لبنان.. 200 عام من التنافس بين الطوائف من أجل تعليم ريادي

سباق ساهم في انفتاح البلاد على الثقافات الأجنبية.. و«تقوقع» المجموعات وفق تعاليمها داخليًا

صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)
صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)
TT

لبنان.. 200 عام من التنافس بين الطوائف من أجل تعليم ريادي

صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)
صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)

إذا كان من ميزة للبنان في محيطه اكتسب حق التفاخر بها، فهي المدارس والجامعات التي تأسست على أرضه حتى قبل أن يصبح كيانًا مستقلاً بسنوات كثيرة، وذلك بفضل الإرساليات التي كانت تحط في بلاد الشام، ووجدت لها في أقليات جبل لبنان ومحيطه أرضًا خصبة آنذاك.
في البدء، تأسست مدرسة «عين ورقة» في غوسطا، بمنطقة كسروان الفتوح، سنة 1798، واعتبرت «أم المدارس في الشرق»، حيث أمر البطريرك يوسف اسطفان، وهو تلميذ المدرسة المارونية في روما، بتحويل دير مار أنطونيوس في «عين ورقة» إلى مدرسة إكليريكية بطريركية، وذلك بعد تعثر كبير كانت تمر به الكنيسة المارونية. وتعتبر هذه المدرسة أول مؤسسة تربوية في لبنان تقدم التعليم المجاني للتلاميذ، وذلك بفضل تخصيص أرزاق دير مار أنطونيوس لهذه الغاية، وقد خرّجت عددًا كبيرًا من البطاركة والمطارنة والكهنة، وأعطت لبنان نخبة من الأدباء الذين لعبوا دورًا رياديًا.
واليوم، لا تزال المؤسسات التعليمية للإرساليات المسيحية، وتلك التي أقامتها الطوائف الأخرى، تلعب دورًا رائدًا في تشكيل النخب، رغم أن الساحة لم تعد لها وحدها. فبسبب نظام التعليم الحر، نمت مدارس وجامعات خاصة كثيرة في لبنان، غلب عليها الطابع التجاري، ووصل عدد مؤسسات التعليم العالي إلى 45 مؤسسة في بلد يقدّر عدد مواطنيه بأربعة ملايين، وهو ما يجعل الأصوات ترتفع مطالبة بمزيد من الحزم والمراقبة في منح الرخص التعليمية، خصوصًا أن اللبناني لا يزال يميل إلى التعليم الخاص، بعد أن تهاوى مستوى التعليم الرسمي خلال الحرب الأهلية التي انتهت مطلع تسعينات القرن الماضي. فثمة دراسة تظهر أن نحو 60 في المائة من اللبنانيين لا يزالون يلتحقون بالتعليم الخاص، مقابل 40 في المائة فقط في التعليم الرسمي.
* الطوائف المسيحية تتنافس بجامعاتها
عام 1834، أنشأ الآباء العازاريون أول مدرسة كاثوليكية حملت اسم «عينطورة». وعام 2014، احتفلت المدرسة الشهيرة التي صارت معهدًا بمرور 180 سنة على تأسيسها. لكن طائفة البروتستانت يبدو أنهم كانوا يدركون التحدي، ووجدوا أنفسهم في منافسة مع طائفة الكاثوليك، فبادروا إلى إنشاء «الجامعة الأميركية» عام 1866.
وحين سئل مؤسسها دانيال بليس عن سبب اندفاعته هذه، قال إنه يريد أن يستبق الآباء الياسوعيين. وقد عرفت «الجامعة الأميركية» عند افتتاحها باسم «الكلية السورية الإنجيلية»، وكان القسّ بليس قد قضى أربع سنوات، بين عامي (1962 - 1966)، يجمع التمويلات اللازمة بين بريطانيا وأميركا، ثم منحته ولاية نيويورك ترخيصًا بافتتاح الكلية، ومنحته الدولة العثمانية الإذن اللازم للعمل، مع إعفائه من الضرائب.
الياسوعيون بدورهم لم يتأخروا كثيرًا في وضع اللبنة الأولى لجامعتهم التي أبصرت النور عام 1875، حيث كان البدء بكلية اللاهوت والمكتبة الشرقية. وعام 1883، كان معهد الطب قد افتتح، وتحول إلى كلية للطب والصيدلة بعد ذلك بست سنوات فقط، لتكر سبحة الكليات. ولا تزال «الجامعة الياسوعية» أو «جامعة القديس يوسف» بمركزها الرئيسي في بيروت، وفروعها في المناطق، واحدة من أهم المؤسسات التعليمية في بلاد الأرز.
