تأثير الأصولية المسيحية في انتخابات الرئاسة الأميركية

كاثوليك ضد كلينتون وبروتستانت لا يؤيدون ترامب

بحث الأسباب الكثيرة للموقف الإنجيلي من كلينتون يحتاج إلى حفر عميق في الجذور اللاهوتية للولايات المتحدة (أ.ب)
بحث الأسباب الكثيرة للموقف الإنجيلي من كلينتون يحتاج إلى حفر عميق في الجذور اللاهوتية للولايات المتحدة (أ.ب)
TT

تأثير الأصولية المسيحية في انتخابات الرئاسة الأميركية

بحث الأسباب الكثيرة للموقف الإنجيلي من كلينتون يحتاج إلى حفر عميق في الجذور اللاهوتية للولايات المتحدة (أ.ب)
بحث الأسباب الكثيرة للموقف الإنجيلي من كلينتون يحتاج إلى حفر عميق في الجذور اللاهوتية للولايات المتحدة (أ.ب)

منذ وقت بعيد، جرى العرف أن يميل التيار الأصولي المسيحي في الولايات المتحدة لتأييد الحزب الجمهوري بنوع خاص، في حين أن الديمقراطيين وأنصارهم عادة ما يكونون أقرب إلى اليسار، ولا تشغلهم كثيرًا مسألة الهوية الدينية للمرشح للرئاسة، بقدر انشغالهم برؤاه السياسية، وطروحاته الاقتصادية للبلاد. وثمة من يقول إن التيارات الإنجيلية هذه المرة لا تميل لدعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لا سيما أن الرجل «مجرد من الأخلاقيات التي تسبق الإيمانيات أو العقائد»، وحتى إن وجدت نسبة منهم تدعمه، فإن مرد ذلك، كما يقول غريغ سميث، مساعد مدير معهد بيو للأبحاث في واشنطن، إلى «رفض التصويت لمنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون». ولعل بحث الأسباب الكثيرة لهذا الموقف الإنجيلي من كلينتون يحتاج إلى حفر عميق في الجذور اللاهوتية للولايات المتحدة التي تشهد هذه الأيام ثورة من القيم الكاثوليكية والأرثوذكسية ضد القيم البروتستانتية الكالفينية - نسبة إلى جون كالفين، أو جان كالفان، (1509 - 1564) المصلح اللاهوتي السويسري - المتجسدة في عموم مذاهب البروتستانت، وخصوصًا لدى طائفة المعمدانيين (Baptists)، ناهيك بتجليها في جماعة النظاميين (Methodists) الذين تنتمي إليهم هيلاري كلينتون.
العداء الأصولي الديني للكاثوليك والأرثوذكس في الولايات للتيارات البروتستانتية يرجع إلى النظام الطائفي الذي نشأ من وحي أفكار كالفان في الماضي، الذي ارتكب مجازر جماعية بحق الآيرلنديين الكاثوليك في أوروبا. والشاهد أن الحضور الكاثوليكي في الولايات المتحدة الأميركية اليوم، الذي يقارب 25 في المائة من سكان البلاد - أي ما يزيد على 75 مليون نسمة - يبدو حائرًا إزاء من سيصوت هذه المرة، وخصوصًا بعد حالة الاضطراب والعداء الديني الذي بات يقسم الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة. ولقد جاءت الضربة القاسية والموجعة للتيارات المسيحية الأصولية - بالمعنى الإيجابي وليس السلبي، أي الكنائس ذات الأصول والمرجعيات التي تعود إلى زمن الحواريين، مثل الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية - عبر وثائق «ويكيليكس» التي تحدثت عن «مخططات» لجماعة هيلاري تحمل عداوة واضحة للمؤسسة الكاثوليكية. والرسالة الخطيرة التي نشرها موقع «ويكيليكس» في هذا الصدد كانت عبارة عن طرح فكري من ساندي نيومان، مؤسس ما يعرف بـ«صوت التقدم» على جون بوديستا، رئيس الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون، يقول فيها «إن الجدل الذي يطرحه الأساقفة الكاثوليك حول وسائل منع الحمل، جعلني أفكر أن هناك حاجة ملحة لـ(ربيع كاثوليكي) يطالب من خلاله الكاثوليك بوضع حد، بل إنهاء ديكتاتورية العصور الوسطى وبداية عصر يحفظ بعض الديمقراطية والمساواة بين الجنسين في الكنيسة الكاثوليكية».
ولاحقًا احتدمت المعركة بين جبهات أصولية مسيحية في الداخل الأميركي. فعلى سبيل المثال سخر جون هالبين، العضو في «مركز التقدم الأميركي» من الذهنية المحافظة في الكنيسة الكاثوليكية، وذلك عن طريق رسالة إلكترونية. وذهب هالبين إلى حد القول إنه «لا بد أن هؤلاء ينجذبون إلى الفكر الممنهج والرجعي فيما يخصّ العلاقات ما بين الجنسين، لا بد أنهم غائبون تمامًا عن الديمقراطية المسيحية».. وفي هذه إشارة لا تخطئها العين للسياسات المحافظة للأصوليين الكاثوليك، ورفض الليبراليين الأميركيين الذين يدعمون الحزب الديمقراطي ومرشحته التوافق معها والقبول بها.
ولكن، هل جاءت وثيقة «ويكيليكس» المشار إليها لتغير من اتجاهات الرياح ما بين المرشحين؟ سلفًا أشرنا إلى أن ترامب - غير الكاثوليكي بالمرة - لا يحوز ثقة شريحة كبيرة من المسيحيين الراديكاليين، وفي مقدمتهم نحو 30 مليون كاثوليكي يخضعون روحيًا لرؤية البابا الكاثوليكي فرانسيس الأول، في الفاتيكان، الذي كان قد شكك في هوية ترامب المسيحية من الأصل، بسبب رغبته في إقامة جسر عازل مع المكسيك. وقال البابا إبان زيارته الأخيرة للولايات المتحدة إن «من يريد تدمير الجسور وإقامة الجدران بين الناس ليس مسيحيًا».
* مشكلة كلينتون والكاثوليك
وحتى ظهور وثيقة «ويكيليكس»، كانت نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز بيو الموثوق في واشنطن أواخر أغسطس (آب) الماضي تشير إلى أن 52 في المائة من كاثوليك أميركا سيصوّتون لصالح هيلاري كلينتون، غير أن المشهد وقبل ساعات يبدو أنه يتغير، وأن لم يعنِ بالضرورة أن التحولات والتبديلات ستصب في صالح ترامب.
مع هذا، أشعلت وثيقة «ويكيليكس» نار الأصولية الطائفية ضد المرشحة الديمقراطية، إذ استنكر بول رايان، رئيس مجلس النواب الأميركي، والكاثوليكي المتدين، ما اعتبره «تشويهًا لسمعه الكنيسة الكاثوليكية»، ورأى أن نظرة فريق حملة كلينتون إلى ثلاثين مليون كاثوليكي أميركي على أنهم رجعيون إهانة تكشف مقدار الموقف العدائي لليبراليين الديمقراطيين «تجاه الشعب الأميركي والمؤمنين بشكل خاص»! ولم يتوقف رايان عند حد الإدانة أو الشجب، إذ أضاف في كلمات ما يتصل اتصالاً مباشرًا بعملية الاقتراع... «يجب على المؤمنين الأميركيين أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار وبشكل جدي، والاختيار ما إذا كانت هذه هي القيم التي يريدونها في رئيسنا المقبل أم لا».
المثير جدًا أن رايان لم يكن من قبل يدعم ترامب، رغم أنه من الجمهوريين، بل قياداتهم المتقدمة وهو رئيس مجلس النواب، كما أن البعض طرح اسمه مرشحًا بديلاً في حال انسحب ترامب أو أجبرته كوادر الحزب على الانسحاب، وهذا لم يحدث بالطبع.
ما نراه، إذن، يعني أن المسألة الأصولية الدينية صارت فاعلاً في الانتخابات. وإن لم تكن بالضرورة تدعم أيًا من المرشحين، وقد تنتظر الجواد الأخلاقي لقيادة أميركا في انتخابات 2020 أو 2024، لا سيما أن لدى الجمهوريين ما يراهم اليمين المحافظ جوادين رابحين، بهما من الشباب والحيوية، ويتوافران على المعايير التي يضعها للأخلاقية والمصداقية، هما السيناتوران اليمينيان تيد كروز (من ولاية تكساس) ومارك روبيو (من ولاية فلوريدا)، اللذان جربا حظيهما في الانتخابات الترشيحية للحزب الجمهوري قبل أن يخسرا أمام ترامب..
