«جاستا».. القانون الذي ولد ميتًا

مرشح للتعديل من قبل المشرعين.. وسبل تطبيقه فعليًا غامضة

السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)
السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)
TT

«جاستا».. القانون الذي ولد ميتًا

السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)
السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)

بعد أسابيع من تصدره عناوين الأخبار، فإن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) بات يعاني من هبوط مفاجئ مثل البالون المثقوب، حتى إن المشرعين الذين عكفوا عليه لم يعودوا متأكدين من حكمة سنه وتشريعه.
ويمكن تلخيص المشاكل المتعلقة بـ«جاستا» في ثلاثة محاور رئيسية.
المشكلة الرئيسية الأولى تتمثل في كون القانون يسعى إلى تقويض أحد المبادئ الأساسية في العلاقات الدولية، ألا وهو مبدأ الحصانة السيادية، وذلك عن طريق السماح للمواطنين الأميركيين برفع الدعاوى القضائية في المحاكم الأميركية ضد الحكومات الأجنبية بتهمة رعاية الإرهاب. ولأن مبدأ المعاملة بالمثل هو أيضا من المبادئ الأساسية المعمول بها في القانون الدولي، فيمكن للدول الأخرى اتخاذ تدابير مماثلة تسمح برفع الدعاوى القضائية ضد الولايات المتحدة الأميركية بشأن اتهامات مماثلة.
وللتعامل مع هكذا قضية، حاول أعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة التخفيف من حدة تجاوزهم لفيتو الرئيس باراك أوباما على مشروع القانون. مما يعني أن مشروع القانون الذي قد صودق عليه بالفعل يمكن إعادة النظر فيه مجددا.
يقول بول رايان، رئيس مجلس النواب: «أود أن أعتقد أن هناك طريقة يمكننا بها إصلاح الأمر حتى لا يتعرض جنودنا في الخارج لمشاكل قانونية، في الوقت الذي نحاول فيه حماية حقوق ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)». فيما أضاف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور ميتش ماكونيل، قائلا: «إن القانون يستحق المزيد من المناقشات. ومن المؤكد أنه ليس بالأمر الذي يمكن إصلاحه والانتهاء منه في غضون الأسبوع الحالي».
كان المشرعون يدركون من المستفيدون الحقيقيون من مشروع قانون كهذا ولكن ما من أحد أولى ما يكفي من التركيز إلى الجوانب السلبية المحتملة من حيث العلاقات الدولية، كما قال السيناتور ماكونيل.
وقال السيناتور الجمهوري بوب كوركر إن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يمكنها مناقشة القضية فيما بعد انتخابات الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني). حتى السيناتور الديمقراطي تشاك شومر، الذي تزعم مشروع القانون، غير خطابه وأصبح يقول الآن إنه مستعد لإعادة النظر في نص مشروع القانون. وإنه مستعد أيضا «للنظر في أي مقترح ليس من شأنه الإضرار بعائلات الضحايا»، مضيفا مرحلة أخرى من الغموض إلى هذا الملف الشائك. وبعبارة أخرى، يعني ذلك أن قانون جاستا قائم وغير قائم في الوقت ذاته.
من جهته، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، من ولاية ساوث كارولينا، للصحافيين الأربعاء الماضي، إن هناك 20 سيناتورا آخرين يناقشون «إصلاح» القانون من أجل معالجة مسألة الحصانة السيادية. وأوضح السيناتور بوب كوركر، من ولاية تينيسي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن العدد المذكور أكبر من ذلك. ولكنه أقر، إلى جانب السيناتور غراهام، بأن التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تعديل مشروع القانون الجديد وتمريره تشريعيا خلال الفترة الأخيرة الحالية من الكونغرس بعد الانتخابات سوف يكون مهمة عسيرة للغاية.
بدوره، اعتبر جوش أرنست، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، أن الكونغرس يعاني في الوقت الراهن حالة ندم «المشترين». أما عن قدرة الكونغرس على العثور على منفذ من أجل «إعادة النظر» في نص مشروع القانون، في دورته المتأخرة والذي سوف ينعقد من جديد بعد انتخابات التجديد النصفي بعد الثامن من نوفمبر، فإن الأمر لا يزال في إطار التوقعات والتخمينات.
