اللجوء السوري وتداعياته على الأردنيين

عمّان اضطرت لإغلاق الحدود لاعتبارات أمنية بغض النظر عن الوضع الإنساني

طفل لاجئ بانتظار والدته التي تخضع للعلاج في أحد المراكز الصحية في 3 ديسمبر في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن (رويترز)
طفل لاجئ بانتظار والدته التي تخضع للعلاج في أحد المراكز الصحية في 3 ديسمبر في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن (رويترز)
TT

اللجوء السوري وتداعياته على الأردنيين

طفل لاجئ بانتظار والدته التي تخضع للعلاج في أحد المراكز الصحية في 3 ديسمبر في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن (رويترز)
طفل لاجئ بانتظار والدته التي تخضع للعلاج في أحد المراكز الصحية في 3 ديسمبر في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن (رويترز)

اتخذ الأردن خلال العام الحالي 2016 قرارات مصيرية في التعامل مع الأزمة السورية كان انعكاسها على ملف اللاجئين الذين يشكلون نحو 18 في المائة من عدد السكان. إذ طالب الأردن المجتمع الدولي منذ بداية الأزمة السورية بضرورة مساعدته للتغلب على تدفق اللاجئين والتخفيف من تداعياته على المجتمعات المضيفة وكذلك على الاقتصاد الوطني، إذ إن نسبة الاستجابة للعام الماضي كانت أقل من 40 في المائة. ومن ثم استنجد بالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية بعدما تراكمت الديون وبلغت أكثر من 36 مليار دولار أميركي مشكلة 95 في المائة من الناتج المحلي.
انعقد مؤتمر لندن في مطلع فبراير (شباط) الماضي وخرج عدة قرارات لمساعدة الأردن، وقال وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني عماد نجيب الفاخوري، بعد المؤتمر، إنه تم طرح 3 محاور رئيسية في هذا المجال: أولها ضرورة التركيز على دعم خطة الاستجابة الأردنية، وثانيها دعم الفجوة التمويلية التي تعاني منها موازنة الدولة الأردنية، وثالثها طرح موضوع تشغيل اللاجئين من خلال التركيز على جذب الاستثمارات الجديدة.
وأضاف الفاخوري أن المجتمع الدولي تعهد بتقديم 8700 مليون دولار خلال السنوات 2016 - 2018 ضمن منح ومساعدات ذات شروط ميسرة، وفي المقابل تعهد الأردن بتشغيل اللاجئين في سوق العمل، خاصة في المصانع المؤهلة للتصدير للاتحاد الأوروبي في أعقاب تبسيط قواعد المنشأ لمدة عشر سنوات شريطة تشغيل 25 في المائة من العمالة السورية. ولكن على الرغم من تبسيط قواعد المنشأ والسماح للاجئين لدخول سوق العمل، فإن السوريين لم يقبلوا على العمل بهذه المصانع خشية سحب بطاقة اللجوء من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حتى إن مسؤولا أردنيا قال إن ستة مصانع فقط تم تأهيلها للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي مع نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) بسبب نقص العمالة السورية والحاجة إلى مزيد من الوقت للتكيف مع قرارات قواعد المنشأ. إضافة إلى ذلك تعهد الأردن بتعليم جميع أبناء السوريين في المدارس الحكومية، وبالفعل أدخلت وزارة التربية والتعليم 165 ألف طالب سوري، وفتحت 200 مدرسة بنظام الفترتين وقدمت جميع التسهيلات الطبية وللمعالجة في المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية.

