في محاولة لوضع حد للصراع الدائر في سوريا منذ خمس سنوات، وافق التحالف الذي يضم خصوم رئيس النظام السوري بشار الأسد على خريطة طريق انتقالية لتحديد معالم حكومة انتقالية، من المفترض تشكيلها خلال ستة شهور من الآن. وجرى الكشف عن الخطة التفصيلية ومناقشة تفاصيلها في مؤتمر عقدته الحكومة البريطانية، ووعدت بحشد جهود دولية من أجله.
وصرح رياض حجاب، المنسق العام للهيئة العليا للتفاوض، بأنه يتحتم على بشار الأسد التخلي عن السلطة خلال الشهور الستة القادمة المفترض أن تبدأ فيها المرحلة الانتقالية.
وتتألف الخطة من ثلاث مراحل: أولاً مفاوضات لستة شهور بين ممثلي المعارضة والحكومة السورية وفق اتفاق جينيف 2012 أساسًا للمفاوضات. يتعهد الطرفان بفرض هدنة مؤقتة ورفع الحصار والسماح لكافة المساعدات الإنسانية، والإفراج عن المعتقلين.
ثم الفترة الانتقالية لعام ونصف، تبدأ منذ تاريخ تأسيس الحكومة الانتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، ورحيل الأسد وغيره من كبار المسؤولين المتهمين بارتكاب «جرائم شائنة». وسوف تجري صياغة دستور جديد خلال تلك الفترة، وسيؤسَّس لنظام سياسي ديمقراطي تعددي في البلاد.
وفي المرحلة الثالثة، سيجري الاتفاق على التعديلات الدستورية وفق حوار قومي، وانتخابات تجري تحت إشراف الأمم المتحدة.
وبحسب محللين، ربما تقدم خطة لندن، على الأقل، جزءًا من الغطاء السياسي الذي تحتاجه القوى المهتمة بالشأن السوري لتعديل أوجه السياسة الحالية. وقد تكون الخطة بمثابة ستار خلفي للمسرح، لإبرام اتفاق أميركي روسي جديد لوقف إطلاق النار في بعض المناطق التي تشهد معارك شرسة.
«باستثناء الأسد وحفنة من أقرب المحيطين، لم تستثنِ الخطة أحدًا»، وفق دبلوماسي بريطاني طلب عدم ذكر اسمه، مضيفا: «الخطة لا تهدف لإقصاء أي من القوى، حيث إن هناك وعيا بحاجة سوريا لدعم الجميع كي يعيشوا شعبا واحدا مرة أخرى». لكن في حال فشلت الخطة المقترحة، كما حدث في الخطط السابقة، فقد تشهد سوريا فترة أسوأ وأعنف من الصراع المسلح.
وشدد المؤتمر على «ألا يكون هناك أي دور لمجرمي الحرب وكل من أدين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في المرحلة الانتقالية». بيد أن المؤتمر لم يتطرق إلى المطالبة بتفكيك البنية الإدارية والعسكرية والأمنية للنظام الحالي.
وفي محاولة غير مباشرة لتهدئة المخاوف الروسية من أن رحيل الأسد قد يؤدي إلى انهيار الدولة والجيش السوري، كما حدث في العراق عام 2003، أوضحت المعارضة أنها لا تسعى «للثأر»، بل «للإصلاح وفق الإجماع الشعبي لإعادة الحياة إلى طبيعتها». وبحسب تصريح متحدث من المعارضة السورية: «لن يكون هناك انتقام. في الحقيقة، نحن نسعى لتشكيل لجان لا تهدف سوى الحقيقة وتحقيق المصالحة».
وبمقتضى الخطة، سوف تراجع لجان خاصة «الوضع الحالي» لبنية الجيش والشرطة السورية، بهدف إعادة تشكيلها وتدريب منتسبيها لتخدم الشعب وحكومته التي تشكلت منه، لا لحماية السلطة التي تعتمد على الولاءات الطائفية والآيديولوجية الضيقة.
وعلى الرغم من أن الاقتراحات بخصوص الخيارات الفيدرالية لم تثر في المؤتمر، فإن المؤتمر قد أوضح أنه فضل الحفاظ على كيان الدولة السورية المركزي الكبير، عن طريق سلسلة من المقترحات بهدف تعزيز الديمقراطية.
وتأمل كل من المعارضة السورية والحكومة البريطانية في أن تعزز الخطة التي تألفت من 12 نقطة، اتفاق العالم على طريقة وضع نهاية للتراجيديا السورية. وسوف تدعم بريطانيا الخطة من خلال مجلس الأمن الدولي بجهود خاصة لإقناع روسيا بالموافقة عليها. ومن المرجح أن تحظى الخطة بموافقة غالبية الدول العربية، وتحديدا السعودية التي اجتمع وزير خارجيتها عادل الجبير مع قادة المعارضة السورية في لندن أمس. وسوف تبذل جهود دبلوماسية أيضا من أجل إشراك قوى أخرى على صلة بالصراع في سوريا، منها إيران وتركيا، بحسب مصادر بريطانية.
وأوضح وزير الخارجية البريطاني الجديد بوريس جونسون، أنه يعتزم تكثيف الجهود البريطانية لإنهاء الصراع الدائر في سوريا، وقال إنه اطلع على الخطة الانتقالية خلال لقائه مع قادة المعارضة السورية أمس.
ومن المفترض أن تضم الحكومة المؤقتة «طيفا واسعا من القوى السياسية السورية»، وفق غسان إبراهيم، المعارض المستقل. ولن تشمل الحكومة الجديدة المعارضة فحسب، بل أيضا ستشمل ممثلين عن المجتمع المدني، وقادة بعض المنظمات غير الحكومية، وعناصر من الإدارة الحالية.
وبحسب مصادر بريطانية، سوف تمهد الحكومة السورية المؤقتة المقترحة لإجراء انتخابات عامة خلال 18 شهرا من تشكيلها، من دون محاولة فرض إرادتها السياسية على الشعب الذي مزقته الحرب. فالفكرة هي أن «ندعم التفكير العقلاني في مستقبل البلاد، ومساعدة جميع عناصر الشعب على التعبير عن رأيهم ودعم خياراتهم من دون خوف».
تناول المؤتمر أيضا الخطوط العريضة لخطط إعادة إعمار البنية السورية المحطمة، وإعادة الحياة لاقتصادها. وتقدر الدراسات حاجة سوريا من الاستثمارات بنحو تريليون دولار على مدار السنوات العشر القادمة، لمساعدة سوريا على الوقوف على قدميها مجددا.
وناقش المؤتمر أيضا أمر التواجد العسكري الأجنبي في سوريا، في إشارة إلى أن تعاون روسيا، وتركيا، وإيران، وحلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة، أقوى من الغضب الذي يسببه تدخلهم المباشر وغير المباشر في حرب كلفت كثيرا من الأرواح.
اجتمع وزراء خارجية «النواة الصلبة» في مجموعة «أصدقاء سوريا» في لندن، أمس، لمباركة الوثيقة التي أقرتها «الهيئة العليا للمفاوضات» المعارضة، بحضور نحو عشرين دولة ومنظمة. ومن أبرز المشاركين في هذا الاجتماع وزراء خارجية «بريطانيا، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وإيطاليا، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي»، على أن يلقي وزير الخارجية الأميركي جون كيري كلمة عبر دائرة فيديو مغلقة.
وفي مؤتمر صحافي جمع وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، ومنسق عام الهيئة العليا للتفاوض رياض حجاب، رحب جونسون برؤية المعارضة السورية للحل السياسي في سوريا، وعبر عن أمله في أن تتم دراسة خطة المعارضة السورية جديًا، مشددًا على ضرورة رحيل الأسد عن المشهد السياسي.
