مبدأ «أميركا أولاً» يحرك الاقتصاد العالمي

لا أحد بمنأى عن تأثير موازنة الولايات المتحدة ورفعها الفائدة

مبدأ «أميركا أولاً» يحرك الاقتصاد العالمي
TT

مبدأ «أميركا أولاً» يحرك الاقتصاد العالمي

مبدأ «أميركا أولاً» يحرك الاقتصاد العالمي

«أميركا أولا» هو الشعار الذي رفعه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب في حملته الانتخابية في العام الماضي، ومنذ تنصيبه لم يتوقف الرجل عن ترديد الشعار، أو محاولة تطبيقه، وعلى الرغم من الخلاف «الكلامي» بين ترمب ورئيسة مجلس الاحتياطي جانيت يلين، فإن الموازنة الفيدرالية التي أعلنها ترمب مساء أمس، لا تختلف كثيرا عن توجهات السياسة النقدية، فكلاهما يتجه للتقييد لا التيسير، فارتفاع الفائدة بـ25 نقطة، يتماشى مع خفض الإنفاق في موازنة ترمب بنحو 1.2 في المائة.
وكعادة أكبر اقتصاد في العالم، إذا أُصيبت أميركا بالبرد يعطس العالم، تأثرت الأسواق العالمية بشدة بقرار الفائدة الأميركي، ومن المتوقع أن تتأثر أيضا بقرار خفض الإنفاق الأميركي.
ورفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة أول من أمس الأربعاء للمرة الثانية في ثلاثة أشهر، في خطوة عززها نمو اقتصادي مطرد ونمو قوي للوظائف والثقة في أن التضخم يرتفع صوب المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي.
ورفع البنك سعر الفائدة المستهدف لأجل ليلة واحدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى نطاق 0.75 - 1.00 في المائة في قرار يمثل إحدى الخطوات البارزة التي يتخذها المركزي في إطار مساعيه لإعادة السياسة النقدية إلى مسارها الطبيعي، وأشارت رئيسة مجلس الاحتياطي جانيت يلين إلى تنامي الثقة في مسار الاقتصاد.
وقالت يلين في مؤتمر صحافي عقب انتهاء اجتماع لجنة السياسة النقدية الذي استمر يومين «شهدنا تقدم الاقتصاد على مدى الأشهر الأخيرة بالطريقة التي توقعناها بالضبط... لدينا بعض الثقة في المسار الذي يسلكه الاقتصاد».
وتمسك مجلس الاحتياطي بتوقعاته لرفع أسعار الفائدة مرتين إضافيتين هذا العام وثلاث مرات أخرى في 2018، ورفع البنك المركزي أسعار الفائدة مرة واحدة في 2016.
وأشار صناع السياسات في المجلس إلى أن معدل التضخم الآن «قريب» من المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي البالغ اثنين في المائة، وأن استثمار الشركات تحسن إلى حد ما بعد ضعف استمر شهورا. غير أن واضعي السياسات لم يشيروا إلى أي خطط لتسريع وتيرة التشديد النقدي وأكدت لجنة السياسة النقدية ويلين أن زيادات الفائدة في المستقبل ستكون «تدريجية». وبالوتيرة الحالية لن تعود أسعار الفائدة إلى مستوى محايد حتى نهاية 2019.
وزادت الوظائف الأميركية بمتوسط 209 آلاف وظيفة شهريا على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، وهو ما يفوق المعدل المطلوب لمواكبة النمو في عدد السكان ممن هم في سن العمل، الذي يتراوح بين 75 ألفا ومائة ألف وظيفة، وبلغ معدل البطالة 4.7 في المائة وهو ما يعادل أو يقارب مستوى يتسق مع التوظيف الكامل.
ويتوقع مجلس الاحتياطي انخفاض معدل البطالة إلى 4.5 في المائة هذا العام وأن يظل عند ذلك المستوى حتى 2019.
وتشير توقعات المركزي إلى نمو الاقتصاد بنسبة 2.1 في المائة في 2017 دون تغيير عن تقديراته في ديسمبر (كانون الأول)، ومن المتوقع أن يرتفع التضخم الأساسي قليلا إلى 1.9 في المائة مقارنة مع تقديرات سابقة بوصوله إلى 1.8 في المائة.
وجاء رفع الفائدة وسط تحسن عام في آفاق الاقتصاد العالمي وشعور بين صناع السياسات في مجلس الاحتياطي بأن الاقتصاد الأميركي يقترب من تحقيق أهداف البنك للتوظيف والتضخم، وأشار بيان السياسة النقدية إلى أن المخاطر على الآفاق الاقتصادية تظل «متوازنة تقريبا».

