أنقرة ترعى اليوم اجتماعًا للفصائل السورية مع قادة روس لإنقاذ «خطة حلب»

جبهة النصرة مترددة في قبول أو رفض الخروج من حلب

بائع متجول تبدو عليه آثار القصف على القسم المحاصر من حلب قرب عربته أمس (رويترز)
بائع متجول تبدو عليه آثار القصف على القسم المحاصر من حلب قرب عربته أمس (رويترز)
TT

أنقرة ترعى اليوم اجتماعًا للفصائل السورية مع قادة روس لإنقاذ «خطة حلب»

بائع متجول تبدو عليه آثار القصف على القسم المحاصر من حلب قرب عربته أمس (رويترز)
بائع متجول تبدو عليه آثار القصف على القسم المحاصر من حلب قرب عربته أمس (رويترز)

أكدت مصادر سورية معارضة لـ«الشرق الأوسط» أن المبادرة التركية – الروسية بشأن حلب لم تسقط بعد، محذرة من محاولات موسكو «المراوغة وكسب الوقت» للتهرب من تعهداتها السابقة بشأن موافقتها على إدارة ذاتية للشطر الشرقي الذي يحاصره النظام السوري في مدينة حلب، فيما استمر النظام السوري وحلفاؤه في محاولات تضييق الخناق على أحياء حلب الشرقية المحاصرة، ويواصلون شنّ هجماتهم عبر محاور عدّة، تحت غطاء جوي للطائرات الروسية، بينما عبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، عن قلقه من «احتمال إطباق بشار الأسد بشكل وحشي وعدواني على شرق حلب وسحقها، قبل تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 من يناير (كانون الثاني) المقبل».
وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن مباحثات لا تزال تجري بين الأتراك وفصائل المعارضة من أجل الخروج بنتائج إيجابية في ما يتعلق بوضع حلب، بعدما شعرت الأطراف السورية بوجود محاولات روسية للمراوغة وكسب الوقت في ما يخص تعهداتها بإجبار النظام على القبول بإدارة ذاتية للمناطق المحاصرة، مقابل خروج عناصر جبهة النصرة (فتح الشام حاليًا) من المدينة المحاصرة. وكشفت المصادر عن وجود اتصالات تقوم بها أطراف معارضة، بـ«النصرة»، لكنها لم تحصل على إجابات بعد بشأن الموافقة على الخروج من حلب. وقالت المصادر إن لدى الجبهة تساؤلات كثيرة، ولم يتضح موقفها النهائي بعد.
وفي المقابل، كشفت مصادر تركية النقاب عن اجتماعات برعاية تركية ستعقد اليوم في أنقرة، يشارك فيها ممثلون لفصائل المعارضة ومسؤولون روس. ورفضت المصادر التوضيح ما إذا كانت الاجتماعات ستكون مباشرة، أم بالواسطة، لكنها أكدت أن هذه الاجتماعات ستكون حاسمة لجهة تحديد مسار التطورات المقبلة، ومصير المبادرة التي تقول المصادر التركية إنها «أفكار» يتم التداول بها.
وفيما كانت الاستعدادات تجري للقاء، كانت موسكو تفاوض بالنار، بزيادة ضغطها على حلب الشرقية، حيث قصفت طائراتها أمس عددًا من الأحياء، فيما أفادت تقارير عن إلقاء مروحيات النظام براميل متفجرة تحتوي على غاز الكلور على حي هنانو، ما أدى إلى مقتل عشرة مدنيين. وكشف الناشط المعارض في حلب الشرقية عبد القادر علاف لـ«الشرق الأوسط»، أن الطائرات الروسية «أمطرت أحياء حلب الشرقية بالصواريخ الفراغية ذات التأثير التدميري الهائل». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «الطائرات المروحية التابعة للنظام، ألقت براميل متفجرة على شرق مساكن هنانو التي يحاول اقتحامها والسيطرة عليها»، مشيرًا إلى أن هذه البراميل «تحوي غاز الكلور، ما أدى إلى (استشهاد) 10 مدنيين على الأقل». وأكد علاف أن «المباني التي دخلتها قوات النظام ومرتزقته في حي الشيخ سعيد أخرج منها اليوم (أمس)، بعد أن تكبّد 25 قتيلاً». وقال: «رغم التدمير الروسي ورسائل دي ميستورا السلبية، فإن معنويات الثوار مرتفعة جدًا».
