مشاهدات جزائرية: ثلاثة عوامل أدت إلى التجديد لبوتفليقة

المثقفون في طليعة الساخطين.. وتعقيدات المشهد السياسي وراء تراجع اهتمام الناس بالشأن العام

رجل ينظر من شرفة بناية يرفرف عليها العلم الجزائري في العاصمة (أ.ف.ب)
رجل ينظر من شرفة بناية يرفرف عليها العلم الجزائري في العاصمة (أ.ف.ب)
TT

مشاهدات جزائرية: ثلاثة عوامل أدت إلى التجديد لبوتفليقة

رجل ينظر من شرفة بناية يرفرف عليها العلم الجزائري في العاصمة (أ.ف.ب)
رجل ينظر من شرفة بناية يرفرف عليها العلم الجزائري في العاصمة (أ.ف.ب)

زيارة الجزائر هذه الأيام تمكن صاحبها من الخروج بانطباع رئيس، مفاده أن البلد يشهد تغيرات اجتماعية واقتصادية تسبق كثيرا التغيرات السياسية التي يجري إبرازها دوما في الإعلام. ولذلك، ذهب كثيرون قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة مثلا، إلى تقديم توقعات سياسية ترتكز على تحليلات نظرية متأثرة بقوالب خارجية، اتضح أخيرا أنها مجانبة لما هو جار على الأرض.
عندما تحط في الجزائر العاصمة قادما من الخارج، وتبدأ الحديث إلى الناس من أعمار ومستويات اجتماعية وعلمية مختلفة، تلحظ أن العامل المشترك بين غالبية هؤلاء أنهم باتوا يتعاملون مع الحدث السياسي بحذر شديد. فالجميع، تجده مستحضرا الذكريات الأليمة لما يسمونها «العشرية السوداء»، أي فترة عقد التسعينات من القرن الماضي وما رافقها من عنف دموي، والكل يتحدث عما يدور في دول «الربيع العربي» بشكل سلبي، والغالبية تبدي تخوفا من تسليم البلاد إلى «مجهول قد يعيدنا إلى سنوات الألم». ولعل هذه العوامل الثلاثة لعبت الدور الرئيس في التجديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
مرض الرئيس شكل الحجة الأبرز للداعين إلى التغيير، لكن عند التدقيق في الأمر تجد الأمر معقدا بعض الشيء. جادل دعاة التغيير بأن الرئيس لم يكن من المفترض أن يترشح منذ البداية بالنظر لوضعه الصحي. وفي المقابل، شدد مؤيدون لترشح بوتفليقة، على وضوح السلطة في التعامل مع ملف صحة الرئيس. يقول هؤلاء إن الجزائريين شاهدوا الرئيس على حقيقته جالسا على كرسي متحرك عندما حط من الطائرة قادما من العلاج في فرنسا، ثم رأوه خلال فترة النقاهة على حقيقته يتابع شؤون البلاد باللباس المنزلي (البيجاما)، وبعد انقضاء النقاهة شاهدوه أيضا يرأس مجلس الوزراء ويستقبل مسؤولين أجانب مهمين على الكرسي المتحرك، وأخيرا شاهدوه يوم الاقتراع يدلي بصوته على الكرسي ذاته. كانت تلك «رسالة» من محيط بوتفليقة إلى الجزائريين، مفادها أننا نتعامل مع مرض الرئيس بشفافية وأن ترشحه لفترة جديدة يأتي أيضا ضمن هذه الشفافية. افترضوا أن بشفافيتهم هذه، سيصدق الجزائريون أن العجز الوظائفي لبعض أجزاء جسم الرئيس لا يمنعه من الاستمرار في قيادة البلاد بـ«حكمته» وتحكمه في الخيوط السياسية المعقدة داخليا وإقليميا. وكان لهم ما أرادوا.
وذهب مسؤولون إلى أبعد من ذلك قائلين إن مرض الرئيس لا يؤثر في إدارة شؤون البلاد سوى بغيابه عن تمثيل البلاد بشخصه في مناسبات عالمية، والمواطنون لا يبدون مكترثين بهذه «الجزئية» أمام أمور أهم يتحدثون عنها يوميا، تدور حول «الأمن والاستقرار» اللذين تنعم بهما البلاد مقابل «القتل» الذي عاشته قبل فترة غير بعيدة وأمام «فوضى» في الدول المجاورة ينقل الإعلام يوميا مظاهرها. وقال متقاعد ستيني في حي شعبي بالعاصمة لـ«الشرق الأوسط»: «الذي لم يعش معنا فترة التسعينات لا يحق له الكلام اليوم». ثم أضاف أن الجزائريين يرون الآن لاجئين تدفقوا إلى مدنهم من سوريا ومالي، «ونحن لا نريد أن نصبح مثلهم في حال استعجلنا التغيير».
