ولد الشيخ يعلن خريطة شاملة للأزمة اليمنية.. دون تفاصيل

زيارته تخللها تصعيد إعلامي واعتراض تحركاته من قبل الميليشيات

إسماعيل ولد الشيخ لدى تصريحه لوسائل الإعلام قبيل مغادرته صنعاء أمس (رويترز)
إسماعيل ولد الشيخ لدى تصريحه لوسائل الإعلام قبيل مغادرته صنعاء أمس (رويترز)
TT

ولد الشيخ يعلن خريطة شاملة للأزمة اليمنية.. دون تفاصيل

إسماعيل ولد الشيخ لدى تصريحه لوسائل الإعلام قبيل مغادرته صنعاء أمس (رويترز)
إسماعيل ولد الشيخ لدى تصريحه لوسائل الإعلام قبيل مغادرته صنعاء أمس (رويترز)

تقدم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بخريطة طريق تتعلق بتسوية سياسية شاملة، وقال مكتبه، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن ولد الشيخ قدم إلى «وفد أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام خريطة طريق مكتوبة تتطرق إلى التدابير الأمنية والسياسية المقترحة لإنهاء النزاع في اليمن، على أن يتقدم الوفد برده على المقترح في خلال الأيام القليلة المقبلة».
وقبيل مغادرته صنعاء، قال ولد الشيخ: «قمت بالمطالبة وحث الأطراف على وقف كامل وشامل لجميع الأعمال القتالية، مشيرا إلى ضرورة الالتزام الكامل بكل بنود اتفاق 10 أبريل (نيسان) والعمل على تفعيل لجنة التهدئة والتنسيق من ظهران الجنوب بحسب مقررات مشاورات الكويت».
وأضاف: «قمنا أيضا بالضغط على الأطراف المعنية من أجل تسهيل مرور المساعدات الإنسانية لكل المناطق اليمنية. فلقد لاحظنا مؤخرا تحسنًا كبيرا في بعض المناطق، إلا أن مناطق أخرى ما زالت تعاني ولم تصلها المساعدات. أشدد مرة أخرى أن اليمن للجميع ولكل مواطنيه في الجنوب والشمال الحقوق والواجبات نفسها.. إن منع وصول المنظمات الإنسانية إلى بعض المناطق، كما حصل أخيرًا في محافظة تعز غير مقبول ويتنافى مع القانون الدولي الإنساني».
وحول ذلك، يقول من جانبه، قال نجيب غلاب، مستشار رئيس الوزراء اليمني، إن الحوثية ترى أن خطة السلام التي تم التوصل لها ستؤدي إلى تفكيك سيطرتها الشاملة والمطلقة على المؤسسات، وستحرر المؤسسات من لجانها ومشرفيها المرتبطين بما يسمى «اللجنة الثورية» والحاكمين الفعليين للانقلاب؛ لذا ستركز على شرعنة إجراءات الانقلاب وحوثنة الجيش والأمن ومؤسسات الدولة وستحاول الإبقاء على ميليشياتها، بل والمطالبة بالصرف عليها من مالية الدولة.
أما صالح وجماعته، فيقول المستشار إنهم يَرَوْن أن أي حل لا يحمل ضمانات خارجية وداخلية لاستمرار دوره فاعلا سياسيا وتحصينه مرة أخرى مرفوض. ويتابع: «صالح وجماعته لم يعدّ يتعامل معهم الإقليم والمنظومة الدولية إلا باعتبارهم قوة معارضة ضعيفة داخل الانقلاب ومكتملة مع الحوثية في الوقت نفسه».
الطرفان لا يمكنهما أن يوافقا على أي خريطة طريق للحل رغم أنهما في حالة انهيار وعاجزان عن الحكم ووضعهما الاقتصادي سيئ جدا، وفقا لغلاب، الذي أضاف أن خيارهم بات يتمثل في «ابتزاز الجميع باستمرار حالة الخراب لتحقيق أكبر ربح على حساب الشعب».
من ناحيته، يقول الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الله إسماعيل: «رغم عدم وضوح أي من بنود الرؤية التي سلمها ولد الشيخ للانقلابيين فإنني لا أتوقع موافقتهم على أي رؤية يمكن أن تؤدي إلى تسليم السلاح والانسحاب، وهما قضيتان لا يمكن أن تتجاوزهما أي رؤية أممية مهما كانت بنودها الأخرى»، مضيفا أن مراوغات الحوثي وصالح تعتمد على المراهنة في تغير المزاج الدولي وإطالة الحرب لانتظار توازنات جديدة في المنطقة تسمح لهم بالاحتفاظ بسلاحهم ليشكلوا نسخة جديدة لما يسمى «حزب الله» في اليمن من خلال الإبقاء على السلاح والمشاركة المعطلة في حكومة قادمة. وفي وقت، قال الانقلابيون إنهم تلقوا تأكيدات من المبعوث الأممي بأن خطة الحل السياسي سلمت بالتزامن للطرفين، فإن مصدرا مقربا من الرئاسة اليمنية، قال لـ«الشرق الأوسط»: «لم نعلم بتسلم الرئاسة أو الحكومة الشرعية أو وفدها أي خريطة طريق أو مقترحات من إسماعيل ولد الشيخ»، وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن الشرعية «ممثلة في الرئاسة والحكومة ووفد التفاوض وغيرها من المؤسسات، تجنح إلى السلم ولا تطالب سوى بتطبيق القرارات الأممية وفي مقدمتها القرار 2216، والارتكان إلى المرجعيات الثلاث التي أقرها المجتمع الدولي، وهي مخرجات الحوار الوطني الشامل والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن 2216».
وأكد ولد الشيخ، في البيان، أنه «على كل الأطراف التعاون بشكل كامل وعاجل لدعم الخيارات السياسية لتأمين سلام دائم في اليمن»، مشيرا إلى أن «الأسابيع والأشهر الماضية أكدت أنه لا رابح للحرب وأن العنف ليس حلاً»، كما أكد «أهمية التوصل إلى اتفاق شامل وحل سلمي للنزاع، وحث الأطراف على تمديد وقف الأعمال القتالية»، مشيرا إلى أهمية «ضمان حرية الحركة دون أي عوائق للمساعدات والموظفين الإنسانيين في أنحاء اليمن كافة».
وغادر المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أمس، العاصمة اليمنية صنعاء، بعد يومين من المباحثات التي أجراها مع وفد الانقلابيين إلى مشاورات السلام، التي لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق بخصوص القضايا التي حملها المبعوث الأممي معه إلى صنعاء، وأبرزها تجديد هدنة وقف إطلاق النار، والاتفاق على استئناف جولة مشاورات جديدة للسلام.
وقال وفد الانقلابيين في صنعاء، في بيان صادر عنه عقب مغادرة المبعوث الأممي، إنه تسلم نسخة من ولد الشيخ تتعلق بالحل السياسي المقترح، وأضاف البيان أن المقترح «باسم الأمم المتحدة على اعتبار أنه حل شامل وكامل يشمل الجوانب السياسية والأمنية وغيرها، وعلى أن يمثل هذا المقترح أرضية للنقاش على طاولة المفاوضات»، وأن المبعوث الأممي أكد لهم «تسليمه نسخة مطابقة من المقترح للطرف الآخر في الرياض في الساعة نفسه عبر فريقه الموجود هناك». وأكد وفد الانقلابيين: «إننا سنقوم بدراسته مع القيادة السياسية واتخاذ الموقف اللازم بشأنه»، حسب بيان الانقلابيين، الذي ذكر أن الوفد عبر لولد الشيخ عن «استيائه جراء أدائه فيما يتعلق بعدد من القضايا المتعلقة بمهامه في اليمن».
وكان إسماعيل ولد الشيخ أحمد وصل الأحد الماضي إلى صنعاء، في مسعى جديد للتوصل إلى تجديد هدنة وقف إطلاق النار التي استمرت 72 ساعة وانتهت السبت الماضي، في ظل كم هائل من خروقات الانقلابيين، كما أنه كان يسعى إلى التوصل لاتفاق لاستئناف مشاورات السلام، غير أن المراقبين يؤكدون الاستقبال السيئ الذي حظي به مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة من قبل الانقلابيين، والذي تمثل في اعتراض طريقه ومحاصرة الفندق الذي يقيم فيه، إضافة إلى الحملة الإعلامية الشعواء التي قام بها أنصار حزب المخلوع علي عبد الله صالح، صعبت من مهمة ولد الشيخ، ووضعت كثيرا من العراقيل أمامه، كما يؤكد المراقبون أن تلك الحملة وما رافقها من مضايقات للمبعوث الأممي، خلال تواجده بصنعاء، كانت تهدف إلى إفشال التوصل إلى أي اتفاق من شأنه أن يوقف الحرب ويؤدي إلى استئناف المشاورات.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.