ردود فعل واسعة على رفع الفائدة الأميركية
قرر عدد كبير من البنوك المركزية حول العالم رفع الفائدة على الإقراض والإيداع لمواكبة القرار الأميركي، ففي المنطقة العربية، قال مصرف قطر المركزي في بيان أمس الخميس إنه رفع سعر فائدة الإقراض لأجل ليلة واحدة بواقع 25 نقطة أساس من 4.75 في المائة إلى 5.0 في المائة بعد ما رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) الفائدة بالمقدار نفسه، كما رفع البنك أيضا سعر فائدة الإيداع لدى المصرف لأجل ليلة واحدة بواقع 25 نقطة أساس من واحد في المائة إلى 1.25 في المائة.
لكن البنك المركزي خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي بواقع 25 نقطة أساس من 4.75 في المائة إلى 4.50 في المائة، وجاء خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي عقب شكاوى من البنوك التجارية من شح السيولة في سوق النقد وهو ما رفع أسعار الفائدة، قصيرة الأجل في السوق كثيرا خلال الأشهر الثمانية عشرة الأخيرة، ولم تتغير نسبة الاحتياطي الإلزامي منذ أبريل (نيسان) 2008.
كان مصرفيون قد توقعوا صباح أمس الخميس أن قطر قد تخالف الاتجاه العام بين دول الخليج المُصدرة للنفط التي رفعت أسعار الفائدة في أعقاب تشديد السياسة النقدية الأميركية، بسبب قوة الوضع المالي للدوحة، التي تشير إلى أن عملتها قد تتفادى ضغوطا كبيرة.
وبعد أن رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة اقتفت البنوك المركزية في السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين أثره في غضون 90 دقيقة، وسمحت سلطنة عمان بالفعل لسعر الفائدة الرسمي بالارتفاع في الأشهر الأخيرة.
وتعكف هذه البنوك على تفادي أي ضغوط نزولية على عملاتها المربوطة بالدولار الأميركي أو ترتبط به ارتباطا وثيقا.
وتتمتع قطر بواحد من أقوى الأوضاع المالية في منطقة الخليج، إذ يحوز صندوق ثروتها السيادي أصولا بعدة مليارات من الدولارات يمكن استغلالها في حالة الضرورة للدفاع عن العملة.
وقال أكبر خان مدير إدارة الأصول لدى «الريان للاستثمار»، القطرية «منذ عام 2008 تستقل السياسة النقدية القطرية إلى حد كبير عن الأميركية رغم الإبقاء على ربط العملة».
وقال مصرفي مسؤول عن شؤون الخزانة في الإمارات العربية المتحدة: «اهتمام القطريين ينصب بشكل متزايد على سياستهم النقدية. حتى في الزيادة الماضية لأسعار الفائدة الأميركية كانوا مترددين في مواكبة الولايات المتحدة وبقية دول الخليج».
وفي الصين رفع البنك المركزي أسعار الفائدة قصيرة الأجل أمس الخميس، فيما يقول اقتصاديون إنه مسعى لدرء شبح تدفق رؤوس الأموال إلى خارج البلاد والحفاظ على استقرار اليوان بعدما رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة ليلة أول من أمس.
والزيادة في أسعار الفائدة قصيرة الأجل هي الثالثة للصين في عدة أشهر وتأتي بعد يوم من انتهاء الدورة السنوية للبرلمان؛ حيث حذر قادة من أن معالجة المخاطر الناتجة عن سرعة تراكم الديون ستحظى بأولوية هذا العام.
وقالت إليسيا جارسيا هيريرو، رئيسة الخبراء الاقتصاديين لمنطقة آسيا والباسيفيك لدي ناتكسيس: «التوقيت يشير إلى أن الصين لم تعد بمنأى عن الاحتياطي الفيدرالي بل عن الأوضاع المالية العالمية بوجه عام».
كان بعض المحللين توقعوا زيادة أخرى في أسعار الفائدة في الوقت الذي تتطلع فيه الصين إلى احتواء المخاطر الناجمة عن سنوات من التحفيز المدعوم بالديون وزيادة التكلفة التي يتحملها المضاربون على انخفاض الين.