أما المشكلة الثانية الأساسية التي يواجهها «جاستا» في صيغته الحالية، فهي أنه يعزز الفجوة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، حيث يمكن لمحكمة محلية أن تقضي بحكم من الأحكام ولكنه يتوقف على النائب العام للولاية، أو بمعنى أوسع، على وزير الخارجية للسماح بتنفيذ الحكم القضائي الصادر.
ولقد صرح السيناتور ميتش ماكونيل في مؤتمر صحافي يوم الخميس يقول: «أعتقد أنه مثال حي على القضية التي كان ينبغي أن تحظى بالمزيد من المناقشات على مستوى الحزبين الكبيرين، وفي وقت مبكر»، موجها بذلك اللوم نحو الرئيس باراك أوباما «لعدم اهتمامه بالتشاور»، على حد قوله.
وأضاف السيناتور ماكونيل يقول: «أكره أن أوجه إلى الرئيس أوباما اللوم في كل شيء، وأنا لا أتعمد ذلك بالتأكيد، ولكن كان من المفيد لو أننا ناقشنا الأمر بإسهاب أكثر في وقت سابق من الأسبوع الماضي».
وذهب السيناتور كوركر إلى أبعد من ذلك، إذ وجه اتهاما ضمنيا بحق الرئيس أوباما لـ«الكسل الفكري»، و«التجاهل» من حيث أنه اعتقد أنه ليس بحاجة لأن يتفاوض مع الكونغرس حول الأمر باعتبار أنه يستطيع استخدام حق النقض «الفيتو» بشأن مشروع أي قانون يُرفع إليه إذا ما صودق عليه. وقال السيناتور كوركر لموقع «رول كول» الإخباري، المعني بشؤون الكونغرس، إنه حاول التواصل مع البيت الأبيض من أجل العمل المبكر حول قانون جاستا خلال عملية المساعدة لتجسير أية فجوات بين الرئيس والكونغرس. ووافق كل من السيناتور شومر والسيناتور كورنين، وهو من رعاة القانون في مجلس الشيوخ، على الاجتماع. غير أن البيت الأبيض تجاهل السيناتور كوركر تماما، الذي أكّد: «لم تكن هناك رغبة من جانبهم على الإطلاق للاجتماع ومناقشة الأمر».
ومع اعتراض الكونغرس على فيتو الرئيس أوباما، فإنه يحاول الآن البحث عن وسيلة للتفاوض بشأن النص الجديد لمشروع القانون مع الكونغرس، في خطوة الهدف منها هو تحويل القانون إلى خطوة رمزية كبرى أكثر من كونها ذات فعالية في الواقع.
ومع ذلك، فلا ينبغي إلقاء اللائمة على الرئيس أوباما وحده. فمن الواضح أن المشرعين الذين تزعموا مشروع القانون في الكونغرس كانوا مهتمين، في المقام الأول، بإحراز نقاط شخصية، أو ربما نقاط سياسية حزبية، مع اقتراب موعد انعقاد الانتخابات التشريعية المقبلة. وبالتالي، فإنهم قد أغفلوا القواعد التقليدية للتشريع في واشنطن والتي تبدأ في المعتاد بنشر الورقة البيضاء لمشروع القانون، ثم عقد جلسات المناقشات التي تضم كافة الأطراف المعنية، ثم إجراء المزيد من المحادثات المكثفة مع السلطة التنفيذية، إلى جانب العناية الواجبة على مستويات اللجنة المختلفة.
وفي مسعاهم المحموم لتمرير مشروع القانون، وربما تمرير أي مشروع لأي قانون، قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، عمد السيناتور شومر وكورنين إلى إعادة صياغة النص المبكر لمشروع القانون، والذي كما يعتقد بعض الخبراء، ربما كان من الممكن أن يكون أكثر فعالية من التشريع عن وضعه الحالي.
وربما أن النص المخفف لمشروع القانون قد أقنع فرانشيسكا بروكاشيني، الكاتبة على منتدى «Lawfare» المعني بالشؤون القانونية المختلفة، لتقول إن المسألة الأولى بالطرح في المقام الحالي هي أنه إذا كان مجلس النواب قد مرر مشروع قانون مجلس الشيوخ، فإن أوباما ما كان في الواقع قد اعترض عليه. (من المعروف أن الرئيس باراك أوباما سجل أدنى عدد من استخدام حق النقض «الفيتو» من أي رئيس آخر للولايات المتحدة منذ الرئيس الراحل جيمس مونرو).