من جهته، قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إنه قلق من «احتمال أن يشن رئيس النظام السوري هجومًا جديدًا لسحق شرق حلب قبل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في 20 من يناير المقبل». ولم يوضح دي ميستورا في تصريحه سبب اعتقاده بأن الأسد قد يقدم على مثل هذه الخطوة. لكن دبلوماسيين أوروبيين قالوا إن الأسد «قد يشجعه تعهد ترامب بتعزيز العلاقات مع روسيا، وأن من المستبعد أن ترد الحكومة الأميركية الحالية مع قرب نهاية ولايتها».
وقال دي ميستورا لمجموعة من المشرعين الديمقراطيين الاشتراكيين: «أشعر بقلق بالغ بشأن ما يمكن أن يحدث قبل 20 يناير». وأضاف: «نحن قلقون للغاية من احتمال إطباق الأسد بشكل وحشي وعدواني على ما بقي من شرق حلب، قد يكون ذلك مأساويًا. قد يصبح فوكوفار جديدة».
وانضم إلى دي ميستورا وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، في الدعوة إلى «التوقف عن قصف المدنيين في سوريا وإلى حل سياسي للصراع». وقال الوزير الألماني، إن «تحركات الحكومة السورية لتصعيد الصراع العسكري قد يكون لها عواقب مأساوية على 275 ألف مدني لا يزالون في الجزء الشرقي من حلب». وقارن ذلك بحصار القوات الصربية لمدينة فوكوفار الكرواتية على مدى 87 يومًا في عام 1991. وأشار شتاينماير إلى محادثات بشأن توصيل إمدادات إنسانية إلى حلب عبر تركيا. وقال إنه «لا يوجد ما يضمن نجاح تلك المساعي».
واتهمت قوات النظام الفصائل المسلّحة بـ«منع 250 مدنيًا من مغادرة الأحياء الشرقية المحاصرة». وقالت إنهم «تعرضوا لإطلاق نار من قبل المسلحين، الذين اتخذوا منهم دروعًا بشرية». إلا أن أحد مسؤولي «حركة نور الدين الزنكي» نفى في تصريح لوكالة «الصحافة الفرنسية» أي محاولة لمنع المدنيين من المغادرة. وقال: «هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة، لكن النظام يحاول بشتى الوسائل نشر الشائعات للإساءة إلى تصميم الثوار ومؤيديهم من سكان حلب».
ووصفت منظمة «سايف ذا تشيلدرن» الدولية غير الحكومية أمس الأربعاء، استمرار معاناة الأطفال وموتهم في مدينة حلب السورية، بأنه «فضيحة من الناحية الأخلاقية». وقالت سونيا خوش، مديرة المنظمة في سوريا، إن «الأطفال وعمال الإغاثة يتعرضون للقصف خلال وجودهم في المدرسة، أو خلال سعيهم لتلقي علاج في المستشفيات التي تستهدفها هجمات أيضًا». واعتبرت أن «استمرار ارتفاع عدد الأطفال الذين يموتون في حلب هو فضيحة من الناحية الأخلاقية، وهذا لا يمكن إلا أن يتعاظم، نظرًا إلى محدودية الإجراءات المتخذة لوقف القصف».
وتضررت المرافق الطبية النادرة التي كانت لا تزال توفر الرعاية في الأيام الماضية، جراء ضربات شنتها قوات النظام السوري. وأكدت منظمة الصحة العالمية أنه «لم يعد هناك أي مستشفى في الخدمة حاليًا في شرق حلب الذي تحاصره قوات النظام منذ يوليو (تموز)، ويعيش فيه نحو 250 ألف شخص».
ورأى عبد القادر علاف، أن ما تضمنه تقرير المنظمة «مجرد عينة مما يعانيه أطفال حلب». وأوضح أن هناك «منظمات إنسانية تعمل على الأرض وداخل أحياء حلب الشرقية، فقدت عددًا من موظفيها الذين قتلوا بالقصف الروسي»، لافتًا إلى أن «كل المنظمات غير الحكومية تعاين التدمير وترفع تقارير مماثلة، لكن نداءاتها لا تخترق آذان قادة العالم الذين يتآمرون على أطفال حلب».
وأشارت منظمة «سايف ذا تشيلدرن» إلى أن «الدروس في 13 مدرسة أخرى في شرق حلب تم تعليقها بسبب الضربات العنيفة». ونددت أيضًا بـ«هجوم شنته فصائل معارضة على مدرسة في غرب حلب الأحد، أودى بحياة 8 أطفال على الأقل». وقالت إن هذا الهجوم «يظهر أنه ليس هناك أي مكان آمن للأطفال في هذا النزاع».



«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
TT

«قسد»: تأجيل زيارة عبدي إلى دمشق «لأسباب تقنية»

الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)
الرئيس السوري أحمد الشرع (على اليمين) يصافح مظلوم عبدي قائد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد في العاصمة السورية دمشق 10 مارس 2025 (سانا)

قال فرهاد شامي، مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، اليوم الاثنين، إنه كان من المقرر أن يقوم قائد «قسد» مظلوم عبدي والوفد المفاوض لشمال وشرق سوريا، بزيارة لدمشق، اليوم، إلا أن الزيارة تأجلت «لأسباب تقنية».

وأضاف، عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه سيجري تحديد موعد جديد لزيارة قائد «قسد» مظلوم عبدي لدمشق، في وقت لاحق يجري الاتفاق عليه بالتوافق بين الأطراف المعنية.

وأكد أن تأجيل زيارة عبدي لدمشق في إطار ترتيبات لوجستية وفنية، ولم يطرأ أي تغيير على مسار التواصل أو الأهداف المطروحة.

كان التلفزيون السوري قد أفاد، الجمعة، بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من قوات سوريا الديمقراطية «قسد» على حاجز أمني في مدينة حلب، في حين ذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الجيش أسقط مُسيّرات أطلقتها «قسد» باتجاه مواقع تابعة له في سد تشرين، بريف حلب الشرقي.

وأوضح التلفزيون أن عناصر «قسد» المتمركزين في حي الأشرفية بحلب يطلقون النار على عناصر الأمن الداخلي الموجودين عند حاجز دوار شيحان.

لكن «قسد»، من جهتها، أكدت أن فصائل تابعة لحكومة دمشق أطلقت قذيفتين صاروخيتين على قواتها، ما أجبرها على الرد.

وفي وقت لاحق، قالت «قسد» إن الفصائل التابعة للحكومة السورية شنّت «هجوماً عنيفاً باستخدام الرشاشات الثقيلة والمدفعية» على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ووصفت الهجوم بأنه «اعتداء سافر يهدد أمن المدنيين ويُنذر بتداعيات خطيرة».


الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
TT

الحوثي: أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال يُعتبر «هدفاً عسكرياً»

عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)
عناصر حوثيون يستمعون إلى زعيمهم عبد الملك الحوثي بقاعة في صنعاء عبر البث التلفزيوني (أ.ف.ب)

حذّر زعيم جماعة «الحوثي» عبد الملك الحوثي، يوم الأحد، من أن أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال سيكون «هدفاً عسكرياً»، في آخر إدانة للتحرّك الإسرائيلي للاعتراف بالإقليم الانفصالي.

وقال الحوثي، في بيان، إن جماعته تعتبر «أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال هدفا عسكرياً لقواتنا المسلحة، باعتباره عدواناً على الصومال وعلى اليمن، وتهديداً لأمن المنطقة»، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

واعترفت إسرائيل، الجمعة، رسمياً، بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة، في قرار لم يسبقها إليه أحد منذ إعلان الأخيرة انفصالها عن الصومال عام 1991.

وتقع أرض الصومال التي تبلغ مساحتها 175 ألف كيلومتر مربع، في الطرف الشمالي الغربي من الصومال. وأعلنت استقلالها من جانب واحد، في عام 1991، بينما كانت جمهورية الصومال تتخبّط في الفوضى عقب سقوط النظام العسكري للحاكم سياد بري. ولأرض الصومال عملتها الخاصة وجيشها وجهاز شرطة تابع لها.


«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
TT

«الانتقالي» على حافة الاختبار... هل يحفظ مكاسبه أو يتهيأ للاصطدام الكبير؟

مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)
مسلح في عدن من أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن (أ.ف.ب)

تشهد المناطق الشرقية من اليمن، وتحديداً في حضرموت، مرحلة حساسة من إعادة ضبط التوازنات داخل معسكر «الشرعية»، على وقع التصعيد العسكري الأحادي الذي نفذه المجلس الانتقالي الجنوبي، وما يقابله من رفض إقليمي ودولي؛ إذ قال مراقبون إنه لا يمكن السماح بفرض أمر واقع عن طريق القوة المسلحة مهما كانت المزاعم أو المبررات.

وبحسب المراقبين، فإن ما يجري ليس تفصيلاً محلياً عابراً، يمكن التغاضي عنه سواء من قبل «الشرعية» اليمنية أو من قبل الداعمين لها، بل اختبار سياسي وأمني متعدد الأبعاد، تتقاطع فيه حسابات الداخل الجنوبي نفسه، ومسار الحرب مع الحوثيين، وخيارات السلام الإقليمي.

وحتى الآن، يظهر سلوك المجلس الانتقالي أقرب إلى المناورة تحت الضغط منه إلى التحدي المباشر. فاللغة المستخدمة في بياناته الأخيرة - التي تمزج بين التبرير السياسي والتحركات العسكرية، وبين الحديث عن «التنسيق» و«تفهّم الهواجس» - تعكس إدراكاً متزايداً بأن مساحة المناورة تضيق بسرعة. لكن لا بد من التقاط القرار الصائب.

كما يشار إلى أن تحذيرات السعودية التي تقود «تحالف دعم الشرعية» في اليمن لم تكن عابرة أو قابلة للتأويل، بل جاءت متزامنة ومتدرجة، وانتقلت من مستوى التنبيه السياسي إلى الردع التحذيري الميداني من خلال ضربة جوية في حضرموت.

عناصر من المجلس الانتقالي الجنوبي يرفعون صورة زعيمهم عيدروس الزبيدي (إ.ب.أ)

هذا التحول في اللهجة يعني عملياً أن هناك قراراً واضحاً بمنع انتقال حضرموت والمهرة إلى مسرح صراع داخلي، أو إلى ساحة لفرض مشاريع جزئية بالقوة.

وربما يدرك المجلس الانتقالي وناصحوه معاً، أن تجاهل هذه الرسائل يضعه في مواجهة مباشرة مع الطرف الإقليمي الأثقل وزناً في الملف اليمني، وهو السعودية قائدة «تحالف دعم الشرعية»، وهو صدام لا يملك المجلس أدوات تحمّله، لا سياسياً ولا عسكرياً.

لذلك، يُنصح «الانتقالي» من قبل مراقبين للشأن اليمني بأن يتعامل مع التحذيرات بجدية، وعدم الركون إلى تكتيك الإبطاء، هذا إذا كان يبحث عن مخارج تحفظ له الحد الأدنى من المكاسب التي راكمها خلال السنوات الماضية، وإلا فلن يكون أمامه سوى الانصياع المتوقع بالقوة، وهو إن حدث سيعني لأنصاره هزيمة مدوية لا يمكن استيعابها.

ورطة غير محسوبة

وفق مراقبين للشأن اليمني، فقد أوقع «الانتقالي» نفسه في ورطة غير محسوبة؛ إذ جرى تسويق التحركات الأخيرة بوصفها «حماية للقضية الجنوبية» و«استجابة لمطالب شعبية»، ولقطع طرق التهريب وإمدادات الحوثيين ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وفق زعمه، إلا أن الأوان لم يفت كما بينته الرسالة السعودية بوضوح عبر وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان؛ إذ بالإمكان الخروج من الورطة بأقل الخسائر، من خلال مغادرة قواته الوافدة إلى حضرموت والمهرة بشكل عاجل.

من ناحية ثانية، تشير المعطيات إلى أن المجلس الانتقالي لا يملك القدرة على تثبيت وجوده في حضرموت والمهرة، في ظل مجموعة عوامل ضاغطة، أبرزها وجود رفض محلي واسع، بخاصة في حضرموت، حيث تتمتع المكونات الاجتماعية والقبلية بحساسية عالية تجاه أي وجود مسلح وافد.