* بين الحكم العثماني.. وتأثير الإرساليات
تميز القرن التاسع عشر، بينما كان لبنان تحت الحكم العثماني، وأقلياته موضع اهتمام حلفائهم من الغربيين، بنشاط الإرساليات التبشيرية. ففي هذه الفترة، توافدت إرساليات كاثوليكية وبروتستانتية آتية من فرنسا وإيطاليا وأميركا وبريطانيا، وحتى ألمانيا والنمسا. وإذا كان التبشير هو المهمة الأولى، فإن ذلك كان يقترن بنشاطات أبرزها إقامة المؤسسات التعليمية التي بنيت على مداميك متينة، ولا يزال غالبيتها قائمًا حتى يومنا هذا. وهي مؤسسات لعبت في حينه، ولا تزال، دورًا شديد الأهمية في تشكيل النخب، وتشجيع اللبنانيين على المبادرة لإنشاء مدارسهم الوطنية. وبمرور الوقت، طورت هذه المؤسسات مناهجها، ووسعت اختصاصاتها، وامتدادها الجغرافي، وصار لبعضها فروع في المناطق، ومنها ما امتد من لبنان إلى بلدان عربية أخرى.
ومهم التذكير أن هذه المدارس كانت تعنى أيضًا بتدريس البنات في غالبية الأحيان. ومنذ عام 1832، كانت «كلية بيروت للبنات» قد أبصرت النور.
وتحتفل «الجامعة الأميركية» هذه السنة بمرور 150 سنة على تأسيسها، بينما احتفلت «الجامعة الياسوعية» أو «جامعة القديس يوسف» العام الماضي بعيدها الـ140. قرن ونصف من التعليم الجامعي الغربي الطابع، حيث لم تولد النواة الأولى لـ«الجامعة اللبنانية» الوطنية إلا عام 1951، وسط إضرابات ومطالبات بوجود مؤسسة جامعة شبه مجانية لكل المواطنين، وقبلها بعام واحد كانت قد تأسست «جامعة الروح القدس» في كسليك، لتأتي «جامعة بيروت العربية» عام 1960، وسط المد القومي العربي المتصاعد، ثم «جامعة سيدة اللويزة»، وهي كاثوليكية، عام 1987. أما «جامعة البلمند» الأرثوذكسية، فتأسست عام 1988، في منطقة الكورة الشمالية، بالقرب من دير البلمند المشرف، وقد نمت وتوسعت وصار لها كليات في مختلف الاختصاصات.
* مدارس تحت شجرات السنديان
يتذكر اللبنانيون كثيرًا، خصوصًا في كتب القراءة التي تدرس للصغار، مدرسة «تحت السنديانة»، يوم كان الأستاذ يعلم تلامذته في القرية تحت الشجرة وهم يفترشون البسط، لكن من الطرائف أن هذا النمط البدائي كان سائدًا في الوقت الذي كانت فيه المدارس قد وجدت في وقت مبكر في المدن وبعض البلدات. وذكر كتاب «حصر اللثام» أنه أحصيت في عام 1895 في لبنان نحو 330 مدرسة موزعة على أكثر من ألف قرية في أنحاء متصرفية جبل لبنان، وذلك ليس عائدًا فقط إلى المدارس الإرسالية، ولكن أيضًا إلى تنظيم الدولة العثمانية أمور التعليم في بلاد الشام، وإصدار نظام خاص، مما ساهم في افتتاح مدارس متفاوتة الأهمية، من حيث الدور الذي لعبته.
وفي كل الأحوال، سبقت المؤسسات التربوية الخاصة تلك الرسمية بعقود، وخرّجت الكتّاب والأدباء والنخبة التي ستشكل نواة النهضة العربية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ليس فقط في بلاد الشام، بل في مصر أيضًا.
وبالإمكان اليوم الحديث عن عدد من المدارس الخاصة التي تعود إلى ذلك الزمن، ولا تزال مؤثرة إلى اليوم. وإذا كانت الإرساليات المسيحية قد لعبت دورًا، وافتتحت مدارس في مختلف المناطق التي ستصبح ضمن نطاق لبنان الكبير بعد الاستقلال عام 1943، فإن بقية الطوائف أيضًا سعت إلى أن يكون لها مدارسها وجامعاتها، مما جعل للتعليم الخاص حدّان ماضيان: جهة التنوير والانفتاح على الغرب والثقافات واللغات، وهو ما ساهم في جعل لبنان جسرًا ثقافيًا بالفعل؛ وجهة الانغلاق والتقوقع على الطائفة وتعاليمها وقيمها ومفاهيمها من جهة أخرى، وهو أحد أسباب الشرخ في الشخصية الوطنية اللبنانية.
