منذ الساعات الأولى لبدء الحرب ضد تنظيم داعش، وعلى طول الجبهات الممتدة من جنوب كركوك حتى سنجار غرب الموصل، تواصل كتيبة الهندسة العسكرية العائدة إلى قيادة قوات الإسناد الأولى في قوات البيشمركة مهامها في تطهير الأراضي والمناطق المحررة من العبوات الناسفة والمتفجرات التي يفخخ بها «داعش» طرق ومباني كافة المناطق التي تنتزع من سيطرته. وتمكنت الكتيبة تمكنت حتى الآن من إبطال مفعول 13 ألف ومائتين وتسعين عبوة ناسفة.
«الشرق الأوسط» رافقت آمر كتيبة الهندسة العسكرية العائدة لقيادة قوات الإسناد الأولى في قوات البيشمركة، اللواء محمود حسين، خلال إشرافه على عمل ضباط ومقاتلي الكتيبة في الخطوط الأمامية لجبهات محور الخازر (40 كيلومترا غرب مدينة أربيل)، التي شهدت منتصف أغسطس (آب) الماضي، عملية عسكرية موسعة من قبل البيشمركة أسفرت عن تحرير 11 قرية استراتيجية شرق الموصل.
يقول اللواء حسين: «تمكنت كتيبة الهندسة العسكرية منذ بداية الحرب ضد تنظيم داعش في يونيو (حزيران) من عام 2014 وحتى الآن من إبطال مفعول 13 ألف ومائتين وتسعين عبوة ناسفة، وأكثر من ثمانمائة قطعة من المقذوفات غير المنفلقة (قذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا وقذائف الآر بي جي)، وعالجنا أكثر من 138 نفقا يتراوح طولها ما بين 10 أمتار إلى 700 متر، وفحص وتأمين أكثر من 210 منازل مفخخة في مختلف قواطع العمليات الممتدة من سنجار إلى جنوب كركوك، إضافة إلى تفتيش 287 كيلومترا من الطرق الرئيسية والفرعية بحثا من العبوات الناسفة، وتفجير أكثر من ست أطنان من مادة الـ(تي إن تي) في سنجار وأطرافها، وهذه المادة كانت مهيأة لتعبئة العبوات الناسفة، وإبطال مفعول أكثر من 14 حزاما ناسفا».
ويضيف: «البعض من المناطق التي حُررت ما زالت عودة سكانها إليها صعبة حاليا، لأن تنظيم داعش ما زال قريبا من هذه القرى، ولا يبعد منها سوى بعض الكيلومترات، كذلك تشكل العبوات الناسفة التي زرعها التنظيم في هذه المناطق خطورة أخرى على السكان فيما إذا عادوا إليها حاليا، خطورة هذه العبوات لا تقتصر في الطرق الرئيسية، بل توجد هذه العبوات بكثرة في المباني والمزارع».
وأشار حسين إلى كثافة العبوات الناسفة في اثنين من القرى التي حررتها البيشمركة في محور الخازر في مايو (أيار) الماضي، وقال: «التنظيم ركز في زرع العبوات الناسفة على قريتي تل اللبن وكولبور، وبحسب إحصاءاتنا، أبطل حتى الآن أكثر من 2000 عبوة ناسفة في هاتين القريتين فقط، ونتوقع وجود أكثر من 2000 عبوة ناسفة أخرى في داخل هذه القرى والمناطق الزراعية التابعة لها».
ويسلط حسين الضوء على المواد التي يستخدمها تنظيم داعش في صناعة العبوات الناسفة ويقول: «التنظيم يصنع عبواته الناسفة محليا، ويستخدم مواد كثيرة في صناعتها، لكن كمادة رئيسية يستخدم مادة نترات الأمونيوم، وهي نوع من الأسمدة، ويعبئ بهذه المادة جليكانات بلاستكية من سعة 5 لترات أو 10 ليترات، مع وضع مادة الـ(تي إن تي) وسيلة الإشعال المطلوبة، ويزرعها في مناطق معينة». ويضيف: «أما بالنسبة للطرق الأخرى، فالتنظيم يستخدم أنابيب النفط أيضا في صناعة العبوات، وهذه الأنابيب مصنوعة من الحديد، حيث يقطع هذه الأنابيب إلى قطع بطول أكثر من 30 سنتيمترا وقُطر 30 سنتيمترا».
