الأمين العام الجديد للأمم المتحدة يعرض سياسته في مجلس الأمن

غوتيريس طالب بالوساطة والتركيز على الفصل السادس من الميثاق وهاجم ازدواجية المعايير

الأمين العام الجديد للأمم المتحدة يلقي أول خطاب له بعد تسلمه المهمة خلفا لبان كي مون (رويترز)
الأمين العام الجديد للأمم المتحدة يلقي أول خطاب له بعد تسلمه المهمة خلفا لبان كي مون (رويترز)
TT

الأمين العام الجديد للأمم المتحدة يعرض سياسته في مجلس الأمن

الأمين العام الجديد للأمم المتحدة يلقي أول خطاب له بعد تسلمه المهمة خلفا لبان كي مون (رويترز)
الأمين العام الجديد للأمم المتحدة يلقي أول خطاب له بعد تسلمه المهمة خلفا لبان كي مون (رويترز)

قدم أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس خطة شاملة لمنع نشوب الصراعات في العالم تعتمد على الوقاية والوساطة، مطالبا مجلس الأمن بالاستفادة من الفصل السادس من ميثاق المنظمة الدولية والابتعاد عن ازدواجية المعايير في اتخاذ القرارات.
وطالب بإجراء تغييرات جذرية في عمل المنظمة ومجلس الأمن تشمل الاستراتيجيات والهياكل والعمليات، مشيرا إلى أنه بدأ بتعيين مديرين جدد من أجل تحقيق رؤيته، ووجه انتقادا لاذعا للمجلس، وقال لا يمكن أن نبقى رهينة لخلافات الماضي، وشدد على أن «النظام الحالي المجزأ لا يعطينا القدرة على معالجة الأسباب الجذرية للصراع».
وقال غوتيريس في أول خطاب رسمي له أمام مجلس الأمن الدولي الذي ناقش في جلسة مفتوحة حفظ الأمن والسلام عن طريق منع نشوب النزاعات، إن الأمم المتحدة أنشئت لمنع الحرب، وهي ملزمة لنا في نظام دولي قائم على قواعد، إلا أن نظامها مهدد بشكل خطير في وقت ينظر فيه «الملايين من الناس إلى هذا المجلس للحفاظ على الاستقرار العالمي وحمايتهم من الأذى، وحيث التكلفة البشرية والاقتصادية الهائلة من الصراعات حول العالم يظهر مدى تعقيد والتحدي.
وطالب غوتيريس باتباع نهج جديد للتعامل مع الصراعات الدولية، مشيرا إلى أن «الأمم المتحدة والعالم يركزان على الاستجابة للأزمات بدلا من منعها، فالناس يدفعون ثمنا باهظا والدول الأعضاء تدفع ثمنا باهظا، إننا بحاجة إلى نهج جديد كليا».
وقال غوتيريس إنه من «الصعب جدا إقناع صانعي القرار على المستوى الوطني والدولي بأن الوقاية يجب أن تكون أولويتهم» إلا أن «معظم صراعات اليوم، هي صراعات داخلية في الأساس، سرعان ما تأخذ لونا إقليميا وتتخطى الحدود الوطنية» فهي صراعات «يغذيها التنافس على السلطة والموارد وعدم المساواة والتهميش والإقصاء وسوء الإدارة وضعف المؤسسات والانقسامات الطائفية».
وأضاف أن تلك الصراعات «تتفاقم بسبب تغير المناخ والنمو السكاني وعولمة الجريمة والإرهاب»، مما يعني أنه مع الكثير من العوامل المتوفرة، فإنه يأخذ القليل جدا لتحريك الأزمة التي يمكن أن تجتاح بلدا أو منطقة، مع عواقب عالمية.
ووجه غوتيريس انتقادا للمنظمة التي تربع هو على أمانتها فقط قبل أسبوع عندما حل مكان سلفه الكوري الجنوبي بان كي مون «ومع العلم أن أسباب (أي) أزمة عميقة مترابطة، لا تزال استجابة الأمم المتحدة (لها) مجزأة»، مضيفا أن الطبيعة المترابطة لأزمات اليوم تتطلب تكاتف جهودنا من أجل السلام والأمن والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان، ليس فقط في الكلمات، ولكن في الممارسة العملية، فجدول أعمال التنمية المستدامة 2030 وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن في الحفاظ على السلم كلها تشير إلى الدعم الحكومي القوي لنهج متكامل.
