تحذيرات من استهداف أميركي لإدلب بعد تجاهل حركة أحرار الشام رسائل واشنطن

قلق يخيم على فصائل الشمال السوري... ومخاوف من إسناد مهمة طرد «القاعدة» منه للأكراد

تحذيرات من استهداف أميركي لإدلب بعد تجاهل حركة أحرار الشام رسائل واشنطن
TT

تحذيرات من استهداف أميركي لإدلب بعد تجاهل حركة أحرار الشام رسائل واشنطن

تحذيرات من استهداف أميركي لإدلب بعد تجاهل حركة أحرار الشام رسائل واشنطن

لم تقرأ حركة أحرار الشام الإسلامية بوضوح الرسائل الأميركية التحذيرية من الاندماج والتعاون مع أذرع تنظيم القاعدة في سوريا. بل خالفت مضمون رسالة واشنطن التي حملها مبعوثها إلى سوريا مايكل راتني الأسبوع الماضي، وذلك بدعوة القائد العام للحركة علي العمر إلى «توحيد الصف والابتعاد عن المزايدات»، ما يعني مخالفته المساعي الأميركية بفصل المتشدّدين عن المعتدلين.
يترتب على «سوء التقدير» لدى «أحرار الشام»، حسب مراقبين، خطران أساسيان بالنسبة للمعارضة السورية التي تتخوف من أن «تشرّع» خطوة «الأحرار» هذه استهداف محافظة إدلب من قبل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، في ظل حساسية الرئيس الأميركي دونالد ترمب المفرطة تجاه كل ما هو متشدد. ثم إنها قد تحوّل الأنظار الأميركية باتجاه أكراد سوريا للتعاون معهم في السيطرة على إدلب، بدلا من التعاون مع فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» لتنفيذ هذا الدور. وهذا بينما بات واضحا «إقفال تركيا الغرف العسكرية الداعمة للفصائل السورية المعتدلة وتركيز الدعم على قوات درع الفرات التي يُستبعد أن تتمكن من القيام بمهمة إزاحة المتشددين في إدلب»، كما قالت مصادر سورية معارضة لـ«الشرق الأوسط».
راتني كان قد أعلن أن زعيم تنظيم جبهة النصرة «أبو محمد الجولاني وعصابته لم يدخروا جهدا من أجل النفاذ والاختباء كالطفيليات في جسد الثورة السورية، ليبدأوا بعد ذلك بابتلاعها من الداخل»، وأن «هيئة تحرير الشام (التي تضم «النصرة» - جبهة فتح الشام) استهدفت ضرب رموز الثورة، ومارست أعمالا تدميرية طالت حركة أحرار الشام وغيرها ممن هم من أشد المدافعين عن الثورة». ولكن في خطوة مفاجئة، دعا قائد «الأحرار» علي العمر في تسجيل بث مساء أول من أمس الجمعة «النخب من العلماء والمدنيين والعسكريين إلى اجتماع عاجل لمناقشة الوضع الراهن للثورة وسبل توحيد صفها والخروج بها من صف المزايدات»، مطالبا «الإخوة في الفصائل العسكرية» بعملية مشتركة «تُغِير على معاقل النظام وتعيد لثورتنا وهجها ولصفوفنا ألفتها». وتمثل دعوة العمر للتنسيق، عرضا مغريا بالنسبة لـ«هيئة تحرير الشام» التي تسيطر «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) على قرارها، بالنظر إلى أن التنسيق مع فصيل معتدل «من شأنه أن يستدعي المجتمع الدولي للتعامل معها».
الباحث السوري في شؤون الجماعات المتشددة، عبد الرحمن الحاج، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «(النصرة) ترى أن الظروف مواتية للتمدد وفرض نفسها في شمال البلاد»، لكنه حذر من أن هذا الأمر إذا تحقق «فسيكون السبب الرئيسي في محرقة إدلب، كونه سيستدعي التحالف لضرب المحافظة، بذريعة أنها يسيطر عليها المتشددون».
