أبو عياض التونسي... أخطر داعشي في شمال أفريقيا يتحول إلى لغز

التنظيم روَّج لمقتله عدة مرات... نشأ على مبادئ الإخوان وقاتل لسنوات في أفغانستان

أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)
أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)
TT

أبو عياض التونسي... أخطر داعشي في شمال أفريقيا يتحول إلى لغز

أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)
أبو عياض التونسي - عناصر «داعش» في سرت قبل طردهم منها («الشرق الأوسط»)

تحوَّل أحد أخطر دواعش شمال أفريقيا، ويدعى أبو عياض التونسي (51 عامًا)، إلى لغز. وروجت مصادر التنظيم المتطرف، أكثر من مرة، خلال العامين الأخيرين، أنباء عن اعتقاله ومقتله، إلا أن آخر المعلومات التي استقتها «الشرق الأوسط» من مصادر استخباراتية وأخرى على صلة بالجماعات المتشددة، في العاصمة الليبية، تتحدث عن فرار أبو عياض، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من مدينة سرت، الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا، إلى الجزائر.
واعتقلت قوات «البنيان المرصوص» التي كانت تحارب تنظيم داعش في مدينة سرت، العشرات من العناصر المنتمية للتنظيم من بينهم خمسة، على الأقل، من القادة، كشفوا في التحقيقات عن أن الكثير من أسماء الكوادر الداعشية، من الليبيين والعرب والأجانب، ممن أعلن التنظيم عن مقتلهم في معارك سرت، ما زالوا على قيد الحياة، وأن معظمهم فرَّ إلى مناطق تقع حول طرابلس أو إلى دول الجوار مثل تونس ومصر والجزائر وبلدان أفريقية أخرى.
كما قامت قوات حكومية، ضعيفة الإمكانيات، وميليشيات منافسة في العاصمة الليبية، بسلسلة مطاردات لدواعش لجأوا إلى طرابلس بعد هزيمة التنظيم في سرت، وتمكنت من احتجاز عدد من هؤلاء، وتبين من التحقيقات أن المعلومات التي أدلوا بها من شأنها أن تقلب الكثير من المعادلات الخاصة بالتنظيم في ليبيا، رأسًا على عقب، من بينها أن أبو عياض، الذي قيل في السابق إنه معتقل لدى الولايات المتحدة الأميركية، ثم قيل عدة مرات إنه قتل، ما زال على قيد الحياة، وإنه كان يدير الحرب في سرت مع التنظيم المتطرف، وفرَّ مع سقوط المدينة في أيدي قوات البنيان المرصوص الموالية لحكومة المجلس الرئاسي الليبي، إلى الجزائر عبر الحدود البرية.
ويقول مصدر في مخابرات طرابلس لـ«الشرق الأوسط»: «في أواخر الشهر الماضي، أدلى داعشي مصري، جرى اعتقاله في العاصمة، بمعلومات تفصيلية عن نشاط أبو عياض في سرت وقيادته للعمليات في ضاحية الجيزة بالمدينة الليبية، وقال إن أبو عياض نفسه كان يتابع الأخبار التي تتردد عن اعتقاله على يد المخابرات الأميركية، ويضحك. وأضاف أن الرجل التونسي الذي نشأ على مبادئ جماعة الإخوان المسلمين في تونس، وقاتل لسنوات في أفغانستان، كان إذا أراد أن يستريح قليلا يقول مداعبًا من معه: ذاهب إلى غوانتانامو.. سأنام قليلا وأعود».
ومن جانبه، أفاد محقق تابع لميليشيا تقوم بأعمال تحت لافتة «وزارة العدل» في طرابلس، إن قياديا داعشيًا من سرت (من دولة عربية ورفض المصدر الإفصاح عن اسم الدولة) تعرف على صورة أبو عياض التونسي عند تقديمها له، وبسؤاله عن مصير هذا الرجل، وعن المزاعم التي تقول إنه قتل في غارة أميركية على الجنوب الليبي، أو في معارك مع قوات الجيش الليبي في بنغازي، أجاب قائلاً إن هذا غير صحيح، وإن أبو عياض ما زال على قيد الحياة، وإنه انتقل إلى الجزائر قبل شهر، بناء على تعليمات من مكتب زعيم التنظيم في العراق والشام، أبو بكر البغدادي.