وحسب اللواء محمود حسين، الذي درس الهندسة العسكرية في الأكاديمية العسكرية في بغداد ولديه خبرة في هذا المجال تعود لأكثر من 37 عاما فإن «تنظيم داعش استخدم في البداية أساليب بسيطة في العبوات الناسفة، لكنه يستخدم يوما بعد يوم أساليب وتكنولوجيا متطورة في عملية زرع العبوات، خاصة في محور كوير مخمور، وأول مرة استخدموا فيها السلاح الكيماوي كان في محور كوير ومخمور، وأول مرة استخدموا فيها أساليب تفجير العبوات عن بعد بواسطة خرائط إلكترونية وكهربائية كانت أيضا في محور مخمور»، مؤكدا أنه «مهما كانت أساليبهم جديدة وحديثة، فنحن لدينا كوادر مدربة تدريبا جيدا، وممكن إزالة خطر أكثر من 95 في المائة من الخطط التي يعدها (داعش) لإلحاق الضرر بقوات البيشمركة».
ويتابع: «نحن مستمرون في تنظيم الدورات الخاصة بمجال الهندسة العسكرية مع قوات التحالف الدولي، وتخرجت حتى الآن عدة دورات من مركز التدريب الموجود في إقليم كردستان، لكن من ناحية التجهيزات والآليات، فنحن بحاجة إلى تجهيزات وآليات متطورة من أجل تقليل الخسائر في صفوف عناصر الفرق الهندسية، فليست لدينا التجهيزات التي تجعلنا نواكب عملية تطور العبوات الناسفة»، لافتا إلى أن «أكثر ما نحتاجه وموجود لدى التحالف الدولي يتمثل في نوع من العجلات المدرعة التي بإمكانها تفجير العبوات عن بعد وهي مهمة جدا، إضافة إلى أجهزة قطع شبكات الهواتف الجوالة والاتصالات، لأن أكثر هذه العبوات تُزرع باستخدام الجوال وهذه الأجهزة، وتفجر عن بعد».
وتمكنت قوات البيشمركة على مدى أكثر من عامين من المعارك ضد تنظيم داعش من تحرير 28 كيلومترا مربعا من الأراضي الكردستانية من التنظيم. ويعتمد «داعش» في حربه هذه بالدرجة الأولى على استخدام الانتحاريين والعجلات المفخخة التي يقودها انتحاريون من التنظيم، وعدة أنواع من العبوات الناسفة يستخدم في صناعتها التنظيم تقنيات متنوعة. هذا إلى جانب الأنفاق التي يحفرها التنظيم في مناطق وجوده للاختباء وتفادي غارات طيران التحالف الدولي وللتنقل بسهولة بين البيوت والقرى.
بدوره، قدم أحد ضباط كتيبة الهندسة العسكرية المختصين في مجال إبطال العبوات الناسفة، النقيب دريا دلاور، لـ«الشرق الأوسط» شرحا عن أنفاق التنظيم السرية، وأطولها وقال: «أنا شاركت في معالجة عدة أنفاق من الأنفاق التي حفرها التنظيم، أحد هذه الأنفاق كان يبلغ طوله نحو 700 متر وعمقه 10 أمتار، يقع في قرية تل أسود في محور الخازر، وكان مزودا بالطاقة الكهربائية، وأماكن لاستراحة المسلحين، وعبأوا أكياسا نسيجية بالتراب المستخرج من النفق أثناء حفره، ووضعوا هذه الأكياس في المبنى الذي حُفر تحته النفق لإخفائه، وزرعوا في عدة مناطق من النفق مجموعة من العبوات الناسفة، هذا النفق كان يمتد تحت عدة منازل في القرية، وكانت هذه المنازل مزودة بفتحات للقناصة».
أما النقيب بايز حويز، أحد المختصين الآخرين في كتيبة الهندسة العسكرية، فأوضح طبيعة عملهم قائلا: «نحن نتعامل مع العدو الخفي الذي يقع في طريق تقدم قوات البيشمركة باتجاه تحرير المناطق من (داعش)، فالتنظيم يحاول إبطاء تقدم قواتنا أثناء الهجوم عن طريق هذه العبوات، لكن كتيبة الهندسة العسكرية تبطل هذه العبوات وتفتح الطريق أمام قوات البيشمركة لتنفيذ أهدافها بشكل كامل»، مشيرا إلى أن التنظيم غير قادر على مواجهة قوات البيشمركة في معارك مباشرة لذا يعتمد على العبوات الناسفة والسيارات المفخخة في معاركه ضد قوات البيشمركة.
الهندسة العسكرية للبيشمركة تبطل 13 ألف عبوة ناسفة خلال عامين من حرب «داعش»
«الشرق الأوسط» تواكب عمل فرقها في الخطوط الأمامية
الهندسة العسكرية للبيشمركة تبطل 13 ألف عبوة ناسفة خلال عامين من حرب «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة