تشكيل وفد «جنيف» يتسبب في انقسامات داخلية لكيانات المعارضة

صدّع «هيئة التنسيق»... و«أحرار الشام» تتجنب القتال مع «النصرة»

صورة أرشيفية لأعضاء وفد المعارضة الى جنيف قبل بدء مشاوراتها في فبراير الماضي (راديو اوروبا الحرة) .. وفي الإطار نصر الحريري الرئيس الجديد لوفد المعارضة
صورة أرشيفية لأعضاء وفد المعارضة الى جنيف قبل بدء مشاوراتها في فبراير الماضي (راديو اوروبا الحرة) .. وفي الإطار نصر الحريري الرئيس الجديد لوفد المعارضة
TT

تشكيل وفد «جنيف» يتسبب في انقسامات داخلية لكيانات المعارضة

صورة أرشيفية لأعضاء وفد المعارضة الى جنيف قبل بدء مشاوراتها في فبراير الماضي (راديو اوروبا الحرة) .. وفي الإطار نصر الحريري الرئيس الجديد لوفد المعارضة
صورة أرشيفية لأعضاء وفد المعارضة الى جنيف قبل بدء مشاوراتها في فبراير الماضي (راديو اوروبا الحرة) .. وفي الإطار نصر الحريري الرئيس الجديد لوفد المعارضة

