لا شك أن عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة المعفى من مهمة تشكيل الحكومة سيقابل تعيين رفيقه الدكتور سعد الدين العثماني خلفاً له، بامتنان، بعد أن اضطر عام 2013 لـ«التضحية» به عند إعلان تشكيلة النسخة الثانية من حكومته، حيث غاب اسم العثماني عن لائحة الوزراء، كما غاب عن وزارة الخارجية مرغماً، وها هو اليوم يرد له الاعتبار.
وقتها قال ابن كيران، المعروف عنه أنه درس الفيزياء، إن «مغادرة العثماني للحكومة كانت مؤلمة لحزب العدالة والتنمية»، مشيراً إلى أن العثماني «يحظى بالاحترام والتقدير، واسمه لم يكن مطروحاً بتاتاً لمغادرة الحكومة».
عُين العثماني في منصب وزير الخارجية في 3 يناير (كانون الثاني) 2012، في النسخة الأولى من حكومة ابن كيران التي أتت بها رياح الربيع العربي بعد اندلاع موجة الاحتجاجات في المغرب التي قادتها حركة 20 فبراير (شباط)، وأفضت إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من 2011.
لم يمكث العثماني في منصبه إلا سنة واحدة و9 أشهر، عمل خلالها بحماس كبير، إلى أن قرر حزب الاستقلال بعد انتخاب أمينه العام حميد شباط أن ينسحب من حكومة ابن كيران الذي كان يتوفر فيها على 5 حقائب وزارية، وقيل آنذاك إنه كان يسعى بخروجه إلى إسقاط حكومة ابن كيران. إلا أن ذلك لم يحدث، ودخل ابن كيران في مفاوضات مع حزب التجمع الوطني للأحرار من أجل الانضمام إلى الحكومة، فاستغل أمينه العام آنذاك صلاح الدين مزوار ليشترط على ابن كيران منحه وزارة الخارجية، وهو ما جرت الاستجابة له، وعين مزوار وزيراً للخارجية خلفاً للعثماني، الذي تقبل الأمر برحابة صدر، وإن ترك في نفسه غصة، فحمل أغراضه وتوجه من جديد لافتتاح عيادته الطبية النفسانية في الرباط لاستقبال مرضاه بعد أن كان قد أغلقها عند توليه منصبه الوزاري. بيد أن مغادرة العثماني لوزارة الخارجية لم تكن فقط بسبب أن مزوار كانت عينه على المنصب، فقد كان تعيين شخصية تنتمي لحزب إسلامي على رأس الدبلوماسية المغربية، يثير التحفظ من قبل أطراف إقليمية ودولية، لا سيما أن ذلك تزامن مع التقلبات السياسية للربيع العربي، وتحرك دول عربية للجم طموح جماعة الإخوان المسلمين للاستيلاء على السلطة في البلدان التي عرفت ثورات.
حمل العثماني خلال توليه منصب وزير الخارجية لقب «فقيه الدبلوماسية المغربية»، وذلك بالنظر إلى أنه دارس للفقه.كما عرف بدماثة خلقه، وكسب بذلك تعاطف وتقدير مؤيدي الحزب وحتى خصومه، ونادراً ما كانت الابتسامة تفارق محياه.
وتنتظر العثماني مهمة صعبة جداً، وهي مفاوضات تشكيل الحكومة، التي حالت الشروط التي وضعتها الأحزاب السياسية دون نجاح ابن كيران في تشكيل الحكومة، إلا أن الرجل لن ينطلق فيها من الصفر، فقد كان رفيق ابن كيران منذ اليوم الأول لبدء المشاورات، وحضر استقباله زعماء الأحزاب السياسية، حيث اطلع على كنه المفاوضات، وعرف ما دار فيها، وقد ينجح بخبرته الدبلوماسية وإن كانت قصيرة، في الوصول بها إلى بر الأمان. ومن ثم الإفراج عن حكومة طال انتظارها. بعد مضي ما يزيد على 5 أشهر على الانتخابات التشريعية.
