صداع بنغازي.. تأخر الرواتب وانقطاع الكهرباء وشح المواد الغذائية

بنغازي تصارع الإرهاب 4 من 5 : المحال التجارية تعود للحياة.. والأجانب يتوافدون لاقتناص الفرص

صداع بنغازي.. تأخر الرواتب وانقطاع الكهرباء وشح المواد الغذائية
TT

صداع بنغازي.. تأخر الرواتب وانقطاع الكهرباء وشح المواد الغذائية

صداع بنغازي.. تأخر الرواتب وانقطاع الكهرباء وشح المواد الغذائية

انقطعت الكهرباء مجددًا في متجر إبراهيم صاحب الشركة الحديثة للمواد الغذائية. هذا أمر شائع في ضاحية الهواري في بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية. الكهرباء تنقطع في عموم البلاد لعدة ساعات في كل يوم. وأحيانا تنقطع لعدة أيام في الأسبوع. بكل هدوء وسلاسة نهض إبراهيم البالغ من العمر 65 عاما من فوق مقعده وشغل مولد الكهرباء الخاص الذي اشتراه قبل شهرين بما قيمته 150 ألف دينار (نحو 30 ألف دولار). لديه سبعة عمال في متجره المطل على الشارع الرئيسي، لكن كلما انقطعت الكهرباء قام بتشغيل المولد بنفسه، لعدة أسباب.. أولا: السعر الباهظ للمولد. وثانيا: لقطع الطريق على أي تذمر قد يبديه العمال صغار السن قليلو الصبر على مثل هذه المشاكل.
على منوال هذه الطريقة الهادئة في معالجة الأمور والتغلب على العراقيل والمصاعب، يعمل غالبية التجار الكبار والمسؤولون في المنطقة الشرقية من البلاد والتي تمتد من مدينة إمساعد على الحدود مع مصر، إلى منطقة الموانئ النفطية في الشمال الأوسط من ليبيا قرب مدينة سرت. أما في الجانب الغربي من البلاد والذي تسيطر عليه الميليشيات، فتعم الفوضى ويسود الغموض دون أن تلوح في الأفق بوادر للثقة في المستقبل مثل تلك التي يتميز بها إبراهيم وقادة الشرق الذين يتأهبون لافتتاح مشروعات أمام المستثمرين الأجانب بمليارات الدولارات.

بعد نحو خمس سنوات من العذاب، تخلصت مدينة بنغازي وكل مدن الشرق الليبي من الميليشيات المتطرفة التي هيمنت عليها عقب سقوط نظام معمر القذافي في 2011. وفي الوقت الراهن يحاصر الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر بقايا المتطرفين في عدة ضواحٍ في غرب بنغازي. ووفقا لتقديرات محلية عاد ما لا يقل عن خمسين ألفا من أبناء المدينة التي هجروها هربا من تسلط الجماعات المتشددة. وتسود روح التفاؤل من خلال عملية واسعة لترميم مباني المدينة التي خربتها الحرب، وافتتاح المراكز التجارية والمؤسسات الخدمية. ومثل غالبية تجار بنغازي، وجد إبراهيم شركته منهوبة. ويقول: استولى المتطرفون على مخازن الطحين ونهبوا كراتين الزيت والصلصة والمياه المعدنية.
وفي الوقت الراهن تستيقظ بنغازي كل يوم من أجل إعادة بناء نفسها وترميم الكسور وتلوين الجدران التي غطاها سخام الحرائق لشهور، استعدادا لاستقبال الوفود الاقتصادية الأجنبية التي تسعى إلى الاستفادة من الثروات النفطية ومن إعادة الإعمار ومن استكمال مشروعات أخرى تبلغ قيمتها مليارات الدولارات كانت متوقفة منذ اندلاع الانتفاضة المسلحة ضد القذافي، وتشمل استئناف عملية ازدواج الطرق الصحراوية الطويلة وبناء مدن سكنية ومشاريع سياحية وغيرها.
