شخص يرتدي معطفا ويخفي شعره وراء كارثة «الكاتدرائية» المصرية

الطفلة سوسنة تروي لـ «الشرق الأوسط» أحداث الأحد الحزين

وزير الدفاع المصري أثناء زيارته للضحايا أمس في مجمع الجلاء الطبي التابع للقوات المسلحة المصرية  وفي الاطار ساعة في الكنيسة متهشمة بعد حادث الانفجار
وزير الدفاع المصري أثناء زيارته للضحايا أمس في مجمع الجلاء الطبي التابع للقوات المسلحة المصرية وفي الاطار ساعة في الكنيسة متهشمة بعد حادث الانفجار
TT

شخص يرتدي معطفا ويخفي شعره وراء كارثة «الكاتدرائية» المصرية

وزير الدفاع المصري أثناء زيارته للضحايا أمس في مجمع الجلاء الطبي التابع للقوات المسلحة المصرية  وفي الاطار ساعة في الكنيسة متهشمة بعد حادث الانفجار
وزير الدفاع المصري أثناء زيارته للضحايا أمس في مجمع الجلاء الطبي التابع للقوات المسلحة المصرية وفي الاطار ساعة في الكنيسة متهشمة بعد حادث الانفجار

استيقظت الطفلة سوسنة بولس (10 سنوات) مبكرا يوم الأحد الماضي، فاليوم عطلة رسمية من الدراسة، وستتمكن من الذهاب مع والدها كاهن الكنيسة البطرسية بالعباسية، وسط العاصمة المصرية القاهرة، لحضور قداس الأحد.
ارتدت سوسنة ملابسها بسرعة وهي تحث والدها على النزول بسرعة، جاذبة إياه من ملابسه نحو باب المنزل، ليصلا إلى الكنيسة في التاسعة صباحا، فالقداس يبدأ في التاسعة والنصف، ويستمر نحو الساعة.
ما إن عبرت سوسنة الباب الخارجي للكنيسة حتى أسرعت لتحتل مكانها مع والدتها في صفوف السيدات بقاعة الكنيسة الرئيسية ليبدأ والدها صلاة القداس، وتستمتع بصوته وهو يتلو آيات الإنجيل والصلوات المسيحية باللغة القبطية القديمة، وتنهمك هي في الصلاة، مرددة كيرياليسون (يا رب ارحم باللغة القبطية) حتى حانت منها التفاتة نحو الساعة الكبيرة المعلقة على الحائط لتجد أن عقاربها تشير إلى العاشرة إلا بضع دقائق، لتهبط بعينها على شخص يرتدي معطفا ثقيلا ويخفي شعره بغطاء للرأس وقبل أن تلفت نظر والدتها إلى أن الرجل دخل في المكان المخصص للسيدات، نظر الرجل شاخصا إليها ثم وضع الرجل الذي تصفه سوسنة بـ«صاحب الوجه الأسود» يديه في جيبه، ليدوي انفجار ضخم ويتحول بعدها الرجل إلى أشلاء، وتشاهده الطفلة وتسقط على الأرض.
دقائق مرت على سوسنة وهي ملقاة على الأرض تعي ما حولها لكنها عاجزة عن الحركة، حتى حملها أحدهم إلى مستشفى الدمرداش الملاصق للكنيسة، وهناك أجريت لها عدة عمليات جراحية وما زالت تخضع للعلاج في غرفة الرعاية المركزة بالمستشفى حتى الآن.
التقرير الطبي يشير إلى أن سوسنة مصابة بتهتك في الطحال جراء الموجة الانفجارية مما استدعى استئصاله، إضافة إلى بعض الجروح السطحية في الجسد.
وتعد سوسنة شاهدا رئيسيا في القضية لكونها من القلائل الذين رأوا منفذ العملية ولم تكن الطفلة الوحيدة بين ضحايا الحادث الإرهابي، فماجي مؤمن (10 سنوات) ودميانة مجدي (8 سنوات) طفلتان تصارعان الموت حاليا جراء إصابتهما بجراح خطيرة في الحادث.
ماجي مصابة بشظية في المخ وتهتك في الرئة، وتتلقى العلاج في مستشفى الجلاء للقوات المسلحة، بينما دميانة مصابة بشظايا وتهتك في البطن، وتتلقى العلاج في المستشفى نفسه.
والد ماجي ووالدتها في حالة نفسية صعبة، بسبب شائعات ترددت كثيرا عن وفاتها، ورفضا الحديث لـ«الشرق الأوسط» واكتفيا بالقول: «ربنا موجود»، مطالبين الجميع بالتوقف عن تداول خبر وفاة الطفلة حيث يتلقيان اتصالات هاتفية من الأهل والأصدقاء تعزيهما في ابنتهما التي لا تزال على قيد الحياة، فيما قال ثروت عجايبي عم الطفلة دميانة في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تحتاج للدعاء، لتتجاوز ظروفها الصحية الصعبة».
ووجه الشكر لأجهزة الدولة المصرية، على اهتمامها بالمصابين، مشيرا إلى أن الفريق صدقي صبحي، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري، زارهم أمس (الأربعاء) في المستشفى، وأكد أن «أجهزة الدولة ستقوم باستئصال سرطان الإرهاب بالكامل من المجتمع المصري في القريب العاجل».
وأضاف عجايبي: «نحن لسنا أقل من أي مصري ضحى بأبنائه من أجل الوطن، ولكن المحزن تعرض الأطفال لهذا العنف ومشاهد الدماء». وقال بحماس ووطنية طاغية: «أنا مقيم بالنمسا منذ 24 عاما وسافرت لكثير من الدول الأوروبية وأعلم جيدا أن الإرهاب موجود في كل بلد». لقد فقدت دميانة وإخوتها جدتهم لأمهم لكن الأسرة في حالة تماسك وإيمان بقضاء الله.
ويقول عجايبي بثقة: «الشرطة المصرية توصلت للجناة في وقت قياسي»، مضيفا: «لا يوجد تقصير أمني وكاميرات المراقبة بالكنيسة سجلت كل شيء». وقال ساخرا: «جميعنا نعلم أن من كانوا أمام الكنيسة يحملون الأسلحة ويعتدون على الناس والإعلاميين ليسوا منا... نعلم أنهم مأجورون يريدون إشاعة الخراب والدمار». ويستنكر عجايبي ما تبثه قنوات الإعلام الغربي قائلا: «تحدثت لقناة ألمانية، أول من أمس، وفوجئت باقتطاع كلامي وتحويره ليبدو من السياق أن الحادث طائفي وليس إرهابيا».
القس أنطونيوس منير، كبير كهنة الكنيسة البطرسية، فجر مفاجأة حين أعلن أن الإرهابي الانتحاري «زار الكنيسة ليلة الحادث، وطلب من البعض هناك كتبا عن الديانة المسيحية لأنه يريد أن يعرف معلومات عنها، فأخبروه أن الكنيسة مغلقة لأن الساعة تجاوزت الحادية عشرة مساء، وطلبوا منه العودة في اليوم التالي في العاشرة صباحا لمقابلة المسؤول عن مكتبة الكنيسة، وهو ما فعله لكنه عاد مرتديا حزاما ناسفا لينسف المكان بمن فيه من أرواح بريئة».
القاعة الرئيسية في الكنيسة الأثرية التي بنيت عام 1911 تعرضت لدمار بالغ، فأماكن الجلوس كلها باتت حطاما، وزجاج النوافذ تحول إلى شظايا، الدماء في كل مكان، ووصلت الشظايا إلى مدخل القبر المدفون فيه الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الذي بنت أسرته الكنيسة.
وعلى بعد أمتار من القاعة التي شهدت الانفجار، أقامت الكنيسة مساء الثلاثاء عزاء مجمعا لضحايا الحادث، حضره مئات من المصريين، من المسلمين والمسيحيين، وكان لافتا حضور شيخ مسلم بعمامته الأزهرية الحمراء، فهو جار لإحدى ضحايا الحادث وجاء ليعزي أسرتها الذين استقبلوه بالأحضان شاكرين حضوره. حالة من الوجوم عمت العزاء ليس حزنا على الضحايا ولكن على مصير الأسر التي فقدت الحضن الدافئ لها والأمهات اللاتي رحلن تاركات أطفالهن يواجهون مصاعب الحياة.
سرادق العزاء كان خير شاهد على حالة الحزن التي عمت البيوت المصرية، حيث وقفت السيدات المسلمات يشددن من أزر جاراتهن المسيحيات وتبدو عليهن علامات الصدمة والألم.
مارلين عماد، مدرسة في إحدى المدارس بالقاهرة، جلست في العزاء تبكي والدتها أنجيل نور، التي قضت في الحادث، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «ماذا فعلت والدتي لتموت بهذا الشكل؟»، مضيفة «هاتفتني صباح الأحد الماضي لتدعوني إلى الغداء عندها مع أسرتي باعتبار اليوم عطلة رسمية، لم أكن أدري أنها المكالمة الأخيرة».
وتضيف: «عرفت بالحادث من التلفزيون ولما كنت أعلم أنها في الكنيسة البطرسية توجهت مسرعة إلى هناك، لأجدها وقد نقلت إلى مستشفى الدمرداش، حيث أخبرني الأطباء أن حالتها صعبة وتحتاج إلى معجزة، وظلت يومين في الرعاية المركزة حتى توفيت».
مارلين تقول وهي تغالب دموعها: «أصدقائي المسلمون كانوا أول من واسوني... أعتقد أن من فعل هذا ليس بمسلم ولا إنسان أصلا، لماذا يحرموننا من أحبائنا؟».
إلى جوار مارلين كانت سيدة تتشح بالسواد تبكي دون صوت لكن نظراتها الذاهلة كانت لافتة. إنها أم فقد ابنتيها مارينا فهيم (20 عاما) وفيردينا فهيم (18 عاما) في الحادث. هول الصدمة أخرس والدة مارينا وفيردينا فلم تكن تتكلم مع أحد، لكن ميريت ناجي إحدى قريباتها قالت لـ«الشرق الأوسط»: «ما حدث كان كابوسا، لا يمكن لأحد أن يتخيل شعور أم ودعت ابنتيها الذاهبتين للصلاة في الكنيسة فعادتا إليها جثتين هامدتين».
وتضيف: «كانت مارينا وفيردينا مواظبتين على الذهاب للكنيسة، وهما من الفتيات المبتسمات دائما وكانتا دائما تتطوعان للخدمة، نحن رغم حزننا البالغ، نقول هنيئا لهما بتلك الميتة، وبدلا من أن تفرح أمهما بزفافهما، شيعت جنازتهما».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.