن تنظيم داعش تأسيس أول مركز له في شمال أفريقيا حين احتل مدينة سرت في عام 2015. وبحسب اعترافات زهير للمحققين، فقد انتقل إلى سرت للعمل مع «داعش»، بينما ظلت علاقته مستمرة مع اثنين من كبار القيادات الرئيسية في «الجماعة المقاتلة» بطرابلس، وتلقى منهما مساعدات مالية لكي يستقر مع «داعش» في سرت، بلغ قدرها 200 ألف دولار جرى توصيلها إليه عن طريق صومالي يدعى «الأتربي».
وظل «الأتربي» همزة وصل بين القياديين في الجماعة المقاتلة وزهير لشهور عدة، بما فيها الفترة التي كانت فيها «قوات البنيان المرصوص» تشن الحرب على التنظيم في سرت. وتضمنت اعترافات زهير الهدف من وجوده في سرت وتلقيه الأموال من قادة في «الجماعة المقاتلة»، حيث قال، وفقا للتحقيقات التي أمكن الاطلاع على جانب منها، أنه كان يدير مجموعة داعشية في سرت تعمل وفقا لتعليمات من قادة في «الجماعة المقاتلة» في طرابلس، وأن هذه الأموال كانت مخصصات لهم.
وتابع زهير في اعترافاته، إن مجموعته «كانت تزود قادة في (المقاتلة) بمعلومات عن مبعوثين أجانب يدخلون إلى سرت ويلتقون بزعماء تنظيم داعش، وعن زوارق تصل بمقاتلين وأسلحة من البحر إلى سرت، وغيرها من التفاصيل داخل المدينة»، وأضاف أنه سلم لقادة في «الجماعة المقاتلة» تسجيلات ومقاطع مصورة ووثائق ورقية عن أنشطة التنظيم.
وقال زهير أيضا، بحسب اعترافاته، إنه صدرت إليه تعليمات بعد ذلك بالسفر إلى إحدى الدول بمنطقة الشرق الأوسط رفقة القيادي المشار إليه في «الجماعة المقاتلة»، والتقيا معا أطرافا في تلك الدولة، وجرى التحدث عن الوثائق التي سبق وأرسلها عن «داعش» في سرت، والثناء على دوره. وتابع زهير، أنه بعد تلك الزيارة التي أعقبت خروج تنظيم داعش من سرت، كلفه القيادي في «الجماعة المقاتلة» بالالتحاق مع باقي عناصر «داعش» التي أخذت تنشط حينذاك داخل مدينة مصراتة.
ووفقا لمحقق كان يشرف على استجواب زهير، فإن هذا التونسي يؤمن بأن ما كان يقوم به داخل «داعش» هو خدمة للتنظيم وليس خيانة له كما يعتقد البعض، حيث يزعم أن المعلومات التي قدمها عن تحركات التنظيم ساعدت في إنقاذ مقاتليه من الهلاك طوال ثمانية شهور من حرب «قوات البنيان المرصوص» على «داعش» في سرت. وأشار المحقق إلى أن زهير عمل داخل مجموعتين داعشيتين أخريين تنشطان على الحدود الليبية التونسية، وأشرف على إدخال مجاميع متطرفة من تونس إلى بلدات ليبية مجاورة للحدود منها صبراتة وزوارة.
ويبدو من استجواب زهير أنه معروف بشكل جيد للكثير من التنظيمات المتطرفة على الحدود الليبية التونسية منذ مطلع العام الماضي، ومنها تنظيم «جند الحق» على الجانب الليبي من الحدود، الذي يعرف كذلك باسم تنظيم «جند الخلافة» على الجانب التونسي من الحدود. ويقول المحققون إن «زهير تردد أيضا على قيادات من (داعش) ومن (الجماعة المقاتلة) من بلدة صبراتة في شهر يوليو (تموز) الماضي، حيث جمعهم لقاء مثير للاستغراب في منطقة (استراحة المصيف) قرب (غوط الشعال) غرب طرابلس».
وبحسب اعترافات زهير، فقد كان معه تسعة مقاتلين دواعش، قادمون معه من تونس، وتناول وجبة الغداء مع قيادات من الجماعة المقاتلة من منطقة غوط الشعال، بينهم أستاذ في المعهد الديني للطلائع الموجود بالمنطقة، ومن دواعش صبراتة أيضا، إضافة إلى شخصيات موالية لـ«قوات دار الإفتاء».
وقال زهير: إنه وقعت خلافات بين هؤلاء، عقب الغداء، بشأن الوجهة التي ينبغي عليه أن يسلكها مع المقاتلين القادمين معه من تونس... «كان يفترض تسليم من معي لـ(قوات دار الإفتاء)، قرب مصراتة، لكن زعيم في (الجماعة المقاتلة) طلب أن نواصل طريقنا إليه، حيث كان ينتظرنا داخل طرابلس... وتسلم جميع العناصر التونسية، وتبين أنه كان هناك اتفاق مسبق على هذا بين قادة كبار من (الإفتاء) و(المقاتلة)».
وجرى اعتقال زهير يوم السادس من الشهر الحالي، أثناء عودته ليلا من مهمة مع زعيم داعشي من مالي يدعى الأنصاري. وجاء في اعترافات التونسي، أن القيادي في الجماعة المقاتلة المشار إليه هو الذي عرفه بالأنصاري، حيث قابل هذا الأخير في مقر لشركة تتبع الدولة التي سبق وسافر إليها مع قيادي «المقاتلة» نفسه. ويقع مقر الشركة على الحدود الليبية التشادية. ومن هناك تم الاتفاق على أن يتولى زهير نقل العناصر الماليّة التابعة للأنصاري، إلى كل من مدينة سبها في الجنوب الليبي، ومدينة بني وليد شمالا. وقال زهير إن «قيادي (المقاتلة) هو من سدد أموال العملية».
وبحسب التحقيقات، فقد ترك كل من الأنصاري وزهير، نصيبا من المقاتلين الذين يقدر عددهم بالعشرات، في سبها، ثم توجها معا شمالا، عبر الصحراء، إلى مدينة بني وليد. واصطدم الرجلان بقوات من «البنيان المرصوص» على مشارف المدينة؛ ما تسبب في هرب الأنصاري بمجموعته في اتجاه بني وليد، والقبض على زهير.
ومن المعروف أن بني وليد التي تسكنها قبيلة «ورفلة» على خصومة كبيرة مع مصراتة التي ينتمي إليها غالبية مقاتلي «البنيان المرصوص». ويقول المحقق: «لم نتمكن من ملاحقة باقي قوات الأنصاري... لقد اختفت في بني وليد، وهذا أمر يصعب التعامل معه في الوقت الراهن بسبب الحساسية القبلية بين ورفلة ومصراتة».
ومن بين همزات الوصل الأخرى التي ظهر لها دور في الربط بين «داعش» وعدد من الجماعات المسلحة في ليبيا، رجل ليبي يعد من ذوي الحيثيات الكبيرة في أوساط المسلحين في كل من مصراتة وطرابلس والجفرة وسبها. وتقول تحقيقات الاستخبارات العسكرية الليبية إنه استقبل في الجفرة عشرات من مقاتلي تنظيم «بوكو حرام» الموالي لـ«داعش»، بقيادة النيجيري غيال، الذي ينشط في شمال النيجر. وشارك الرجل الليبي نفسه في قيادة الميليشيات المتطرفة التي شنت الحرب الأخيرة على قوات الجيش في الموانئ النفطية.
وتتمركز مجموعة من «بوكو حرام» في الوقت الراهن في سبها، بالتنسيق مع الليبي المشار إليه، رغم أن غيال كان من القيادات التي تحارب «قوات البنيان المرصوص» في سرت. وتقول التحقيقات إن «غيال، الذي يتردد على ليبيا منذ عام 2011 انضم إلى قادة من الجماعة الليبية المقاتلة ومن (الإخوان)، عقب نجاته من غارة جوية استهدفت اجتماعا كان يشارك فيه مع الجزائري مختار بلمختار، أحد قيادات تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا»، مشيرة إلى أن الداعشي النيجيري سبق واشترك كذلك في صفوف موالين لجماعة الإخوان و«الجماعة المقاتلة» وهم يحاربون ضد الجيش الليبي في درنة وبنغازي.
همزة وصل أخرى تربط بين «داعش» وبعض الجماعات المسلحة في ليبيا، من خلال قيادي موجود داخل تنظيم يسمى «الفاروق». وتدخل هذا القيادي للإفراج عن سبعة مصريين من دواعش سيناء، في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد أن فروا من مدينة إجدابيا الواقعة غرب بنغازي، أمام ضربات الجيش الليبي. وشاركت عناصر من تنظيم «الفاروق»، مع قوات تابعة لـ«المقاتلة» ولـ«الإخوان»، في تدريبات عسكرية داخل مدينة تاورغاء المهجورة والمجاورة لمدينة مصراتة، قبل أن يلتحقوا بباقي قوات المسلحين في مركز تجميع القوات المناوئة لحفتر في قاعدة الجفرة.
ويعد قيادي آخر فيما يعرف بـ«الحرس الوطني» من همزات الوصل المهمة بين «داعش» والكثير من المجاميع المسلحة. كان هذا القيادي يعمل مع زعيمي «داعش» في ليبيا: «أبو الليث»، ليبي الجنسية، و«أبو طلحة» لبناني الجنسية. وتقول تحقيقات المخابرات الليبية إن «القيادي في (الحرس الوطني) شارك في مد (داعش) في سرت بالأسلحة خلال الحرب بين التنظيم و(قوات البنيان المرصوص)، رغم أنه دخل إلى سرت تحت راية (البنيان المرصوص)، وأن الاستخبارات العسكرية في مصراتة كشفت تواطؤه مع (داعش) وأوصت بسحبه من سرت حينذاك لهذا السبب. وجرى ترشيح هذا الرجل ليكون قياديا في (الحرس الوطني) في حكومة الإنقاذ، قبل شهر، بتوصية من مجاميع مسلحة موالية لكل من (دار الإفتاء) و(الجماعة المقاتلة) و(الإخوان)».
همزة وصل أخرى لا تقل أهمية عن كل ما سبق، وهي عبارة عن غرفة عمليات خاصة جرى تأسيسها قرب الحدود الليبية التونسية مع الجزائر، ناحية بلدة غدامس، وتم تكليف تونسي من منطقة بن قردان، يدعى «أبو مصعب»، بإدارتها. والهدف من الغرفة بحسب المصادر الأمنية، تسهيل عملية جمع المسلحين من «داعش» ومن التنظيمات الأخرى، بما فيها تلك الموالية لـ«القاعدة» و«الإخوان»، وإخضاعهم للتدريب قبل إعادتهم إلى بلدانهم مرة أخرى عبر الحدود الصحراوية الشاسعة.
ومن بين الشخصيات النشطة في غرفة العمليات هذه رجل يلقب بـ«الشيشاني»، وله علاقات واسعة في تلك المنطقة مع تجار مخدرات ومهربين، وبخاصة في الدروب الصحراوية بين ليبيا والجزائر، ومنها درب البرمة، ودرب تيمارولين. وبالإضافة إلى من وصل إليها من العشرات من المتطرفين التونسيين والجزائريين ومن «بوكو حرام»، استقبلت الغرفة أكثر من 200 مقاتل ممن فروا من العراق وسوريا في الشهور القليلة الماضية.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.