الجوع والخوف والصدمة تهيمن على نازحي الموصل

خروج أكثر من 30 ألفاً من سكان الجانب الغربي للمدينة

عراقيون تركوا منازلهم هرباً من الاشتباكات في غرب الموصل (رويترز)
عراقيون تركوا منازلهم هرباً من الاشتباكات في غرب الموصل (رويترز)
TT

الجوع والخوف والصدمة تهيمن على نازحي الموصل

عراقيون تركوا منازلهم هرباً من الاشتباكات في غرب الموصل (رويترز)
عراقيون تركوا منازلهم هرباً من الاشتباكات في غرب الموصل (رويترز)

يتطاير أزيز الرصاص بينما يحاول مدنيون الفرار من الجانب الغربي لمدينة الموصل، حيث تخوض القوات العراقية معارك ضد المسلحين، فيقتل على الفور رجل كان يحاول الهروب مع عائلته.
وتقول ميسون، التي شاهدت إطلاق النار خلال فرارها من حي المأمون الواقع في جنوب غربي الموصل: «أطلق القناص النار عليه وأصابه بالرأس، بينما هو بين أطفاله وزوجته. كان هؤلاء يبكون». وأضافت المرأة التي وصلت إلى معسكر للنازحين قرب الموصل: «لم يرغبوا بأن يتركوه، لكننا أجبرناهم على مواصلة السير، لأن الوضع كان خطيرا جدا».
ونزح أكثر من 30 ألف شخص من سكان الجانب الغربي لمدينة الموصل منذ انطلاق العمليات العسكرية في 19 فبراير (شباط) الماضي لاستعادة السيطرة على المعقل الأخير لتنظيم داعش. ويهرب سكان المدينة من الجوع والقتال، ويمرون بتجارب مروعة، رصدت بعضها وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير أمس.
وتقول سفانة (23 عاماً)، النازحة إلى مخيم في منطقة حمام العليل، بينما تقف في طابور لتسلم مساعدات غذائية: «كان هناك كثير من الجثث في الشارع الذي مررنا به، جثث أطفال وأشلاء». وتضيف أن عناصر «داعش» أمروا السكان في حي المأمون بالمغادرة. وتوضح وهي ترتب حجابها الأصفر: «جاءوا في الصباح وقالوا لنا إذا لم تغادورا بحلول المساء، سنقتلكم».
وتواجه قوات مكافحة الإرهاب مقاومة شرسة في حي المأمون من «داعش» الذي استهدف المدنيين الذين كانوا يحاولون الفرار، بحسب قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق عبد الغني الأسدي. ويقول الأسدي إن نحو 15 مدنيا قتلوا على أيدي عناصر «داعش» خلال فرارهم في الأيام العشرة الماضية، وأصيب عدد أكبر من ذلك.
وتقول سفانة، التي ترفض الكشف عن اسم عائلتها، ككثيرين غيرها من النازحين من الموصل، إن عددا كبيرا من السكان علقوا داخل منازلهم خلال المواجهات العنيفة. وتضيف: «أصيب منزل جارنا بقذيفة هاون، وانهار البيت بأكمله على رؤوسهم». وتقاطعها شقيقتها شيماء لتقول: «تمكننا من سحب اثنين من الجرحى، لكن الباقين ماتوا، ولا تزال جثثهم تحت الأنقاض».
وبين هؤلاء طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات تدعى رصود صدام. وكانت والدتها منهارة وتبكي من دون توقف وهي تسير على الطريق السريع للوصول إلى مخيم للنازحين. وتقول الوالدة بصوت منتحب وهي تخفي وجهها خلف نقاب أسود: «كانت ابنتي تقف داخل المنزل... وفجأة سقطت قذيفة الهاون وراحت ابنتي. حطموا قلبي... تركتها في المقبرة، وضعتها في المقبرة وجئت أنا إلى هنا».
وينزح بعض السكان من مناطق تحت سيطرة القوات العراقية حالياً، لكنهم يخشون من توسع المعارك، ويريدون الانتقال إلى مناطق آمنة، فيما يهرب آخرون من الخطوط الأمامية للجبهة فينتظرون حتى يشاهدوا القوات العراقية من مسافة بعيدة ويركضون في اتجاهها وهم يحملون رايات بيضاء.
ونصبت في مخيم حمام العليل، الذي تديره منظمات غير حكومية بالتعاون مع الأمم المتحدة، أربعة آلاف خيمة لاستقبال الواصلين الجدد، وبات عدد المسجلين في المخيم أكثر من 14 ألفاً، بحسب مدير المخيم نادر سمير الذي يقول إن المخيم يعاني من مشكلات عدة. ويوضح أن «حاجتنا الأساسية هي أدوية للعلاج، لا نستطيع الحصول عليها ولم تصلنا إجابة من الحكومة العراقية في شأن طلبنا للمساعدة. كذلك لا توجد في المخيم كهرباء، بسبب عدم إطلاق التخصيصات المتعلقة بصرف مبالغ للمولدات والوقود حتى الآن من الحكومة الاتحادية».
ويقف عشرات الرجال والنساء في طوابير منفصلة بانتظار الحصول على الغذاء الذي توزعه منظمة مجلس اللاجئين النرويجي. ويعيش كثير من النازحين على وجبة غذاء واحدة في اليوم. ويقول خالد محمد (24 عاماً): «عمليا لم يكن لدينا غذاء كاف. ورغم ذلك جاء مقاتلو (داعش) إلى منزلنا واستولوا على المتبقي... أخشى على أقاربي الذين لا يزالون داخل الموصل، ولا أعرف هل ما زالوا أحياء أم قتلوا». ويقول مدير المخيم إن النازحين «يصلون جائعين وعطشى، وكذلك مصدومين... إنهم يعانون جسديا ونفسيا من مشاهد التعذيب والإعدام والموت».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.