تتحرك بنغازي قدما وهي تشكو من صداع انقطاع الكهرباء وتأخر الرواتب وشح المواد الغذائية. ومع ذلك نشطت حركة الأسواق ومنها أقدم سوق لبيع وشراء السيارات المستعملة. كانت مكتظة. ووقف المنادي جوار سيارة يابانية الصنع موديل 2013، تعمل بالدفع الرباعي، وقطعت مسافة، وفقا للعداد، قدرها 20 ألف كيلومتر، وقال إن سعرها 60 ألف دينار ليبي. وارتفع صوت مناد آخر على سيارة كورية موديل 2012 قطعت مسافة 50 ألف كيلومتر وبدأ السعر بـ50 ألف دينار. وعلى المقاهي المجاورة يمكن ملاحظة ارتفاع أسعار المشروبات وأسعار تقديم خدمة الدخول على الإنترنت.
وعلى الجانب الآخر بدأت سوق العقارات تنتعش مع دخول مقاولين عالم ترميم المنازل والمحال التجارية. كما انتشر عمال البناء، معظمهم من مصر والسودان، تحت الكباري وعلى جانب الطرق في انتظار فرصة عمل، دون خوف من تعرضهم للخطف على يد التنظيمات المتطرفة كما كان يحدث قبل شهور.
ويقول إبراهيم: «مقارنة بما كانت عليه بنغازي فإننا الآن في وضع جيد. في كل يوم الأمور تتحسن عن اليوم السابق. في العام الماضي اقتحم المتطرفون المتاجر الكبرى في بنغازي. وأضرموا النيران في قاعات أفراح وفي مسارح وفي بيوت للفنون والشعر. ونسفوا مبنى مديرية الأمن الضخم بالسيارات المفخخة حتى تحول إلى كومة تراب. وتعرضت العديد من المصانع والدور الحكومية إلى دمار. ومع دخول الجيش إلى المدينة وفرض سيطرته عليها، وتعيين حكام عسكريين للمدن في شرق البلاد، بدأ نبض الحياة يظهر من خلال اللافتات الملونة وفاترينات عرض السلع وأضواء الكهرباء حتى لو كان مصدرها مولدات خاصة باهظة الثمن».
وانتهى إبراهيم قبل يومين من إعادة رسم لوحات دعائية على واجهة متجره الذي كان يطلق عليه في عهد القذافي «تشاركية». وجاءت شاحنة قادمة من مصر محملة بكراتين البطاطس المقلية. ثم أفرغت شاحنة أخرى قادمة من واحات الجنوب حمولة من مياه الشرب المعبأة من الآبار الجوفية. وبدأ المتجر يمتلئ.
في بداية دخول الجيش إلى المدينة وطرد المتطرفين من غالبية ضواحيها، كانت متاجر بنغازي تفتح في نحو الساعة الحادية عشرة صباحا وتغلق أبوابها قبل أذان العصر خوفا من طلقات الرصاص الطائشة ومن القذائف الصاروخية. لكن الوضع تغير الآن. وتسهر غالبية المتاجر والمقاهي حتى وقت متأخر من الليل. وفي الدواوين الحكومية التي عادت للعمل يستقبل المسؤولون الزوار الأجانب الذين بدأوا يتوافدون لاقتناص الفرص. جاء صينيون وفرنسيون وعرب وإيرانيون أيضا.
ويجري في الوقت الراهن بحث عودة فرع شركة شلمبرجير الفرنسية للعمل مع شركة الخليج العربي للنفط، وهذه الأخيرة شركة ليبية كبيرة تضررت بشدة من الفوضى التي أحدثتها الجماعات المتطرفة بعد مقتل القذافي. ويقول مسؤول في الشركة إن انتشار الجيش أخيرا خاصة في المنطقة الشرقية، فتح الشهية لاستئناف العمل. وكرمت الشركة أحد شيوخ القبائل ممن لعب دورا في دعم الجيش واستعادة الموانئ النفطية من الميليشيا التي كانت تسيطر عليها. وهي، مثل العديد من الشركات التي تسعى لاستئناف العمل بعد طول غياب، تنظر بعين الاحترام للدور الذي تقوم به إدارة الاستخبارات العسكرية ومديرها العميد شعيب الصابر، لبسط الأمن في عموم ليبيا.
