الأطفال والنساء... دروع «داعش» البشرية

القتل مصير الهروب من «أرض الخلافة»

فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)
فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)
TT

الأطفال والنساء... دروع «داعش» البشرية

فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)
فتاة عراقية نجت بحياتها مع عائلتها في شمال الموصل حيث تعيش الآن في مخيم حسن شام (أ.ف.ب)

قال خبراء استراتيجيون أمنيون في مصر، إن القتل أصبح مصير كل من يحاول الهروب من أرض الخلافة المزعومة لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، وإن جميع عمليات الإعدام التي ينفذها التنظيم الآن وفي وقت سابق، تتم في الأماكن العامة، كنوع من التخويف وبث الفزع في من يفكر في القيام بذلك.
الخبراء أكدوا أن «داعش» يضطر كل يوم لإعدام عدد من مقاتليه الذين يحاولون الفرار من الموصل هربا من المعارك والهجمات التي يشنها الجيش العراقي، خوفا من مصير الموت المحتوم بأيدي الجنود العراقيين. لافتين إلى أن استخدام «داعش» للأطفال والنساء كدروع بشرية هو «فزاعة» من جانب تلك الفئة الضالة، ويُعد نوعا من اليأس، ودليلا على نجاح هجمات التحالف الدولي.
كلام الخبراء اتسق مع دراسة حديثة في مصر أكدت أن «التنظيم يستخدم النساء والأطفال كدروع بشرية في صد عمليات القوات العراقية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية»... الدراسة نفسها دعت إلى ضرورة حرمان التنظيم الإرهابي من استخدام المدنيين كدروع بشرية في أعماله الإرهابية الجبانة التي يستهدف بها إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى بين العراقيين.
وأفتى فواز العلي المُلقب أبو علي الشرعي القاضي الشرعي التابع لتنظيم داعش الإرهابي في مدينة الرقة، في يوليو (تموز) الماضي، بجواز قتل المقاتلين الدواعش الذين يحاولون الفرار من صفوف التنظيم، وكذلك قتل المدنيين الذين يحاولون الهرب ويعرضون حياة أعضاء «داعش» للخطر من خلال نقل معلومات.
وأجبر تنظيم داعش نساء وأطفالا وشيوخا على السير برفقة عناصر التنظيم لأيام كدروع بشرية، للتغطية على تراجعه إلى مدينة الموصل في العراق، فيما قام بفصل الصبية والرجال في سن القتال في الطريق وأخذوهم لمصير مجهول.
وبدأ تنظيم داعش الإرهابي بتصعيد وتيرة أعماله؛ لكن هذه المرة ليس لأعمال إرهابية؛ لكن ضد المدنيين الذين يحاولون الفرار، وأيضا مُقاتليه الذين يحاولون الهرب من إجبارهم على القيام بعمليات إرهابية والدخول في حرب أصبحت الآن خاسرة، خاصة مع تقدم قوات التحالف الدولي في العراق، وسيطرة النظام السوري على معظم مناطق سوريا وطرد التنظيم منه.
وقام التنظيم الإرهابي مؤخرا بقتل 20 رجلا حاولوا الهروب من غربي الموصل عبر نهر دجلة مستخدمين الزوارق من أجل الوصول إلى منطقة الرشيدية شمالي المدينة، بينما أخذ النساء والأطفال كرهائن ونقلهم إلى جهة مجهولة... فضلا عن إعدام 7 من مقاتليه حاولوا الهروب من خلال نهر دجلة؛ لكن ما منعهم من العبور كان سيطرة القوات العراقية على المجرى المائي، وهو ما دفعهم للعودة لغرب الموصل مرة أخرى، وأصدرت القيادات الميدانية المزعومة في تنظيم داعش أوامرها بإعدام الفارين رميا بالرصاص.
ويشار إلى أن «داعش» قتل مطلع فبراير (شباط) الجاري 46 شابا وصبيا في الموصل حاولوا الهروب من عمليات التجنيد القسري في صفوف التنظيم... كما رصدت تقارير أن أغلبية الشباب الذين قتلهم إرهابيو «داعش» رميا بالرصاص، كانوا قد حاولوا الهروب من عصابات التجنيد التي ينشرها التنظيم في المناطق التي ما زالت تحت سيطرته، للتعويض عن الخسائر البشرية التي يتكبدها في عناصره القتالية جراء القتال.
ويقول محللون بات الهروب مما يسمى بأرض الخلافة – المزعومة - حلما يراود آلاف المواطنين الذين ما زالوا تحت سيطرة عناصر تنظيم داعش في العراق وسوريا... وبرغم المخاطر الكبيرة التي يتعرضون إليها والتي أودت بحياة الكثير منهم؛ فإن الفرار من مناطقهم بات الشغل الشاغل لكل من تحمله قدماه على المسير لمسافات طويلة في أرض وعرة وفي ظل ظروف جوية سيئة جدا. وذكرت تقارير في وقت سابق أن عناصر «داعش» كانوا يأخذون المدنيين معهم لدى انسحابهم نحو أي مدينة... ولداعش سوابق في الاحتماء بالمدنيين من خلال اتخاذهم رهائن في مدن أخرى دافع عنها مقاتلوها.
