لبنان: تشكيلة الحكومة لن تخضع لمعيار الثلث الضامن وتجتاز معظم التعقيدات

وزارة المال لبري.. وحقيبة سيادية إلى «القوات» قيد المعالجة

مبنى الحكومة اللبنانية
مبنى الحكومة اللبنانية
TT

لبنان: تشكيلة الحكومة لن تخضع لمعيار الثلث الضامن وتجتاز معظم التعقيدات

مبنى الحكومة اللبنانية
مبنى الحكومة اللبنانية

كل المعطيات توحي بأن طبخة تشكيلة الحكومة اللبنانية العتيدة، باتت شبه ناضجة، بعد حلّ معظم العقد الأساسية، باستثناء معضلة الحقيبة السيادية التي يطالب بها حزب القوات اللبنانية، وتحديدًا حقيبة المالية، لكن يبدو أن هذا الأمر بات صعب المنال، بعدما حسم أمر إسناد وزارة المال إلى فريق رئيس البرلمان نبيه بري، وهذا ما أكدته مصادر مقرّبة من بري، حيث جزمت بأن حقيبة المال باتت محسومة لحركة أمل، وتحديدًا للوزير علي حسن خليل الذي يتولاها حاليًا.
وخلافًا للصراع الذي كان محور تأليف الحكومات السابقة، وهو الثلث المعطّل، أو الثلث الضامن الذي كان مطلب فريق 8 آذار في الحكومات السابقة، فإن تركيبة الحكومة الجديدة ستكون بعيدة عن هذا المعيار، بعد خلط أوراق التحالفات بين فريقي 8 و14 آذار. ووفق القاعدة الجديدة، أعلن مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»، أن انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية «نقل لبنان من مرحلة الطائف1 إلى مرحلة الطائف2». وقال: «مع بداية هذه المرحلة نكون طوينا مرحلة الإحباط المسيحي، وبدأنا مرحلة التطبيق الكامل للطائف من دون استنسابية أو استثناءات». وشدد المصدر النيابي على أن «تثبيت الطائف يعني إرساء التوازنات المطلوبة في السلطة، بما لا تشعر أي طائفة بالغبن والتهميش».
لكن التجاذب انتقل من الثلث الضامن والتقسيمات التقليدية، إلى التجاذب غير النافر هذه المرّة على الحقائب لدى كلّ الأطراف، وبعيدًا عن منطق توزيع الحصص، رأت مصادر مقربة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أن «ميزة تركيبة الحكومة العتيدة، أنها لن تخضع هذه المرة لمعيار الثلث الضامن، ولا لتقسيم الـ(10 - 10 - 10)، لأن الكل حريص على الاستفادة من زخم انطلاقة العهد الجديد، والتأييد الواسع للرئيس المكلّف سعد الحريري»، معتبرة أن «عنوان المرحلة المقبلة هو فتح قنوات التواصل والتلاقي بين كل القوى السياسية».
وذهبت مصادر بري إلى الجزم بأن «حقيبة وزارة المال باتت محسومة لحركة أمل، وتحديدًا للوزير علي حسن خليل الذي تولاها في حكومة الرئيس تمام سلام». أما بخصوص الحقائب الأخرى التي ستكون من حصّة «أمل»، فأشارت المصادر إلى أن بري «لم يطلب حقائب معينة، باستثناء وزارة المال، باعتبار أن فرز الحقائب السيادية والتوافق عليها يشكّل المدخل الإلزامي للمشاركة في الحكم وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف»، وأكدت أن «الوثائق السرية لاتفاق الطائف، وضعت وزارة المال من ضمن حصة الطائفة الشيعية على قاعدة التوازن في السلطة».
وانطلاقًا من أسبابها الموجبة لتمسّك الطائفة الشيعية بحقيبة المال، ذكرت مصادر رئيس المجلس، أن «الحكومات الثلاث التي تلت اتفاق الطائف كان يشغلها الوزيران الراحلان علي الخليل وأسعد دياب، لكن مع مجيء الرئيس (الشهيد) رفيق الحريري، فضّل الأخير أن تكون هذه الوزارة في عهدته، لأن مشروعه الاقتصادي استوجب ذلك، ومراعاة لسياسية معينة جعلت الملف الاقتصادي في عهدة الرئيس الحريري وفريقه، والملف الأمني في عهدة الفريق الآخر».
أما عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش، فأعلن في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «العقد المرتبطة بالوزارات السيادية حلّت معظمها، وتبقى العقدة المتعلقة بـ(القوات اللبنانية)، وما إذا كانت ستنال حقيبة سيادية أم لا». وأوضح أن «القوات» «مصرّة على أن تنال حقيبة سيادية، باعتبارها تعويضا معنويا عن غيابها عن حكومات سابقة أولاً، وثانيًا عن الدور الأساسي الذي لعبته في تسهيل انتخاب الرئيس ميشال عون»، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن «مشكلة (القوات) اللبنانية ليست عند الرئيس سعد الحريري، بل عند رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، وربما عند الرئيس بري». المصادر المقرّبة من بري عبّرت عن ارتياحها، لـ«حرص الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، على أن الحكومة الجديدة ستحكم بعنوان الشراكة الحقيقية والوحدة الوطنية والوفاق الوطني». وأوضحت أن «الجميع سيشارك فيها، من ضمن العدالة في توزيع الحقائب، مع الأخذ بعين الاعتبار أحجام الكتل، وحتى الآن يبدو هذا المعيار محترمًا».
وإذا كانت الحقائب السيادية حلقة التجاذب الأولى، فإن وزارات خدمية واقتصادية أخرى، ستكون موضع أخذ وردّ بين الكتل النيابية الكبرى، وأبرز هذه الوزارات الطاقة والمياه، والعدل، والاتصالات، والأشغال العامة، علما بأن وزارة الصحة باتت ضمن حصّة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. وهذا الواقع لمح إليه القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش، الذي أكد أن هناك «وزارات مهمّة لا تزال قيد الأخذ والردّ، لا سيما الخدمية منها وكيفية توزيعها وإسقاط الأسماء عليها». وقال: «الشيء الإيجابي أن أي فريق لم يطرح أسماء نافرة للحكومة». ورأى علوش أن «التخبّط في طرح الأسماء عبر الإعلام دليل على ألا شيء محسومًا حتى الآن، وهو دليل على غياب المعطيات الكاملة، لأن هذه المعطيات تتبدل بين ساعة وأخرى بحسب مسار المشاورات»، مشددًا في الوقت نفسه على أن «كل المناطق ستمثّل، خصوصًا المناطق المحرومة مثل طرابلس وعكار والبقاع من خلال حقائب خدمية وازنة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».