وقال يانغ تشاو الخبير الاقتصادي لدى نومورا: «رفع أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية الأميركية ربما يطلق مزيدا من التدفقات الرأسمالية الخارجة ويكون له بعض التأثير السلبي على النظام المالي الصيني»، وأضاف: «أعتقد أنهم يرغبون في تحقيق استقرار في العملة في هذا التوقيت».
ورفع بنك الشعب الصيني مؤشر نقطة المنتصف اليومية المرجعية لليوان بأعلى وتيرة في نحو شهرين أمس.
وهبط اليوان 6.5 في المائة مقابل الدولار العام الماضي وذلك في مواجهة ارتفاع الدولار والضبابية التي تلف الاقتصاد الصيني، مما حفز الحكومة على اتخاذ إجراءات صارمة تجاه تدفقات رؤوس الأموال الخارجة من البلاد لتخفيف عملية استنزاف احتياطياتها من النقد الأجنبي.
وفي أوروبا صعدت الأسهم الأوروبية لأعلى مستوياتها في 15 شهرا، أمس الخميس، مع ارتفاع أسهم قطاعي الموارد الأساسية والبنوك بعد رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة وفوز رئيس الوزراء الهولندي مارك روته المنتمي ليمين الوسط في الانتخابات الهولندية.
وبلغ مؤشر ستوكس 600 للأسهم الأوروبية أعلى مستوياته منذ ديسمبر (كانون الأول) 2015 وزاد في أحدث تداولات 0.5 في المائة، وارتفع مؤشر بورصة أمستردام لأعلى مستوياته في أكثر من تسع سنوات حيث صعد 0.7 في المائة، بينما سجل مؤشرا داكس الألماني وكاك 40 الفرنسي أعلى مستوياتهما منذ منتصف عام 2015، وارتفع مؤشر قطاع البنوك 1.7 في المائة.
وصعد الجنيه الإسترليني، أمس الخميس، بعد أن صوتت كريستين فوربس، عضوة لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا المركزي على نحو غير متوقع لصالح رفع أسعار الفائدة خلال اجتماع البنك في مارس (آذار).
وعزز محضر اجتماع البنك المركزي تكهنات السوق بأن بعض المسؤولين قد يكونون على وشك دعم رفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم المتزايد، ونتيجة لذلك ارتفع الإسترليني سنتا كاملا تقريبا مقابل الدولار.
كما صعد الإسترليني بأكثر من 0.5 في المائة مقابل اليورو، إلى 86.81 بنس لليورو معوضا جميع الخسائر التي تكبدها في وقت سابق.
وكانت اليابان هي الاستثناء من رفع سعر الفائدة ولكنها لم تكن استثناء من التأثر، حيث أعلن بنك اليابان المركزي أمس الخميس الإبقاء على السياسة النقدية فائقة المرونة الحالية لمواجهة الكساد وتعزيز نمو ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
وذكر البنك المركزي، في بيان صدر في ختام اجتماعه الدوري الذي استمر يومين، أن «اقتصاد اليابان يواصل تعافيه المعتدل»، وأضاف البيان أن الإنفاق الاستثماري للشركات «يزيد بوتيرة معتدلة، في ظل تحسن أرباح الشركات».
كان البنك قد تبنى السياسة النقدية فائقة المرونة في أبريل 2013، بهدف رفع معدل التضخم إلى 2 في المائة خلال عامين، لكن معدلات التضخم ما زالت بعيدة عن هذا الهدف في ظل انكماش الأجور وتراجع أسعار النفط.
يُذكر أن مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي ارتفع خلال يناير الماضي بنسبة 0.1 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي وهي أول زيادة له منذ 13 شهرا.
كان البنك المركزي قد اتخذ قرارا مفاجئا في يناير من العام الماضي بفرض فائدة سلبية على ودائعه بهدف تحفيز الاقتصاد.
وسجلت الأسهم اليابانية مكاسب ضئيلة في ختام معاملات متقلبة أمس الخميس، بوصفها رد فعل على القرارين، الأميركي والياباني، فكلاهما يدعم الصادرات.
وصعد المؤشر نيكي القياسي 0.1 في المائة ليغلق عند 19590.14 نقطة بعدما كان منخفضا في وقت سابق من الجلسة، وزاد مؤشر توبكس الأوسع نطاقا 0.1 في المائة إلى 1572.69 نقطة، وارتفع مؤشر جيه بي إكس - نيكي 400 بنسبة 0.1 في المائة أيضا لينهي اليوم عند 14087.07 نقطة.

