تدهورت العلاقات بين بريطانيا وروسيا أكثر بسبب بعض البؤر الساخنة، مثل أوكرانيا وسوريا، لكن توترها بدأ مع قضية ألكسندر ليتفينكو الضابط السابق بجهاز المخابرات السوفياتي «كيه.جي.بي» الذي قتل في لندن عام 2006. التدهور وصل إلى أسوأ مراحله، وأكثر خطورة مما كان عليه أيام الحرب الباردة حسب التقييم الاستخباراتي البريطاني للقضايا الاستراتيجية. إذ اعتبر أندرو باركر رئيس قلم الاستخبارات الداخلية، أو ما يعرف بـ«إم آي 5»، أن روسيا كانت تشكل تهديدًا خفيًا منذ عقود، لكن هذا الوضع تغير الآن عما كان عليه في عهد الحرب الباردة، إذ أصبح هناك الكثير من الأساليب التي يمكن اتباعها لتنفيذ سياستها المناهضة للغرب. وحذر باركر من أن «العدوانية التي تستخدمها روسيا على نحو متزايد»، ومن خلال اعتمادها على تقنيات إلكترونية للوقوف في وجه الغرب. وقال باركر لصحيفة «ذي غارديان» إن موسكو «تستند إلى مجموعة كاملة من أجهزتها التابعة للدولة ومن كل قوتها لدفع سياستها الخارجية قدما بطريقة أكثر عدوانية، وهذا يشمل الدعاية والتجسس والتخريب والهجمات الإلكترونية»، مضيفا أن «روسيا تعمل في جميع أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة. ومهمة الاستخبارات الداخلية البريطانية هي قطع الطريق عليها».
وقال باركر إن أهداف أنشطة روسيا الخفية في بريطانيا تشمل الأسرار العسكرية والمشروعات الصناعية والمعلومات الاقتصادية والسياسات الحكومية والخارجية.
لكن رفض الكرملين هذه المزاعم باعتبارها غير صحيحة وتحدى منتقدي روسيا أن يقدموا الدليل على ذلك. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، للصحافيين في مؤتمر عبر الهاتف أن ما قاله باركر «لا يمت للحقيقة بصلة». وأضاف: «سنعتبر هذه التصريحات لا أساس لها من الصحة حتى يقدم أحدهم الدليل». لكن تبقى قضية مقتل ضابط الـ«كي جي بي» الأسبق ألكسندر ليتفينكو واحدة من أبرز أسباب التوتر في العلاقات الثنائية. وكانت موسكو تعول على تحسن العلاقات مع لندن في ظل الحكومة البريطانية الجديدة، لا سيما وزير الخارجية بوريس جونسون، وبنت موسكو آمالها انطلاقا من تصريحات سابقة لجونسون أثنى فيها على «حماية نظام الأسد لمدينة تدمر» وغيرها من عبارات رأت فيها موسكو مؤشرًا يدفع إلى التفاؤل بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين في ظل تولي جونسون وزارة الخارجية البريطانية. وبعد ذلك توالت تصريحات جونسون التي يوجه فيها انتقادات للسياسة الروسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تحميله الجانب الروسي المسؤولية عن قصف قافلة المساعدات الإنسانية المتجهة إلى حلب، والدعوة التي وجهها للتظاهر أمام السفارة الروسية في لندن تعبيرًا عن الاحتجاج على السياسات الروسية.
كما لم يكن الأمر مختلفًا بالنسبة لعلاقات خليفة كاميرون، رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، مع روسيا، إذ وصفت العلاقات مع روسيا بأنها غير طبيعية، مشددة أن هذا كان موقفها في تعليقها منذ سنوات على حادثة مقتل ليتفينكو. وبعد ذلك أطلقت جملة تصريحات لم ترق لروسيا وتدل على بقاء التوتر قائما بين الجانبين، وتجدر الإشارة إلى أن ماي كانت قد دعت قادة الاتحاد الأوروبي إلى إظهار موقف قوي وموحد في وجه ما وصفته بأنه «العدوان الروسي»، في إشارة إلى ما تقوم به روسيا في سوريا.
وتزامنت المقابلة التي أجريت مع باركر مع إعلان الحكومة البريطانية عن خطط لاستثمار 1.9 مليار جنيه إسترليني (2.3 مليار دولار) إضافية لتعزيز الدفاعات الإلكترونية. وستوفر استراتيجية أمن الإنترنت الوطنية الجديدة التمويل اللازم لتطوير الدفاعات الإلكترونية للمساعدة في حماية الشركات والأفراد على الإنترنت، وتعزيز قوة العمل في هذا المجال، للمساعدة في مواجهة الهجمات الإلكترونية. وأوضح وزير الخزانة فيليب هاموند أمس كيف سيساعد التمويل الجديد في حماية بريطانيا في عالم أصبحت فيه البنية الأساسية الوطنية في مجالات الطاقة والمواصلات وكذلك الأفراد أكثر عرضة للخطر؛ نظرا لوجود أعداد متزايدة من الأجهزة المتصلة بالإنترنت.
ويمثل إنفاق 1.9 مليار جنيه إسترليني على مدى السنوات الخمس المقبلة زيادة في تمويل الدفاعات الإلكترونية إلى مثليه. وقال هاموند في بيان: «يتعين علينا الآن أن نواكب حجم ووتيرة التهديدات التي نواجهها. استراتيجيتنا الجديدة.. ستمكننا من اتخاذ خطوات أكبر لحماية أنفسنا في الفضاء الإلكتروني، وأن نتصدى لأي هجوم نتعرض له». وفي إطار الاستراتيجية الجديدة ستقوم الحكومة كذلك بإقامة معهد أبحاث للأمن الإلكتروني يضم خبراء أكاديميين ومركزا للابتكار في تشلتينهام للمساعدة في تشجيع شركات الإنترنت الوليدة. وسيعمل ذلك إلى جانب مركز الأمن الإلكتروني الوطني البريطاني الذي افتتح في أكتوبر (تشرين الأول) ويعمل به نحو 700 موظف. ويأتي ذلك بعد عشرة أيام على عبور مجموعة من السفن العسكرية الروسية بينها حاملة الطائرات الأميرال كوزنتسوف مياه بحر الشمال، متجهة إلى قبالة سواحل سوريا في شرق المتوسط وراقبتها من بعيد سفن حربية بريطانية.
وعلى إثر مرور مجموعة السفن العسكرية الروسية في بحر الشمال، اعتبر وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أن هذه الخطوة «تهدف بوضوح إلى اختبار» القدرات البريطانية وبقية الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي. وقال باركر إن روسيا تتبنى موقفا معاديا للغرب على نحو متزايد، وتستخدم أساليب غير تقليدية لتحقيق ذلك. وأوضح: «هذا ما نلاحظه من خلال تصرفاتها في أوكرانيا وسوريا». وأردف «لكن التهديد الإلكتروني يظهر جزءا كبيرا من هذه الأنشطة. وشكلت روسيا تهديدا مقنّعا منذ عقود عدة. (لكن) الفارق هو أن الأساليب المتاحة لها اليوم باتت أكثر» من حيث العدد.
واتهمت واشنطن في الآونة الأخيرة الحكومة الروسية رسميًا بمحاولة التدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية عبر قرصنة مواقع مؤسسات سياسية أميركية، وهو ما نفاه الكرملين مرارًا.
{عدوانية} موسكو مصدر قلق للغرب
رئيس قلم الاستخبارات البريطانية: الوضع تغير عما كان عليه في عهد الحرب الباردة
{عدوانية} موسكو مصدر قلق للغرب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة