معرض «شغف إيكولوجي».. تناغم الإنسان والطبيعة

يحتضنه رواق «تندوف» في مراكش احتفاءً بالمصور الألماني هانز سيلفستر

المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض مراكش - من أعمال المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض «شغف إيكولوجي» بمراكش
المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض مراكش - من أعمال المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض «شغف إيكولوجي» بمراكش
TT

معرض «شغف إيكولوجي».. تناغم الإنسان والطبيعة

المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض مراكش - من أعمال المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض «شغف إيكولوجي» بمراكش
المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض مراكش - من أعمال المصور الألماني هانز سيلفستر في معرض «شغف إيكولوجي» بمراكش

تُبرز أعمال المصور الألماني هانز سيلفستر، بحساسية مرهفة، التدمير الكارثي لكوكب الأرض، في مفارقة لا تخلو من تأنيب ومخاطبة للضمير الإنساني عن الجمال الطبيعي الفاتن، خصوصًا حين يأتي منسجمًا ومتناغمًا مع نمط عيش جزء من سكان الكوكب.
وتحت عنوان «هانز سيلفستر: شغف إيكولوجي» (أي الشغف المتعلق بعلم الطبيعة)، يحتضن رواق «تندوف» المُقام بمراكش معرضًا يضم صورًا مليئة بالأمل، توضح للزائر تناغم طريقة عيش جزء من سكان الكوكب مع الطبيعة، إلى جانب صور أخرى كارثية توضح مدى الدمار والتخريب الذي اقترفه الإنسان في حق الطبيعة والكوكب.
خلال فترة تمتد إلى 20 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يُتيح المعرض للزائر اكتشاف أعمال هذا الفنان الذي يعد من المصورين المعروفين بنضالهم الإيكولوجي، وبشغفهم بجمال كوكب الأرض. إلى جانب ذلك، يقدم المعرض تفاصيل عن رحلات سيلفستر حول العالم التي امتدت لأكثر من نصف قرن، في سبيل البحث عن مواضيع ذات صلة بقضايا الطبيعة والإنسان.
ويتوزع المعرض إلى قسمين: الأول، تكريم للعمل الإنساني والإيكولوجي الذي يقوم به هذا المصور الكبير، حيث يكون الزائر مع صور تنقل مشاهد صادمة عن التعسف الذي يمارسه الإنسان في حق الطبيعة، بشكل يهدد البشرية والكون على حد سواء. فيما يقدم الثاني بورتريهات (لوحات شخصيه) لسكان منطقة «وادي أومو» بإثيوبيا، بعدسة هذا الفنان الألماني الذي سافر إلى هذه المنطقة من أفريقيا قرابة 40 مرة، مقدمًا للعالم شهادة حول حياة هذا الشعب المرتبط بالطبيعة. يقول سيلفستر إن «الرجال والنساء والأطفال يستعملون أجسامهم كفضاءات تعبير فني، وذلك بالقيام بتلوين وجوههم وأجسادهم، بكل حماسة، في بحث متواصل عن الجمال. فعلاً، يحظى هؤلاء الناس بقدرة خلاقة، مع تلقائية لا تتاح إلا لكبار الفنانين». ويضم هذا الجانب من المعرض صورًا تعكس الطقوس والعادات والتقاليد التي تميز شعب منطقة «وادي أومو» الذي ينخرط أفراده في طلاء أجسادهم بالأصباغ الطبيعية وتوشيحها بأبهى الحلل المستلهمة من الطبيعة.
وعلى نحو لافت مثير للإعجاب، يقوم هانز سيلفستر بإنجاز عمل فني توثيقي يعبر عن اندماجه مع أفراد هذا الشعب، وافتتانه بقصات شعرهم الفريدة وفكرهم الراقي للجمال، وتناغمهم مع الطبيعة المحيطة بهم. كل هذا يجعلهم أشبه بلوحات حية تزدان بتصفيفات الشعر التي يعتمد في إعدادها على النباتات والفواكه والريش والزخارف المثبتة بالطين والزيت.
وقد أشار بعض زوار المعرض المختصين في المجال إلى أن الصور هي «دليل انسجام تام بين الإنسان والطبيعة»، بشكل يؤكد أن «لديهم موهبة ابتكار عالية في التزيين»، و«ذوقًا رفيعًا وفريدًا من نوعه في اختيار الألوان والإكسسوارات الطبيعية، وطريقة تزيينهم للوجه والرأس وسائر الجسد، حيث يستخدمون عناصر وأدوات الطبيعة وحياكة الخيوط المصنوعة من الألياف النباتية والحيوانية لصناعة الإكسسوارات والألوان بشكل يجعلهم كأنهم لوحات فنية حية».