تقابل أشخاصا كثيرين معارضين للرئيس يشيرون إلى تزوير نتائج الانتخابات، وخصوصا نسبة المشاركة، ثم تجد في المقابل آخرين يماثلونهم في العدد يتحدثون عن التأييد الشعبي «الحقيقي» للرئيس و«الشفافية» التي لازمت الاقتراع وبث التلفزيون الكثير من مظاهرها. وفي الأخير، يجد حاملو «معركة التزوير» أنفسهم أمام كلام متشعب وعاجز عن إحداث أي رد فعل عملي. هؤلاء وأولئك تجدهم في مختلف أحياء العاصمة، سواء الراقية منها في مرتفعات الأبيار وحيدرة وبن عنكون، حيث الشوارع النظيفة، والمحال التجارية العصرية، والمنازل الفخمة ذات الأسعار الملامسة لأسعار منازل لندن وجنيف، أو في الأحياء الشعبية حيث العمارات المكتظة والشبان البطالون المتجمعون هنا وهناك.
هؤلاء الشبان مهتمون بالأساس اليوم بتحضيرات الفريق الوطني لكرة القدم قبل مشاركته الرابعة في مونديال البرازيل المرتقب الصيف المقبل. عند محاولتك إقحام مواضيع السياسة معهم، تجد صعوبة كبيرة، ويدركون على الفور أنك غريب عنهم. يسايرونك في التعبير عن آرائهم فتجدهم منقسمين حول كل شيء: الرئيس الذي تحتاجه البلاد وما إذا كان من الأفضل أن يكون من «جيل الثورة المحنك» أو «جيل الاستقلال المتعلم»، وفعالية الأحزاب والبرلمانيين «الذين يتقاضون أجورا خيالية» مقابل أدوار شكلية يؤدونها، وجودة مشاريع التنمية التي يقال إن حكومات بوتفليقة أنفقت عليها أكثر من 600 مليار دولار، وبرامج الحكومة الرامية لتسهيل القروض للشباب بهدف شراء هدوئهم، والربيع العربي والأيادي الخفية التي يعتقدون أنها وراءه.
وربما أسهم هذا التشتت في أفكار الشبان، الذين يمثلون ثلاثة أرباع سكان الجزائر البالغ عددهم اليوم 38 مليون نسمة، في منح النظام السياسي شيئا من «الاطمئنان» والاستقواء على السياسيين المعارضين. والحقيقة التي يرددها الجميع أن النظام الحاكم يتوجس من الأفكار المنتشرة في الأحياء الشعبية أكثر من تلك المتداولة بين السياسيين. النظام يخشى فوضى مفاجئة تنجم مثلا عن سوء توزيع الوحدات السكنية التي وعدت بها حكومات بوتفليقة المتعاقبة مرارا وتأخرت في إنجازها في المواعيد المحددة، أو انتفاضة أعداد كبيرة من خريجي الجامعات يعملون في وظائف مؤقتة بأجور زهيدة وفرتها لهم الحكومة بعدما عجزت عن خلق مناصب شغل قارة لهم.. بينما لا يعبأ كثيرا بتحذيرات السياسيين الذين تشوهت صورهم لدى الرأي العام ربما أكثر من النظام نفسه.
تنتقل إلى مدن داخلية فتلحظ خلال مرورك بالبلدات الصغيرة، الكثير من مشاريع الإنشاءات. عدد السيارات ارتفع بأضعاف كبيرة عما كان عليه قبل عشر سنوات. وقال شاب حول الموضوع: «لا يغرنك هذا العدد الكبير من السيارات، فغالبية أصحابها اقترضوا المال من الحكومة وسيجدون أنفسهم أمام صعوبات إعادة السلفة». تلاحظ أيضا أعدادا كبيرة من الشاحنات تحمل مواد البناء في طريقها لورشات المشاريع المنفذة في المدن الداخلية. وعلق رجل على الأمر بقوله: «ما تشهده البلاد من تنمية جاء أساسا منذ تولي بوتفليقة الحكم» في 1999.
