تركيا {تهندس} صفقة تبادل جثامين الطيارين الروس بـ169 معتقلاً سوريًا

ضغوطات أنقرة على الفصائل قلّصت العدد.. وأسقطت بند ترميم المستشفيات

مقاتلان من الجيش السوري الحر يعبران وسط الدمار في جوبر قرب دمشق حيث جرت معارك عديدة في السنوات الأخيرة (رويترز)
مقاتلان من الجيش السوري الحر يعبران وسط الدمار في جوبر قرب دمشق حيث جرت معارك عديدة في السنوات الأخيرة (رويترز)
TT

تركيا {تهندس} صفقة تبادل جثامين الطيارين الروس بـ169 معتقلاً سوريًا

مقاتلان من الجيش السوري الحر يعبران وسط الدمار في جوبر قرب دمشق حيث جرت معارك عديدة في السنوات الأخيرة (رويترز)
مقاتلان من الجيش السوري الحر يعبران وسط الدمار في جوبر قرب دمشق حيث جرت معارك عديدة في السنوات الأخيرة (رويترز)

هندست تركيا صفقة تبادل جثامين 5 طيارين روس قضوا في سوريا مطلع الشهر الماضي إثر تحطم مروحيتهم في ريف إدلب، بعدد من المعتقلين لم يتضح حتى الساعة، رغم أن مصادر مطلعة على ملف التفاوض، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن العدد تقلص إلى المئات، ولم تشترط أسماءهم، وذلك بعد أن كانت فصائل المعارضة طالبت بالإفراج عن 5 آلاف معتقل، بينهم ألف شخص وقد حددت أسماءهم بقوائم.
وأسهمت تركيا بشكل أساسي في بلورة الصفقة التي لم يحدد موعد تنفيذها بعد، بعدما رعت الوساطة بين الروس وفصائل المعارضة السورية، وهو ما دفع المستشار السياسي للقوات الخاصة الروسية والوسيط في الملف أنس الشامي، للتأكيد لـ«الشرق الأوسط» بأن «تركيا لعبت دورًا إيجابيًا وكان لها حضور إيجابي في الوصول إلى مرحلة الاتفاق».
وقد بدأت السلطات السورية بالإفراج عن 169 معتقلا في إطار الاتفاق، وفق ما ذكر محامي عدد منهم لوكالة «الصحافة الفرنسية». وقال المحامي الحقوقي ميشال شماس المتابع لملفات بعض المعتقلين السياسيين عبر الهاتف من ألمانيا: «أفرج الثلاثاء عن 50 معتقلا، بينهم سبع نساء، من سجن عدرا (شمال دمشق) و84 آخرين من سجن حماه العسكري (وسط)»، مشيرا إلى أنه «تم إبلاغ 31 آخرين في سجن حمص (وسط) بأنه سيتم الإفراج عنهم». وأوضح شماس أن «اللائحة النهائية تضم 169 معتقلا ضمن اتفاق تسوية مع الفصائل المسلحة مقابل تسليم الأخيرة لجثامين الجنود الروس الخمسة».
وتحتجز قوات المعارضة السورية خمس جثث لطيارين روس، كانوا قضوا في تحطم مروحيتهم بريف إدلب مطلع شهر أغسطس (آب) الماضي. وبعد يوم على الحادثة، نشطت المفاوضات بين روسيا وفصائل المعارضة، عبر وسطاء، أبرزهم تركيا، للتوصل إلى تسوية تقضي بالإفراج عن الطيارين.
وقال أنس الشامي إن «الأمور تسير في مسارها الصحيح»، لافتًا إلى أن جميع الأطراف أبدت تجاوبًا لإنهاء الملف عبر التبادل. وأوضح أن النظام «أبدى تجاوبًا جيدًا، كما لعبت أطرافًا دولية، هي تركيا، دورًا إيجابيًا»، مشددًا على أن الملف «هو إنساني بما يتخطى كونه صفقة تبادل، وتعمل جميع الأطراف على إنهائه». وقال: «أنا كوسيط يعنيني أن تحل أزمة كلا الطرفين، كما أهتم لأن يخرج المعتقلون والأبرياء من السجون، كما يهمني أن تصل جثث الجنود إلى عائلاتها»، مؤكدًا «إننا نسعى من خلال الملف إلى وأد الفتنة، ونؤكد أننا لا نفضّل أي طرف على الآخر».
وإذ رفض الشامي تحديد موعد لبدء تنفيذ الاتفاق، قال إن النظام «تجاوب مع معظم المطالب، وأحال الأشخاص المنوي الإفراج عنهم لمحكمة الإرهاب في القضاء السوري التي ستصدر قرارها القضائي بالإفراج عنهم وتسليمهم»، مشددًا على أن الأمور «تسير في الاتجاه الصحيح».
وبعد سقوط الطائرة وانطلاق المفاوضات، تشكلت «الهيئة السورية لشؤون الأسرى والمعتقلين» لمتابعة الملف بالنيابة عن كل الفصائل المعنية بالملف، رغم أنه فعليًا، كانت حركة «أحرار الشام» الطرف الأبرز في قيادة التفاوض بالوكالة عن فصائل احتفظت بالجثث، ونقلت مطالبهم التي اتسمت بـ«سقفها العالي». وقال القيادي في «أحرار الشام» محمد الشامي لـ«الشرق الأوسط» إن «جيش الفتح» «طالب بالإفراج عن 5 آلاف معتقل، بينهم قائمة تحدد أسماء ألف معقل تضمنها اسم المقدم حسين هرموش، أول الضباط المنشقين عن قوات النظام السوري».
وأشار الشامي إلى أن المطالب الأولى «تمثلت أيضًا بدفع مبالغ مالية لترميم وصيانة المستشفيات والمرافق الطبية التي تعرضت لقصف في محافظتي إدلب وحلب، على أن تُمنح الأموال لمنظمة دولية تهتم بإعادة ترميمها وتأهيلها». وأشار إلى أن تلك المطالب «لم يوافق عليها الطرف الروسي، وضغطت تركيا على الفصائل لتخفيض شروطها، حيث رست المفاوضات في النهاية على الإفراج عن معتقلين فقط، من غير اشتراط أسمائهم، ويختارهم النظام»، مشيرًا إلى أن المحادثات الأخيرة «أفضت إلى الإفراج عن عدد لم يحدد حتى هذه اللحظة، وهو بالمئات».
في هذا الوقت، أطلق النظام السوري سراح 86 سجينًا من سجن حماه المركزي، من المعتقلين بتهمة «الإرهاب» وعلى خلفية المظاهرات التي خرجت ضد النظام خلال الأعوام الخمسة الفائتة، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، مضيفًا أنه «من المنتظر أن يتم الإفراج عن دفعة جديدة خلال الساعات المقبلة، على أن يتم لاحقًا الإفراج عن دفعات جديدة من السجناء، وذلك مقابل تسليم الفصائل جثث جنود روس قتلوا في وقت سابق».
وبينما نفى مصدر أمني نظامي لوكالة الصحافة الألمانية، ربط الإفراج عن هؤلاء بالصفقة مقابل جثث الطيارين الروس، قائلا إن الإفراج عن هؤلاء يأتي تنفيذًا للمرحلة الثالثة من اتفاق سجن حماه قبل شهرين، قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن الإفراج عنهم «جاء كبادرة حُسن نية من النظام، تمهيدًا لتسليم الطيارين الروس»، مشيرًا إلى أن عدد الذين سيفرج عنهم النظام ضمن الصفقة «سيصل إلى مائتي معتقل، بينهم معتقلون في سجن عدرا».
وجاء ذلك بعدما أفاد ناشطون بإفراج النظام عن 50 معتقلاً من سجن عدرا ليل الثلاثاء. وقال عبد الرحمن إن المفرج عنهم من حماه «سيكونون جزءًا من الصفقة»، واصفًا تصريحات المسؤول النظامي بأنها «تنكّر شكلي للصفقة التي تبلورت».



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.