وقال أيضا إن التحدي الآن هو في إجراء تغييرات تتطابق مع ثقافتنا ولتشمل الاستراتيجية والهياكل والعمليات، مؤكدا على ضرورة «إعادة التوازن لنهج السلام والأمن»، فمنذ عقود من الزمن، هيمنت مسألة «الاستجابة للصراع» ولكن «بالنسبة للمستقبل، فنحن بحاجة إلى فعل الكثير لمنع الحرب والحفاظ على السلام». وفي هذا الصدد، قال إنه يطالب بإجراء إصلاحات كبيرة تهدف لتحقيق ذلك «لقد بدأت بعمليات صنع القرار في الأمانة العامة، وستقوم اللجنة التنفيذية المنشأة حديثا بزيادة قدرتنا على دمج جميع أركان الأمم المتحدة، في إطار رؤية مشتركة للعمل».
وقال غوتيريس «لقد عينت مستشارا بارزا في السياسة، مهمته الرئيسية ستكون رسم قدرات الوقاية في منظومة الأمم المتحدة وجمعها معا في نظام متكامل للكشف المبكر والعمل» مضيفا أن «هذا العمل سيمكننا من ربط نظام الإصلاح الخاص بالأمن والسلام بنظام الأمم المتحدة الإنمائي، مع احترام مجالات الاختصاص لمجلس الأمن والجمعية العامة».
وطالب غوتيريس «كل الهيئات لدعم جهودنا لبناء وتعزيز السلام عبر التواصل، ومنع وتسوية النزاعات وحفظ السلام وبناء السلام والتنمية على المدى الطويل»، مشددا على أن «العمل الأساسي لمنع نشوب الصراعات تقع على عاتق الدول الأعضاء».
وأكد غوتيريس الذي ألقى خطابه باللغتين الإنجليزية والفرنسية، على أن تكون منظومة الأمم المتحدة بأسرها على استعداد لمساعدة الحكومات في تنفيذ جدول أعمال عام 2030 وتعزيز الحوكمة والمؤسسات وتعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان كافة، سواء الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية أو الثقافية، وإدماج قضايا السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، وإلى تعزيز قدرة الأمم المتحدة في هذا المجال.
وأكد أيضا على ضرورة أن تعمل الوكالات الإنسانية والعاملين في مجال التنمية مع الدول لمساعدتها في منع نشوب الأزمات وتعزيز مرونة مجتمعاتها وقال إن «النظام الحالي المجزأ لا يعطينا القدرة على معالجة الأسباب الجذرية للصراع»، مطالبا أيضا بضمان مشاركة النساء والفتيات، بشكل كامل، في بناء مجتمعات شاملة ومرنة والتصدي «لآفة عالمية من البطالة بين الشباب» والحد من «الصراعات الاجتماعية والحد من التطرف العنيف».
ويرى غوتيريس أن «وجود مجتمعات متعددة الأعراق، متعددة الأديان ومتعددة الثقافات، يحتاج إلى الاستثمارات السياسية والثقافية والاقتصادية أكبر في الشمولية والتماسك، حتى يثمن الناس منافع التنوع بدلا من النظر إليها على أنها تهديدات» مع الحاجة إلى ضمان احترام هوية كل مجموعة، وشعورها بالانتماء كأعضاء هامون في المجتمع ككل، مطالبا بأن يقوم «المجتمع المدني بلعب دور أكبر في رفع ناقوس الخطر عندما يتم تهديد هذا الاحترام أو فقدانه». وعاد غوتيريس وطالب بضرورة الالتزام «بالدبلوماسية من أجل السلام، في شراكة مع المنظمات الإقليمية، وحشد مجموعة كاملة من ذوي النفوذ، من السلطات الدينية للمجتمع المدني ومجتمع الأعمال» وكشف أنه سيطلق «مبادرة لتعزيز قدرة الوساطة لدينا، سواء في مقر الأمم المتحدة أو في الميدان، ودعم جهود الوساطة الإقليمية والوطنية» وفي هذا الصدد، طلب من مجلس الأمن «زيادة الاستفادة من الخيارات المنصوص عليها في الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة». وقال موجها كلامه لأعضاء المجلس «إنني على استعداد لدعمكم من خلال استخدام مساعي الحميدة من خلال المشاركة الشخصية».