ويبدو أن ذلك التاريخ كان فاصلا من نواح عدة. فقد ظل الناس يرمزون لتلك السنة بكونها بداية العد التنازلي للإرهاب والعد التصاعدي للأمن والسلم، وظلوا دوما يشيرون إلى أن بوتفليقة قدم مشاريع سياسية واعدة مثل مشروعي «الوئام المدني» و«المصالحة الوطنية» اللذين أقنعا أكثر من عشرة آلاف مسلح بترك مخابئهم في الجبال والعودة إلى أحضان أهاليهم والمجتمع عموما. كما تصادف تاريخ قدوم بوتفليقة للحكم مع فترة ارتفاع أسعار النفط، مما دفع الحكومة إلى البدء بمسح جل الديون الخارجية للبلاد (كانت تبلغ 33 مليار دولار في التسعينات وباتت الآن في حدود ثلاثة مليارات) وتسجيل ارتفاع احتياطي العملة الأجنبية (بلغ حسب آخر الأرقام المقدمة الشهر الماضي 194 مليار دولار). وسجل تاريخ قدوم بوتفليقة أيضا انطلاقة في مشاريع تنموية كبيرة على غرار إنشاء طريق سيار يربط شرق البلاد بغربها يقال إنه تكلف نحو 16 مليار دولار، وإنشاء مشاريع لخطط المترو والترامواي في العاصمة وعدد من المدن الكبرى والمتوسطة، وافتتاح عشرات الجامعات في المدن الداخلية مما خفف على العائلات عبء إرسال أبنائهم، وخصوصا الإناث منهم، للدراسة بعيدا في المدن الكبرى.
لكن وسط هذا «التقييم العام»، تصطدم عند حديثك إلى الطبقة السياسية والمثقفة، بدرجة استياء كبير إزاء طريقة تدبير الشأن العام وتحميل حكومات بوتفليقة الكثير من المسؤولية عن انتشار الجريمة واستشراء الفساد المالي والعجز عن إحداث إصلاح سياسي حقيقي وتراجع أدوار الدبلوماسية الجزائرية. فاقتصاديا، يتحدث الناس بسخط عن فضيحة كشفتها الصحافة الإيطالية العام الماضي عن تورط وزير الطاقة السابق شكيب خليل في قضايا عمولات وفساد كبير، مما دفع القضاء الجزائري إلى فتح تحقيق ووضع اسم الوزير الموجود في الخارج الآن على لائحة المطلوبين. لكن بعد أشهر قليلة على تفجر الفضيحة، تراجع الجانب الجزائري عن ملاحقة الوزير على ما يبدو وعن إدراجه ضمن قوائم المطلوبين. وشكلت حالة خليل مادة دسمة لدى الصحافة المحلية التي ظلت على مدى أشهر تلمز لوجود «عدالة انتقائية» في البلاد.
مسألتا الأمن والفساد المالي يجري طرحهما من قبل المؤيدين والمعارضين لحكم بوتفليقة، بشكل لافت. فجزائر اليوم تخلت إلى حد كبير عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب في مراكز الشرطة والمخابرات، وقد فعلت ذلك استجابة لدعوات المنظمات الغربية المدافعة عن حقوق الإنسان التي مارست ضغطا معنويا كبيرا على السلطات الجزائرية خلال فترة التسعينات بسبب التجاوزات الفظيعة التي كانت ترتكب في إطار مكافحة الإرهاب. جزائر اليوم تتباهى بالتخلي عن القمع الأمني، لكنها تعرف أمورا أخرى مقلقة تتمثل في انتشار الجريمة مقابل التضييق على الشرطة في أداء مهامها التقليدية وتقييد يدها في توقيف المشتبه فيهم. كذلك يجادل كثيرون بأن «الدلال» الذي بات المجرمون يلقونه في السجون لم يعد رادعا بقدر ما بات عاملا مشجعا على انتشار الجريمة. ومن الأمور المقلقة على مستوى عال، يطرح كثيرون مسألة الفساد المالي والتبذير الرهيب بحجة الإنفاق على مشاريع التنمية. الحكومة الجزائرية تنفق اليوم أموالا ضخمة على مشاريع تنجز في الغالب بجودة أقل من المتوقع، وهذه أمور كلها جاءت نتيجة البحبوحة المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط وليس عن عملية اقتصادية إنتاجية. الحكومة باتت تخصص ميزانيات سنوية وخمسية لا يمكنها بأي حال إنفاقها كلها في المدة الزمنية المحددة. فمثلا، طرح الرئيس بوتفليقة خلال بدء فترته الرئاسية الثالثة ميزانية طموحة بمبلغ 286 مليار دولار للفترة 2009 - 2014. وقبيل انقضاء تلك الفترة، تحدثت التقارير المحلية عن إنجاز نحو نصف المشاريع المرصودة.
يحمل المحللون المختصون أيضا الرئيس بوتفليقة أيضا المسؤولية عن إبقائه المشهد السياسي في البلاد معقدا وفوضويا. ولعل نظرة بسيطة إلى طبيعة الشخصيات الست التي ترشحت لانتخابات الرئاسة الأخيرة تعطي الملاحظ فكرة عن هذا التعقيد. فأبرز مرشحين، بوتفليقة وبن فليس، ينتميان إلى الحزب الرئيس في الحياة السياسية بالبلاد (جبهة التحرير الوطني)، لكن كلا منهما قرر خوض السباق بصفته مرشحا حرا (مستقلا). والأربعة الآخرون خاضوا السباق ممثلين لأحزابهم التي تعد مجهرية في الحقيقة.
في جزائر اليوم التي تبنت التعددية السياسية والحزبية والإعلامية منذ نحو ربع قرن، لا تجد حزبا حاكما وآخر معارضا مثلا، بل تجد تشكيلات سياسية كثيرة مشاركة في الحكم وأخرى أكثر معارضة. والأهم من ذلك، تجد رئيسا للجمهورية له «رجاله» الذين ينوبون عنه في مهام كثيرة في الداخل والخارج ولهم سمعة مثيرة للجدل. تسمع كلاما كثيرا عن «الثلاثي الحاكم في البلاد: الرئاسة وقيادة الجيش ورئاسة المخابرات»، وعن صراع «العصب» داخل النظام. تسمع أن التناغم بين هذا «الثلاثي» تراجع في الآونة الأخيرة بسبب موضوع العهدة الرابعة لبوتفليقة، لكنك لا تجد أي تعليق رسمي حول الموضوع، مما يعمق حالة الغموض.
ويعد هذا المشهد السياسي المعقد امتدادا للمشهد الذي تشكل بعيد انتقال البلاد إلى التعددية السياسية مطلع التسعينات من القرن الماضي. فحينها، دخلت البلاد في أزمة سياسية وأمنية بسبب انقلاب الجيش على نتائج الانتخابات التي تقدم فيها الإسلاميون، ومن حينها باتت الأحزاب السياسية مرتبطة بهوياتها (وطنية أو إسلامية أو علمانية) أكثر من برامجها (يمين ويسار). ومع قدوم بوتفليقة للحكم، سعى لتشكيل «تحالف» مكون من ثلاثة أحزاب تمثل العائلات السياسية الثلاث الكبرى («جبهة التحرير» ممثلة للتيار الوطني، و«حركة مجتمع السلم» ممثلة للتيار الإسلامي، و«التجمع الوطني الديمقراطي» ممثلا للتيار العلماني) تساعده على تطبيق برنامجه الذي يقول إنه جامع لكل الجزائريين. ونجح بوتفليقة، بتحالفه ذلك، في إحداث استقرار سياسي خلال عهدتيه الأوليين، إلى أن جاءت العهدة الثالثة وقرر معها تعديل البند الدستوري الذي يمنعه من تمديد رئاسته، فانفرط عقد «التحالف» ولجأ الإسلاميون في الأخير إلى المعارضة. ومع بدء عهدته الرابعة، بات بوتفليقة الآن يعول على أحزاب صغيرة لا تمثل في الحقيقة العائلات السياسية الكبرى في البلاد وأيضا على شخصيات يجري تدويرها في المناصب مرارا بشكل ممل.
نجح بوتفليقة والمحيطون به في الظفر بالعهدة الرابعة وضمان تنظيم الاستحقاق بهدوء، لكن متابعين للشأن الجزائري يقولون إن الرجل بات منهكا وأفكاره استنفدت بحكم السن والمرض (77 سنة)، وعليه باتت التحديات أمامه الآن أكثر من أي وقت مضى منذ تسلمه الحكم قبل 15 سنة، ولا مفر أمامه من إجراء إصلاحات حقيقية تمنح الجزائر ما تستحقه من رفاهية ومكانة بين الأمم.