موازنة ترمب تحول
سياساته إلى أرقام
أعلن الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» أمس الخميس مشروع موازنة الولايات المتحدة للعام المالي الجديد التي تعكس شعاره «أميركا أولا»، حيث يعتزم زيادة الإنفاق العسكري وخفض المساعدات الخارجية ومخصصات حماية البيئة.
وقال «ميك مولفاني» مدير الميزانية في البيت الأبيض إن مشروع موازنة الإدارة الأميركية تم وضعه باستخدام «كلمات» ترمب مع أعضاء فريقه الرئاسي لتحويل سياساته إلى «أرقام»، مشيرا إلى تخصيص مزيد من الأموال للأغراض العسكرية وحماية الحدود وقوات إنفاذ القانون، وأضاف: «نحن مع مرشح أميركا أولا ومع ميزانية أميركا أولا»، وسيتم خفض مخصصات وزارة الخارجية الأميركية بنسبة 28 في المائة، حيث يستهدف الخفض بشكل أساسي مخصصات برامج المساعدات الأجنبية، مع ضمان حماية «الوظيفة الدبلوماسية الأساسية لوزارة الخارجية» بحسب «مولفاني».
في المقابل ستزيد ميزانية وزارة الدفاع بنسبة 10 في المائة بما يعادل 54 مليار دولار، وميزانية وزارة الأمن الداخلي بنسبة 6 في المائة بما فيها 1.5 مليار دولار خلال العام المقبل و2.6 مليار دولار في العام التالي لتشييد الجدار الحدودي مع المكسيك.
وقال «مولفاني»: «لا شك هذه ميزانية تعزيز القوة الصلبة (للولايات المتحدة) وليست ميزانية القوة الناعمة» حيث تركز على الإنفاق العسكري وليس على الدبلوماسية.
كما يتضمن مشروع الموازنة الذي أعدته إدارة الرئيس «ترمب» خفض مخصصات وكالة الحماية البيئية وإنهاء مساهمة الحكومة في «مؤسسة الإذاعة العامة» التي تساعد في تمويل قنوات التلفزيون ومحطات الإذاعة.
وتعتمد الخطة على خفض الإنفاق في مجالات معينة لتمويل زيادة الإنفاق العسكري، بما في ذلك إمكانية شطب كثير من الوظائف الحكومية، لكن تفاصيل هذه الخطط سيحددها وزراء الحكومة في وقت لاحق.
ورغم أن ترمب كان يؤكد دعمه للبنية التحتية بوصفها وسيلة أساسية لإنعاش الاقتصاد، فإنه من الواضح أن خفض ميزانيته بنسبة 1.2 في المائة مقارنة بميزانية العام الماضي، تؤكد أن الحقيقة تفرض أرقامها على الدعاية الانتخابية، فـ«أميركا أولا» ستطبق بطريقة انكماشية، في وقت أصبحت أميركا والعالم يخشون فيه من التضخم، لا الركود.

