60 ألف منشأة صناعية معطلة في سوريا.. وكلفة إعادة الإعمار 21 مليار دولار

الحكومة المؤقتة تبحث مع أنقرة تسهيل عبور صناعات حلب المعدة للتصدير

60 ألف منشأة صناعية معطلة في سوريا.. وكلفة إعادة الإعمار 21 مليار دولار
TT

60 ألف منشأة صناعية معطلة في سوريا.. وكلفة إعادة الإعمار 21 مليار دولار

60 ألف منشأة صناعية معطلة في سوريا.. وكلفة إعادة الإعمار 21 مليار دولار

كشفت مجموعة عمل اقتصاد سوريا، في أحدث تقاريرها ضمن سلسلة «الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة»، أن 80 في المائة من النشاط الصناعي السوري تعرض للانهيار بعد ثلاث سنوات على بدء الأزمة في البلاد، نتيجة تعرض نحو 60 ألف منشأة صناعية من أصل 100 ألف لدمار كلي أو جزئي نتيجة الاقتتال، بينما تعمل 40 ألف منشأة بطاقة جزئية. ويشير التقرير إلى أن الخسائر الشاملة للقطاع الصناعي السوري، الذي كان يشكل 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010، تخطت مائة مليار دولار، بينما تحتاج إعادة إعمار القطاع الصناعي، بما فيها المنشآت، إلى 21 مليار دولار.
ويأتي هذا التقرير الذي حمل عنوان «الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة - القطاع الصناعي»، بعد سلسلة تقارير أصدرتها مجموعة عمل اقتصاد سوريا التي يرأسها مساعد رئيس الحكومة المؤقتة للشؤون الاقتصادية الدكتور أسامة قاضي، تناولت تضرر قطاعات حيوية في سوريا، بينها النفط والغاز، والكهرباء، والمواصلات والطرق، والسياسات المالية والنقدية، وغيرها. ويعد هذا التقرير دراسة اقتصادية للطاقات الكامنة لاقتصاد سوريا، تقدم كمادة أولية تمكن الشعب السوري من معايرة أداء الحكومات المقبلة.
ويرتب هذا التقرير على المعارضة السورية مسؤوليات كبيرة لجهة حماية ما تبقى من قدرة صناعية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وأوضح القاضي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه ليس مطلوبا أن تتحمل الحكومة السورية المؤقتة كامل مسؤوليات النهوض بالقطاع الصناعي «لأن هذه المهمة ملقاة على عاتق الحكومة الانتقالية، التي يتوجه إليها التقرير»، مشيرا إلى أن الحكومة المؤقتة «تستطيع أن تدعم مشاريع صناعية صغيرة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وإعفائها من الرسوم، وتأمين استمرارية عمل المؤسسات التي لا تزال فاعلة»، بهدف مساعدة القطاع الصناعي.
وعلى الرغم من تأكيد معدّي التقرير أن أكثر المناطق تضررا هي حلب وريف دمشق، نظرا لأنهما تتضمنان أكبر مجموعة من المصانع السورية، فإن بعض المناطق الصناعية في حلب (شمال البلاد) استعادت جزءا من نشاطها بعد سيطرة المعارضة عليها. ويشير القاضي إلى أن منطقة الشيخ نجار في حلب أعيد تشغيل نحو 300 مصنع فيها قبل بداية هذا العام، «غير أن البراميل المتفجرة التي يطلقها سلاح الجو النظامي أعادت إقفال جزء منها، نظرا لغياب الأمن، وتدمير البراميل جزءا كبيرا من المصانع التي أعيد فتحها». ويشير القاضي إلى أن «بعض الصناعيين مصرون على العمل في ظل القصف بالبراميل المتفجرة».
وعرفت حلب منذ وقت طويل بأنها العاصمة الاقتصادية في سوريا، وعصب القطاع الصناعي، لكنّ جزءا من مصانعها فكك وبيع لاحقا، ما دفع دمشق إلى اتهام السلطات التركية بتسهيل عبور ألف معمل مسروق من حلب إلى أراضيها. ولم تغب هذه القضية عن الحكومة السورية المؤقتة، إذ يشير القاضي إلى أن إعادة المصانع، في الوقت الحالي، «سيكون مهمة صعبة على الحكومة المؤقتة، كونها تحتاج إلى قدرات لملاحقة الجماعات المسلحة التي فككت المصانع وباعتها»، كما تحتاج إلى «طواقم من القضاة والقانونيين للتواصل مع الدولة الصديقة والمجاورة لإعادتها». ويشير إلى أن وزير الصناعة في الحكومة المؤقتة محمد ياسين نجار «يبذل جهودا مضنية لجمع المعلومات عن المصانع المفككة لتكون هناك إحصائيات حقيقية».
وكان الصناعيون في حلب واجهوا مشكلات كبيرة لناحية نقل بضائعهم إلى الخارج عبر الأراضي التركية، إذ تفرض السلطات التركية عليهم دفع رسوم جمركية، وهو ما دفع المسؤولين السوريين في الحكومة المؤقتة المعارضة إلى التواصل مع الجانب التركي لحل هذه المسألة. ويشير القاضي إلى «مشاورات مع السلطات التركية الصديقة للشعب السوري، لبحث مسألة عبور البضائع السورية عبر أراضيها (ترانزيت) بهدف تصديرها»، لافتا إلى «أننا طرحنا المسألة مع الحكومة التركية بهدف تشجيع الصناعة السورية في المناطق المحررة». ويلفت إلى «أننا وجدنا استجابة من الحكومة التركية التي تدرس القضية».
غير أن هذه المعوقات التي تواجه القطاع الصناعي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ليست إلا جانبا من مشكلة أكبر تأثر بها القطاع الصناعي السوري نتيجة المواجهات العسكرية التي تعم البلاد. ويشير معدّو التقرير إلى أن تكلفة إعادة إعمار القطاع الصناعي «تتجاوز خمسة مليارات دولار»، ويضاف إلى التكلفة مبلغ قد يصل إلى أربعة مليارات دولار، وهي تكلفة إعادة خدمات المرافق والبنية التحتية مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والطرقات والصرف الصحي وغيرها كما كانت عليه قبل بدء الأزمة في مارس (آذار) 2011. ويتوقف التقرير عند المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الصناعة السورية. وإذ ينادي معدّو التقرير بتطبيق «الحرية الاقتصادية في سوق العرض والطلب في إطار سوق مفتوحة وشفافة»، يؤكدون أن الصناعة السورية، بحكم النظام الاقتصادي المعمول به في البلاد منذ سنوات طويلة، «تحظى بالكثير من المزايا الاحتكارية والحماية الخاصة، ما أفقدها القدرة على المنافسة بسرعة».
وبفعل «الانهيار» في المنشآت الصناعية، يقدر معدّو التقرير تكلفة إعادة إعمار القطاع الصناعي وتطويره، خلال خمس سنوات، بينها البنى التحتية والمدن الصناعية، بـ21 مليار دولار، تدفع عبر مبالغ خارجة عن الميزانية الحكومية الاعتيادية على مدار السنوات الخمس المقبلة التي تلي انتهاء الأزمة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.