علامات استفهام للجهات الرسمية الفرنسية حول استراتيجية النظام وداعميه في مرحلة «ما بعد حلب»

باريس «منفتحة» على مقترح موسكو لكنها متمسكة بمرجعية القرار 2254 وبيان جنيف

عسكريون موالون للنظام السوري على ظهر دبابة بجانب قافلة من الحافلات والمركبات التي تقل نازحين من أحياء حلب الشرقية بعد الطلب منها العودة من حيث أتت (رويترز)
عسكريون موالون للنظام السوري على ظهر دبابة بجانب قافلة من الحافلات والمركبات التي تقل نازحين من أحياء حلب الشرقية بعد الطلب منها العودة من حيث أتت (رويترز)
TT

علامات استفهام للجهات الرسمية الفرنسية حول استراتيجية النظام وداعميه في مرحلة «ما بعد حلب»

عسكريون موالون للنظام السوري على ظهر دبابة بجانب قافلة من الحافلات والمركبات التي تقل نازحين من أحياء حلب الشرقية بعد الطلب منها العودة من حيث أتت (رويترز)
عسكريون موالون للنظام السوري على ظهر دبابة بجانب قافلة من الحافلات والمركبات التي تقل نازحين من أحياء حلب الشرقية بعد الطلب منها العودة من حيث أتت (رويترز)

تنشط فرنسا في مجلس الأمن الدولي، حيث كانت الطرف الداعي للجلسة التي عقدها أمس، من أجل استصدار قرار جديد لمعالجة الوضع المأساوي، وهي تأمل - كما قال الرئيس فرنسوا هولاند - ألا يصطدم كبقية القرارات بحق النقض (الفيتو) الروسي لأنه يتناول حصرا المسائل الإنسانية.
باريس تريد من القرار المذكور، كما أفادت مصادرها الدبلوماسية، وكما جاء أيضا على لسان مندوبها الدائم في مجلس الأمن، بتحقيق ثلاثة أهداف: الأول، السماح لخروج من يرغب من المدنيين من أحياء شرق حلب بشكل آمن وتحت إشراف مراقبين دوليين لن يكونوا من «القبعات الزرقاء» بل من العناصر الدولية الموجودة ميدانيا مثل أفراد الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية. والهدف الثاني تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى الأحياء المذكورة دون عوائق. أما الهدف الثالث والأخير فهو توفير أمن هؤلاء الأفراد والبنى الصحية التي يشغلونها تداركا لتعرضها لعمليات قصف كما حصل في الماضي.
وتريد باريس من اجتماع مجلس الأمن هدفا آخر هو توضيح صورة ما يجري ميدانيا، وهو الوضع المشوب بالغموض حيث لا يعرف عدد الخارجين والأعداد المتبقية والحاجات الضرورية. وبكلام آخر، تريد باريس أن يكون المجلس على اطلاع على الأمور الميدانية من المصادر الأممية لتوفير الخطط الضرورية.
بيد أن الاهتمام بالوضع الإنساني لا يحيد الدبلوماسية الفرنسية عن تطورات الوضع العام لمرحلة ما بعد استعادة النظام السيطرة على حلب الشرقية. والسؤال الذي طرحته أمس المصادر الفرنسية يتناول استراتيجية النظام وداعميه الرئيسيين الروسي والإيراني المستقبلية.
وبحسب باريس، فإن الأمور لم تتوضح بعد بين تصريحات أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من اليابان التي اعتبر فيها أنه يتعين السير نحو هدنة شاملة تتبعها مفاوضات قد تجري مع «ممثلي المعارضة المسلحة بوساطة تركيا» في الآستانة عاصمة كازاخستان، من أجل التوصل إلى حل سياسي، وبين تصريحات النظام الذي يؤكد أنه يسعى للقضاء على «الإرهابيين» وإعادة فرض سيطرته على أنحاء سوريا.
وتعتبر الدبلوماسية الفرنسية أن أمام النظام ومن يدعمه عدة خيارات، منها مثلا: السعي للتخلص في مرحلة أولى من «جيوب» المعارضة في منطقة دمشق، والسيطرة على إدلب لوضع اليد على «سوريا المفيدة» على أن يوفر له ذلك إمكانية التوصل إلى «سلام» مع الجهات المعارضة التي يقبل بها. لكن هذا الخيار، بحسب باريس لن يفضي إلى السلام الحقيقي بل سينتج عنه انقسام سوريا بحيث يكون قسم منها بيد النظام والقسم الآخر بيد «داعش». كذلك فإن سلاما من هذا النوع لن يعيد اللاجئين والمهجرين إلى سوريا ولن يوفر إعادة الإعمار وسيكون عبئا على روسيا وإيران.
أما المسار الآخر الذي تدعو إليه باريس فهو المستوحى من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 ومن بيان جنيف، الذي على أساسه تجري عملية انتقال سياسي جدية، رغم اعتراف فرنسا بأن المعارضة المعتدلة والهيئة العليا للمفاوضات قد ضعفت وأن التراجع العسكري والميداني يضعف مواقعها التفاوضية.
وردا على الحجة القائلة إن النظام الذي يستشعر اليوم القوة والقدرة على الحسم لن يعطي المعارضة اليوم ما رفض إعطاءه بالأمس عندما كان ضعيفا، فإن باريس تعتبر أن هذا السلام هو الوحيد الذي من شأنه قلب صفحة الحرب في سوريا، وأن مصلحة روسيا التي لها حساباتها ومصالحها هو الدفع باتجاه هذا السلام.
لكن باريس لا تغلق الباب أمام العرض الروسي الذي قدمه بوتين، لكنها بالمقابل تريد ضمانات حول أطر المحادثات التي تريد موسكو الإشراف عليها مع أنقره. وتريد كذلك التأكد من أن النظام لن يحاور «المعارضة المزيفة» ويترك جانبا المعارضة المعتدلة التي ترى فرنسا أنها الوحيدة التي قدمت خططا للمستقبل وطرحت تصورات لسوريا الغد.
وفي أي حال، فإن مرجعية المفاوضات، سواء أجريت في الآستانة أو جنيف أو غيرهما، هي نفسها بالنسبة لفرنسا؛ أي القرار 2254، الذي «صوتت روسيا لصالحه في مجلس الأمن»، وكذلك بيان جنيف الذي وافقت عليه أيضا. وباختصار، فإن باريس «منفتحة» على مقترح موسكو، بيد أنها تريد توضيحات وضمانات. ولا شك أن هذا الموقف سيحظى منطقيا بدعم الأطراف الغربية الداعمة للمعارضة السورية.
تبقى في الأفق علامة استفهام رئيسية، وهي تتناول السياسة التي ستتبعها الإدارة الأميركية الجديدة إزاء الملف السوري. وبحسب باريس، فإن المشاورات التي أجرتها مع مقربين من الرئيس المنتخب دونالد ترامب بينت أن لا مواقف مسبقة لها من الملف المذكور، والأمر الوحيد الواضح هو الموقف المتشدد من إيران. ولذا فالتساؤل الذي تطرحه الدبلوماسية الفرنسية يتناول كيفية توفيق الإدارة الجديدة بين رغبتها في التقارب مع روسيا في الملف السوري و«عدائها» لطهران، علما بأن التنسيق قائم وقوي بين موسكو وطهران.
من هذه الزاوية، تبدو الأمور «مفتوحة» على العديد من الاحتمالات. لكن علامات الاستفهام ستتضاءل بعد أن يتبين ما يريد النظام القيام به بعد حلب، وكذلك ما يريد داعموه، وتحديدا روسيا، التي لا يستبعد أن تسعى «لاستثمار» إنجاز حلب، الذي لا يعني بأي حال أن الحرب قد انتهت، من أجل «تحسين شروط التفاوض» لها وللنظام معا.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.