وبحسب إحصائيات غير رسمية، نفذ تنظيم داعش حكم الإعدام في 14 عراقيا حاولوا الهرب، ونفذ عناصره 6 هجمات انتحارية في العراق، فضلا عن تنفيذ حكم الإعدام في 13 سوريا حاولوا الهرب أيضا، ونفذ ما يقارب 5 هجمات انتحارية، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقال مراقبون إن «داعش» فرض غرامة 600 دولار لمن يريد الخروج من مناطقه في العراق، مؤكدين أن ازدياد وحشية «داعش» في القتل والإعدام وحرق المدنيين أحياء وتعذيبهم، يرجع إلى زيادة الضغوط على التنظيم، وتقليص أنشطته وانكماش بقعته في الأراضي التي يسيطر عليها في العراق وسوريا.
الخبير الأمني والاستراتيجي في مصر اللواء كمال المغربي، قال: إن تنظيم داعش الإرهابي يتعرض لهزة كبرى في الوقت الحالي، فعلى الرغم من محاولات التنظيم الحفاظ على الأراضي الواقعة تحت سيطرته حاليا؛ فإنه يضطر كل يوم لإعدام عدد من مقاتليه، الذين يحاولون الفرار من الموصل هربا من المعارك والهجمات التي يشنها الجيش العراقي، وخوفا من مصير الموت المحتوم بأيدي الجنود العراقيين، مضيفا أن «الكثير من مسلحي (داعش) بدأوا يتهربون من القتال في صفوف التنظيم، ويلجأون إلى حيل مختلفة للتخلي عنه، كالتمارض وادعاء الرغبة الكاذبة في تنفيذ عمليات انتحارية»، موضحا أن «استخدام الأطفال في الحرب وبعضهم أقل من 12 سنة مخالفة صارخة للمعاهدات والمواثيق الدولية التي تحمي حقوق الأطفال، وجريمة ضد الإنسانية»، مشيرا إلى أن استخدام الأطفال والنساء كدروع بشرية هو «فزاعة» من جانب تلك الفئة الضالة.
الدراسة المصرية أكدت أن تنظيم داعش الإرهابي حول الجانب الغربي من مدينة الموصل إلى سجن كبير لأهل المدينة، ومنع خروج الأهالي إلى الجانب الشرقي من المدينة، والذي تم تحريره على أيدي القوات العراقية وقوات التحالف، مضيفة أن التنظيم الإرهابي يستخدم الأطفال والنساء كدروع بشرية في صد عمليات القوات العراقية وقوات التحالف، كما يستخدم الكثير من الأطفال كقنابل بشرية وأجساد مفخخة لتنفيذ العمليات الإرهابية داخل مناطق سيطرة القوات العراقية، وذلك بعد أن يقوم بعمليات غسيل الأدمغة للأطفال وحديثي السن لتجنيدهم في صفوف التنظيم وإرسالهم للقيام بالعمليات الانتحارية.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد أعربت عن تخوفها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي من استخدام تنظيم داعش لعشرات الآلاف من المدنيين في مدينة الموصل العراقية كدروع بشرية للدفاع عن معقله.
من جهته، قال الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء طلعت مسلم، إن «اتخاذ الدواعش للنساء والأطفال كدروع بشرية يعد نوعا من اليأس، ودليلا على نجاح التحالف الدولي»، مضيفا أن استخدام العزل كدروع يؤكد أنهم ليسوا بمسلمين كما يدعون، لأن الإسلام حرم تهديد حياة الأبرياء، مشيرا إلى أن ما يفعله الدواعش، فعله من قبل الحوثيون في اليمن، وجماعة «بوكو حرام» في نيجيريا عندما استخدمت الأطفال والرهائن كدروع بشرية. وأكد مسلم أن اتخاذ «داعش» للمدنيين كدروع بشرية يدل على ضعف التنظيم الإرهابي، وخسته وقلة حيلته وسلوكه غير الأخلاقي، لأنه لا يستطيع حماية نفسه؛ إلا من خلال المدنيين العزل.
الدراسة المصرية التي أعدها مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء، دعت كافة الأطراف الدولية إلى العمل على إيجاد ممرات آمنة لأهالي الموصل المحاصرين في الجانب الغربي للعبور إلى المناطق الشرقية والشمالية من المدينة، وحرمان التنظيم الإرهابي من استخدام المدنيين كدروع بشرية في أعماله الإرهابية الجبانة، التي يستهدف بها إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى بين العراقيين.
كما طالب اللواء مسلم، العالم بالتعامل بشدة مع تنظيم داعش الإرهابي، لأن العنف لا يواجه إلا بالقوة، وضرورة حماية المدنيين وقت الحروب وإبعادهم عن مناطق الصراع.
وتعد مشاهد الجز وقطع الرقاب لكل من خرج عن طوع التنظيم، دليلا على أن «داعش» الذي يخدع من ينضم له بعبارات كاذبة عن الإسلام والمسلمين، يُعد من أكثر التنظيمات الدموية على مر التاريخ، كما أنه الأكثر استباحة للدماء والأنفس.
وأضحى تنظيم داعش معروفا بفيديوهات قطع الرؤوس للمدنيين والعسكريين على حد سواء والذين هربوا بالفعل، أو أعلنوا عن نيتهم في الهروب... ويشار إلى أن «داعش» خلال عامه الأول من إعلان دولة الخلافة – المزعومة - في سوريا والعراق عام 2014 قطع ما يزيد عن 3 آلاف رأس من المدنيين ومن عناصره بتهمة الغلو والتجسس لصالح دول أجنبية عند محاولتهم العودة إلى بلادهم.
يقول مراقبون إن «داعش» يستخدم قطع الرؤوس لترهيب السكان المحليين في سوريا والعراق وليبيا مؤخرا، حيث أصدر سلسلة من أشرطة الفيديو الدعائية، وبث التنظيم عمليات إعدام علنية وجماعية، واحتوت بعضها على سجناء أجبروا على حفر قبورهم بأيديهم قبل إعدامهم، وكذلك أعدم عشرات المقاتلين السوريين المنتمين للمعارضة.
بينما قال الخبراء الاستراتيجيون، إن تنظيم داعش يرسل للعالم بمناظر إعدام الضحايا، رسالة بأن هذا سيكون مصير كل من يهرب من التنظيم، وكل من يخالفه في الفكر والمعتقد، مؤكدين أن التنظيم يلجأ لمشاهد قطع الرقاب نتيجة هروب الكثير من أنصاره في العراق وسوريا بسبب الخسائر والهزائم التي يتلقاها بشكل يومي على يد التحالف الدولي، ولتأكيد أنه لا يزال قويا وأوراق اللعبة في يده.
ويذكر أن الأردني أبو مصعب الزرقاوي مؤسس التنظيم في بداياته، هو أول من قام بذبح أحد الرهائن الأميركيين في العراق ويدعى يوجيين أرمسترونغ عام 2004، بحز رقبته بسكين، وقد قامت جماعة «التوحيد والجهاد» حينذاك بنشر الفيديو المصور لعملية الذبح على الإنترنت.
وسبق أن ذبح «داعش» رهينة ياباني، وسوريين وعراقيين، وعددا من الجنود اللبنانيين، بالإضافة لاثنين من الصحافيين الأميركيين، ومصريين أقباط في ليبيا.
وذكرت الدراسة المصرية ذاتها أن أفعال الدواعش باستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية تُخالف كل القيم والمبادئ الدينية والإنسانية وما جاءت به جميع الأديان السماوية، وأن أكثر ضحايا التنظيم هم من المسلمين سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، مما يعني أن التنظيم إنما يحمل القتل والذبح أينما وجد، مشيرة إلى أن قادة تنظيم داعش يعتقدون أن القتل بشراهة ووحشية يسهم في استقرار سيطرتهم وخضوع الناس لهم خوفا من البطش والقتل على يد عناصره المنتشرين في مختلف مناطق سيطرتهم، وذلك على الرغم من أن التراث الإسلامي على امتداده لا يوجد به ما يدعو إلى القتل وسفك الدماء أو إرهاب الناس وتخويفهم كي يذعنوا لهم ويعلنوا البيعة والولاء.
في ذات السياق، يواجه «داعش» أزمة هروب الأجانب من العراق وسوريا، نتيجة انخداعهم بشعاراته الدينية ودعايته المضللة، قبل أن يتعرفوا على حقيقة الأوضاع على أرض الواقع، وهو ما دفعهم إلى محاولة الفرار من التنظيم، والعودة إلى مجتمعاتهم التي هجروها إلى - أرض الخلافة المزعومة.
وقال اللواء كمال المغربي إن «تزايد نشر أخبار التنظيم والمقاطع المُصورة لتنفيذ أحكام الإعدام لعناصره الهاربة من المعارك، هو ودليل واضح على ضعف الانسجام بين عناصره والإنهاك الذي أصاب التنظيم خلال الفترة الأخيرة بسبب قوات التحالف الدولي»، لافتا إلى أن «التحدي الأكبر للتنظيم الإرهابي في الفترة القادمة سيكون محاولة الحفاظ على تماسك التنظيم وترابط أعضائه ومنع انتشار عدوى الهروب من التنظيم إلى أطرافه ومختلف مناطقه». الخبراء قالوا أيضا إن «داعش» يحاول الحد من هذه الانشقاقات عن طريق مُصادرة جوازات سفر المنتسبين إليه ليضمن عدم هروبهم من التنظيم، فضلا عن إعدام مقاتليه الذين حاولوا الفرار من مواجهة القوات العراقية بتهمة الخيانة العظمى والسعي للانشقاق عن التنظيم.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.