الشق الأمني
إلا أن تأثير أزمة اللاجئين تعدى الإقامة والتعليم والصحة، إذ كانت هناك الحاجة للسيطرة الأمنية على الحدود من قبل القوات المسلحة الأردنية المنتشرة على طول 378 كلم منذ عام 2011 والتعامل من الإرهابيين ومهربي المخدرات، إضافة إلى المشاكل الأمنية والاجتماعية داخل المجتمع حيث ارتفع معدل الجريمة خلال السنة الحالية بأكثر من 12 في المائة إضافة إلى انتشار ظاهرتي التسول والدعارة.
أمام هذا الواقع، جاءت عملية التفجير الإرهابية في شهر يونيو (حزيران) الماضي التي نفذها تنظيم داعش الإرهابي واستهدفت جنودا أردنيين يقدمون خدمات لوجستية للاجئين سوريين على الحدود بين البلدين في منطقة الرقبان. وأسفرت العملية عن سقوط ستة قتلى من العسكريين الأردنيين ونحو 14 مصابًا، وتدمير عدة آليات مماثلة حاولت الاقتراب. وعلى الأثر، أعلن الأردن إغلاق الحدود الأردنية مع سوريا واعتبارها «منطقة عسكرية مغلقة»، وتوعد كل من يحاول اختراق الحدود بالموت. ومع أنه حدثت بعدها محاولات لمهربي المخدرات فإنها جميعا باءت بالفشل، وذكرت قيادة الجيش الأردني بعد حادثة الرقبان أن قوات حرس الحدود تصدت وبقوة النيران لأكثر من محاولة تهريب مخدرات أو أسلحة أو عبور أشخاص لأن الأوامر التي صدرت للجنود منع أي كان وأي شيء الاقتراب من الحدود واعتباره «هدفًا غير صديق». وبهذا الإعلان يكون الأردن قد بدأ استراتيجية جديدة تتلخص بـ«الأمن أولا» على حساب كل شيء، من أجل إبعاد الإرهاب عن الداخل الأردني.
من ناحية ثانية، أبقى الأردن على علاقات دبلوماسية مع النظام وعلى مسافة واحدة مع المعارضة، إلا أن علاقته بالنظام كانت بعيدة عن الأضواء، وإذا كانت هناك اتصالات فإنها جرت وتجري عبر السفارة السورية في عمان وفي دائرة ضيقة. وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، إن الأردن لن يدعو الحكومة السورية - أي النظام - إلى المشاركة في القمة العربية المقرر عقدها في عمّان، يوم التاسع والعشرين من آذار (مارس) المقبل. وأضاف أن جامعة الدول العربية أصدرت قرارا بتعليق عضوية سوريا، في حين أشار إلى أن علاقات الأردن الدبلوماسية مع سوريا قائمة. وتابع أن ما تتعرض له المدن السورية من قصف عنيف «جريمة على جبين الإنسانية». وأردف: «هذا القتل لآلاف الأبرياء في سوريا يجعلنا ندفع لأن يكون هناك حل سياسي سريع»، مشيرا إلى «إننا نتحدث عن أزمة تداعياتها باتت تمس كل ركن دولي... وهناك حاجة لوجستية وأمنية لفتح معبر بين الأردن وسوريا».
وأكد في المقابل أن الأردن يدخل الحالات الإنسانية والطبية من مخيم الرقبان على الحدود الأردنية السورية، وأوضح أن «المملكة اتخذت إجراءات أمنية لا نستطيع الإفصاح عنها بخصوص إدخال المحتاجين وعندما تأتي مرحلة التأريخ، أيا كان مشربه السياسي، سيقدر لنا ما نقوم به»، مشيرا إلى أن «ما نقوم به عجزت عنه دول وقارات». ووصف الحدود الأردنية السورية بـ«المنطقة العسكرية المغلقة... ويتم التعامل معها على هذا الأساس»، وأضاف أن الأردن توافق مع منظمات الأمم المتحدة على عدة نقاط لإدخال المساعدات إلى سوريا، قائلا: «سبق وأدخلنا مساعدات الإنسانية والطبية والمياه منذ فترة، وجرى حديث عن إنشاء مراكز توزيع داخل سوريا من أجل توزيع المساعدات على السوريين العالقين في الأراضي السورية»، لكنه عاد واستدرك ليقول إن «الأمن الوطني يسمو على كل شيء، خاصة مع وجود عناصر إرهابية موجودة داخل المخيمات ولا نريد أن تتسلل إلينا». وعن حجم الدعم الدولي للمملكة على استضافتها اللاجئين قال إن هناك الـ38 في المائة من حجم الدعم المتراكم. ونحن نقوم بالعبء بالنيابة عن دول العالم.

قلق في 2017
في الحصيلة النهائية، فإن الأردن بدأ يعاني من أثر اللجوء السوري على اقتصاده وعلى طبيعة الحياة اليومية. ويقول وزير المالية الأردني عمر ملحس إن عام 2017 لن يكون سهلا، على الصعيد الاقتصادي، وإن الأردن جوبه بخذلان، إلى حد ما، من العالم على صعيد تغطية المتطلبات المالية، لمواجهة اللجوء السوري إلى الأردن. واعتبر ملحس أن الضغط الخارجي، جراء أزمات الإقليم، هو العنصر الأكثر صعوبة في إدارة الاقتصاد الأردني.
كلام الوزير ملحس أن عام 2017 ليس سهلا، وهناك قرارات مقبلة، غير مريحة، لا يعني أن العبء العام في الأردن تشكل بسبب تدفق السوريين وحده بل هو عبء قديم تزايدت حدته، عاما بعد عام. ولكن ربما أسهمت الأزمة السورية التي فتح الأردن أبوابه بوجهها، لاعتبارات إنسانية، في زيادة حدتها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.