«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«اتفاق غزة»: الوسطاء يبحثون عن حل لتعثر «المرحلة الثانية»

فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون على طول زقاق موحل في مخيم مؤقت يؤوي نازحين فلسطينيين بعد هطول أمطار غزيرة بحي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تتواصل جهود الوسطاء للدفع نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة المبرم قبل نحو شهرين، وسط حديث إسرائيل عن أن هناك تعثراً وشروطاً إسرائيلية للانتقال لتلك المرحلة.

تلك الجهود التي تشمل تحركات واتصالات أميركية ومصرية بخلاف اجتماع عسكري بالدوحة، تعزز فرص التوصل إلى حل لإنهاء تعثر المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب ما يرى خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، معتقدين أن هناك ترقباً للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب، برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لحسم الانتقال من عدمه.

وعاد الحراك الأميركي بشأن غزة مكثفاً، وأطلع ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مبعوثا ترمب، وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين، على المستجدات بشأن اتفاق غزة خلال مؤتمر عبر الفيديو، وفق ما نقلته وكالة «رويترز».

فلسطيني يجمع قوالب الخرسانة الخفيفة لبناء مأوى لعائلته قبل حلول فصل الشتاء في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن توم برّاك مبعوث ترمب يصل إلى إسرائيل، الاثنين، لبحث بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، مؤكدة أن «الزيارة بالغة الحساسية، وتقيّم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، وتعكس نفاد صبر الرئيس ترمب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من خطته لقطاع غزة، وستناقش قوات الاستقرار بغزة».

وأوضحت أن «برّاك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءاً من قوة الاستقرار، بفضل قدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، ولكن إسرائيل تعدّ ذلك خطاً أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع (حماس) لا يمكن أن يُصنف قوةَ استقرار، وإشراكه (في القوة الدولية) قد يقوض الاتفاق».

ورأت الهيئة زيارة برّاك، رغم أنه مهتم أكثر بشؤون سوريا ولبنان، «خطوة تحضيرية مباشرة للقاء المرتقب بين نتنياهو وترمب بفلوريدا في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي»، في ظل انشغال ويتكوف وكوشنر بملف أوكرانيا.

وتأتي تلك الزيارة عشية استضافة الدوحة اجتماعاً للقيادة المركزية الأميركية، بمشاركة 25 دولة، الثلاثاء، لبحث هيكل القيادة وقضايا أخرى متعلقة بقوة الاستقرار في غزة، بحسب ما ذكره مسؤولان أميركيان لـ«رويترز» قبل أيام.

وسبق أن تحدثت القناة «14» الإسرائيلية أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن الولايات المتحدة حددت منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لبدء انتشار «قوة الاستقرار الدولية» في غزة، ونهاية أبريل (نيسان) المقبل موعداً نهائياً لإتمام عملية نزع السلاح من القطاع، مشيرة إلى أن ذلك طموح منفصل عن الواقع، في إشارة إلى إمكانية تأجيله مجدداً.

ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي، أن المساعي الأميركية تعكس وجود ضغوط لتسهيل التفاوض بشأن المرحلة الثانية، التي تبدو معقدة للغاية مع مساعي نزع سلاح القطاع وتشكيل قوات الاستقرار ولجنة إدارة القطاع، مشيراً إلى أن «تلك الملفات لم تحسم بعد، وليست هناك ملامح بشأن إنجازها قريباً والأمور ضبابية».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، بأنه «أياً كانت المساعي فيجب أولاً وقف التماهي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن تضغط واشنطن بقوة على نتنياهو، غير ذلك ستذهب التحركات الأميركية بلا نتائج مؤثرة، خصوصاً أن هناك حديثاً عن توجه للقفز للبند 17 من اتفاق غزة الذي يسمح ببدء تحركات فردية إسرائيلية في أماكن سيطرتها وإعمارها، وهذا أمر خطير».

ووسط تلك المساعي الأميركية، والمخاوف، أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خلال اتصال هاتفي، الاثنين، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من خطة ترمب، وأهمية نشر قوة الاستقرار الدولية المؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر أمني، أن تنفيذ المرحلة الثانية «غير وشيك»، مع استمرار مساعي إسرائيل لاستعادة جثة الرهينة ران غويلي، التي تعد آخر جثة تطالب باستعادتها من قطاع غزة، فيما أفاد موقع «والا» العبري بأن تل أبيب تربط التقدم في الاتفاق باستعادة الجثة.

ويرى السفير هريدي أن إسرائيل تتعمد إفساد التوجه للمرحلة الثانية بتلك الذرائع، مشيراً إلى أن «القاهرة تعمل على إنهاء تلك الذرائع وتوسيع دائرة التحركات، لدفع واشنطن نحو إجبار نتنياهو على تنفيذ الاتفاق، وهذا سيتضح أكثر خلال لقاء القمة مع ترمب أواخر الشهر».

وشدد الرقب على أن «محددات المرحلة الثانية 3 أمور رئيسية؛ هي وصول قوات الاستقرار، وتشكيل لجنة إدارة القطاع، ووجود جهاز شرطي فلسطيني لتسلم غزة، وجميع ذلك لم يحدث، وبالتالي سيتأخر الانتقال لتلك المرحلة، ما لم يحسم ترمب الأمر مع نتنياهو خلال القمة المرتقبة».


الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
TT

الحد الأدنى للأجور يفجر تراشقاّ كلامياً بين ملياردير وبرلماني في مصر

مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)
مطالبات في مصر بإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور (أرشيفية - رويترز)

تفجّرت مشادة كلامية بين رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس، وعضو مجلس النواب مصطفى بكري، حول قيمة الحد الأدنى للأجور في البلاد.

وبدأت المهاوشة على خلفية دعوة ساويرس لرفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 ألف جنيه شهرياً (الدولار يساوي نحو 47.48 جنيه)، إلا أن الرد من بكري جاء لاذعاً، متهماً رجل الأعمال بـ«البطولة الوهمية»، مطالباً إياه بأن يبدأ بنفسه بتطبيق الحد الأدنى في شركاته قبل أن يطالب الدولة.

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (صفحته الرسمية)

كان نجيب ساويرس قال قبل أيام، خلال كلمته في مؤتمر توظيفي، إن مؤسسة «ساويرس للتنمية الاجتماعية» تواصل جهودها في دعم وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يسهم في رفع دخولهم من مستويات متدنية قد لا تتجاوز ألفي جنيه إلى نحو 14 و15 ألف جنيه، وهو ما اعتبره «الحد الأدنى الضروري للمعيشة وضمان حياة كريمة للمواطن في ظل التضخم الحالي».

وقرر «المجلس القومي للأجور» في فبراير (شباط) الماضي زيادة الحد الأدنى من 6 آلاف جنيه لتصل إلى 7 آلاف جنيه بدأ تطبيقها في مارس (آذار) الماضي.

وتأتي دعوة رجل الأعمال المصري وسط مطالبات مجتمعية وبرلمانية متزايدة برفع مستويات الدخل في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات وتكاليف المعيشة، ومع تذبذب مؤشرات التضخم.

وأصدر البنك المركزي المصري، الأربعاء الماضي، بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بيان التضخم عن نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الذي أظهر استمرار التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع الأسعار؛ حيث بلغ معدل التضخم السنوي في الحضر 12.3 في المائة مقارنة مع 12.5 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول) السابق عليه.

ورغم أن مطلب ساويرس لاقى دعماً شعبياً واسعاً، وهو ما اتفق عليه أيضاً البرلماني والإعلامي مصطفى بكري، فإنه أضاف في تغريدة له على حسابه بمنصة «إكس»، موجهاً حديثه لرجل الأعمال: «ما رأيك أن تبدأ أنت بالمبادرة وترفع رواتب الموظفين عندك»، واتهم ساويرس بأن رواتب الأغلبية لديه «لا تتعدى 5760 جنيهاً شهرياً، وهناك من هو أقل من ذلك».

وأثارت هذه المهاوشة الافتراضية تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسمت الآراء بين من يرى أن ساويرس يسلط الضوء على قضية فعلية تتعلق بضعف الأجور، ومن يعتبر أن بكري محق في مطالبته لرجل الأعمال بأن يكون قدوة في مؤسساته الخاصة قبل أن يطالب الدولة بالتغيير.

وأيد كثير من نشطاء التواصل الاجتماعي أن يكون الحد الأدنى للأجر 15 ألف جنيه، وتمنوا أن يصل صوت ساويرس إلى المسؤولين في مصر.

كما تفاعل عدد من الإعلاميين مع ما نادى به رجل الأعمال، وقال الإعلامي عمرو أديب، خلال برنامجه «الحكاية»، مساء الأحد، «إن مصر تحتاج إلى وزارة للرحمة، وأن المجتمع المصري لن ينجو بالاقتصاد ولكن سينجو بالرحمة».

وأشار إلى أنه طالب بهذا الرقم قبل سنوات ما عرضه للانتقاد وقتها، موضحاً «أن الحد الأدنى الحالي للأجور البالغ 7 آلاف لا يطبق في أغلب الشركات».

بدوره، قال الإعلامي محمد علي خير، في برنامجه «المصري أفندي»، إن ملف الأجور في مصر أصبح أحد أخطر ملفات العدالة الاجتماعية، مشدداً على أن الدخول الحالية لم تعد قادرة على تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعيشة، خصوصاً للشباب المقبل على الزواج.

