نازحون لبنانيون عائدون يحسدون السوريين اللاجئين في بلادهم

الأمم المتحدة تتوقع أن يبلغ عددهم 50 ألفا نهاية العام الحالي

لاجئة سورية هاربة من بلدتها في يبرود قبل نحو شهر تجلس بجانب متعلقاتها في بلدة عرسال اللبنانية (رويترز)
لاجئة سورية هاربة من بلدتها في يبرود قبل نحو شهر تجلس بجانب متعلقاتها في بلدة عرسال اللبنانية (رويترز)
TT

نازحون لبنانيون عائدون يحسدون السوريين اللاجئين في بلادهم

لاجئة سورية هاربة من بلدتها في يبرود قبل نحو شهر تجلس بجانب متعلقاتها في بلدة عرسال اللبنانية (رويترز)
لاجئة سورية هاربة من بلدتها في يبرود قبل نحو شهر تجلس بجانب متعلقاتها في بلدة عرسال اللبنانية (رويترز)

لا يطمح فيصل خير الدين (63 سنة)، وهو لبناني ولد في سوريا واضطر إلى النزوح إلى لبنان قبل عامين ونصف العام هربا من القصف الذي طال حي البياضة في مدينة حمص حيث كان يعيش، إلا إلى أن تجري معاملته في البلد الذي يفترض أنه بلده الأم، أسوة باللاجئين السوريين، فيحصل على مساعدات شهرية من مفوضية الأمم المتحدة.
ويعيش خير الدين وأولاده الثلاثة في منطقة الهرمل شرق لبنان في غرفة صغيرة، يقول إن حزب الله يدفع إيجارها، مؤكدا أنه لم يحصل على أي مساعدات أخرى سواء من منظمات دولية أو محلية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «في بادئ الأمر، سكنا في منطقة الدورة في بيروت.. ولأن الإيجارات هناك مرتفعة جدا، انتقلنا إلى الهرمل. والحمد لله أن حزب الله هو من يتكفل بدفع إيجار الغرفة التي نعيش فيها».
ويأسف الرجل الستيني لكون الهوية اللبنانية شكلت عائقا يحول دون تلقيه المساعدات الأممية، وأضاف: «حبذا لو كنا سوريين؛ على الأقل كانت الأمم المتحدة التفتت لأحوالنا».
حال خير الدين تشبه أحوال القسم الأكبر من اللبنانيين الذين ولدوا في سوريا، أو عاشوا فيها لسنوات طوال، واضطروا إلى النزوح بعد اندلاع الأحداث هناك قبل نحو ثلاث سنوات. وبينما تشير بعض المعلومات إلى أن عدد النازحين اللبنانيين من سوريا إلى لبنان تخطى حاجز الـ17 ألف شخص، فإن الأمم المتحدة تتوقع أن يبلغ عددهم نهاية العام الحالي 50 ألفا. ويعيش معظم هؤلاء في منطقة الهرمل وضواحيها، بينما يعيش بعضهم في مناطق جنوب لبنان وفي العاصمة بيروت.
ويشير نائب رئيس بلدية الهرمل عصام بليبل إلى أنهم سجلوا وجود 470 عائلة لبنانية نزحت من سوريا إلى مدينتهم، لافتا إلى أن معظمهم نزحوا من مدينة حمص. وقال بليبل لـ«الشرق الأوسط»: «حالة هؤلاء النازحين أصعب بكثير من أحوال اللاجئين السوريين، لكونهم لا يتلقون أي نوع من المساعدات، وهم متروكون لمصيرهم».
وبخلاف اللاجئين السوريين في لبنان، والذين تخطى عدد المسجلين منهم المليون و29 ألفا، والذين يعيش قسم كبير منهم في مخيمات عشوائية منتشرة في مجمل المناطق اللبنانية، يعيش اللبنانيون النازحون في غرف صغيرة، يعانون الأمرّين لتأمين أجرتها.
وتشتكي اللبنانية عبير مطر (44 سنة) من غلاء المعيشة في لبنان، فهي التي ولدت في سوريا وعاشت في مدينة القصير، اضطرت للهرب مع زوجها وولديها إلى لبنان بعد أن دمر منزلها. وقالت مطر لـ«الشرق الأوسط»: «سكنا لنحو عام ونصف العام في مدينة الهرمل، ولكن بعدما ساءت الأحوال الأمنية هناك نزحنا من جديد إلى منطقة سن الفيل في بيروت، حيث نعيش اليوم في منزل صغير بالكاد نتمكن من تسديد إيجاره».