تسبب استعداد المعارضة السورية للمشاركة في مفاوضات جنيف المرتقبة الأسبوع المقبل، في تصدع داخل «هيئة التنسيق الوطنية»، أحد كيانات المعارضة المشاركة في الهيئة العليا للمفاوضات، حيث انقسمت الهيئة بين مؤيد للمشاركة، ومعارض لها على قاعدة أن العملية التفاوضية «هي عملية وهمية». وتوسع الانقسام من الكيانات السياسية المعارضة إلى الفصائل العسكرية، حيث تغيب عن الفصائل العسكرية المشاركة: «حركة أحرار الشام الإسلامية» و«جيش الإسلام»، علما بأن الأول يمثل واحدًا من أكبر الكيانات العسكرية المعارضة في سوريا، بينما كان قيادي في «جيش الإسلام» يتولى موقع «كبير المفاوضين» في مفاوضات جنيف السابقة.
وقال مصدر قريب من «أحرار الشام» لـ«الشرق الأوسط»، إن الحركة «لا تنظر إلى المفاوضات على أنها مجدية في ظل استمرار النظام في التعويل على الحل العسكري، وهو ما اتبعه في وادي بردى والغوطة الشرقية بدمشق، رغم الهدنة التركية الروسية المعلنة»، مشيرًا إلى أن مباحثات جنيف «لن تختلف كثيرًا عن محادثات آستانة التي لم تردع النظام عن الاستمرار بالحل العسكري».
وأشار المصدر إلى خصوصية أخرى لحركة «أحرار الشام» تدفعها لعدم المشاركة أيضًا، موضحًا أن المشاركة «ستزيد الاحتقان في الشمال السوري بين الفصائل، وستدفع للتصادم مع هيئة تحرير الشام (التي تعتبر «جبهة النصرة» فيها أكبر النافذين) بالنظر إلى أن الفصائل في الشمال تتهم المشاركين في محادثات السلام بالخيانة، وهو ما تسعى الحركة إلى تجنبه منعًا للاقتتال الداخلي، وفي ظل التقارب الأخير بين الفصيلين اللذين يشاركان في معركة مشتركة في جنوب سوريا أخيرًا».
ويضم وفد الهيئة العليا للمفاوضات، وفق القائمة المسربة أمس من الائتلاف الوطني المعارض، 10 ممثلين عن الفصائل العسكرية، أبرزها «فيلق الرحمن»، فصيل إسلامي قرب دمشق، و«لواء السلطان مراد» القريب من تركيا والناشط في شمال سوريا، إضافة إلى فصائل معتدلة في شمال وجنوب سوريا، في غياب ممثلين عن فصائل تتمتع بنفوذ لا سيما «جيش الإسلام».
وانسحب الانقسام حول مشاركة أطراف المعارضة السياسية على منصتي «القاهرة» و«موسكو»، اللتين أعلنتا عدم المشاركة في المؤتمر، رغم الإعلان عن أسماء ممثلين لهما في الوفد الذي شكلته الهيئة العليا للمفاوضات.
ونشرت أمس قائمة بأسماء أعضاء الوفد الـ21، غداة اختيار الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة لأطياف واسعة من المعارضة، في اجتماع عقدته في الرياض اليومين الماضيين، نصر الحريري رئيسًا للوفد المفاوض، ومحمد صبرا كبيرًا للمفاوضين. وحل المعارضان المدنيان مكان رئيس الوفد السابق العميد المنشق أسعد الزعبي، وكبير المفاوضين محمد علوش القيادي في «جيش الإسلام»، الفصيل الذي يحظى بنفوذ في ريف دمشق، والذي ترأس وفد الفصائل العسكرية إلى محادثات استضافتها آستانة الشهر الماضي. كما يضم الوفد ممثلين عن «منصة موسكو» التي تضم معارضين مقربين من روسيا، أبرزهم نائب رئيس الوزراء سابقا قدري جميل، وكذلك ممثلين عن «منصة القاهرة» التي تضم معارضين ومستقلين بينهم المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية جهاد مقدسي، على أن يكون خالد المحاميد ممثلاً لـ«منصة القاهرة». إلا أن الطرفين نفيا وجود ممثلين عنهما ضمن الوفد. وقال المقدسي لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «هذا الكلام غير دقيق، ورغم أن هناك تواصلاً مع الهيئة العليا للمفاوضات فإنه لا يوجد أي ممثل رسمي لمنصة القاهرة في وفد الهيئة العليا للمفاوضات»، معتبرا أن المحاميد وكما أعلن بنفسه «يشارك بصفة مستقل» في الوفد.
وفي السياق ذاته، قال جميل المقيم في موسكو لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «لم يجر أي تشاور معنا في هذا الموضوع»، مضيفا أن تشكيلة الوفد التي أعلن عنها «نعتبرها اقتراحًا من جماعة الرياض (...) ويجب أن تخضع للبحث والاتفاق بين الجميع للتوصل إلى تشكيل وفد معارض موحد يشارك في مفاوضات مباشرة مع الحكومة السورية».
وبينما أعلنت «هيئة التنسيق الوطنية» المشاركة في المؤتمر، تصدعت الهيئة من الداخل على ضوء الانقسامات بين أعضائها، إذ أعلنت عضوة هيئة التنسيق نورا غازي استقالتها من الهيئة، معلنة اعتذارها عن المشاركة بعضوية الوفد الاستشاري في جنيف، الذي تم تعيينها به في اجتماع الهيئة العليا للمفاوضات بالرياض.
وقالت مصادر مقربة من هيئة التنسيق لـ«الشرق الأوسط»، إن المعترضين على المشاركة «يعتبرون أنه ليست هناك عملية سياسية مجدية، بالنظر إلى أن قرار المكتب التنفيذي لمؤتمر جنيف ينص على تشكيل وفد واحد للمعارضة وفق القرار 2254 بالمنصات الثلاث والأطراف الأخرى، وهذا الأمر لم يتحقق»، لافتًا إلى أن الخلاف داخل هيئة التنسيق «اندلع على خلفية أن المشاركة تخالف العهد الوطني واستقلالية المكتب التنفيذي».
وأعلنت المعارضة السورية الأحد تشكيلها وفدًا من 21 عضوًا، بينهم 10 ممثلين عن الفصائل العسكرية، برئاسة عضو الائتلاف المعارض نصر الحريري للمشاركة في مفاوضات جنيف المرتقبة في العشرين من الشهر الحالي. ويتحدر الحريري (40 عامًا) من مدينة درعا، وهو طبيب حاصل على ماجستير في الأمراض الباطنية والقلب يتقن الإنجليزية. أما محمد صبرا الذي اختير كبيرا للمفاوضين، فهو محام وحقوقي كان عضوا في الوفد التقني إلى مفاوضات جنيف عام 2014، ويشغل منصب الرئيس التنفيذي لحزب «الجمهورية» الذي تأسس في أبريل (نيسان) 2014 في إسطنبول.
ويحتفظ الوفد المفاوض وفق قائمة الائتلاف الوطني، بعدد من أعضائه الذين شاركوا العام الماضي في محادثات جنيف، بينهم بسمة قضماني وفؤاد عليكو، كما يرافقه وفد تقني يضم 20 مستشارًا قانونيًا وسياسيًا وعسكريًا.
وقال رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف المعارض أحمد رمضان، لوكالة «الصحافة الفرنسية» أمس، إن مشاركة ممثلين عن المجموعتين في عداد وفد الهيئة، يعني «أن المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لن يدعو أحدا من أي طرف بصفة استشارية، وسيكون الوضع كما كان عام 2014، أي مفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام فقط».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.