الحرب الـ13 بين تركيا وإيران دونها «المخاوف المشتركة»

رغم خلافاتهما الكبيرة حول سوريا والعراق واليمن والخليج العربي

الحرب الـ13 بين تركيا وإيران دونها «المخاوف المشتركة»
TT

الحرب الـ13 بين تركيا وإيران دونها «المخاوف المشتركة»

الحرب الـ13 بين تركيا وإيران دونها «المخاوف المشتركة»

تشهد العلاقات التركية - الإيرانية موجة جديدة من التوتر الكبير، مدفوعة بعوامل الاختلاف الكبيرة بينهما حول ملفات المنطقة، وأبرزها سوريا. لكن هذه الموجة قد لا تكون بداية «الجولة الـ13» من القتال بينهما، فالمتابعون للعلاقة بينهما ما زالوا مقتنعين بأن «ضوابط» العلاقة الاستثنائية بين الطرفين ما زالت قائمة، وأن هذا الحدث الجديد لن يؤدي بهما إلى مواجهة ما... بانتظار حدث آخر. ويرى مراقبون أن العلاقة بين الطرفين تصلح لأن تكون نموذجًا يدرس حول كيفية حماية تغليب المصالح على عوامل الصراع الكثيرة والكثيرة بين البلدين اللذين يختلفان في كل شيء تقريبًا.. إلا واقعيتهما وبراغماتيتهما. لكن الباب يبقى مفتوحًا على خيار المواجهة بينهما في ظل تصاعد التوتر في المنطقة إلى حد قد لا تصلح معه براغماتية المائتي عام الماضية في عدم تكرار الحروب بينهما، وآخرها معركة جالديران في عام 1514، التي دار نقاش في تركيا حول إحياء مئويتها الثانية في عام 2014، لكن غض النظر عنه تفاديًا للتوتير مع إيران، خصوصًا أن التوتر بين البلدين كان مرتفعًا آنذاك.
حول النزاع التركي - الإيراني المتجدد، يقول أسعد حيدر، الباحث والكاتب اللبناني المتخصص بالشأن الإيراني إن تاريخ العلاقات بين البلدين كان دائمًا متوترًا وغنيًا بالمزاحمات والمنافسات، ويعود ذلك إلى نشأة الدولة الصفوية وتحولها إلى المذهب الشيعي بدفع من الإنجليز الذين عملوا على ذلك لإضعاف الفريقين، وعدم تحولهما إلى قوة إقليمية كبرى. ويشير حيدر إلى أن القرون الثلاثة الأولى من عمر العلاقات بين الجانبين حفلت بالحروب التي انتهت إلى التعادل في الانتصارات والخسائر، ففاز كل منهما بـ5 حروب وخسرا مثلها، كما انتهت حربان بلا غالب ولا مغلوب. وبعد نهاية آخر حرب بينهما في عام 1823 وتوقيعهما معاهدة سلام، انتقلت المنافسة إلى تحت سقف عدم المواجهة المباشرة، واستمر التعايش حتى يومنا هذا بسبب خوف الطرفين من عواقب المواجهة المسلحة.
تاريخيًا أبرم البلدان المعاهدات لتثبيت حدودهما واعتراف كل منهما بالآخر.. إيران للشيعة والدولة العثمانية للسنّة، وهو الأمر الذي تم في معاهدة زهاب الموقعة عام 1639، ليتحوّل الصراع على النفوذ «عقائديًا» في المنطقة بين الدولة الإيرانية الشيعية والدولة العثمانية السنّية، ومن بعدها وريثتاهما؛ الجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العلمانية التركية.
ويتفق البلدان على تجنب المواجهة، لكنهما يختلفان في كثير من الملفات المتعلقة بالصراع على النفوذ بدءًا من جمهوريات آسيا الوسطى ووصولاً إلى العالم العربي، حيث تشكل الأزمة السورية عنوانًا فارقًا في العلاقات بين بلدين يتحالفان ويتصارعان في الوقت نفسه.
وبعد انهيار الدولة العثمانية ووصول العلمانيين إلى السلطة في تركيا بقيادة مصطفى كمال «أتاتورك»، تحوّلت العلاقة بين الطرفين إلى الدفء الشديد الذي غدا تحالفًا بين الطرفين المتمثلين بـ«أتاتورك» وخلفائه والشاه الإيراني رضا شاه في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات. وفي 22 أبريل (نيسان) 1926، وقع البلدان في طهران «معاهدة صداقة» تنص مبادئها على الصداقة والحياد وعدم الاعتداء على بعضهما بعضًا. ونصت المعاهدة على إمكانية القيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد «المجموعات في أراضي البلدين التي تسعى لتعكير صفو الأمن أو تحاول تغيير نظام الحكم في أي من البلدين»، في إشارة إلى الأقلية الكردية في البلدين.
وفي 23 يناير (كانون الثاني) 1932 وقع البلدان في طهران معاهدة ترسيم حدود نهائية. كذلك تقارب البلدان في مواجهة «الخطر السوفياتي» ووقفا سدًا أمام «التمدد الشيوعي» في المنطقة ووثقا تحالفهما مع الولايات المتحدة وتنامت قوتهما العسكرية إلى حد كبير ليصبح كل منهما «شرطيًا» في منطقته يهدد البلدان المجاورة، واعترفا معًا بإسرائيل ووثقا علاقتهما بها. وفي عام 1955 انخرطا معًا في تأسيس منظمة «الحلف المركزي» أو «حلف بغداد». وبعد فشل حلف بغداد، تأسس في عام 1964 مجلس التعاون الإقليمي للتنمية بهدف إقامة مشاريع اقتصادية مشتركة بين تركيا وإيران وباكستان.