وتبدو اللهفة للعودة إلى سوريا واضحة في عيني عبير، التي تؤكد أنه لو كان هناك ضمانة صغيرة أن الأوضاع في سوريا تحسنت فستعود فورا إلى هناك. وتضيف: «نحن لا نقدر أن نعيش في لبنان، ولا إمكانات لنا تسمح بذلك، الوضع في سوريا مختلف تماما». وكما خير الدين، تشتكي عبير من أنها لم تحصل هي وعائلتها على أي مساعدات من الدولة اللبنانية، مستغربة كيف أن «اللبناني يكون غريبا في أرضه بعكس اللاجئ السوري الذي بات يحظى بحد أدنى من الرعاية!».
وتطال المساعدات التي تقدمها مفوضية شؤون اللاجئين بشكل خاص النازحين السوريين الذين يسجلون في مكاتب الأمم المتحدة المنتشرة في المناطق اللبنانية، لكن المفوضية ليست مولجة بتسجيل النازحين اللبنانيين.
وتشير الناطقة باسم مفوضية اللاجئين في بيروت جويل عيد إلى أن النازحين اللبنانيين تستهدفهم برامج محددة تنفذها المفوضية بالتعاون مع 60 جمعية أخرى، مؤكدة أن عددا كبيرا منهم تلقوا مساعدات فورية لدى وصولهم إلى لبنان. وقالت عيد لـ«الشرق الأوسط» إن نداء التمويل الأخير الذي أطلقته المفوضية للعام الحالي، رصد مبالغ لتغطية احتياجات 1.5 مليون سوري، و50 ألف نازح لبناني من سوريا، و100 ألف فلسطيني، و1.5 مليون لبناني متضرر.
وأعلنت المفوضية مطلع العام الحالي أن لبنان بات يسجل أعلى نسبة كثافة نازحين في العالم في التاريخ الحديث مقارنة بعدد السكان، مع وجود نحو 230 نازحا سوريا مسجلين مقابل كل 1000 لبناني. وقد بذلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ مطلع العام الحالي جهودا كبيرة لإغاثة النازحين اللبنانيين من سوريا، بـ«اعتبارهم فروا من النزاع المحتدم هناك تاركين وراءهم كل ما يملكونه».
وأوضحت المتحدثة الرسمية باسم اللجنة في بيروت سمر القاضي أنهم قدموا مساعدات لنازحين لبنانيين من سوريا موجودين حاليا في منطقة الهرمل وضواحيها، وفي منطقة بنت جبيل جنوب البلاد، شملت مواد غذائية وفرشا وبطانيات ولوازم النظافة الشخصية وأدوات المطبخ، مشيرة إلى أن أحوال هؤلاء صعبة جدا، وقد تكون أصعب من أحوال اللاجئين السوريين لكونهم غير مشمولين بالمساعدات التي تقدمها مفوضية شؤون اللاجئين.
ولفتت القاضي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن اللجنة الدولية قامت بأكثر من حملة لمساعدتهم لم تشمل الأشخاص أنفسهم في محاولة للوصول إلى أكبر عدد من المحتاجين منهم، وقالت: «نحن نقيم الاحتياجات ونقدم على أساسها المساعدات المناسبة».
ويحاول الصليب الأحمر الدولي تغطية النقص بالمساعدات وسد الاحتياجات أينما وجدت، سواء لدى النازحين اللبنانيين أو السوريين الموجودين في لبنان، وأشارت القاضي إلى أن اللجنة تحاول أن تكون فاعلة حين تتأخر الأمم المتحدة عن تقديم المساعدة لمن هم بحاجة ماسة إليها. وأضافت: «لقد نسقنا قبل فترة مع مفوضية شؤون اللاجئين حين بدأ النازحون السوريون بالتوافد بأعداد كبيرة من منطقة يبرود السورية إلى عرسال اللبنانية، وقد قدمنا المساعدة اللازمة في حينه».
وتعمل اللجنة الدولية أيضا على تحديث البنية التحتية للمياه لتساعد المجتمعات المضيفة على مواكبة الزيادة السكانية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.