تسلح روسيا والجوار مصدر قلق على الجبهتين الشرقية والغربية

صواريخها تقلق طوكيو.. وأوروبا تريد معاهدة جديدة للأسلحة التقليدية

برج مراقبة روسي على جزيرة كونرشيل إحدى جزر الكوريل المتنازع عليها مع اليابان (أ.ب)
برج مراقبة روسي على جزيرة كونرشيل إحدى جزر الكوريل المتنازع عليها مع اليابان (أ.ب)
TT

تسلح روسيا والجوار مصدر قلق على الجبهتين الشرقية والغربية

برج مراقبة روسي على جزيرة كونرشيل إحدى جزر الكوريل المتنازع عليها مع اليابان (أ.ب)
برج مراقبة روسي على جزيرة كونرشيل إحدى جزر الكوريل المتنازع عليها مع اليابان (أ.ب)

كشفت روسيا عن نشرها مؤخرًا منظومات صاروخية مضادة للقطع البحرية على جزر الكوريل المتنازع عليها مع اليابان، الأمر الذي أثار حفيظة طوكيو في وقت تجري فيه التحضيرات لزيارة سيجريها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى هناك منتصف ديسمبر (كانون الأول) القادم. ويأتي هذا التعقيد في العلاقات بين روسيا وجارتها من جهة أقصى الشرق، في وقت يخيم فيه التوتر على علاقاتها مع جوارها غربا، أي دول الاتحاد الأوروبي، على خلفية تعزيز روسيا لتواجدها العسكري في الأجزاء الغربية من البلاد ردا على نشر الناتو وحدات عسكرية إضافية في جمهوريات البلطيق وبعض دول أوروبا الشرقية.
وقد دفع هذا الأمر وزير الخارجية الألمانية فرانك فالتير شتينماير إلى طرح مبادرة حول ضرورة التوصل لمعاهدة جديدة مع روسيا في مجال الأسلحة التقليدية، لضبط الأمور والحيلولة دون سباق تسلح جديد في العالم.
وكانت الصحيفة الرسمية لأسطول المحيط الهادئ في القوات الروسية قد نشرت مطلع الأسبوع خبرا قالت فيه إن وزارة الدفاع الروسية قامت بنشر منظومات صواريخ «بال» و«باستيون» المضادة للأهداف العائمة على جزيرتي كوناشير وإتروب من جزر الكوريل المتنازع عليها مع اليابان. وفي توضيحها لتلك الخطوة، قالت ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، إن الهدف من نشر تلك المنظومات هو «العمل بشكل متواصل على تعزيز الأمن القومي»، مؤكدة أن الخطوة «جاءت بصورة حصرية ضمن هذا النهج».
من جانبه قال ديمتري بيسكوف المتحدث الصحافي باسم الكرملين إن نشر تلك المنظومات خطوة مبررة، مشددًا على ضرورة ألا يؤثر هذا الأمر «على المساعي الحالية في العلاقات الثنائية مع طوكيو فيما يخص التحضير الدقيق للزيارة التي سيجريها الرئيس بوتين إلى اليابان منتصف ديسمبر (كانون الأول)، واستمرار الاتصالات الثنائية في مجال تطوير العلاقات الثنائية لا سيما الاقتصادية، والتوصل إلى اتفاقية سلام» حسب قول بيسكوف.
إلا أن تلك التصريحات لم تخفف من مصادر قلق الجانب الياباني، إذ أكد رئيس الوزراء شينزو آبي أن بلاده «نقلت للجانب الروسي عبر القنوات الدبلوماسية أسفها، (ووجهة نظرها) بأن نشر تلك المنظومات لا يناسب الموقف الياباني». ويوم أمس قال وزير الخارجية الياباني فوميو كوشيدو إن بلاده احتجت لدى روسيا على نشر تلك الصواريخ في جزر الكوريل. أما وزيرة الدفاع توميمي إينادا، فقد رأت أن روسيا نشرت تلك المنظومات بهدف ضمان نشاط غواصاتها النووية في المنطقة، لافتة إلا أن تلك الصواريخ تغطي المنطقة من بحر آخوتسك الممتدة حتى الأجزاء الشمالية من جزيرة هوكويدو اليابانية. إلا أنه ورغم استياء القيادات في طوكيو من تلك الخطوة الروسية فإن الجانب الياباني يرى أنها لن تؤثر على برنامج الاتصالات الثنائية وزيارة بوتين المرتقبة إلى طوكيو.
وكان الرئيس بوتين قد أجرى جولة محادثات مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يوم التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) على هامش قمة مجموعة آسيا - المحيط الهادئ في البيرو، تناولا خلالها مسألة النزاع حول جزر الكوريل وتوقيع اتفاقية سلام بين البلدين. وتجدر الإشارة إلى أن موسكو وطوكيو تجريان منذ منتصف القرن الماضي محادثات حول توقيع اتفاقية سلام، علما بأن الاتحاد السوفياتي واليابان كانا قد وقعا بعد الحرب العالمية بيانا حول إنهاء حالة الحرب بين البلدين وذلك عام 1956، إلا أنهما لم توقعا اتفاقية سلام، والسبب في ذلك الخلاف بينهما حول جزر الكوريل التي تم ضمها في ختام الحرب العالمية الثانية إلى الاتحاد السوفياتي، وما زالت اليابان تعلن حقها على الجزء الجنوبي من تلك الجزر. وفي الوقت الراهن تستمر المحادثات بين الجانبين بهذا الخصوص، مع إظهار حرص بمواصلة العمل سياسيا ودبلوماسيا على التوصل لمخرج من الأزمة. إلا أن نشر روسيا لمزيد من أسلحتها على مقربة من اليابان قد يؤدي إلى خطوات مماثلة على الطرف الآخر، وربما يؤدي إلى انطلاق سباق تسلح جديد في منطقة الشرق الأقصى.
في شأن متصل لكن على الجهة المقابلة من الحدود الروسية، أي غربا، أعلن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتير شتاينماير أن 15 دولة عضوًا في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي أعربت عن دعمها لمبادرة برلين بخصوص استئناف المحادثات مع روسيا حول اتفاقية الأسلحة التقليدية في أوروبا. وفي تصريحات لصحيفة «داي فيلت» الألمانية شدد شتاينماير على ضرورة التوصل لتلك الاتفاقية، موضحا أن «أوروبا تواجه التهديد حاليا»، واصفا بعد ذلك ما قامت به روسيا من ضم لشبه جزيرة القرم وسياستها في جنوب شرقي أوكرانيا بأنها عوامل عدم استقرار في المنطقة. وعليه يرى الوزير الألماني أن الرقابة المشتركة على التسلح يمكن أن تشكل «وسيلة لتقليص المخاطر وإعادة الثقة بين الأطراف»، محذرا من أن سباق التسلح الذي قد يبدأ على خلفية الوضع في أوكرانيا، قد يخلق المزيد من التهديدات ويقوض نهائيا الثقة بين موسكو والغرب، داعيا إلى ضرورة الحوار مع موسكو حول هذه القضايا على أن يجري النقاش بشأن معاهدة جديدة للأسلحة التقليدية في إطار منظمة الأمن والتعاون وعلى مستوى لقاء وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة.
وتجدر الإشارة إلى أن انتشار القوات العسكرية على طرفي الحدود داخل روسيا وفي دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في حلف الناتو لا يخضع اليوم لأي ضوابط قانونية، ذلك أن معاهدة الأسلحة التقليدية المبرمة عام 1990 بين دول الناتو ودول حلف وارسو، باتا بحكم المنتهية صلاحياتها بعد انضمام عدد من دول حلف وارسو إلى حلف الناتو، وهو ما أدى إلى خلل بموازين القوى التقليدية في المنطقة. وقد جرى تعديل المعاهدة عام 1999، إلا أن العمل بها لم يبدأ فعليا، حيث تصر روسيا على تنفيذ جميع الأطراف للنص المعدل للاتفاقية، بينما تواصل بعض الدول رفضها توقيع ذلك النص إلى أن تنسحب روسيا من جورجيا (أبخازيا التي انفصلت عن جورجيا) وبريدنيستروفيا في مولدوفا. وكانت روسيا قد جمدت التزامها بنص الاتفاقية عام 2007 إلا أنها بقيت عضوا موقعا عليها، وفي عام 2015 أعلنت تعليق مشاركتها في المجموعة الاستشارية لمراقبة تلك الاتفاقية، احتجاجا على عدم تحقيق أي تقدم بشأن صياغة معاهدة جديدة تتناسب مع الواقع السياسي - والعسكري لما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وعلى استمرار الناتو بنشر المزيد من وحداته العسكرية على مقربة من الحدود الروسية.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».