وأضاف: «الحديث عن أجور 4000 و5000 و6000 و7000 جنيه لم يعد مقبولاً في ظل الغلاء الحالي وتراجع القدرة الشرائية»، مؤكداً أن الأجور في مصر تحتاج إلى تغيير جذري وليس حلولاً شكليةً.

كما تبادل العديد من النشطاء الرؤى حول الحد الأدنى المناسب للراتب، لضمان حياة كريمة للملايين من العاملين.

وتطور الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص المصري منذ إقراره لأول مرة في يناير (كانون الثاني) 2022، حيث بدأ بـ2400 جنيه، ثم ارتفع إلى 2700 جنيه في يناير 2023، و3000 جنيه في يوليو (تموز) 2023، ثم 3500 جنيه في يناير 2024، و6000 جنيه في مايو (حزيران) 2024، ليصل إلى 7000 جنيه اعتباراً من مارس 2025.

في المقابل، انتقد بعض المدونين كلمات بكري المنتقدة لمطلب رجل الأعمال البارز، مطالبين إياه بمساندة ساويرس في كلامه بدلاً من السخرية منه. كما طالبه آخرون، كونه إعلامياً بارزاً وصوتاً للمواطن في البرلمان، بفتح النقاش عن الحد الأدنى للرواتب والمعاشات.

بينما سخر طرف ثالث من المهاوشة الافتراضية، لافتين إلى أن طرفيها رجلان يملكان الملايين، ويتنازعان حول أجور ومستحقات البسطاء، في حين أن المحصلة النهائية ستكون غياب أي نتيجة إيجابية من الطرفين.


أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
TT

أزمة تمويل تهدد معيشة اليمنيين خلال العام المقبل

فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)
فجوة كبيرة في التمويل الدولي الموجه إلى المساعدات وأعمال الإغاثة في اليمن (إ.ب.أ)

على الرغم من أن التدخلات التنموية في اليمن تمكّنت من إحداث فارق ملموس في تحسين سبل العيش، تزداد تحذيرات وكالات الأمم المتحدة من اتساع فجوة تمويل الأعمال الإنسانية في اليمن، مع سعيها إلى الاستجابة الطارئة لحماية الأطفال والفئات الأكثر هشاشة من الوصول إلى مستويات شديدة من نقص الاحتياجات.

نفاد الإمدادات

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) عن حاجتها إلى 126.25 مليون دولار، لتنفيذ خطتها الإنسانية في البلاد للعام المقبل، وضمان استمرار خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم والحماية لملايين الأطفال الذين يعتمد غالبيتهم على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، محذرة من أن استمرار التدهور قد يحرم أعداداً متزايدة من الرعاية الأساسية.

وتراجعت حاجة «اليونيسف» إلى تمويل نشاطها في اليمن للعام المقبل بنسبة 40 في المائة عن العام الحالي، الذي طلبت فيه تمويلاً بمبلغ 212 مليون دولار.

ونبهت المنظمة الأممية إلى أن إغلاق أكثر من 3000 مركز تغذية، ونفاد الإمدادات الحيوية بحلول أوائل العام المقبل، يجعلان حياة مئات الآلاف من الأطفال عرضة للخطر.

ملايين الأطفال اليمنيين يواجهون خطر سوء التغذية ونقص الخدمات الصحية (الأمم المتحدة)

بدورها، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) نداء تمويلياً بقيمة 86.57 مليون دولار، لدعم سُبل العيش الزراعية وتعزيز القدرة على الصمود لنحو 9.15 مليون شخص في اليمن خلال العام نفسه.

تدخلات زراعية

تقدّر «فاو» أن اليمن يُعد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم، حيث يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم نحو 41 ألف شخص معرضون لخطر المجاعة، بعد عقد من بدء النزاع المسلح، والتطورات الأخيرة التي عطّلت سلاسل التوريد، إلى جانب الانهيار الاقتصادي والتغيرات المناخية القاسية.

ويتوقع المنسق العام للجنة اليمنية العليا للإغاثة، جمال بلفقيه، أن نقل مكتب منسق الشؤون الإنسانية إلى العاصمة المؤقتة عدن سيساعد بشكل كبير على تنفيذ خطط الاستجابة الإنسانية وتغيير مسار العمل الإنساني وبيان أثرها، داعياً إلى الشراكة بين المنظمات الدولية والقطاع الخاص في اليمن، لتوفير السلع الأساسية والشراء من السوق المحلية.

فجوة تمويل الإغاثة في اليمن تهدد بتراجع كبير في القدرة الشرائية للسكان وفق خبراء (أ.ف.ب)

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يبدي المسؤول الإغاثي الحكومي قلقه من أن اختطاف الجماعة الحوثية العاملين في الوكالات الأممية، وممارسة الابتزاز باستخدام الورقة الإنسانية سيعوقان أداء المنظمات ويؤثران سلباً على الدعم الخارجي، مبدياً تفاؤله بأن تؤدي الإجراءات الاقتصادية الحكومية إلى تحسين أسعار المواد الأساسية، مما يساعد في تحسين القوة الشرائية.

وتوضح الوكالة الأممية أن 17.68 من التمويل سيُوجّه إلى صالح تدخلات زراعية طارئة لتحقيق تعافي سُبل المعيشة، ويشمل ذلك توزيع البذور، وتطعيم الماشية، وإعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية والمائية، في مساعٍ للحد من اعتماد السكان الكامل على المساعدات الغذائية، فيما سيُستخدم المبلغ المتبقي لتعزيز القدرة على الصمود للفئات المستهدفة.

وبسبب مواجهة برنامج الغذاء العالمي عجزاً كبيراً في تمويله، تم تقليص المستفيدين من خدماته إلى النصف، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وسحب ما بين 200 و300 مليون دولار سنوياً من الأسواق المحلية، حسبما أورده المستشار الاقتصادي في مكتب الرئاسة اليمنية، فارس النجار.

تعزيز صمود الريف

وبينما يحتاج البرنامج الأممي إلى أكثر من 300 مليون دولار للستة الأشهر المقبلة، لم يحصل سوى على 106 ملايين دولار فقط.

طفل يتلقى العلاج من سوء التغذية في أحد مستشفيات صنعاء (الأمم المتحدة)

ويقدّر النجار أن سوء التغذية سيؤدي إلى خسارة مستقبلية في إنتاجية الفرد ما بين 10 و15 في المائة، مما يعني اقتصاداً أصغر وناتجاً أقل لعقد كامل إذا لم تجرِ حماية الفئات الأضعف، لافتاً إلى أن عدم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية سيضع اليمنيين أقرب من أي وقت مضى أمام سيناريوهات المجاعة.

في غضون ذلك، كشف الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) عن أن التدخلات التنموية متوسطة المدى يمكن أن تُحدث فرقاً ملموساً حتى في ظل استمرار النزاع، وأن هذه التدخلات عززت من تحسين سبل العيش والأمن الغذائي لعشرات الآلاف من السكان في المناطق الريفية في اليمن، رغم استمرار النزاع وانهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية.

جاء ذلك بعد أن أظهر مشروع تنمية سبل العيش الريفية، المنفذ بين عامَي 2021 و2024، أن تحسين الوصول إلى المياه وتحديث أنظمة الري أسهما في خفض استهلاك المياه بنسبة وصلت إلى 80 في المائة، إلى جانب زيادة الإنتاج الزراعي، وتحسين دخل آلاف الأسر في خمس محافظات يمنية.

تنمية سبل العيش الريفية تُسهم في تحسين الإنتاج الزراعي وتحسين دخل آلاف الأسر (إيفاد)

وذكر «إيفاد»، في تقرير حديث، أن إجمالي تمويل المشروع وصل إلى 5.3 مليون دولار، وشمل 5 محافظات و31 مديرية، واستفاد منه أكثر من 84 ألف شخص في نحو 12 ألف أسرة ريفية. وركزت التدخلات على تحسين الوصول إلى المياه، وإعادة تأهيل أنظمة الري، وحماية الأراضي الزراعية من الفيضانات، بالإضافة إلى دعم المزارعين بمدخلات زراعية وتدريب تقني.

ونوه «إيفاد» إلى أن اعتماد نهج التعاقد المجتمعي، بالشراكة مع صندوق التنمية الاجتماعية ومنظمة الأغذية والزراعة (فاو)، مكّن المجتمعات المحلية من قيادة عملية التخطيط والتنفيذ، مما عزّز الحوكمة المحلية والتماسك الاجتماعي في بيئات تعاني هشاشة مؤسسية شديدة.

وبيّن التقرير أن تحديث البنية التحتية المائية أسهم في خفض استهلاك مياه الري بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة، وتحسين إنتاجية المزارعين، إلى جانب حماية 131 هكتاراً من الأراضي الزراعية. كما استفاد أكثر من 3300 مزارع من المدارس الحقلية والأعمال الزراعية، فيما تلقت 4000 امرأة ورجل تدريبات في مجالات التغذية والزراعة المنزلية.