ويجري العمل في كل مكان على قدم وساق. واستقبل العميد الصابر وفدا من لجنة الأمن القومي في مجلس النواب، برئاسة النائب طلال الميهوب. وفي الجانب الآخر من الشارع كان عشرات الشبان المتطوعون يرافقون شاحنة رفع القمامة وركام الحرب، للمساعدة في تنظيف الشوارع وتزيينها. ورفع عامل في شركة الخدمات العامة في المدينة، يدعى حسين، ذراعيه عاليا محييا موكبا عسكريا تابعا للجيش يتكون من ثلاث سيارات مدرعة لتفقد أحوال بنغازي. وهذه هي المرة الأولى التي تستأنف فيها شركة الخدمات العامة أعمالها في رفع قمامة المدينة منذ عام 2011.
وبسبب كثرة المخلفات التي تركتها الصدامات بين الجيش والمتطرفين، جاءت عدة شاحنات أخرى ومعها متطوعون، وعلى رأسها مدير شركة الخدمات نفسه، محمد البرغثي. ودخلت إلى الشوارع الرئيسية في منطقتي سيدي يونس والوحيشي. وأخذت المعاول تزيل أكوام الإسمنت والطوب والحديد للمباني المهدمة.. هناك أيضا حاويات بضائع مثقوبة وأجهزة مدمرة ومقاعد ومكاتب لم تعد تصلح للاستخدام بعد أن طالتها قذائف المتحاربين لشهور.
هذه مجرد عملية لبعث الحياة في المدينة وإغراء السكان والتجار الذين هجروها للعودة إليها مرة أخرى. عملية يشارك فيها الجميع. ووفقا للمسؤولين في بنغازي فإن الخطة الكبيرة لإعادة إعمار المدينة ستبدأ خلال الشهور المقبلة على أيدي الشركات المتخصصة سواء شركات ليبية أو عربية أو أجنبية. وجرى وضع تخطيط لجانب كبير من بنغازي في ستينات القرن الماضي على يد شركة دوكسيادس اليونانية، وتبعتها في العمل في هذا الاتجاه شركات أخرى من روسيا وتركيا ومصر. واستمر التطوير فيها لأكثر من ثلاثة عقود.
ثم شهدت المدينة طفرة نمو كبيرة منذ بداية الألفية، غيرت معالمها وحولتها إلى واحدة من المدن التجارية المهمة في شمال أفريقيا. وقاوم أصحاب المراكز التجارية الضخمة العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على نظام القذافي في ذلك الوقت. وبعد انتفاضة 2011، دخلت المدينة في موجة نمو جديدة أكثر طموحا، لكنها لم تستمر إلا لمدة 18 شهرا. وتعثر كل شيء بعد ذلك بسبب الفوضى والحرب مع المتطرفين. وظلت قوانين القذافي الاقتصادية هي القائمة حتى الآن. وخلال جولة قامت بها «الشرق الأوسط» خلال اليومين الماضيين في قلب المدينة، بدا أن المناقشات تجري على قدم وساق بين كبار المسؤولين للتعجيل باتخاذ خطوات عملية تعيد بنغازي إلى الواجهة.
وتحاول السلطات في بنغازي الحد من ارتفاع أسعار السلع الأساسية. ولديها رجال يمرون على الأسواق الرسمية (الجمعيات الاستهلاكية). لكن المشكلة تكمن في أن معظم هذه السلع متوفرة في الأسواق الموازية بضعف الثمن. مثلا السعر الرسمي لفئات لتر الزيت النباتي أقل من دينارين، لكنه يباع بشكل غير رسمي بأربعة دنانير وخمسة دنانير.