وأوضح الحاج، أن «الحسابات الآن مختلفة. إذ يعتمد (الأحرار) على البيان الأميركي الذي يصنفهم معتدلين، لكنهم إذا لعبوا دورا مع الفصائل التي تصنفها واشنطن على أنها من (القاعدة)، فلن يكون ترمب متساهلا معهم، لأنهم سينسقون مع أطراف تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية». وأعرب عن اعتقاده أنه «من الصعب أن ينجح هذا النمط من التفكير، ولا يمكن الرهان على أن توسيع نفوذها باتفاق مع تنظيم القاعدة يمكن أن يجنب المنطقة المحرقة». ومن ثم، حذر الحاج من أن الشبكات التي يمكن أن تنشأ بين «أحرار الشام» و«هيئة تحرير الشام»، «من شأنها أن تحصر الخيار أمام الأميركيين للاعتماد على الأكراد للسيطرة على إدلب»، وذلك «في حال فشل الجيش الحر بالسيطرة عليها ولم يتم الاعتماد عليه في المعركة». وأردف: «حسابات إدارة ترمب تؤدي إلى هذا الخيار، بالنظر إلى أن الإدارة متمسكة بالأكراد، لأنهم حليف مطواع، وهو يستخدم للحد من نفوذ تركيا، فضلا عن أنه مقبول من الأوروبيين»، رغم أن مشكلة الأكراد أنهم أقلية. لكن ذلك لا ينفي - بحسب الحاج - «أنه يمكن استخدامهم في المعركة، من غير منحهم دورا سياسيا، تفاديا لأزمة مع السوريين العرب».
هذا، ويشعر المعارضون في الشمال السوري بعمق الأزمة و«بقلق عام»، ويدركون أن جميع السيناريوهات «سيئة»، ومن ضمنهم «أحرار الشام» التي ترى أن المأزق «يتطلب أن تجتمع الشخصيات لنقاش المشكلات وحلها». وهذا، من غير التأكد من أن الأمور ستثمر نتائج إيجابية، كون «الأحرار» اليوم في وضعية الدفاع عن وجودها أمام تمدد المتطرفين، في حين لا تبدي «النصرة» رغبة بالتنازل والتخلي عن علاقتها بتنظيم القاعدة.
وفي هذا الوقت، ترى واشنطن أن محاولات «جبهة النصرة» فك الارتباط وتغيير الاسم غير مقنعة، وأنه رغم وجود فصائل داخل الهيئة أقل تشددا فإنها تعمل كإمارات لتخدم مشروع «القاعدة» في الخلافة، بحسب ما جاء في مقال كتبه تشارلز ليستر في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية قبل أيام.
ويشير الحاج إلى أن «هيئة تحرير الشام» تحاول التواصل مع واشنطن وفرض نفسها كقوة في الشمال، قبل أن تغلق واشنطن الباب عبر تأكيد راتني «أننا حذرنا من غدر (القاعدة) في سوريا وخداعها ومحاولاتها تضليل السوريين وتضييع ثورتهم». ويشدد الحاج على «ألا أمل في تنفيذ الولايات المتحدة رغبة (هيئة تحرير الشام) بالتواصل معها، كون إدارة ترمب متشددة ضد كل ما هو إسلامي متشدد، ويزداد ذاك مع بقايا (القاعدة) أو من لهم ارتباطات بالتنظيم المعولم»، معربا عن اعتقاده أن هناك «خططا أميركية لتحويل إدلب إلى محرقة رسمية».
وتابع الخبير: «هناك دعم أميركي لفصيل يمثل الثورة. الآن من المفترض بـ(أحرار الشام) القيام بدور مناسب للحفاظ على دورهم، وليس العكس كما جاء في تصريح العمر الذي أوحى بأن هناك تفكيرا بالتحالف مع النصرة». وأضاف: «الوقت دقيق جداً، وحان موعد إعادة التفكير بالمسارات العسكرية للثورة والمطلوب وضع استراتيجية واضحة لمرحلة ما بعد الأسد الذي تؤكد الوقائع أنه انتهى، وكيف ستكون المعارضة لاعبا رئيسيا في سوريا بعد الأسد باعتبارها قوة تحافظ على وجودها والخط العام للثورة وإعادة ترتيب أوراقها الداخلية والخروج من المسار السياسي وإعادة تقييم القوة العسكرية وآليات عملها التي تحتاج إلى وضع استراتيجية تعبر عن الشعب السوري».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.