«الموكا» تنتظر دورها بديلاً عن البارود

الميليشيات حولت مرفأ المدينة للتهريب و«الشرعية» على مشارف التحرير

صياد يمني يحيك شبكته على ساحل المخا (غيتي)
صياد يمني يحيك شبكته على ساحل المخا (غيتي)
TT

«الموكا» تنتظر دورها بديلاً عن البارود

صياد يمني يحيك شبكته على ساحل المخا (غيتي)
صياد يمني يحيك شبكته على ساحل المخا (غيتي)

يستعد مرفأ المخا اليمني التاريخي على ساحل البحر الأحمر لاستعادة نكهة القهوة اليمنية الشهيرة التي عرفت باسمه عالميًا (موكا)، بعيدا عن نكهة البارود الذي أخفا هيبة المكان والتاريخ، وذلك بعد أن حوله الحوثيون وصالح إلى مرفأ عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية عبر قوارب صيد، ومن ثم نقلها إلى المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات، حاملة السلاح والممنوعات والعناصر الإرهابية.
وتستعد القوات المسلحة اليمنية بمساندة جوية من قوات التحالف العربي لدخول مدينة المخا وتحريرها بالكامل من قبضة الحوثيين وقوات صالح، الذين عاثوا فيها فسادًا خلال الفترة الماضية.
تقع المخا على بعد نحو 90 كيلومترا غرب مدينة تعز، على ساحل البحر الأحمر، ولا يتجاوز عدد سكانها 30 ألف نسمة تقريبًا، واكتسبت شهرة تاريخية لأنها كانت الميناء الذي يصدر البن اليمني الشهير ما بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر، حينما كان الميناء مزدهرا، خاصة في عهد العثمانيين الذين كانوا يسيطرون على مناطق شاسعة من اليمن، وتحديدا في شمال وغرب البلاد.
وبحسب بعض الروايات التاريخية، فإن العثمانيين كانوا يفرضون على السفن أن ترسوا في ميناء المخا، من أجل جباية أموال مقابل عمليات الرسو، لكن في المجمل، فإن المخا ميناء يمني قديم وشهير، ولم تقتصر الأنشطة الاقتصادية فيه على تصدير البن، وإنما مختلف أنواع البضائع، وخاصة المواشي وعمليات التبادل التجاري التي كانت سائدة بين اليمن ودول القرن الأفريقي.
وطبقًا لرواية الرحالة جيرونيمو لوبو الذي أبحر في البحر الأحمر عام 1625 كانت المخا مدينة صغيرة وذات شهرة ضيقة لكن منذ أن سيطر العثمانيون على معظم أجزاء الجزيرة العربية أصبحت مدينة مهمة رغم أنها لم تكن مكان إقامة الباشا الذي يبعد عنها مسيرة يومين، وتحديدًا في صنعاء.
وعرف اليمنيون البن منذ القدم حيث عرف باسم (Mocha Coffee) نسبة لمرفأ المخا التاريخي، وتشير مصادر تاريخية إلى أنه تم شراء أول شحنة من قبل الهولنديين من ميناء المخا عام 1628. مع ذلك كان البرتغاليون هم أول من تعرف على القهوة اليمنية من الأوروبيين نظرًا لغزوهم سواحلها الغربية.
وقد تزاوج الاقتصاد بالسياسية بالدين في مدينة المخا، فإلى جانب أنها ميناء استراتيجي، فهي تضم معسكرات منذ مئات السنين، وكأي مدينة ساحلية تمتاز بطابع معماري خاص بها، وبطقوس شعبية ودينية متميزة، ففي هذه المدينة جامع الشاذلي، وهو أحد شيوخ الصوفية على الطريقة الشاذلية، وعلى بعد بضعة كيلومترات، من المدينة، توجد بلدة «يختل»، وبها مقام ومزار الشيخ الصوفي «ابن علوان».
وتصارع هذه المدينة، اليوم، للحصول على حريتها، بعد أن عاثت فيها الميليشيات الانقلابية فسادا، كما هو الحال مع بقية المدن اليمنية التي يسيطر عليها الانقلابيون. فقد تعطلت الحياة الاقتصادية وتوقفت دورتها في المدينة والميناء، الذي يقع في منتصف الطريق، تقريبا، بين محافظتي الحديدة وتعز.
ورغم الاستغلال الاقتصادي الذي تعرضت له مدينة المخا، طوال ثلاثة عقود وأكثر من حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، كمركز اقتصادي ومالي وميناء شهير، فإن المدينة لم تحصل على أبسط الرعاية الحكومية، في عهد صالح، على مستوى البنية التحتية والتحديث والتطوير لمؤسساتها المهمة وخاصة الميناء، إضافة إلى الإهمال المطلق الذي وجدته المدينة القديمة، حتى أن معظم بناياتها التاريخية صارت أثرا بعد عين.
والمخا، ليست مجرد مدينة تاريخية وميناء وحسب، فهي أيضا مدينة سياحية بامتياز، فلديها عدد من الشواطئ في المناطق المحيطة بها، وتتميز تلك الشواطئ بالمزارات الدينية والأدوية الزراعية وبأشجار النخل الباسقات التي يكثر انتشارها في تلك السواحل، كما هو الحال مع ساحل تهامة الغربي.
وقال همدان العليي الكاتب السياسي اليمني إن مرفأ المخا شكل منفذًا للهروب لكثير من اليمنيين إبان احتلال الميليشيات الحوثية للعاصمة صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014.
وأضاف: «كثير من المواطنين وجدوا فيه ملجأ ومنفذا لدول الجوار بعد أن بطشت بهم آلة الحرب الحوثية وحلفاؤها من قوات صالح».
واستبدل اليمنيون زراعة البن في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح بزراعة نبتة القات التي استهلكت المياه الجوفية نظرًا لحاجتها لكميات كبيرة من المياه، بعد أن توقفت الدولة عن دعم مزارعي البن.
ويعد اليمن البيئة الأنسب لزراعة البن، من حيث المناخ الاستوائي والأمطار المستمرة، كما أن شجرة البن لا تحتاج أسمدة أو مبيدات حشرية.
يقول أحد أبناء تعز، وهو صحافي وسياسي (فضل حجب اسمه) إن المخا مدينة يمنية حميرية ضاربة في عمق التاريخ اليمني، وذكرت في نقوش المسند ونقلت شهرة اليمن إلى أرجاء المعمورة، باعتبارها الميناء الرئيسي لتصدير البن اليمني، ويضيف أن نظام صالح حول المخا إلى أوكار للمهربين والمتاجرين بالبشر وظل أبناء المدينة أحرارا بحرية البحر الذي اعتمدوا عليه في معيشتهم اليومية، وما زالوا محرومين من مظاهر التنمية والتطور، بل حرص النظام على أن يظل أبناء المدينة بعيدين عن التعليم والصحة... واليوم ستعود المخا همزة بين جزيرة العرب والقرن الأفريقي»، مردفا أن مدينة المخا مدينة مفتوحة على العالم بكل أجناسه وأعراقه وثقافته ودون تمييز، فآثارها التي تركها السلف للخلف سجلت تعايش كل الأجناس.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.