وفي الجهة الأخرى من بنغازي تجمع عدد من المسؤولين وقاموا بافتتاح مبنى بلدية المدينة الجديد. ووقفوا لأكثر من نصف ساعة في الهواء الطلق أمام المبنى. وتوقف المارة لتحيتهم. فقبل شهور قليلة كان يسيطر على هذه المنطقة المتطرفون. ولم يكن أحد من أهالي بنغازي، ولا من الجيش ولا من الشرطة، يمكنه العبور من هنا. وما زالت فلول المتطرفين تعرقل وصول السلطات إلى ميناء المدينة البحري. وهو ميناء تجاري هام. ويقول رئيس البلدية، العميد أحمد العريبي: «نتعاون مع الأطراف المعنية لاستعادة ميناء بنغازي البحري من أيدي المتطرفين، وتشغيل مطار بنينا الدولي».
وفي المساء عاد من طريق المطار الذي جرى تنظيفه من بقايا الحرب، وفد لشركات قادمة من الصين تبدو متعطشة لاستئناف العمل وجني الأرباح من المشروعات الجديدة. ويتكون المطار من جزأين.. الجزء القديم وهذا أصبح جاهزا للعمل ويمكن افتتاحه لاستقبال الطائرات خلال الفترة المقبلة. والجزء الحديث الذي شرع نظام القذافي في بنائه لكنه لم يكتمل بسبب انتفاضة 2011، مثله مثل المئات من المشاريع الأخرى التي تنتظر استئناف العمل بها بعد توقف دام أكثر من خمس سنوات.
ظهور الأجانب في بنغازي التي تعرضت فيها القنصلية الأميركية للهجوم في أواخر 2012، بدا لافتا للنظر. الفريق الصيني مطمئن وهو يتجول في الضواحي الشرقية من المدينة. والفريق الطبي الأميركي يتسوق من وسط بنغازي دون خوف. لقد وصل وفد جديد من هؤلاء الأميركيين التابعين لجمعية «نوفك» لجراحات القلب للأطفال. وظهرت مواكب أخرى لرجال أعمال أوروبيين وآسيويين وهم يتفقدون المجمعات السكنية الضخمة وغير المكتملة. الجميع يبحث استئناف أعمال التنقيب عن النفط وبناء العمارات ورصف الطرق ومد خطوط المياه وتحديث محطات الكهرباء والمستشفيات وغيرها.
وبما أن البلاد تعتمد على النفط، فإن الصراع السياسي والعسكري يبدو أنه يدور حول هذه النقطة. وشعرت بنغازي بالارتياح بعد أن سيطر الجيش على موانئ تصدير النفط في سبتمبر (أيلول) الماضي. لكن ما هي الجهة إلى ستقوم بتصديره ولمن ستذهب العائدات المالية، وكيف سيجري تقاسمها مع السلطات المتنافسة التي تحكم طرابلس ممثلة في المجلس الرئاسي برئاسة فايز السراج وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل. ويقول أحد المسؤولين العسكريين ممن جرى تعيينهم ضمن فريق من الجيش لحكم بنغازي، بدلا من مجلسها المنتخب: «نحن في حالة حرب. في الحرب لا يمكن الانتظار».
وبينما يجري الحوار السياسي بين عدة أطراف ليبية برعاية الأمم المتحدة لتوحيد السلطات في هذا البلد الغارق في الفوضى، تبدو بنغازي محورا مهما في إعادة هيبة الدولة من جديد إلى ليبيا بعيدا عن المفاوضات السياسية الأممية. تحركات سريعة. معروف أن الانقسام السياسي في البلاد، تسبب في انقسام المصرف المركزي إلى مصرفين، والمؤسسة الوطنية للنفط (المعنية بتصدير البترول للخارج) إلى مؤسستين. وعلى وقع تقدم الجيش في عدة محاور ليس في بنغازي فقط ولكن في العديد من البلدات بما فيها الجنوب والغرب، بدأ البرلمان الذي يعقد جلساته في طبرق، ويعد خصما لمجلس السراج الرئاسي، يشعر بالقوة.