عناصر من قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن (إ.ب.أ)

إلى جانب ذلك، يفتقد المجلس - الذي يهيمن على قراره قيادات من مناطق بعينها - غياب الغطاء الإقليمي الذي يشكل شرطاً أساسياً لأي تغيير أمني في مناطق حساسة، وكذا في ظل موقف دولي واضح يرفض أي تغيير للواقع بالقوة، ويؤكد دعم وحدة المؤسسات الرسمية.

لذلك، يبدو السيناريو الأفضل والأسهل - كما يقترحه محللون - هو انسحاب منظم، تحت أسماء فنية مثل «إعادة انتشار»، أو «ترتيبات أمنية»، أو بأي طريقة تسمح للمجلس بالخروج من المأزق بأقل الخسائر السياسية الممكنة.

أما إذا قرر المجلس الانتقالي تجاهل الإشارات والاستمرار في التصعيد، فإن تكلفة ذلك - طبقاً للمراقبين - ستكون مرتفعة ومتعددة المستويات؛ فعلى المستوى السياسي سيخسر المجلس ما تبقى من صورة الشراكة في السلطة الشرعية، وسيتحول تدريجياً - في الخطاب الإقليمي والدولي - من فاعل سياسي ضمن «مجلس القيادة الرئاسي» والحكومة اليمنية إلى عنصر مُعطِّل للاستقرار، وقد يصل الأمر إلى فرض عقوبات دولية على قادته.

أما عسكرياً، فالرسالة السعودية واضحة بعد بيان «تحالف دعم الشرعية»؛ إذ لن يُسمح بفرض أمر واقع بالقوة في شرق اليمن، وأي تصعيد إضافي قد يُقابل بردع مباشر، ما يعني خسائر ميدانية مؤسفة لا يملك المجلس القدرة على تعويضها أو تبريرها.

وعلى المستوى الشعبي، فإن حضرموت والمهرة ليستا بيئة حاضنة للمجلس الانتقالي، واستمرار التصعيد سيُعمّق الهوة بينه وبين قطاعات واسعة من الجنوبيين، ويحوّل القضية الجنوبية من مظلة جامعة إلى مشروع انقسامي، بل إن أخطر الخسائر - كما يقرأها المحللون - تكمن في تشويه جوهر القضية الجنوبية، عبر ربطها بالعسكرة والانتهاكات وفرض الوقائع بالقوة، بدل ترسيخها كقضية سياسية عادلة قابلة للحل ضمن مسار تفاوضي، كما هو الأمر في الطرح الذي تتبناه القوى اليمنية المنضوية تحت «الشرعية»، والذي تدعمه السعودية.

عبء الانتهاكات

من جانب آخر، تمثل الانتهاكات الموثقة في حضرموت نقطة تحوّل خطرة في مسار التصعيد. فعمليات المداهمة، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، وفرض الحصار على مناطق مأهولة... لا تُقرأ فقط كإجراءات أمنية، بل كنمط قمعي ممنهج، يضع المجلس الانتقالي في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الإنساني.

وبحسب تقارير حقوقية موثوقة، شملت الانتهاكات في الأيام الأخيرة اقتحام منازل مدنيين، واحتجازاً تعسفياً، وإخفاء قسرياً، وحصاراً عسكرياً لمناطق قبائل «الحموم»، ومنع تنقل المرضى، ونهب ممتلكات عامة وخاصة... وهذه الممارسات لا تُضعف موقف المجلس أخلاقياً فحسب، بل تُحوّل ملفه إلى عبء قانوني وسياسي قابل للاستخدام دولياً، وتفتح الباب أمام مساءلة مستقبلية قد لا تسقط بالتقادم.

المجلس الانتقالي الجنوبي صعّد عسكرياً في حضرموت والمهرة بشكل أحادي (إ.ب.أ)

من كل ذلك، يمكن القول إن ما يجري اليوم هو اختبار نضج سياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، فإما أن يلتقط الرسالة الواضحة محلياً وسعودياً ودولياً، ويعود إلى المسار السياسي، ويحدّ من الخسائر، وإما أن يواصل التصعيد، ويدفع أثماناً سياسية وعسكرية وقانونية قد يصعب تعويضها، وفق تقديرات المراقبين.

وطبقاً لتقديرات المرحلة وما يراه المشفقون على مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة لا تحتمل المغامرة، ومن يخطئ قراءتها سيدفع الثمن وحده.