أما حجاب، فقال إن بريطانيا قدمت الدعم السياسي والإغاثي للسوريين، وأكد أن خطة المعارضة السورية تهدف للانتقال إلى مرحلة جديدة، وأن هيئة الحكم الانتقالي تقوم على المشاركة بين المعارضة والنظام. وتابع أن على روسيا والميليشيات القادمة من الخارج الرحيل عن سوريا. ولفت إلى أن «اتفاق وقف إطلاق النار خُرق أكثر من 8 آلاف مرة من قبل النظام وروسيا».
وكان منسق عام الهيئة العليا للتفاوض، قد شدد في الصباح، على أنه لا يمكن القبول ببقاء الأسد لا لستة أشهر، أو ليوم واحد، أو لدقيقة واحدة، خلال عملية الانتقال السياسي في سوريا.
وأكد على «أننا لا نطالب بحل المؤسسة العسكرية بسبب التجارب السابقة الفاشلة، ونقترح تشكيل مجلس عسكري مشترك خلال الانتقال السياسي في سوريا». وأشار إلى أن المعارضة السورية سترفض أي خطة أميركية روسية لا تتماشى مع رؤيتها. وأضاف أن الهيئة سترفض أي اتفاق تتوصل إليه روسيا والولايات المتحدة بشأن مصير سوريا إذا كان مختلفًا عن رؤيتها.
وكانت الهيئة العليا للمفاوضات قد أعلنت في الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي عن نيتها نشر خطة الانتقال السياسي في سوريا. هذا ما أعلنته ممثلة «مجموعة الرياض» هند قبوات، التي أكدت أنه إضافة إلى تشكيل هيئة «الحكم الانتقالي»، تتضمن الوثيقة تفاصيل مدة مرحلة الانتقال السياسي، وآليات ضمان تمثيل الأقليات في مؤسسات الدولة.
يشار إلى أن «النواة الصلبة» في «أصدقاء سوريا» تضم 11 دولة غربية وعربية وإقليمية، بما فيها «الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والسعودية، وقطر، وتركيا، والإمارات، والأردن، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي»، مقابل غياب مصر التي لم تعد تحضر هذه الاجتماعات. من جهة ثانية اعتبر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في تصريح لـ«بي بي سي» أن خطة المعارضة تشكل «خطوة إلى الأمام»، وتقدم «رؤية لسوريا: أي ما يجب أن تكون عليه سوريا عبر إشراك الجميع».
وعقد اجتماع جنيف - 1 في عام 2012 بغياب الأطراف السوريين، وصدر عنه بيان دعا إلى تشكيل هيئة انتقالية «تتمتع بكامل الصلاحيات»، في حين عقد مؤتمر وجولة مفاوضات جنيف - 2 في عام 2014، بحضور الأطراف السورية من دون أن يحقق أي نتائج.
وأطلقت في أواخر يناير (كانون الثاني) 2016 جولات جديدة من المفاوضات غير المباشرة، برعاية الأمم المتحدة في جنيف من دون أن تحقق أي نتائج أيضًا. لكن لم تتمكن من تحقيق أي تقدم؛ نتيجة للتباعد الكبير في وجهات النظر حيال المرحلة الانتقالية، ومصير الرئيس السوري بشار الأسد.
المعارضة السورية تطلق «خريطة طريق» للمرحلة الانتقالية من منصة لندن
اجتماع لوزراء خارجية «النواة الصلبة» في لندن لمباركة الوثيقة
صورة تجمع رئيس الائتلاف أنس العبدة والمنسق العام د. رياض حجاب وحسن عبد العظيم مع وزراء خارجية دول أصدقاء سوريا (صورة من موقع الائتلاف)
المعارضة السورية تطلق «خريطة طريق» للمرحلة الانتقالية من منصة لندن
صورة تجمع رئيس الائتلاف أنس العبدة والمنسق العام د. رياض حجاب وحسن عبد العظيم مع وزراء خارجية دول أصدقاء سوريا (صورة من موقع الائتلاف)
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة





