اعتبرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية المهتمة لحقوق الإنسان، أن «المحكمة العسكرية في لبنان تنتهك القانون الدولي في محاكمة المدنيين، بمن فيهم الأطفال»، إلا أن قيادة الجيش اللبناني ردت باعتبار أن هناك تضخيمًا للوقائع بالاستناد إلى إفادات مغلوطة أو غير دقيقة والبناء عليها.
في تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش» حمل عنوان «هذا ليس مكاننا: محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية في لبنان»، أطلقته المنظمة أمس، في بيروت، قالت: «إن مدنيين في لبنان، بمن فيهم أطفال، يحاكمون أمام محاكم عسكرية. ولا تحترم مثل هذه المحاكمات الحق في المحاكمة العادلة، وتنتهك القانون الدولي. وثمة 14 شخصا احتجوا على عجز الحكومة عن حل أزمة إدارة النفايات في 2015، تصل عقوبتهم إلى 3 سنوات سجنا». وأكدت المنظمة أنها «ليست ضد أي نظام سياسي في العالم، لكن هدفها الدفاع عن حقوق الإنسان».
التقرير أورد شهادات لمشاركين في مظاهرات، قال: إنه تمت محاكمتهم، وتحدث عن «استخدام اعترافات منتزعة تحت التعذيب، وترهيب وانتقام ضد الخطاب أو النشاط السياسيين». وانتقد طريقة عمل الضابطة العدلية «والتقصير الجوهري في احترام الإجراءات القانونية السليمة في محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، واستخدام اعترافات منتزعة تحت التعذيب، ومزاعم استخدام مسؤولي وزارة الدفاع أو الجيش الصلاحيات الواسعة هذه المحاكم أداة للترهيب أو الانتقام ضد الخطاب أو النشاط السياسيين».
ورأى التقرير، أن «بنية المحاكم العسكرية تقوض الحق في محاكمة عادلة، بما في ذلك الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة، والحق في محاكمة علنية». ولفت إلى «أن الكثير من القضاة هم ضباط في الجيش، يعينهم وزير الدفاع، ولا يشترط عليهم الحصول على شهادة أو تدريب في القانون. والعسكريون العاملون قضاة تابعون لوزير الدفاع. لا تستطيع المنظمات الحقوقية والصحافيون مراقبة المحاكمات دون موافقة سابقة من القاضي الذي يرأس الجلسة».
وأضاف التقرير، أن «نظام المحكمة العسكرية نظام قضائي منفصل تابع لوزارة الدفاع. لها ولاية قضائية واسعة على المدنيين، بما يشمل قضايا التجسس، أو الخيانة، أو التهرب من الخدمة العسكرية، أو الاتصال غير المشروع مع العدو (إسرائيل)، أو حيازة الأسلحة، الجرائم التي تضر بمصلحة الجيش أو قوى الأمن أو الأمن العام، وكذلك أي نزاع بين مدنيين من جهة، وأفراد الجيش أو الأمن أو الموظفين المدنيين في هذه الأجهزة من جهة أخرى. ووفقا لـ«الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان»، حوكم 355 طفلا أمام محاكم عسكرية عام 2016. وخلال السنوات الأخيرة، وجهت النيابة العامة العسكرية اتهامات ضد محامين وناشطين حقوقيين بارزين».
لمى فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، قالت موضحة «أصبح من الواضح تماما أنه لا يمكن للمدنيين الحصول على محاكمة عادلة في المحاكم العسكرية في لبنان. محاكمة المدنيين ليست من شأن المحاكم العسكرية، وعلى لبنان وضع حد لهذه الممارسة المقلقة». ورأت فقيه أن على «وزارة الدفاع فتح المحاكم العسكرية على الفور أمام المراقبين العموميين دون إذن مسبق. أقل ما يمكن للبنان فعله هو ضمان أن مواطنيه لا تتم إدانتهم من قبل محكمة مختصة وراء أبواب مغلقة».
هذا، و«وصف الناجون من التعذيب تعرضهم للضرب والصعق بالكهرباء والتعليق من المعصمين واليدين مقيدتين إلى الخلف، وأوامر بالتوقيع على إفادات وهم معصوبي الأعين». كما نسبت المنظمة إلى محامين يمثلون متهمين ومنظمات حقوقية لبنانية قولهم إن هناك «نسبة أعلى من التعذيب في الملاحقات العسكرية؛ لكون التحقيقات تجرى من قبل أفراد الجيش، كما تزيد طبيعة الاتهامات، مثل الإرهاب، من احتمال التعذيب». ودعت المنظمة لبنان «بشكل عاجل إلى تحييد المدنيين من اختصاص المحاكم العسكرية، وضمان ألا يقبل القضاة اعترافات أو أدلة تم الحصول عليها تحت التعذيب. عليه أن يضمن صراحة الحق في توكيل محام أثناء الاستجواب، وتجريم جميع أشكال التعذيب».
رد قيادة الجيش
وفي ردها، اعتبرت مديرية القانون الإنساني وحقوق الإنسان في الجيش اللبناني، أن مقولة «بعض المشتبه بهم تعرضوا للضرب والتعذيب النفسي والجسدي، وإجبارهم على التوقيع معصوبي الأعين، وتعذيب أطفال وانتزاع اعترافات قسرية منهم» كلام غير صحيح جملة وتفصيلا. وتابعت أن الضابطة العدلية العسكرية ملتزمة الانضباط والمناقبية العسكرية والقانون الدولي الإنساني، وغايتها الوصول إلى الحقيقة دون زيادة أو نقصان، كما أن التوقيفات قيد التحقيق في مديرية المخابرات تحصل بإشراف القضاء المختص، ووفق قانون أصول المحاكمات الجزائية المعمول به، والضابطة العدلية العسكرية ملتزمة نص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وجميع الموقوفين يستفيدون من المعاينة الطبية طيلة فترة التوقيف.
وفي حين شددت قيادة الجيش على أن «الضابطة العدلية العسكرية لا تكتفي بتقديم مذنب إلى العدالة فقط لأنه اعترف، بل تدعم ملفها بقرائن وأدلة دامغة»، أشارت إلى أن «أي تقصير يصدر عن قصد أو غير قصد من قبل عناصر الضابطة العدلية العسكرية هو عرضة للمساءلة المسلكية والعدلية إذا وجدت، وهدف السلطة العسكرية العليا هو إحقاق الحق وتأمين العدالة». ولفتت إلى أن أعضاء في منظمة الصليب الأحمر الدولي يزورون سجن وزارة الدفاع الوطني بشكل دوري.