ولعل ما يزيد الأمر إبهارًا، حسب هؤلاء، هو كيفية اختيارهم وتنسيقهم لعناصر الطبيعة على الوجوه والأجساد، كما لو أنها رتبت من قبل أمهر خبراء التجميل ومصممي الأزياء، الشيء الذي يفسر لماذا صارت تقليعاتهم، شديدة الغرابة في تزيين رؤوس وأجساد الرجال والنساء والأطفال، فنًا راقيًا يُلهم كبار مصممي الأزياء في العالم لوضع أجمل ابتكاراتهم.
وكجزء من عملية الترويج للمعرض، يكتب الكاتب المغربي الطاهر بن جلون من موقعه بمراكش: «ما بين الجسد والطبيعة المتوحشة، هناك نوع من الوحدة أو الصلة التي تجعل الوجه يصير منظرًا طبيعيًا، في مغامرة تتوحد فيها الفواكه أو الأشجار.. لا نعرف، أبدًا، أين الطبيعة وأين الإنسان.. مثل هذه الصور لن تكون ممكنة إلا في فضاءات لم تتلوث بعد بما نسميه، بشكل متهافت، حضارة.. لا مكان للقلق أو ارتفاع ضغط الدم لأن الوقت يمر تبعًا لإيقاعه الخاص، بلا استعجال للبشر أو تعنيف للحيوان».
وجوابًا عن سؤال مصير الكون في ظل التغيرات المناخية، قال هانز سيلفستر، لـ«الشرق الأوسط»، خلال افتتاح معرض مراكش: «هناك مشكلات بيئية كثيرة، تتزايد مع تذبذب قرارات السياسيين.. وحين ندرك مشكلات التغيرات المناخية الحقيقية، نجد أن الوقت لم يعد يسعفنا لتدارك الأمر. وبالتالي، إذا ما رغبنا في ألا يتغير المناخ بسرعة، علينا أن نتخذ قرارات بسرعة أكبر، على أمل أن تتقدم الأمور بشكل إيجابي».
وعن سبل المحافظة على نمط عيش الأقليات في عدد من مناطق العالم، قال سيلفستر: «الأرض صارت تضيق على البشر. لقد تزايد عددنا كثيرًا. وهناك العولمة وكل هذه الطائرات التي تحلق في كل اتجاه، وهناك الحروب التي تمزق العالم. وشيئًا فشيئًا، تتجه المساحات الخضراء إلى التآكل والتراجع، خصوصًا بالنسبة لأولئك الذين يعيشون بشكل مختلف عن الباقين».
وعن قيمة أعماله، وإن كانت ستتحول يومًا إلى وثائق تاريخية تحكي مأساة الكون ومعاناة جزء من البشر، قال سيلفستر: «إنها كذلك؛ هؤلاء الذين أخذت صورًا لهم لم يكونوا يعرفون بوجود شيء اسمه (مرآة). فمرآتهم هي عيون أقرانهم وأهل عشيرتهم.. اليوم، صار التقدم آلة كاسحة تهدد نمط عيش أقليات كثيرة، ومن المؤكد أن هؤلاء سيفقدون أصالتهم».
وبخصوص الكلمة التي يمكن أن يوجهها للسياسيين، بشكل خاص، لتدارك أمر التغيرات المناخية قبل فوات الأوان، قال سيلفستر: «لقد اخترنا نظامًا سياسيًا يبدو أجود ما يوجد، هو (الديمقراطية). والسياسيون يجدون أنفسهم في كل مرة بحاجة إلى أصوات الناخبين لإعادة انتخابهم، لذلك يكون من الصعب عليهم أن يتخذوا قرارات لا شعبية، من قبيل تخفيض استهلاك الطاقة. وأنا أرى أن أفكارا من هذا القبيل هي في صالح الكون والبشرية، ونحن ملزمون باتخاذها».
وعن الذي أثر فيه بعد كل هذا المسار الفني والنضالي الطويل في التحسيس بقضايا البشر والكون، قال سيلفستر: «لقد تعاطينا كبشر مع عدد كثير من القضايا بشكل سيء، ولم يكن علينا فعل ذلك، ومن ذلك طريقة تعاملنا مع غابة الأمازون والغابة الاستوائية الأفريقية. لقد تعاملنا معهما بشكل سيء، وبررنا ذلك بقولنا إننا نحتاج الأراضي، فقطعنا الأشجار وحرقنا الغابات، وتناسينا أن هذا هو عالمنا ومتنفسنا. لقد دمرنا كل ذلك بشكل سريع وغير متخيل، وقد ساعدتنا الآلة الفتاكة في ذلك».
ولد هانز سيلفستر سنة 1938، بمدينة لوراخ بألمانيا، حيث اختار فن التصوير وهو في الرابعة عشرة من العمر، قبل أن يتخرج من مدرسة فرايبورغ في 1955، وسافر إلى عدد من بلدان أوروبا، وتجلى اهتمامه بالطبيعة والحيوانات، وانشغل فيما بعد بالقضايا الإيكولوجية، قبل أن يجوب العالم بحثًا عن مواضيع على صلة بقناعاته الإيكولوجية المستمدة من شغفه بالطبيعة، لتتكرس مسيرته الفنية انطلاقًا من ثمانينات القرن الماضي، مسخرًا عدسته لقضايا البيئة والمناخ.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.