التضخم لا الركود...
الخطر القادم
هدأت أشباح الانكماش وبدأ الماضي يطويها بفضل ارتفاع ضغوط الأسعار من جديد على مستوى العالم ما دفع المستثمرين لطلب الحماية متمثلة في السندات المعصومة من شرور التضخم.
أميركا تقوم برفع الفائدة وتشهد تشغيلا شبه كامل لمواردها فترتفع الأسعار، وهذا ما يمكن أن يخلق مخاوف من التضخم.
في وقت سابق من الشهر الحالي باعت نيوزيلندا أول سندات مرتبطة بالتضخم منذ أكثر من عامين في بادرة على ظهور طلب عليها، وانتهزت إيطاليا الفرصة في الأسبوع الماضي وباعت ما قيمته ثلاثة مليارات يورو من هذه السندات عن طريق اتحاد بنوك.
وقال مصرفي ممن كان لهم دور في هذه الصفقة طالبا عدم نشر اسمه: «منذ بداية السنة ازداد الطلب كثيرا على السندات المرتبطة بالتضخم، لقد تحسن الوضع»، وأضاف أن مناخ السندات المرتبطة بالتضخم «تغير بالكامل».
قبل عام واحد كان انكماش الأسعار، الذي يحد من إنفاق المستثمرين ومن النمو الاقتصادي، هو الذي ابتلي به المستثمرون والبنوك المركزية ما أدى إلى بقاء سياسات التيسير النقدي الشديد التي دفعت تكاليف الاقتراض الحكومي في قطاع كبير من العالم المتقدم دون الصفر.
وما زال التسعير في السوق يشير إلى تضخم محدود في الأجل الطويل لكن الدلائل على اتجاه ضغوط الأسعار للارتفاع واقترانها بما يتردد عن دفعة مالية أميركية ضخمة معناها أن المستثمرين تراجعوا عن أشد رهاناتهم على التضخم هبوطا بعد أن قرر الناخبون في بريطانيا العام الماضي الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
وارتفع مؤشر ‭ BCGLOIL‬‬الرئيسي الذي يصدره باركليز للسندات الحكومية المرتبطة بالتضخم نحو اثنين في المائة من أدنى مستوياته منذ تسعة أشهر الذي سجله في ديسمبر رغم أنه ما زال بعيدا عن المستويات المرتفعة التي سجلها العام الماضي.
من ناحية أخرى، ارتفع الفارق بين العائد على السند المرتبط بالتضخم والسند العادي بالأجل ذاته في أوروبا والولايات المتحدة، أو ما يطلق عليه سعر التعادل، على مدار الأشهر الستة الأخيرة ليعكس ارتفاع التوقعات الخاصة بالتضخم.
وأصبح الفارق في الولايات المتحدة نحو اثنين في المائة للسندات التي يبلغ أجلها عشرة أعوام بعد أن بلغت في يناير أعلى مستوياتها منذ سبتمبر (أيلول) عام 2014. وكان الفارق يبلغ 1.5 في المائة في يوليو (تموز) الماضي عندما راهن المستثمرون على أن هدف مجلس الاحتياطي الاتحادي بالوصول إلى التضخم إلى مستوى اثنين في المائة على مدار عشر سنوات لن يتحقق.
أما الفارق للسندات الألمانية لأجل عشر سنوات، وهي معيار القياس في منطقة اليورو، فيبلغ 1.41 في المائة أي أقل من المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي الأوروبي للتضخم، وهو الاقتراب من مستوى اثنين في المائة دون بلوغه، وذلك بالمقارنة مع أقل من واحد في المائة العام الماضي.
وإذا ارتفع التضخم في المتوسط عن الفارق فسيكون أداء السندات المرتبطة بالتضخم أفضل من نظيراتها ذات العائد الثابت، وقال بوب ميشيل رئيس قسم الدخل الثابت في جيه بي مورغان أسيت مانجمنت: «نحن نشتري السندات المرتبطة بالتضخم الآن... فنحن نعتقد أن التضخم مقوم بأقل من قيمته الحقيقية سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا أو اليابان ونحن نرى أن التضخم يتجه للارتفاع في كل هذه الأسواق».
وقد ارتفع المؤشر الأساسي لأسعار المستهلكين، المفضل لدى مجلس الاحتياطي الاتحادي لقياس التضخم، مسجلا أكبر زيادة شهرية في يناير ليصل إلى 1.7 في المائة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وبعد رفع المجلس أسعار الفائدة ربع نقطة مئوية في خطوة كانت مستبعدة قبل بضعة أسابيع، سجل التضخم في منطقة اليورو أعلى مستوى منذ أربع سنوات فبلغ اثنين في المائة في فبراير (شباط) متجاوزا هدف البنك المركزي الأوروبي، في حين ارتفع التضخم في سويسرا عن الصفر في يناير للمرة الأولى منذ أكثر من عامين.
وفي اليابان التي تحارب الانكماش منذ سنوات ارتفع التضخم الأساسي في أسعار المستهلكين بنسبة 0.1 في المائة في يناير عما كان عليه قبل عام وذلك للمرة الأولى منذ ديسمبر 2015.
ويقول محللون إن التشكك في ارتفاع مطرد للتضخم بعد سنوات من النمو الاقتصادي الضعيف يفسر سبب عودة المستثمرين على استحياء إلى السندات المرتبطة بالتضخم بدلا من الإقبال الشديد عليها.
وعلى سبيل المثال، يشير الفارق للسندات الثلاثينية في منطقة اليورو، البالغ 1.60 في المائة، إلى أن توقعات التضخم طويلة الأجل لا تزال محدودة، لكنها أعلى من المستويات القياسية المتدنية التي سجلتها فوق واحد في المائة بالكاد في يوليو من العام الماضي.
وفي الأسبوع الماضي قال البنك المركزي الأوروبي إنه لم يعد يتوقع خطر الانكماش في منطقة اليورو، الأمر الذي أدى لتردد شائعات عن احتمال أن يبدأ التراجع عن سياسة التحفيز النقدي هذا العام.
وقال جون داي، مدير محافظ السندات العالمية لدى نيوتن إنفستمنت مانجمنت: «أوروبا هي أكثر الأماكن استحواذا على الاهتمام الآن. فالمخاطر السياسية تبقي توقعات التضخم منخفضة لكننا نتوقع العودة إلى التضخم عندما تنقشع تلك المخاطر».
وبالنسبة لبعض المستثمرين تمثل المخاوف من مارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرف في انتخابات الرئاسة الفرنسية، سببا لشراء السندات الفرنسية المرتبطة بالتضخم؛ لأنه إذا وصل الأمر بفرنسا للانسحاب من الوحدة النقدية وتبني عملة وطنية فإن هذه العملة ستنخفض وسيرتفع التضخم.
كذلك تشير مقاييس أخرى في السوق مثل مؤشرات التضخم الخمسية إلى ارتفاع توقعات المستثمرين للتضخم، رغم أن هذه المؤشرات انخفضت في الأسابيع الأخيرة لتعكس تحركا عاما إلى الأصول المضمونة فيما يتصل بالتوترات الناجمة عن الانتخابات الفرنسية.



السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
TT

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)
جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

سطرت السعودية التاريخ، بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم، وهي تركز على تعظيم الأثر والقيمة على المنظومة بشكل عام، وذلك بعد مرور 20 عاماً على هذه المعاهدة التي لم تر النور إلا من عاصمة المملكة.

جاء ذلك مع ختام أعمال مؤتمر الرياض الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم، في حدث لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن تعقد فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية «الويبو» مؤتمراً دبلوماسياً خارج جنيف، وهو الأول الذي يُقام في السعودية والشرق الأوسط، ليمثل المرحلة الأخيرة للمفاوضات الخاصة باعتماد معاهدة هذا القانون، التي تستهدف تبسيط إجراءات حماية التصاميم، من خلال توحيد المتطلبات.

وشهد الحدث، خلال الأسبوعين الماضيين، نقاشات وحوارات مكثفة بين البلدان الأعضاء من أجل الوصول إلى معاهدة تلتزم فيها الدول الأعضاء بالمتطلبات الأساسية لتسجيل التصاميم، وأثرها الإيجابي على المصممين، لتصبح هناك إجراءات موحدة تُطبَّق على جميع الدول.

العائد الاقتصادي

وفي رده على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، خلال المؤتمر الصحافي مع ختام هذا الحدث، اليوم الجمعة، قال الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للملكية الفكرية، عبد العزيز السويلم، إنه من خلال الدراسات يوجد هناك نسب عالية جداً للشباب والفتيات في إبداع التصميم بالمملكة، وستكون ذات أثر اقتصادي بمجرد أن يكون المنتج قابلاً للحماية، ومن ثم للبيع والشراء.

وأكد الرئيس التنفيذي أن اختيار اسم «معاهدة الرياض» يعكس المكانة التي تحتلها المملكة بوصفها جسراً للتواصل بين الثقافات، ومركزاً لدعم المبادرات العالمية، كما أن اعتماد المعاهدة يُعد إنجازاً تاريخياً يعكس تعاون ومساهمة البلاد في الإطار الدولي للملكية الفكرية، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدول الأعضاء.

ووفق السويلم، هذه المعاهدة ستسهم في وضع أسس قانونية مهمة تحقق الفائدة للمصممين، وتدعم الابتكار والإبداع على مستوى العالم.

وتعكس «معاهدة الرياض» رؤية المملكة في تعزيز التعاون الدولي بمجال الإبداع ودورها القيادي في صياغة مستقبل مستدام للمصممين والمبتكرين؛ وقد استكملت المفاوضات في الوصول إلى اتفاق دولي للمعاهدة.

توحيد الإجراءات

وتُعد نقلة نوعية في مجال توحيد إجراءات إيداع التصاميم، لتسجيلها على مستوى دول العالم، وتوفير بيئة قانونية تدعم الابتكار والإبداع في مختلف القطاعات.

هذا الإنجاز يرسخ مكانة المملكة بصفتها وجهة عالمية لدعم المبادرات المبتكرة، ويعكس التزامها بتوفير بيئة مشجِّعة للإبداع تحمي حقوق المصممين وتسهم في ازدهار الصناعات الإبداعية على مستوى العالم.

وكانت الهيئة السعودية للملكية الفكرية قد استضافت، في الرياض، أعمال المؤتمر الدبلوماسي المعنيّ بإبرام واعتماد معاهدة بشأن قانون التصاميم، خلال الفترة من 11 إلى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، بمشاركة الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بحضور رفيع المستوى من أصحاب القرار.