والمشكلة الثالثة المتعلقة بمشروع قانون جاستا هي أنه يُقال الآن أن القانون ربما يكون مجرد نوع من أنواع الدعاية أكثر من كونه تشريعا واجب العمل به ونافذ المفعول.
بهذا الصدد، قال السيناتور جون كورنين، راعي قانون جاستا، خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: «من المهم بالنسبة لنا أن نبعث برسالة مفادها أن الشر لا يمكن أن يسود. لقد جاء المواطنون الأميركيون من مختلف الخلفيات في تظاهرة جميلة للوطنية والأخوة في أعقاب ذلك اليوم المروع في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001».
وعلى الرغم من ذلك، فإن الغرض الرئيسي من سن التشريعات والقوانين ليس البعث بالرسائل والخطابات، ولكن حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين ضمن السياق الأوسع لحماية المصالح الوطنية للبلاد. أما استجداء الشعبية الانتخابية من المواطنين، عبر القوانين والتشريعات التي يصدرها برلمان بلادك، فذلك من دون شك لا يمنح أي قانون الكرامة والهيبة اللازمتين لاحترامه.
يقول البروفسور جاك غولدسميث، أستاذ القانون في جامعة هارفارد والمستشار الأسبق للمستشار القانوني العام لوزارة الدفاع الأميركية، متحدثا عن قانون جاستا إنه «ليس إلا إشارة سياسية مجانية من قبل الكونغرس تفيد بجديته حول معالجة قضايا الإرهاب». ومع ذلك، فإن البروفسور غولدسميث يعتقد أن قانون جاستا سوف يلقي على عاتق المحاكم الفيدرالية بمهام وأعباء ليست مستعدة لها بحال.
وأضاف غولدسميث يقول: «لن تتحمل أعباء القانون الجديد سوى المحاكم الفيدرالية، والتي تقف موقفا شديد الحرج، بالإضافة إلى الرئيس الأميركي، الذي يتعين عليه بالضرورة التعامل مع التداعيات الدبلوماسية الخطيرة مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المعنية بالأمر».
ومن ناحية التقاليد القضائية الإنجليزية، وهي الأساس للتقاليد القضائية الأميركية، عندما يعتبر تشريع من التشريعات غير قابل للنفاذ أو بالنسبة للقوانين التي عفا عليها الزمن، ولا داعي لأن نقول «لا ضرورة لها»، أو التي تسبب من الأضرار أكثر مما تجلب من المنافع، فإنها توصف بأنها «حماقة».
ونظرا للتهديد الذي يشكله قانون جاستا على مبدأ الحصانة السيادية، فهو لا يعد أكثر من كونه «رمزا». حيث إن مبدأ الحصانة السيادية له جذور عميقة جدا في التاريخ الإنساني.
ففي العالم القديم، كان المبدأ موصوفا بأنه «ميزة الإمبراطورية»، وفي الإمبراطورية الفارسية القديمة كان معروفا باسم «شاهكرت» أو (فعل الملك)، وفي أوروبا القرون الوسطى كان معروفا باسم «فعل الأمير». أما في القانون الإنجليزي، فكان المبدأ مقترنا بشعار «الملك لا يمكن أن يخطئ». ومع ظهور الدول القومية الأوروبية الحديثة، عملوا على تدوين ذلك المبدأ في سلسلة من الوثائق المعروفة باسم معاهدات ويستفاليا.
والحصانة السيادية هي من المفاهيم القانونية التأسيسية في القانون الأميركي الذي يسبق وجود الولايات المتحدة ذاتها. كان القرين الأميركي لشعار «حصانة التاج» البريطاني هو الذي يوفر الحماية للملوك من الدعاوى القضائية التي تفتقر إلى الموافقات القانونية المعتبرة. وبموجب القانون الأميركي الحالي، هناك استثناءات قليلة جدا لمبدأ الحصانة الحكومية الفيدرالية، ولكنها محددة جميعها بموجب القانون، ودائما ما يجري تفسيرها في أضيق الحدود.
عندما تطبق الولايات المتحدة مفهوم الحصانة السيادية على الدول الأخرى، فإنها تصفه باسم «الحصانة السيادية الأجنبية». ولقد صادق الرئيس الأميركي الراحل جيرالد فورد في عام 1976 على قانون الحصانة السيادية الأجنبية، على الرغم من أن مفهوم الحصانة السيادية الأجنبية كان قيد الاعتبار والعمل منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية كدولة مستقلة ذات سيادة.
وفي المعتاد، فإن المحاكم الفيدرالية الأميركية غير مخول لها بالاستماع لأية دعاوى قضائية ضد الدول الأجنبية، غير أن قانون الحصانة السيادية الأجنبية يقتطع بعض الاستثناءات من ذلك، مثالا عندما تتنازل الدولة الأجنبية عن حصانتها السيادية، أو عندما تتدخل الدولة الأجنبية في النشاط التجاري. وليس لقانون الحصانة السيادية الأجنبية أي تأثير مباشر على محتوى أية دعوى قضائية، ولكن بدلا من ذلك، يوضح القانون بكل بساطة بعض الحالات القليلة التي يمكن للدعاوى القضائية ضد الدول الأجنبية أن تتحرك في المحاكم الفيدرالية. وهنا يأتي دور قانون جاستا. فهو يعمل بالأساس على تعديل قانون الحصانة السيادية الأجنبية وقانون مكافحة الإرهاب لكي يتضمن رفع المزيد من الدعاوى القضائية المتعلقة بمطالبات التعويض عن الأضرار المتعلقة بالإرهاب.
ومع ذلك، فإن قانون جاستا في صورته الأخيرة يحمل بعض الجوانب الحاسمة الواردة في قانون مكافحة الإرهاب، ولا سيما ذلك الجانب المتعلق بأهمية الأحكام السابقة الصادرة عن المحاكم الأميركية بشأن القضايا المماثلة أو ذات الصلة. وذلك الأمر هو من الأهمية، نظرا لكون المحاكم الأميركية قد رفضت بالفعل عدة دعاوى مرفوعة ضد المملكة العربية السعودية وتتعلق بقضايا مماثلة. وليس من شأن قانون جاستا أن ينقض الأحكام القضائية السابقة التي رفضت الاختصاص الشخصي بشأن بعض المتهمين في الدعاوى المدنية المرفوعة والمتعلقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
كما يتمسك قانون جاستا كذلك ببعض الأحكام الواردة في قانون مكافحة الإرهاب والتي تحظر المطالبات ضد «دولة أجنبية، أو الوكالة التابعة لدولة أجنبية، أو مسؤول أو موظف لدى دولة أجنبية، أو الوكالة التي تعمل ضمن صفته الرسمية، أو بموجب نوع من أنواع السلطة القانونية». وعلى الرغم من ذلك، ومن ناحية التقاليد القانونية، فإن قانون جاستا يتضمن العبارة التالية: «يمكن لمواطن من مواطني الولايات المتحدة رفع دعوى المطالبة القضائية ضد دولة أجنبية بموجب البند رقم (2333) من المادة (16) إذا لم تكن الدولة الأجنبية المعنية غير محصنة بموجب البند الفرعي رقم (ب)».
وفي حين أن قانون جاستا يحافظ على الحظر العام لقانون مكافحة الإرهاب ضد الدول ذات السيادة الأجنبية، فإنه يتجاوزه تماما لما يمكن أن يوصف باسم «مطالبات قانون جاستا»، بمعنى «أية قضية معنية بالمطالبة بالتعويضات المالية ضد دولة أجنبية تعويضا عن الإصابات المادية اللاحقة بالشخص أو الممتلكات أو الوفاة التي وقعت داخل الولايات المتحدة، والناجمة عن (...) عمل إرهابي دولي داخل الولايات المتحدة، و(...) العمل أو الأعمال المنطوية على الأضرار من جانب الدولة الأجنبية، أو من جانب أي مسؤول، أو موظف، أو وكيل تابع لتلك الدولة الأجنبية أثناء العمل ضمن نطاق مسؤوليته، أو وظيفته، أو وكالته، بصرف النظر عن مكان وقوع العمل أو الأعمال المنطوية على الأضرار من جانب الدولة الأجنبية».
مع ذلك، وعلى الرغم من كل شيء، وبفضل البند 4 (أ) من قانون جاستا، فإن دعاوى التعويضات الخاصة بقانون مكافحة الإرهاب ضد الدول ذات السيادة الأجنبية - بالمقارنة بدعاوى التعويضات ضد المتهمين الخواص - لا يمكن أن تستند على مسؤوليات المساعدة والتحريض. وبالتالي، لا يزال قانون مكافحة الإرهاب متاحا بالنسبة لـ«مطالبات قانون جاستا» ضد الدول ذات السيادة الأجنبية، ولكن من الناحية النظرية باعتبار المسؤوليات الأولية، والتي حظرت رفع العديد من الدعاوى القضائية فيما يتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام قد ربطت بشكل وثيق بين قانون جاستا والمملكة العربية السعودية، فإن أحكام القانون يمكن أن تسري ضد أية دولة من الدول. وهذا بدوره من شأنه إقناع الآخرين بالرد والانتقام عن طريق سن تدابير قانونية مماثلة ضد الولايات المتحدة.
ورغم ذلك أيضا، فإن دخول قانون جاستا حيز التنفيذ في صيغته الحالية سوف يتطلب درجة نادرة للغاية من التعاون بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة. ويمكن لأية إدارة أميركية استخدام قانون جاستا كوسيلة من وسائل التهديد السياسي، ودعونا لا نشير إلى الابتزاز السياسي، بشأن دول أخرى. ولكن يمكن لأية إدارة أميركية أيضا منع استخدام قانون جاستا من التأثير على أية دولة.
وبموجب نص القانون الحالي، يمكن لإحدى المحاكم الأميركية إرجاء الدعوى القضائية ضد دولة أجنبية إذا ما شهد وزير خارجية الولايات المتحدة أن بلاده تشارك في مناقشات النيات الحسنة مع المدعى عليه لدى الدولة الأجنبية فيما يتعلق بتسوية المطالبات ضد الدولة الأجنبية، أو أية أطراف أخرى يُلتمس إرجاء المطالبات بشأنها. ويمكن منح الإرجاء بموجب هذا البند لمدة لا تتجاوز 180 يوما.
ومع ذلك، يجوز للنائب العام الأميركي رفع الالتماس للمحكمة بتمديد الإرجاء لمدة 180 يوما إضافية.
ويسمح نص القانون الحالي للحكومة الأميركية بالتدخل في القضايا المرفوعة بموجب قانون جاستا ويمكن أن تحصل على حق الإرجاء بموجب نفس القانون ولأجل غير مسمى. وفي واقع الأمر، وعلى الرغم من السلطة التقديرية الممنوحة للمحكمة لمنح حق الإرجاء في المقام الأول، بمجرد منح حق الإرجاء للمرة الأولى، فإن التمديدات (والمحتمل تجديدها إلى الأبد) تعتبر إلزامية على الأقل طالما أن وزير الخارجية يجدد شهادته بوجود مناقشات النوايا الحسنة إزاء تسوية المطالبات التي رفعت الدعوى بشأنها. بعبارة أخرى، فإن حكومة الولايات المتحدة سوف تكون قادرة على رفع السيف القضائي المسلط فوق رؤوس أية دولة مستهدفة بموجب نص قانون جاستا. (ولنذكر جيدا أن القانون لم يأت على ذكر المملكة العربية السعودية في أي مادة من مواده، وبالتالي فإن القانون من المحتمل أن يسري على كل الدول الأخرى).
وبالطبع، يمكن لقاضي المحكمة الجزئية دائما أن يرفض منح حق الإرجاء بموجب البند 5 (ج) (1)، ولكنّ القضاة الفيدراليين قد بحثوا عن أية وسيلة ممكنة لتفادي الوصول إلى أسس ووقائع هذه القضايا. وسوف يكون من المبالغ فيه، وبشدة، أن نتوقع من قاضي المحكمة الجزئية الأميركية استبعاد الأدلة المقدمة من المدعي العام ووزير الخارجية، حتى وإن كان مبررها الوحيد هو مبدأ «أسباب الدولة». وسوف تستمر المغريات في كل مكان بشأن إلقاء القاضي اللوم على الإدارة الأميركية حيال تجميد الإجراءات القضائية.
وربما يكون من السابق لأوانه كثيرا التكهن بما سوف يحدث بشأن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، وما إذا كان سوف يُعاد النظر فيه وإعادة صياغة نص القانون في وقت لاحق من العام الحالي. ومع ذلك، فالقانون المثير للجدل في الآونة الأخيرة يبدو وإلى حد كبير مثل الطفل المولود ميتا أو الكيان المُساء فهمه بين الناس.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».