مقتل 150 من القياديين والعناصر المتشددين في شمال سوريا منذ مطلع العام

كثيرون عزلوا أنفسهم عن الفصائل إثر المخاوف من غارات التحالف الجوية

جانب من الدمار الذي حل بإحدى قرى شمال حلب أمس (رويترز)
جانب من الدمار الذي حل بإحدى قرى شمال حلب أمس (رويترز)
TT

مقتل 150 من القياديين والعناصر المتشددين في شمال سوريا منذ مطلع العام

جانب من الدمار الذي حل بإحدى قرى شمال حلب أمس (رويترز)
جانب من الدمار الذي حل بإحدى قرى شمال حلب أمس (رويترز)

انحسرت موجة الاغتيالات التي طالت قيادات متشددة في شمال سوريا، منذ بدأ الاقتتال بين «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقًا) وفصائل المعارضة السورية في المنطقة، حيث يفرض القياديون في التنظيمات المتشددة «إجراءات أمنية بالغة»، بالتزامن مع المعارك الدائرة.
وبعد عشرات الغارات بطائرات من دون طيار (درون)، وغارات جوية تابعة للتحالف الدولي قتلت العشرات من العناصر والقيادات المتشددة، منذ مطلع العام الحالي، انحسرت تلك العمليات.
مصادر عسكرية في الشمال تحدثت لـ«الشرق الأوسط» كشفت عن أن المتشددين «اتخذوا تدابير أمنية مشددة، وعزلوا أنفسهم عن المعارضين الذين يتهمون بأنهم زوّدوا التحالف الدولي بمعلومات أفضت إلى ملاحقة عشرات القيادات المتطرفة في الشمال السوري». وتابعت المصادر أن «فتح الشام» توجه أصابع الاتهام بشكل رئيسي إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية» بتقديم معلومات إلى التحالف الدولي، حول حركة المتشددين ما سهّل استهدافهم، مشيرة إلى أن القيادات المتشددة «اختفت عن الأضواء منذ بدء المعارك»، وأن تلك التنظيمات «تعتبر أن مستوى الخطر ارتفع مع زيادة أعداء جدد لها في المنطقة بعد فشل خطوات الاندماج واندلاع المعارك».
هذا، وقضت غارات جوية نفذها التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا على عشرات القيادات، تضاربت المعلومات حول أعدادها الدقيقة. ولكن كان آخرها ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الأسبوع الماضي عن مقتل 100 مقاتل من المنتسبين الجدد إلى «فتح الشام»، وذلك إثر غارات شنتها قاذفة من طراز «بي 52» وطائرة دون طيار وأسقطت فيه 14 قذيفة استهدفت معسكرا يقع في جبل الشيخ سليمان بريف محافظة حلب.
ولكن في حين أعلنت واشنطن أنها قتلت منذ بداية هذا العام أكثر من 150 من أعضاء «القاعدة» في غارات جوية أميركية في الشمال السوري، وثق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أسماء 56 مقاتلاً وقياديا على الأقل ممن قضوا في عمليات الاغتيال عن طريق الاستهدافات الجوية. وبحسب «المرصد» قضى قيادي من جنسية مغاربية في استهداف في منطقة عقربات في ريف محافظة إدلب الشمالي، في حين قضى شخص جراء استهداف دراجة نارية يستقلها على طريق قميناس – سرمين بريف إدلب الشرقي يوم 12 من الشهر الحالي. كما قضى 3 مقاتلين في استهدافات على طريق سلقين – كفرتخاريم، وقتل 16 على الأقل بينهم قياديان في الاستهدافات المتلاحقة التي جرت في منطقة سراقب وكلها في محافظة إدلب.
من ناحية أخرى، يعد القيادي «أبو الحسن تفتناز» أبرز القتلى وأعلاهم رتبة، ولقد قتل إلى جانب قيادي شرعي آخر من ذويه في استهداف في 6 يناير (كانون الثاني) الحالي في محيط مدينة تفتناز بريف إدلب الشرقي بقصف طائرات من دون طيار، ووثق «المرصد» أيضًا في الـ4 من الشهر الجاري مقتل 25 عنصرًا آخرين من ضمنهم 7 قياديين على الأقل في الضربات الجوية من طائرات التحالف التي استهدفت أحد أكبر مقرات «فتح الشام» في سوريا وهو يشمل مركز احتجاز قرب بلدة سرمدا قرب الحدود السورية – التركية. وكذلك مقتل 8 مقاتلين وقياديين قضوا مطلع العام الحالي، جراء الضربات الجوية من التحالف الدولي التي استهدفت، سيارات كانوا يستقلونها على طريق سرمدا – حزانو، وطريق سرمدا – باب الهوى بالريف الشمالي لإدلب، بينهم 3 قياديين في الفصائل الراديكالية المقاتلة التابعة لتنظيم «القاعدة» العاملة على الأرض السورية، أحدهم «أبو المعتصم الديري» من الجنسية السورية و«أبو عمر التركستاني» الذي يوصف بأنه أحد القياديين المتشددين العشرة الأوائل في سوريا، وأحد القادة الأربعة الأبرز في الحزب الإسلامي التركستاني، ولقد تفحمت معظم الجثث حينها باستثناء جثة الأخير التي لم تتعرض لاحتراق.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».