وبالعودة إلى المدارس الأكثر عراقة المستمرة إلى اليوم، يمكننا ذكر «مدرسة الشويفات» التي تأسست في قرية الشويفات عام 1886، بفضل امرأة آيرلندية كانت تعيش في لبنان، ثم توارثها مربون طموحون افتتحوا لها بمرور الوقت فروعًا كثيرة في لبنان ودول خليجية ومصر والأردن والعراق وكردستان، كما في إنجلترا، وكذلك في أميركا وألمانيا، وحتى في باكستان.
وفي السنة نفسها التي انطلقت فيها «مدرسة الشويفات»، أبصرت النور «مدرسة الفرير» في طرابلس، من قبل ثلاثة إخوة رهبان قدموا من الإسكندرية، فاشتروا منزلاً، وبدأوا التعليم مع ستة تلامذة، وانهوا العام مع 32 تلميذًا. وعام 1912، سيصبح عدد المسجلين 300 تلميذ. وكما غيرهم، سعى الأرثوذكس لتأسيس مدارسهم، ومن بين أشهرها «زهرة الإحسان» التي بدأت عملها في منطقة الأشرفية في بيروت عام 1881، بفضل سيدة تدعى فضيلة سرسق، ومعها الراهبة مريم جهشان. ويعود نجاح هذا المشروع لكونه جاء ليلبي حاجة ماسة لدى الطائفة الأرثوذكسية التي لم ترتح لكثرة الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية التي عملت جاهدة على استمالة الشباب الأرثوذوكسي. ومع وجود طبقة برجوازية في الطائفة بحاجة لتعليم أولادها وإكسابهم المعرفة على مستوى عصري، تداعت هيئات مدنية ودينية لإنشاء مؤسسات تربوية حديثة، فكانت «زهرة الإحسان»، وهي أول معهد أرثوذكسي للإناث في لبنان في مطلع القرن العشرين، يعلم اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية ومبادئ اللغتين اليونانية والروسية.
* الطوائف الأخرى تشترك بالسباق التعليمي
بالتزامن مع هذه الحيوية التعليمية عند الطوائف المسيحية، شكّل السنّة بدورهم «جمعية المقاصد الإسلامية» عام 1878، وبدأوا بإنشاء مدارس لها، بإمكانها اليوم أن تحتفل بمرور 138 سنة على تأسيسها. وقد شهدت هذه المؤسسات التعليمية التي أصبحت تشمل جامعة أيضًا عصرها الذهبي في منتصف القرن الماضي، بفضل دعم كبريات العائلات البيروتية. وقد أريد لها أن تعنى بالصغار، والتربية على غرار المدارس الأجنبية في لبنان وأوروبا، فافتتحت لها فروعًا كثيرة في المناطق، ودعمت طلابها بالمنح للدراسة في الخارج، لكن هذه المؤسسات التربوية باتت تعاني من ضعف وضمور في عدد الطلاب والأساتذة، وثمة جهود تبذل لاستعادة ألق أمجادها السابقة.
ولم يغب الشيعة عن المشهد، ففي ثلاثينات القرن الماضي، أنشأ رشيد يوسف بيضون مدرسة سماها «الكلية العاملية» غايتها تعليم شباب جبل عامل في الجنوب اللبناني، وتحسين مستواهم الاجتماعي والعلمي. كما ساهم الرجل في إنشاء المؤسسة المهنية العاملية، بمساعدة تدريبية وعينية من دولة ألمانيا الاتحادية.
أما الدروز، فمع قيام نظام المتصرفية في جبل لبنان عام 1861، أسهم المتصرف داود باشا، مع أعيان الموحدين الدروز، في تأسيس المدرسة التي أطلق عليها اسم المتصرف «المدرسة الداودية». وقد أشرف المتصرف على بنائها، بعد جمع أوقاف الموحدين الدروز العامة في وقف واحد سمّي بـ«وقف الداودية»، لتأمين مستلزمات ونفقات المدرسة، والتعليم فيها كمدرسة داخلية مجانية كانت صرحًا مهمًا في تاريخ التعليم في كل منطقة الجبل، وتخرّج منها آلاف الطلاب الذين كان لهم شأن ودور مهم في تاريخ لبنان.
وكذلك يمكن الحديث عن المدرسة المعنية (نسبة لأمراء آل معن) التي أسسها عارف النكدي، أحد أبرز رعاة الداودية، لتكون مدرسة شقيقة في العاصمة بيروت.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.