وقال غوتيريس إن «الكثير من فرص الوقاية فقدت لأن الدول الأعضاء لا تثق بالدوافع، وبسبب المخاوف المتعلقة بالسيادة الوطنية»، مضيفا أنه ومع أن «هذه المخاوف مفهومة، في عالم حيث القوة غير المتكافئة وبسبب تطبيق (المبادئ) أحيانا بشكل انتقائي». وقال: «في الواقع، لا ينبغي أبدا أن تستخدم الوقاية لخدمة أهداف سياسية أخرى. وعلى العكس من ذلك، أن أفضل وسيلة لمنع النـزاعات هي عندما تكون الدول ذات السيادة، قوية، وتعمل من أجل خير شعوبها».
وانتقد غوتيريس مرة أخرى ازدواجية المعايير في اتخاذ القرار. وقال: «في اتخاذ إجراءات وقائية، نحن بحاجة إلى تجنب ازدواجية المعايير»، موضحا أن «هذا لا يعني أنه لا توجد معايير على الإطلاق، أن وجود إجراءات وقائية ضرورية لتجنب الفظائع الجماعية أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويمكننا تحقيق ذلك فقط من خلال مناقشة منطقية، استنادا إلى وقائع والسعي وراء الحقيقة».
وأكد أنه «يجب دائما أن ينظر إلى الوقاية كقيمة في حد ذاتها، فهي وسيلة أساسية للحد من المعاناة الإنسانية وتمكين الناس من تحقيق إمكاناتهم الكاملة»، منوها أن «التعاون الدولي من أجل الوقاية، وبخاصة ترجمة الإنذار المبكر إلى العمل المبكر، يعتمد على الثقة بين الدول الأعضاء، وفي علاقاتها مع الأمم المتحدة». وأعرب مرة أخرى عن استعداده «لتعزيز علاقة أكثر ثقة وتحسين الاتصالات مع المجلس (الأمن)، مع الاتساق والصراحة والشفافية».
وقال إن «الخلافات حول الماضي لا يمكنها أن تسمح وتمنعنا من العمل اليوم»، وطالب أيضا بالعمل من أجل القيادة وتعزيز مصداقية وسلطة الأمم المتحدة، من خلال وضع السلام أولا: وأن «إنهاء المعاناة الإنسانية التي لا حدود لها والإهدار الوحشي للموارد الناتجة عن الصراع هو في مصلحة الجميع».
وقال إن مجلس الأمن، والعمل مع لجنة بناء السلام، وجميع الجهات الأخرى في منظومة الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية، يمكن أن تتيح العمل بشكل أسرع في مجال الوقاية وخاصة عندما تكون إشارات الحذر موجودة، مشددا على أن «تكلفة التقاعس عن العمل عالية جدا».
وأضاف غوتيريس أن الحرب ليست بمثابة الأمر الذي لا مفر منه، بل هي دائما مسألة اختيار: الاختيار لاستبعاد (الناس) والتمييز والتهميش واللجوء إلى العنف» لكن من «خلال استعادة الثقة بين الحكومات ومواطنيها وبين الدول الأعضاء، يمكننا منع وتجنب النزاع». وكرر: «لكن السلام، أيضا، هو ليس بالأمر الذي لا مفر منه. وهو نتيجة من القرارات الصعبة، والعمل الجاد والحلول الوسط».
واختتم بالقول إن «الوقاية ليست مجرد أولوية، ولكن الأولوية. إذا كان لنا أن نرقى إلى مستوى المسؤوليات الملقاة على عاتقنا، فإننا سوف نقوم بإنقاذ الأرواح والحد من المعاناة وإعطاء الأمل للملايين».
من جانبها، قالت رئيسة مجلس الأمن، وزيرة خارجية السويد مارغو وولستروم التي رأست الجلسة إن الوقاية تتطلب معالجة الأسباب الجذرية للصراع وعدم الاستقرار قبل وصول تلك الصراعات إلى أجندة مجلس الأمن، داعية في الوقت نفسه إلى أن تقوم الدول على المستوى الوطني ببناء مؤسسات قوية بشكل شامل، يتم دعمها من قبل المنظمة فيما يخص الأهداف الإنمائية، «الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، يركز على التسوية السلمية للنزاعات، ويتطلب أطراف النزاع إلى البحث عن حلول من خلال الوسائل السلمية، مثل التفاوض والتوفيق أو التسوية القضائية»، وقالت: «لدينا الأدوات. ما نحتاجه الآن هو التوافق السياسي الجديد في دعم منع» نشوب الصراعات.
وألقيت في الجلسة أكثر من 95 كلمة منهم من قبل وزراء خارجية بولندا وهولندا وكازاخستان وإيطاليا وإثيوبيا فيما شاركت بعض الدول بوزراء وسفراء.



إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.