والحقيقة، أن الأيام الأخيرة من سباق الانتخابات الرئاسة الأميركية لم تخلُ من إعادة إحياء لقصص مغرقة في الأصولية المسيحية، حاول من خلالها الديمقراطيون «مغازلة» التيارات المسيحية البروتستانتية التي تشكل النسبة الغالبة من البيض الأنغلو ساكسون.
من هذه مواجهة هرمجدون (أرماجدون).. أو الصراع الحربي العالمي من منطلق ديني، ويمثل آخر المواجهات بين أمم العالم من جهة، واليهود في إسرائيل من جهة ثانية. هذه المعركة آمن بها رؤساء أميركا الأصوليون وأصحاب الفكر اليميني المسيحي المتشدد، بل والمتطرف في واقع الأمر، لا سيما رونالد ريغان، وجورج بوش الابن. وهما على رغم مسيحيتهما الظاهرة، أوليا الكتابات اليهودية أهمية أكبر من الإنجيل وروح التسامح والمحبة الموجودة فيه، وتمسّكوا بحرفية الناموس الموسوي إلى درجة تقديس ألواح موسى.
أنصار هذه المعركة يرون أنه يومًا ما سيأتي ملايين من دول الشمال «أقوام يأجوج ومأجوج» لمحاصرة المدينة المقدسة أورشليم (القدس) في وادي هرمجدون - التي هي سهل مجدّو في فلسطين - غير أن النار والبرد سينزلان من السماء ليتكفلا بالقضاء على تلك الملايين.
هذا المفهوم المحرف والمجتزأ لفهم التوراة قد أصبح قناعة مطلقة عند ساكن البيت الأبيض وأصحاب المجمع الصناعي العسكري الأميركي، الأمر الذي دفع الكاتبة الأميركية غرايس هالسل لأن تصف في أحد كتبها النبوءة المسيسة هذه بأنها تجلٍ لتغلغل روح الصهيونية في البيت الأبيض، مما يدفع الأصوليين المسيحيين الأميركيين لأن يكونوا على أتم الاستعداد، بل يكونون راغبين بكل قواهم في إشعال نيران حرب نووية.
وقبل عشرة أيام تحديدًا من يوم الاقتراع الرئاسي، امتلأت وسائل الإعلام الأميركية بآراء أحد أولئك الأصوليين، هو القس كارل جالوبس، الذي زعم أن التحالف الروسي - الصيني - التركي، والدور الذي يقوم به هذا المثلث القوي في الشرق الأوسط، هو تحقيق للتنبؤات التي تتحدث عن معركة هرمجدون، لا سيما أن المعركة مشروطة بوجود مائتي مليون جندي يحيطون بأورشليم، وأنه ما من جيش حول العالم لديه إمكانية حشد هائلة لذلك العدد إلا الصين. هذه التصريحات وجدت لها آذانًا صاغية عند الناخبين الديمقراطيين ومرشحتهم التي لها موقف سلبي معروف من فلاديمير بوتين وروسيا، وترفض ما تراه «ديكتاتورية روسية». ثم، لعل من يتابع تحركات الأسطول الروسي خلال الأيام الأخيرة لجهة البحر المتوسط يدرك أن موسكو لم يعد يوقفها شيء للتدخل وبقوة في المنطقة، حتى أن البعض يتحدث عن سيناريو عسكري ساحق ماحق يتصل بمعركة حلب في سوريا.
غير أن هذا ليس بيت القصيد، فيما التنسيق المثير يأتي من الأصوات الأصولية اليهودية داخل إسرائيل التي باتت تعتبر «روسيا عدوة»، لا سيما أن إسرائيل لم تعد قادرة على السيطرة على منطقة الشرق الأوسط، بسبب وجود أنظمة صواريخ ووسائل مراقبة روسية في المنطقة، والأصوات داخل إسرائيل تتحدث عن زيادة احتمالات وقوع الصدام بين القوات الروسية والإسرائيلية في السماء أو في البحر..
ختامًا، ربما لا تلعب الأصوليات الدينية في انتخابات الرئاسة الأميركية 2016 دورًا مثيرًا وحاسمًا، مثل تلك التي رأيناها من قبل أوائل هذا القرن، إلا أنها ستبقى فاعلة في كل الأحوال. ذلك أن الحراك الديني الأميركي ينطلق مثل البركان من تفاعلات داخلية من جهة، ويجد اليوم محفزات «هرمجدونية» وروسية خارجية من جهة ثانية. وهذا مشهد حكمًا لن يتوقف عند هذه الانتخابات، بل هو كذلك مرشح لمزيد من التصاعد في الآتي من الأيام.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».