الثورة الخمينية
في أواخر السبعينات تعرض البلدان لـ«ثورة» من جهة و«انقلاب» من جهة أخرى، إذ انتصرت ثورة الخميني في طهران عام 1979 وتصادم النظام الإيراني الجديد مع التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. وفي عام 1980 جاء الانقلاب العسكري في تركيا بقيادة كنعان إفرين الذي أصبح رئيسًا للجمهورية التركية لتعود العلاقات إلى مرحلة الفتور، لكن العلاقات عادت لتشهد نوعًا من الانتعاش بسبب الحرب العراقية - الإيرانية واضطرار إيران إلى استعمال تركيا كرئة تتنفس من خلالها اقتصاديًا، فعمدت إلى تمرير صادراتها ووارداتها عبر حدودها مع تركيا، التي تمتد من شمال غربي إيران وجنوب شرقي تركيا بطول 499 كيلومترًا.
ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق وظهور الدول الآسيوية المستقلة عنه في منطقة آسيا الوسطى وبحر قزوين، ظهر صراع إقليمي جديد بين إيران وتركيا على مناطق النفوذ هناك. فهذه المنطقة الممتدة من كازاخستان شرقًا وأذربيجان غربًا تشكل امتدادًا جغرافيًا وثقافيًا للبلدين، وفيها ثروات نفطية وغازية كبيرة. فسارعت تركيا إلى توقيع اتفاقات اقتصادية وثقافية عدة، توجت باعتماد الصيغة التركية للأبجدية اللاتينية كأبجدية رسمية لدول آسيا الوسطى بدلاً من الأبجدية الروسية السلافية مع الاستبعاد النهائي للأبجدية الفارسية ذات الأحرف العربية التي تنازعت إيران مع تركيا عليها. وفي المقابل ترتبط إيران بعلاقات تاريخية مع تلك المناطق التي كان بعضها جزءًا من الإمبراطورية الفارسية التي فقدتها في حروبها مع روسيا كحال جمهورية جورجيا الحالية ومناطق كبيرة في أذربيجان. أما معاهدة غُلستان 1828 فقد سلخت من إيران كل الأراضي الواقعة شمال نهر آراس (أراكس) على تخوم القوقاز، ومنها يريفان عاصمة أرمينيا.
ولهذا كله لم يكن غريبًا أن ينفجر الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على الأرض، أما اللافت فكان أن إيران وقفت إلى جانب أرمينيا المسيحية في حربها ضد أذربيجان المسلمة المدعومة من تركيا.

العراق وسوريا
في المقابل، أدى احتلال العراق لزيادة نفوذ إيران في المنطقة بتحكمها في العراق عبر الحلفاء. وهكذا استطاعت إيران تعويض خسائرها بعد أن كانت الكفة تميل لمصلحة أنقرة بعدما حسمت الصراع على طرق نقل أنابيب النفط من بحر قزوين وآسيا الوسطى لمصلحتها. ويأتي دور سوريا التي تراها إيران معبرًا استراتيجيًا لها إلى مواجهة إسرائيل والوصول إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، فيما ترى فيها تركيا بوابة إلى العالم العربي تجاريًا واقتصاديًا وسياسيًا في ظل الحذر الذي قابلت به الدول العربية الأخرى العودة التركية إلى المنطقة. ويصف الكاتب التركي محمد زاهد غُل العلاقات التركية - الإيرانية بأنها «علاقات أخوية وتعاون بين دولتين إسلاميتين، تربطهما حدود وعلاقات جيوسياسية مهمة»، ويؤكد أن الحكومات التركية على الدوام سعت إلى علاقات اقتصادية قوية مع إيران، مشيرًا إلى أنه «لم تسؤ العلاقات بينهما إلا بسبب السياسة الطائفية للحكومات الإيرانية المعاصرة، وبالأخص، عندما دعمت إيران الأطراف السياسة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها لأسباب طائفية فقط».
ويتابع غُل: «إيران عملت على صناعة محور سياسي وعسكري وطائفي في المنطقة أدى إلى توتير الأوضاع وزعزعة استقرار دول المنطقة، وقتلت ملايين المسلمين في هذه الدول منذ قيام الجمهورية الإيرانية، وهذا ليس في صالح إيران ولا الدول العربية والإسلامية في المنطقة، والسبب أن إيران أساءت قراءة الأحداث التي تبعت ما أطلق عليه ردات الربيع العربي، وما أطلق عليه من قبل (الفوضى الخلاقة) التي دعت إليها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس عام 2006. إيران ظنت أن الظروف مواتية لها للتمدد السياسي تحت مساعدة التيارات السياسية والعسكرية الشيعية في المنطقة، وغرّ إيران السكوت أو الضوء الأخضر الأميركي لنشر ميليشياتها في المنطقة، وربما كان ذلك ضمن تفاهمات الاتفاق النووي الإيراني مع جون كيري. ولكنها الآن للأسف تحصد سلبيات ذلك، لأن إيران لا ولن تستطيع حكم شعوب المنطقة إطلاقًا ومهما قتلت منها، ولذلك فإن تركيا تريد علاقات صداقة صادقة مع إيران وضمن علاقات دولية صحيحة، إذا تعذر إقامتها على أساس أخوي، وليس على أسس طائفية ولا تدخل في شؤون الغير، وإلا تحولت العلاقات إلى ما لا تحمد عقباه».

مبادلات بالذهب... وفساد بالمليارات
وعودة إلى أسعد حيدر الذي يقول: «خلال الـ38 سنة التي تلت قيام الدولة الإيرانية الجديدة، كان هناك خوف من أن يصدم التوجه الديني للثورة الإسلامية مع العلمانية التركية، لكن الأمر لم يحصل. فالمقاطعة الاقتصادية، والمالية تحديدًا، التي قادتها الولايات المتحدة دفعت إيران مجبرة إلى الانفتاح أكثر على تركيا. وفي السنوات العشر الأخيرة تحولت تركيا إلى رئة اقتصادية لإيران مرت عبرها مختلف أنواع التجارة الإيرانية والنفط». ويضيف: «الطرفان تبادلا السلع بالذهب، حتى لا يدخلا بالتعقيدات المصرفية الناتجة عن العقوبات، وهذا أدى إلى نوع من الفساد في صفوف الطرفين، لأن العقود الضخمة بينهما فتحت المجال أمام هذه التجاوزات، وكان آخرها وأوضحها إعدام باباك ونجاني الذي كان سائقًا لدى أحد ضباط الحرس الثوري، وانتهى به الأمر خلال 10 سنوات إلى أن يصبح من أهم مليارديرات إيران. ولقد أعدم على عجل فيما يبدو أنه محاولة للتهرب مما قد تظهره محاكمته من أنه واجهة لفريق كبير من النافذين في الحرس الثوري» كما قيل آنذاك، على الرغم من محاولات الرئيس محمد روحاني تأجيل الإعدام والتوسع في المحاكمة.
ويوضح حيدر أن العلاقات مع تركيا كانت حجر الرحى في السياسة الاقتصادية لإيران خلال السنوات العشر الأخيرة، حتى ما قبل الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، ولذلك كان يتم بالتضحية بكثير من الشروط والقضايا في سبيل تخفيف الضغوط عن إيران. لكن عندما بدأت الحرب في سوريا ظهرت الهوة الكبيرة بينهما. وهذه الهوة تعمّقت وتوسعت والعمود الأساسي فيها كان مصير (رئيس النظام السوري بشار) الأسد الذي تعتبره طهران «الضلع الثالث» في «محور المقاومة» بعدها وبعد «حزب الله» اللبناني. وانطلاقًا من هذا مارست إيران أقصى درجات التشدد لإنقاذه، فكان من الطبيعي أن تختلف مع تركيا التي كان موقفها الأساس في سوريا «لا للأسد».
ويرى حيدر أن ما زاد في تعميق الأزمة حاليًا هو الانقلاب في الموقف التركي في سوريا، حيث حافظت أنقرة على موقفها من الأسد، لكنها اتجهت للاتفاق مع روسيا، فشعرت طهران أن الاتفاق تم على حسابها، وتأكدت شكوكها عندما بدأت روسيا تدخل تدريجيًا في الوضع السوري وتصبح الأولى في اتخاذ القرار، وغيران رغم كل ما قدمته من «تضحيات» الثانية، وهي التي كانت تتوقع أن تكون الأولى، خصوصًا أن الأسد في معادلة التفاضل بين روسيا وإيران، لا يضحي بإيران، لكنه لا يترك روسيا. وهذا التناقض أسهم في رفع التوتر مع تركيا. وزاد الأمر، أن تركيا رفعت من مستوى علاقاتها وتضامنها مع المملكة العربية السعودية، وهو ما ظهر في مواقف القادة الأتراك أخيرًا، فصعدت إيران.

التدخلات الإيرانية... والأكراد
ويرد زاهد غُل التوتر في العلاقات إلى «سبب واحد ووحيد، هو التدخل الإيراني في العراق وفي سوريا وفي اليمن وفي دول الخليج، لجعلها دولاً ضعيفة وتابعة لولاية الفقيه الإيراني في قُم وطهران. وللأسف، فإن السبب الوحيد يقوم على تفكير طائفي يضر بالدول الإسلامية قبل غيرها بما فيها إيران. وهذا السبب لا تستطيع إيران تكذيبه فهو أوضح من الشمس، فكل الألوية التي يعقدها الحرس الثوري في هذه الدول تحمل الأسماء الطائفية أولاً، ولا تقتل إلا من أبناء المسلمين السنة ثانيًا، والعلاقات المشبوهة بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم داعش لا تخفى على متابع!!!، والدول الأوروبية وأميركا التي شجعت إيران على هذا السلوك الإيراني العدواني مدركة لفائدته لها ولأمن إسرائيل».
لكن حيدر يجزم بأن إيران لن تدخل في حرب، أو مواجهة، أو حتى في حرتقات أمنية مع تركيا. ويرد ذلك إلى عامل أساسي هو الحدود المشتركة، والمشكلة المزدوجة مع الأكراد. فـ«الطرفان يتفقان على عدم استعمال الورقة الكردية في مواجهة أحدهما للآخر، لأن الأمر مضر لهما معًا، ولذلك يعملان على تأطير أي خلاف. كما أن الطرفين يتفقان على رفض تقسيم سوريا، لأنه قد يمتد إليهما، معتبرًا أن إيران وتركيا وضعتا خطوطًا حمراء وسقفًا محددًا لا يمكن تجاوزه في العلاقة بينهما بحيث لا تنفجر العلاقة وتتحول إلى صدام». ويشدد على أن الطرفين يحتاجان بعضهما اقتصاديًا، وهما يعملان على رفع التبادل التجاري بينهما إلى حدود 30 مليار دولار. ويخلص إلى أن الروابط المعقدة تجعل العلاقة مليئة بكثير من الضوابط لمنع تحولها إلى صدام مستقبلي بانتظار حصول حدث مستقبلي جديد.
أما غُل فيرى في المقابل، أن «العلاقات المستقبلية تقوم على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى»، منتقدًا «محاولات إيران دعم الميليشيات الحزبية التي تستهدف الأمن القومي التركي للخطر هو ضد تحسين العلاقات». ويوضح: «لا يمكن إخفاء أن إيران من خلال حرسها الثوري قدمت الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، ولحزب العمال الكردستاني في العراق، وهما حزبان يستهدفان الأمن التركي بالتفجيرات الإرهابية، وإضافة لذلك، فالإعلام الإيراني الرسمي لا يتوقف عن الإساءة إلى القيادة السياسية في تركيا وحزب العدالة والتنمية، وتقف إلى جانب المشككين بالدور التركي في المنطقة، وهذا يعني أن القيادة السياسية الإيرانية تضع تركيا في خانة الأعداء، وإلا لغيرت سياستها الإعلامية على الأقل، وتغير السياسة الإعلامية الإيرانية نحو تركيا يعني أن إيران غلبت المصالح الأخوية والاقتصادية على العوامل الآيديولوجية الطائفية الضيقة، وهو ما تأمله تركيا».



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».