والاسم الحقيقي لأبو عياض التونسي هو سيف الله بن حسين. وهو من مواليد تونس عام 1965، ومتزوج من امرأة مغربية، ولديه ثلاثة أبناء. وبدأ حياته الدراسية وهو من المعجبين بفكر زعيم الإخوان التاريخي، حسن البنا، مما عرضه لملاحقات من الأمن التونسي، والحكم عليه بالسجن، لكن أبو عياض ومثله مثل كثير من الشبان العرب في تلك الفترة، سافر لقتال القوات الروسية في أفغانستان، واشترك في معسكرات تدريب في باكستان. وظل هناك حتى عام 2001، حيث أخذ يتنقل بين عدة بلدان هربًا من الملاحقات الدولية.
وفي عام 2003 ألقي القبض عليه في تركيا أثناء سفره عبر منطقة الشرق الأوسط، وجرى تسليمه إلى تونس التي حكمت عليه بالسجن لمدة أربعين عامًا، وخرج من محبسه مثل غالبية المحكومين المشابهين له في دول ما يعرف بـ«الربيع العربي» في 2011. وقام بتأسيس تنظيم أنصار الشريعة في تونس. ويعد تنظيم أنصار الشريعة تنظيمًا إرهابيًا وفقًا للأمم المتحدة.
ومنذ عام 2013 ابتعد أبو عياض عن الأنظار، حيث يعتقد أنه لجأ منذ ذلك الوقت للإقامة لدى فروع التنظيم في مدن ليبية منها درنة وبنغازي وسرت، خصوصًا بعد أن جرى اتهام تنظيمه في تونس بالوقوف وراء سلسلة تفجيرات في جبل الشعانبي التونسي، ومقتل المعارض اليساري التونسي شكري بلعيد. وظهرت في تلك السنة أقاويل عن قيام المخابرات الأميركية بعملية اختطاف لأبو عياض من مدينة مصراتة الليبية، إلا أن الأميركيين نفوا ذلك في حينه.
وكان تيار «أنصار الشريعة» مواليًا لتنظيم القاعدة، إلا أن غالبية التيار وفروعه في عدة دول في شمال أفريقيا، بايع أبو بكر البغدادي منذ 2014. وظل كثير من المراقبين يعتقدون بمقتل أبو عياض في ضاحية قنفودة التي كانت تقاوم تقدم الجيش في مدينة بنغازي في عام 2015. ومع تقدم الجيش الليبي، قبل أسبوعين، وتمكنه أخيرًا من طرد المتطرفين من قنفودة، بثت مواقع إلكترونية محسوبة على تنظيم الشريعة الموالي لـ«داعش»، أنباء جديدة عن اعتقال أبو عياض على يد الجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر، كما بثت أنباء أخرى عن مقتله.
ووفقًا للمصادر الأمنية يعد أبو عياض من القيادات الخطيرة في شمال أفريقيا، ويقول مصدر في مخابرات طرابلس: «لا يقل في أهميته وتأثيره عن زعيم تنظيم (المرابطين) التابع لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، المدعو مختار بلمختار، وهو جزائري الجنسية ويلقب بالأعور». ويضيف المصدر نفسه أن المعلومات تشير إلى أن مجموعتي الرجلين، أبو عياض وبلمختار، وهما منتشرتان في كل من ليبيا والجزائر وتونس، تتعاونان مع بعضهما بعضًا، رغم أن بلمختار لم يعلن صراحة عن مبايعته لتنظيم داعش حتى الآن، مشيرًا إلى أن أبو عياض أثنى عدة مرات على العمليات الإرهابية التي قامت بها مجموعة بلمختار في جنوب الجزائر وفي شمال مالي، ومن بينها تفجيرات واختطاف رهائن.
وفيما بعد اتضح من تحقيقات مع داعشيين فروا من سرت وجرى توقيفهم في طرابلس، أن أبو عياض فر من سرت مع عدد من القيادات الداعشية التي سبق إعلان التنظيم عن مقتلهم على يد قوات البنيان المرصوص، في المدينة، وتمكنوا من عبور الحدود إلى الجزائر، ومن بين من كانوا مع أبو عياض، وفقًا لمصادر التحقيقات، أبو عبد الله، صومالي الجنسية، والعسلي، يعتقد أنه مصري الجنسية، وآخرين من تونس والجزائر ودول أفريقية أخرى. وآخر مرة شوهد فيه هؤلاء مع بعضهم بعضًا، كانت في اجتماع عقد في منزل، في سبتمبر (أيلول) الماضي، في منطقة سوكنة الصحراوية التي تبعد عن الحدود الليبية مع الجزائر نحو 150 كيلومترا. وجرى استهداف الاجتماع بغارة نفذتها طائرات تابعة لحكومة الوفاق، أقلعت من قاعدة مصراتة العسكرية. وخرجت شائعات جديدة عن مقتل أبو عياض، إلا أنه ظهر فيما بعد أن الغارة لم تصب الهدف، وأن الذي قتل فيها أربعة نساء كن بالمنطقة وإصابة العشرات بجروح.
ويبدو أن تحقيقات كثير من أجهزة الأمن المعنية بقضايا المتشددين في شمال أفريقية تسير ببطء مقارنة بالسرعة التي تتسم بها تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة». وما زالت عملية استجواب تخص غارة غربية جرى تنفيذها على تجمع لقيادات متطرفة في جنوب ليبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مستمرة حتى الآن، حيث لم يظهر بعد ما يؤكد من قُتل في تلك الغارة ومن لم يقتل. واستهدفت تلك الغارة ثلاثة منازل بمنطقة قرضة الشاطئ في مدينة سبها.
وتقول معلومات جديدة حول هذه الواقعة إن الاجتماع كان يضم قيادات متشددة من بينهم أبو عياض، وبلمختار، وعبد المنعم الحسناوي (يكنى بأبي طلحة)، وثلاثة آخرين هم مصريان ومغربي. وعلى عكس ما كان يعتقد في ذلك الوقت من مقتل أبوعياض، يوضح مصدر في مخابرات طرابلس أن أبو عياض وبلمختار وأبو طلحة لم يصابوا بأذى في تلك الغارة، وأن القتلى هم المصريان والمغربي فقط. لكن الشكوك حول عدد القتلى ما زالت قائمة، لأن المجموعة المتطرفة قامت بإخلاء الجثث من موقع الانفجار على الفور.
ويضيف المصدر نفسه أنه رغم أن الاجتماع كان يضم عددًا من أخطر قيادات المتطرفين في شمال أفريقيا، فإن الهدف لم يكن في ذلك اليوم التخطيط لعمل إرهابي، ولكنه، كما اتضح لاحقًا، كان لتمرير صفقة مخدرات ضخمة لحاجة المجموعات المتطرفة إلى الأموال، وذلك بعد التشديدات التي باتت تفرضها السلطات الأمنية في المنطقة على نشاط تهريب النفط والآثار الذي كان يعد من مصادر الدخل الرئيسية للمتطرفين. ويُعتقد، وفقًا لأحدث المعلومات، أن رصد اجتماع المتطرفين في منطقة قرضة الشاطئ جرى بالتعاون بين أجهزة استخبارات جزائرية وفرنسية وأميركية، وأن أهالي المنطقة كان لهم الدور الأكبر في الإبلاغ عن تحركات هذه القيادات منذ دخولها للمنطقة آنذاك.
ومما رسخ من الاعتقاد بمقتله في الغارة الغربية، في نوفمبر الماضي، قيام عناصر من أنصار تنظيم الشريعة في ليبيا، باتهام قائد ميليشيا منافسة يدعى (ص.ف)، بالضلوع في تقديم معلومات لجهات أجنبية أدت إلى مصرع أبو عياض. وعليه بادر القائد الميليشياوي، ببث معلومات مضادة عن أن أبو عياض معتقل منذ عام 2013 لدى الأميركيين، في عملية اختطاف جرت في مطار مصراتة. ودحض هذه المزاعم ظهور شريط فيديو عن أبو عياض في سبتمبر 2014 وهو جالس بجوار جثة زعيم تنظيم أنصار الشريعة في بنغازي، محمد الزهاوي، الذي قتل وقتها في معارك في الجيش.
وفي مطلع الشهر الماضي عاد اسم أبو عياض ليتردد بقوة بعد أن زعمت قيادات في الجيش الذي يقوده حفتر، حصولها على معلومات من دواعش جرى القبض عليهم في بنغازي، من بينهم رجل يلقب بـ«الطوير»، كان من قيادات أنصار الشريعة في درنة. وتعاملت أجهزة أمنية مختصة بملاحقة المتطرفين في المنطقة مع اعترافات «الطوير» على قيادات «داعش» في بنغازي، بمن فيهم أبو عياض، بشكل جدي، إلا أن مصادر على صلة بالجماعات المتشددة في ليبيا قللت من أهمية المعلومات التي قدمها «الطوير»، وقالت إن أبو عياض لم يكن له دور كبير في حرب بنغازي، وإن جُل اهتمامه كان منصبًا على معارك «داعش» في سرت، قبل أن يفر إلى الجزائر.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.