ومن مظاهر قوة الجيش والبرلمان، بدء مناقشات جادة بين مؤسستي النفط المنقسمتين من أجل إعادة توحيدهما في جسم واحد يعمل انطلاقا من بنغازي. ويقول مسؤول في الاستخبارات العسكرية: هذا مصير الليبيين.. هذه قوتهم.. هذه مسألة أمن قومي. وفي حال نجحت عملية نقل المؤسسة، موحدة، إلى بنغازي، سوف يزيد إنتاج النفط إلى نحو 700 ألف برميل يوميا. وحول كيفية معالجة النزاع القائم بين رئيس المؤسسة في طرابلس ورئيس المؤسسة في بنغازي، يضيف المسؤول العسكري الذي يراقب عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة: «ما توصلنا إليه حتى الآن هو أن ينتقل مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة في طرابلس للقيام بعمله كرئيس للمؤسسة نفسها انطلاقا من بنغازي.. على أن يكتفي ناجي المغربي، رئيس المؤسسة في بنغازي، بموقع عضو مجلس إدارة في هذه المؤسسة.. توجد مساعٍ إيجابية لإقناعه بذلك. الهدف استئناف تصدير النفط للتغلب على نقص الأموال في عموم ليبيا».
وفي مصفاة طبرق التي تبلغ قدرتها نحو 20 ألف برميل في اليوم، اصطف عدد من الموظفين لاستقبال الوفود الرسمية التي تأتي إلى هنا لتفقد أحوال موانئ التصدير، بينما كانت عدة ناقلات نفط ترابط داخل البحر. وانتهت الأطقم الفنية، وكلهم مختصون ليبيون، داخل المصفاة، من تنفيذ عملية ترميم كبيرة استمرت ثلاثة أسابيع استعدادا لقابل الأيام. ويتوقع أن يزيد إنتاج المصفاة إلى الضعف مقارنة بما كانت عليه في السابق.
حالة الانتعاش والأمل في صلاح الأحوال تسيطر أيضا على مهندسي البترول في العديد من الحقول وموانئ التصدير. وفي موقع حقل الحمادة لإنتاج البترول الذي تديره شركة الخليج العربي للنفط ويبعد نحو 400 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة طرابلس، اجتمع مديرو عدة مواقع مماثلة من عموم البلاد، منها حقول «السرير» و«النافورة» و«مسلة»، وتعهدوا بتقديم المساعدة التي تسهم في سرعة وتيرة العمل. ويأمل المسؤولون الليبيون في أن يؤدي هذا إلى التغلب على مشاكل انقطاع الكهرباء ونقص الوقود وارتفاع أسعار الدولار أمام العملة المحلية، ونقص السيولة المالية في المصارف.
وتتنافس كل من سلطات الشرق والغرب على محاولات استرضاء الليبيين.. وتعيش طرابلس العاصمة وعدة بلدات مجاورة لها مأساة أكبر مما هو موجود في المناطق الشرقية الأكثر استقرارا. وفي كل من الجانبين يبدو الوضع الاقتصادي صعبا على السكان. ووصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من خمسة دنانير، بعد أن كان سعره في السابق 1.3 دينار.
وقام المصرف المركزي في طرابلس باعتماد ميزانية طوارئ قدرها 1.5 مليار دينار ووفر سيولة قدرها 9.4 مليار دينار، لكن المردود يبدو أنه ليس مرضيا بالشكل الكافي. فالزحام على المصارف في عموم ليبيا أصبح من المظاهر المعتادة بالإضافة إلى نقص الخدمات وارتفاع الأسعار إلى الضعف والضعفين، خاصة مع حلول موسم الشتاء. الكيلوغرام من الفحم أصبح سعره يزيد على خمسة دنانير. وملء أسطوانة غاز الطهي وصلت في بعض المناطق إلى نحو 70 دينارا. وارتفعت أسعار مولدات الكهرباء الخاصة.. بعض البيوت والدكاكين الصغيرة تضطر لشراء المولد المستعمل بما لا يقل عن ستة آلاف دينار. وهو مولد ذو صوت مرتفع. أما المولدات الضخمة التي يبلغ حجمها حجم حاوية وذات ضجيج أقل، فتبدأ أسعارها من مائة ألف دينار وحتى مائتي ألف دينار. ومثل هذه تجدها في المنازل والمتاجر الكبيرة مثل متجر إبراهيم.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.