ولد العثماني، في 16 يناير 1956 في اندمان (ضواحي أغادير). وحصل خلال مسيرته العلمية والأكاديمية على الباكالوريا (الثانوية العامة) بثانوية عبد الله بن ياسين بإنزكان (1976)، وعلى دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط (نوفمبر1999)، في موضوع «تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة وتطبيقاتها الأصولية»، ودبلوم التخصص في الطب النفسي سنة 1994 بالمركز الجامعي للطب النفسي بالدار البيضاء، وشهادة الدراسات العليا في الفقه وأصوله سنة 1987 بدار الحديث الحسنية بالرباط. كما حصل على الدكتوراه في الطب العام سنة 1986 بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، والإجازة في الشريعة الإسلامية سنة 1983 بكلية الشريعة بآيت ملول.
وتقلد العثماني عدداً من المسؤوليات، حيث عينه الملك محمد السادس، في يناير 2012، وزيراً للشؤون الخارجية والتعاون.
كما تولى منصب نائب رئيس مجلس النواب للولاية التشريعية 2010 - 2011، ورئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية منذ سنة 2008، وعضو المؤتمر العام للأحزاب العربية، والأمين العام لحزب العدالة منذ أبريل (نيسان) 2004 إلى يوليو (تموز) 2008، ونائب الأمين العام للحزب منذ ديسمبر (كانون الأول) 1999 إلى 2004، ونائب رئيس لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب (2001 - 2002) وعضو مجلس النواب خلال الولايات التشريعية (1997 - 2002، و2002 - 2007 و2007 - 2012).
كما كان العثماني عضواً بمجلس الشورى المغاربي منذ 2002، ومديراً لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية من يناير 1998 إلى نوفمبر 1999، وعضواً مؤسساً لحزب التجديد الوطني 1992 (تعرض للمنع)، وطبيب نفساني بمستشفى الأمراض النفسية بمدينة برشيد (1994 - 1997)، وطبيب طور التخصص في الطب النفسي بالمركز الجامعي للطب النفسي بالبيضاء (1990 - 1994)، وطبيب عام (1987 – 1990).
وتميزت مسيرة العثماني بكثير من الأنشطة العلمية والثقافية، فقد تولى مهام عضو المكتب التنفيذي لجمعية العلماء بدار الحديث الحسنية منذ 1989، وعضو مؤسس في الجمعية المغربية لتاريخ الطب، وعضو مؤسس بالجماعة الإسلامية وعضو مكتبها الوطني (1981 - 1991)، وعضو المكتب التنفيذي لحركة الإصلاح والتجديد (1991 - 1996)، وعضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح (1996 - 2003)، وعضو مكتبة الحسن الثاني للأبحاث العلمية والطبية حول رمضان، والمدير المسؤول لمجلة «الفرقان» الثقافية الإسلامية (من سنة 1990 إلى سنة 2003)، ومسؤول «منشورات الفرقان» سابقاً (أكثر من 50 إصداراً)، ومحرر صفحة «الصحة النفسية» بجريدة «الراية» ثم جريدة «التجديد» لمدة سنة ونصف السنة تقريباً، ومستشار صفحة «مشكلات وحلول» لموقع «إسلام أون لاين».
ونشر العثماني كثيراً من المؤلفات هي «في الفقه الدعوي... مساهمة في التأصيل» و«في فقه الحوار» و«فقه المشاركة السياسية عند شيخ الإسلام ابن تيمية» و«قضية المرأة ونفسية الاستبداد» و«طلاق الخلع واشتراط موافقة الزوج» و«تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة... الدلالات المنهجية والتشريعية» و«الطب العام بالمغرب» (ضمن «معلمة المغرب»)، و«أصول الفقه في خدمة الدعوة».
كما كتب كثيراً من المقالات في مجلات مغربية وعربية وفرنسية، ولا سيما في المحاور المرتبطة بـ«الفقه السياسي والفقه الدعوي» و«نقد الصحوة الإسلامية» و«قضية المرأة من منظور إسلامي» و«قضايا طبية في ميزان الشريعة الإسلامية» و«تاريخ الطب بالمغرب» و«الصحة النفسية» و«الصوم والصحة».
الطبيب النفسي الذي خلف الفيزيائي
وصف خلال مسيرته القصيرة على رأس وزارة الخارجية بـ«فَقِيه الدبلوماسية المغربية»
الطبيب النفسي الذي خلف الفيزيائي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة