التطرّف حالة انقسام وتشظٍ هوياتي

مناقشة في دعوة «المقدسي» لتوحيد المقاتلين في سوريا

مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)
مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)
TT

التطرّف حالة انقسام وتشظٍ هوياتي

مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)
مواطنون من الرقة يتطلعون إلى علم «داعش» يرفرف فوق أحد المباني بالمدينة (غيتي)

تبدو الدعوة إلى «الوحدة» و«الاتحاد» دائمة وفاعلة لدى مختلف حركات التشدد الديني والآيديولوجي معا، حسب تصورات الأمة لدى كل منهما، على أساس ديني أو عنصري أو لغوي، حركات قطرية أو حركات معولمة. ولكن لم تكن تجاربها وممارساتها يومًا عامل توحد أو توحيد، بل ظلت حالة انقسام ورافد انشطار وضعف في الفضاء العام للأمة والدولة وفي فضائها الخاص بخصوص علاقتها بغيرها من الجماعات المتشددة.
إن خطابات جماعات وأحزاب التشدد الديني والآيديولوجي حركات طرح وقسمة، وليست حركات جمع وإضافة. وكثيرا ما يكون العداء والانقسام فيما بينها أكثر من عدائها للآخرين وخصوصًا المختلفين معها، وهو ما سنمثل به في حالة «الجماعات المقاتلة في سوريا» التي صعدت أخيرًا الدعوة لتوحيدها وكان آخرها ما طرحه المتشدد الأردني «أبو محمد المقدسي».
كان الانقسام واضحا في تاريخ حركات آيديولوجية يمينية يسارية وقومية بعثية، كما كان بين فرعي البعث في سوريا والعراق في ثمانينات القرن الماضي، وكما هو ماثل بين جماعات التطرف الديني العنيف في سوريا والعراق الآن. ولا يزال الانشطار والانشقاق سمة أكثر وضوحا في تاريخ وواقع الأحزاب الراديكالية واليمينية المتشددة - شرقا وغربا - منذ عهد بعيد، رغم صحوة اليمين العالمية الآن. فالأصل أن التطرف رافد تشتت، وحالة انقسام وتصفية، وليس قاموسه الانغلاقي الطردي والتمييزي، الذي يحتكر الحق والحقيقة، إلا تشظيا هوياتيا تكارهيا لا يعرف الاحتواء، بل يفجر نزعات الانفصال ودعوى الانقسام، التي يفتقد اعتدال احتوائها وفن إدارة اختلافاتها.
التشدد والنزعات الانفصالية
ووفق ما نسميه «متتابعة الغلو» يبدو التشدد والتطرف حالة انشطار بنيوي وداخلي، تتناسل منه فروع أكثر تشددا من أصله، وتنزع شرعيته صانعة شرعيتها.
هكذا خرج «داعش» من بطن «القاعدة»، وخرجت الأخيرة من مخاضات الحركات الراديكالية السابقة العهد وحقبة «المجاهدين الأفغان». وتظل الأزمات المستعصية والعالقة - كما هو في سوريا والعراق الآن - سياقا مناسبا لتوالد وإثمار الغلو والتشظي العنيف المستمر من شجرة العنف «المقدس».
تبدو المسألة أكثر وضوحا إذا ربطنا بين نزوع وصعود التطرف العنيف وجماعاته في العقود الأخيرة من القرن العشرين، ووصولاً لزلزال الانتفاضات العربية عام 2011. وبين صعود النزعات الأقلوية والانفصالية لدى طوائف دينية وأقليات قومية وإثنية.
إن الاعتدال وحده هو القادر على تحقيق الوحدة، لأنه يستطيع إدارة الاختلاف واحتواءه، أما اليمينية شرقًا وغربا - فهي انعزال يناسب انغلاقها، ولا تتسع لأكثر من حضور الذات الضيق النافي للآخرين، وحال تحققه ينتج التشظيات والانشطارات في بنية الهوية الواحدة والدولة الواحدة لمزيد من الانقسام ليس غير، ويصدق عليها الأثر الإسلامي «إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى».
تعجب أمثال أبي الحسن الأشعري (ت 324 هجرية) وأبو الفتح الشهرستاني (ت 548 هجرية) وغيرهما من مؤرخي «مقالات الإسلاميين» أو مبحث «الملل والنحل» من تناسل الغلو وازدياد عدد الخوارج وفرقهم، حتى انقسموا فيما بينهم إلى عشرين فرقة وطائفة، يكفّر بعضها بعضًا، ورصدوا هذا التكاثر أو التشظي بلغتنا، في حالة كل فرق الغلاة من الباطنية وخروج بعضها من بعض وعلى بعض بشكل واضح ومعهود.
كذلك لم تشتهر طائفة أو فرقة أو جماعة متشدّدة بنجاح ما سعت إليه من محاولة توحيدية كبيرة. بل لم تنجح أحيانًا في توحيد ما تحت يدها من أرض، وهو ما شاهدناه في اقتتال «إمارة» طالبان مع سائر الميليشيات الأفغانية الأخرى، ونشاهده اليوم في قتال «داعش» لاحقًا سائر الجماعات الراديكالية التي تلتقي معها أحيانًا في المرجعية والأفكار والأهداف.
تاريخيا كذلك، لم تتح لأي جماعة متشددة - آيديولوجية أو دينية - لم تمكِّن لمفهوم الاختلاف وإدارته - عقلانيا أو ديمقراطيا أو إنسانيا - أن تؤسس دولة قوية ووحدوية. بل سريعا ما انهارت تجاربها الوحدوية التي أقامها اليمينيون والآيديولوجيون المتشدّدون عربيا في خمسينات القرن الماضي. إنها لم تصمد عند أول تحد ولو موج ماء، ولم يبق منهم إلا الأكثر مرونة وتدربا وتقديرا للواقع لا الانقلاب عليه، كما كانت تعابير أمثال المودودي وميشال عفلق أيضا.
من هنا، كانت غالبية تجارب المتشددين هامشا في التاريخ وهامشا في الواقع. وباستثناءات قليلة كإمارة الخوارج الأولى في الأحواز التي قضى عليها المهلب بن أبي صفرة، لم نعرف دولا كبيرة للمُغالين والمتشدّدين. ومن حضر منها استخدم أدوات مختلفة من المرونة والاحتواء وقوانين التاريخ والسياسة درعا للبقاء.
نادرا ما تحدث وحدة أو اتحاد بين تنظيمين أو مجموعتين متشددين. ولا تكون إذا حدثت إلا مؤقتة، وفي سياقات محددة ومحدودة، لتحقيق هدف ما كحالة توحيد مجموعات «الجهاد المصري» الوحيدة مع محمد عبد السلام فرج عام 1979 التي أنتجت اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، ونجاح الثورة الإيرانية التي ألهبت حماس سائر الإسلاميين. لكن سريعا ما انفك عقد وحدتهم في السجون خلافا على ولاية «الضرير والأسير» وقتال «الطائفة الممتنعة» و«العذر بالجهل» بعد راديكالية مختلفة، كانت موالية لـ«القاعدة» سابقا، بغية الحصول على الدعم أو تماسا مع الألق التي أحدثته حينها وينتهي الآن.
ومن هذه الحالات المحدودة للتوحّد ما حدث لبعض الوقت بين قادة «المجاهدين الأفغان» بعد جلاء الاتحاد السوفياتي عام 1989. لكن سريعا ما عادوا يقتتلون على غنائم السلطة والنفوذ. أو ما حاوله «أبو مصعب الزرقاوي» بعد قدومه إلى العراق عام 2004 من توحيد الجماعات الراديكالية في مجلس شوري وتنسيقي واحد فيما بينها، إلا أنها كذلك سريعا ما انقسمت وتقاتلت... وكان أول رافضي زعامة «الزرقاوي» أول من استضافه واستقبله في بيته، وعرّفه على سائر التنظيمات المتطرفة في العراق، ألا وهو قائد «جيش المجاهدين» المعروف «أبو عبد الله المنصور» الذي كان أول من أحل «الخليفة» الداعشي المزعوم دمه بعدما بدأ ينشط في سوريا، وكان من أسباب خلافه مع «أبو محمد الجولاني» فيما بعد.
وراهنًا، تشهد حركات متطرفة مثل «بوكو حرام» و«حركة شباب المجاهدين» الأفريقيتين انشقاقات وخلافات قوية على قيادتها وانقسام عناصرها بين القيادات المتنازعة. ولنناقش فيما يلي دعوة أطلقها المنظر المتشدد الأردني «أبو محمد المقدسي» لتوحيد الجماعات المقاتلة في سوريا في ظل تراجعاتها ووطأة الحرب عليها، كجزء من حالة العجز عن طرح خطاب «وحدوي»، بل واستحالته لدى أفكار الجماعات المتشددة.
يوم 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي نشر المنظر الأردني المتشدد «أبو محمد المقدسي» وثيقة له تدعو لاتحاد الجماعات المقاتلة في سوريا واندماجها، بعنوان «الموازنة بين الاندماج والثوابت» في ست ورقات. وحاول «المقدسي» من خلال هذه الوثيقة ملامسة هذه الدعوة، التي يتوجه إليها قبل شهور وأثارت عليه عددا من كتاب ونشطاء «القاعدة» الذين يرونه يميل للتصالح مع «داعش»، كذلك أثارت عليه الداعشيين الذين لا يصارح ولاء وبراء منهم، بعدما كان أشد انتقادًا لهم في السابق.
في هذه الوثيقة لم يسم «المقدسي» أيا من الجماعات التي يستهدفها ويدعوها للاتحاد فيما بينها، والتي ينطبق عليها ما وضعه من شروط لجوازه، وهي: التوحيد والحاكمية وألا تكون مرتبطة بأي قوى خارجية أو تؤمن بالديمقراطية - أو ما يسميه «الإردوغانية» ويعتبرها من شرك الطواغيت. كذلك لم يسم أيا من تلك التي يستثنيها دون أن يسميها، وخاصة الجماعات المقاتلة الراديكالية، التي يشمل بعضها، ولكنها الأكثر مرونة واستعدادا للتحاور والقبول بغيرها من الفصائل.
رفض «المقدسي» إطلاق القول بأن «جهاد الدفع لا شرط له» مقيدا له بالتوحيد واستهداف تحكيم الشريعة والكفر بالقوانين الوضعية، لكنه بدا مرتبكًا يفتقد الضبط حين لم يسم ولم يحدد أطرا لدعوته أو سياقا لها. داعيا لها على استحياء ربما لتخفيف حدة التوتر بين الجماعات المقاتلة في سوريا - وخصوصا الأقرب إليه... أي «جبهة النصرة» (أو جبهة فتح الشام كما تسمت فيما بعد) و«داعش».
أغلب الظن أن «المقدسي» يحاول بهذه الدعوة الخجولة استعادة مكانته الرمزية لدى الجماعات المقاتلة المتطرفة في سوريا، بعد تحولات تدريجية شهدها خطابه في السابق إزاء «داعش». إذ كان منظرو «داعش» وشرعيوه قد شنوا على «المقدسي» حملة ضروسا ونقدا حادا، وخاصة في أعقاب إعدام «داعش» الطيار الأردني «الشهيد» معاذ الكساسبة في يناير (كانون الثاني) 2015، والذي كان وسيطًا في الإفراج عنه. غير أن الدواعش خدعوه ولم يقبلوا ما طرح عليهم من حل وسط يومذاك.
لكنه، بعد فترة نجده يحاول استعادة شعبيته لديهم بتراجع عن وصفهم بـ«الخوارج» وتحاشيه تعميم اتهاماته بل وإيجاد الأعذار لهم وتقديم النصرة وإيجابها تجاه حرب التحالف الدولي عليهم. ثم الدعوة لاتحاد الجماعات المقاتلة في الساحة «جهاد دفع» ضد العدو الصائل (الخارجي الذي لا يميز) والمسكوت عنه في دعوته. كما يبدو أن رباطه بتنظيم «القاعدة» والظواهري قد تراجع قليلا فلم يعد يذكره أو يصفه كما كان يصفه، بـ«حكيم الأمة»، ولم يعد يدافع عن «القاعدة» وخطابها كما كان يفعل. وهو الموقف الذي بدا واضحا ويتميز به عن غيره حتى أقربهم إليه «أبو قتادة الفلسطيني» أو أبعدهم عنه الذي خاض ضده معركة كبيرة وهو المصري د. طارق عبد الحليم.
ويبقى، أن أهم من تحولات «المقدسي» وارتباكاته، أن وثيقته نفسها ورؤيته نفسها أظهرتا ارتباكا عميقًا. فهو من يحصر دعوته للوحدة في جماعات بعينها، ويستعين في خاتمته بنص مطول لابن تيمية (رحمه الله) من الفتاوى لا يضع فيه شرطا لـ«جهاد الدفع»، ويدعو لتجاوز الخلافات الجزئية بين المسلمين حال ألم بهم خطر. ونص ابن تيمية هنا - كما كانت سيرته - واقعي تمامًا، فهو من ناصر ووقف ودعم نظريًا جهود أمراء المماليك وسلاطينهم، وخاصة السلطان الناصر بن قلاوون، حتى من سجنه منهم، في وجه الحملات التترية والصليبية، وهذا رغم كونه حنبليا وكونهم أشعرية حنفية. وهو من دعا في عدد من مؤلفاته ورسائله للعذر بالخلاف وتجاوز الشقاق الحاد بين المسلمين، وعدم التعصب للطوائف والفرق، مثل كتابه «اقتضاء الصراط المستقيم» ورسالة «رفع الملام» وفي الفتاوى ومنهاج السنة وغيرهما.
ختاما، إن توحّد المتشددين أمر بعيد المنال في أي مكان، ويظل دعوة حيية خجولة ومرتبكة، تكتفي برفع شعارات الوحدة والدعوة إليها، ولكن هو في بنيته حالة انشطار وتشظ كما هو في تجربته المزيد من الانقسام لا يمكن أن يصنع توحدًا.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.