وقف النار يقوض طموحات إيران العسكرية ويهدد «محور الممانعة»

خبير استراتيجي: المصالح الروسية قد يحققها أي نظام أما مشروع طهران فيتوقف على بقاء الأسد

وقف النار يقوض طموحات إيران العسكرية ويهدد «محور الممانعة»
TT

وقف النار يقوض طموحات إيران العسكرية ويهدد «محور الممانعة»

وقف النار يقوض طموحات إيران العسكرية ويهدد «محور الممانعة»

تقاطعت مواقف المعارضة السورية وقراءات الخبراء الاستراتيجيين، للاتفاق الروسي التركي لوقف إطلاق النار في سوريا، على أن هذا الاتفاق كرّس ثابتتين أساسيتين، الأولى تمثلت بانتزاع المعارضة المسلّحة اعترافًا روسيًا واضحًا بشرعيتها، عبر إقرار موسكو الصريح بوجود «ما بين 60 و70 ألف مقاتل من المعارضة المعتدلة»، بخلاف التوصيفات الروسية السابقة التي كانت تضع كل من يعادي نظام بشار الأسد في خانة «الإرهابي». والثانية تقويض مشروع إيران والنظام الساعي إلى حسم عسكري يمكن استثماره في أي مفاوضات سياسية مقبلة. حيث أكد خبير استراتيجي، أن «أي خيار سياسي في سوريا بديل عن الحل العسكري، سيشكل بداية النهاية لمشروع (الممانعة) في المنطقة؛ لأنه يضمن حتمية تخلّي روسيا عن الأسد».
ورغم النجاح النسبي لسريان وقف النار، فإن ثمة حذرًا شديدًا من دور إيراني محتمل ينسف الهدنة، وفق رئيس وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، العميد أسعد عوض الزعبي، الذي رجّح «محاولة إيران عرقلة الاتفاق، وعدم السماح بنجاحه بعد كل الأثمان الباهظة التي دفعتها في سوريا»، لكنه استبعد أن «تتمرد طهران على الإرادة الروسية». وقال الزعبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «موافقة إيران في الظاهر على هذا الاتفاق، يعني أنها قد تقبل بخسارة شيء على ألا تخسر كل شيء». معتبرًا أن «رحيل بشار الأسد بات حتميًا والروس أقروا بذلك». وأضاف: «لقد أبلغني (مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان) دي مستورا، أنه سمع وزير الخارجية الروسي (سيرغي) لافروف يقول للأسد: في وقت قريب سترحل». وتوقف عند تصريحات وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو النارية ضدّ الأسد، مشيرًا إلى أن «تصريح أوغلو عن استحالة أي دور للأسد بمستقبل سوريا لم يأت من فراغ».
واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تصريح له أمس، أن وقف إطلاق النار الشامل الذي تم التوصل إليه في سوريا بموجب اتفاق روسي تركي هو «إنجاز كبير»، داعيا إلى «استغلال هذه الفرصة لاقتلاع جذور الإرهاب». وأوردت وكالة «إيرنا» الرسمية الإيرانية، أن ظريف أجرى مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وقالت إن المسؤولين «رحبا بوقف إطلاق النار في كامل سوريا» وشددا على «مكافحة الإرهاب وتنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة) وحلفائهما». وأعلنت الوكالة أن الطرفين «اتفقا على مواصلة التشاور والتنسيق في إطار الاتفاق الثلاثي بين تركيا وإيران وروسيا، بهدف إجراء مفاوضات بين النظام السوري وفصائل المعارضة، يتوقع أن تعقد في آستانة بكازاخستان في يناير (كانون الثاني) المقبل».
من جهته، اعتبر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد نزار عبد القادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشروع الروسي للحل، لا يخدم على الإطلاق البرنامج المعلن لإيران والأسد». وقال: «يبدو أن الروس تعهدوا بإقناع الطرفين بهذا الاتفاق، على أن تتولى تركيا إقناع المعارضة». وأكد أن الإيرانيين «يعرفون أن أي حل سياسي قريب، حتى لو رعته روسيا، سيتضمّن حتمية التخلي عن بشار الأسد وإنهاء حكمه، وهذا ما يقلق طهران»، مؤكدًا أن «الضمانة الوحيدة للمشروع الإيراني هو الإبقاء على الأسد شخصيًا في السلطة؛ لأن إضعافه أو تنحيته يسقط كل محور الممانعة الذي يدّعونه منذ سنوات».
ويرتبط الدور الروسي في سوريا بالمصالح الحيوية لموسكو، وهي تتصرّف وفق ما تقتضيه مصلحتها، وبحسب رئيس وفد المعارضة للمفاوضات، فإن روسيا «حققت ما تريده من الحرب في سوريا، وباتت صاحبة نفوذ في المنطقة، ولم تعد ترغب في الاستمرار في حرب استنزاف، لذلك قررت أن تستبق وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض باتفاق يرسّخ دورها ونفوذها في المنطقة». لكن الزعبي حذّر من «مدرسة التفاوض الإيرانية الخبيثة والخطيرة». وقال إن طهران «تعلم أن هذا الاتفاق قلّص نفوذها ولجم اندفاعتها العسكرية، وميزان القوى بدأ يتغيّر، وبالتالي هي تبحث عن أثمان أخرى، وأنا أخشى أن تستبدل نفوذها في سوريا، عبر ابتزاز المجتمع الدولي والعرب في ساحات أخرى».
وعلى قاعدة أن أي اتفاق سياسي يقضي على مشروع الحرس الثوري في سوريا، نبّه العميد نزار عبد القادر إلى أن «المصالح الروسية قد يحققها أي نظام آخر، يكون بديلاً للأسد، لكن مشروع إيران في المنطقة يتوقف على بقاء الأسد شخصيًا»، معتبرًا أن «أي مشروع سلام بهذا الحجم تشارك فيه كل المعارضات السياسية والعسكرية، لا يعكس أملاً إيجابيًا لإيران». وشدد عبد القادر، على أن روسيا «تستعجل انعقاد مؤتمر آستانة لوضع مسودة الخطوط العريضة للحل، قبل وصول دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة، لخلق واقع سياسي متقدم، يلاقي الواقع العسكري الذي أوجدته في حلب»، معتبرًا أن «الضمانة الوحيدة للمعارضة السورية هو عدم الخروج عن مرجعية جنيف».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.