ساعد العمل الجماعي لمجموعة دول العشرين في إنقاذ الاقتصاد العالمي من حافة الهاوية وتفادي أسوأ المخاوف، ففي أعقاب الأزمة المالية العالمية، عقدت دول مجموعة العشرين في عام 2008 «القمة الأولى للقادة»، ليكون أول اجتماع لقادة دول الـ20، وذلك من أجل تسليط الضوء على مدى خطورة الأزمة آنذاك، وكان من الواضح في ذلك الأمر أنه تم بالتنسيق مع قادة الدول الكبرى لمنع حدوث كساد عالمي، وأدى هذا النجاح إلى مجموعة الـ20، وانعكس ذلك بدور كبير على إدارة الاقتصاد العالمي حتى الآن.
ويأتي اجتماع قادة العشرين في مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الحالي في الصين بعد 8 سنوات من القمة الأولى، ولا تزال هناك أزمات كبرى تخيم على مناقشتهم، فلم تشهد معدلات النمو تعافيًا كاملاً، ولا تزال مستويات البطالة مرتفعة في كثير من البلدان، مع استمرار مستويات الديون عقبة خطيرة أمام النظام المالي العالمي.
وتعد قمة هانغتشو (عاصمة مقاطعة تشجيانغ على الساحل الجنوبي الشرقي للصين التي تعتبر المركز الاقتصادي والثقافي والتكنولوجي والتعليمي في المقاطعة)، وجهًا آخر لعزيمة اتخاذ إجراءات منسقة لإحياء الثقة والنمو من دول المجموعة في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد العالمي، والأرجح في هذه القمة أن يتم اتخاذ قرارات يمكن أن تساعد في الأزمة العالقة بسبب الخمول الاقتصادي الذي تعاني منه الاقتصادات المتقدمة.
* تحديات قمة العشرين
تعد السياسة النقدية لدول مجموعة العشرين واحدة من أبرز التحديات خلال السنوات الأخيرة الماضية، خصوصًا في ظل الركود الاقتصادي وتباطؤ معدلات النمو.
فالولايات المتحدة، وهي عضو رئيسي في مجموعة العشرين، تحاول التعافي.. ولكن هذه المحاولات لا تعود على جميع الأميركيين بالفائدة، حيث أصبحت دخول الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة آخذة في الانخفاض بالتزامن مع اتساع فجوة الثروة في البلاد.
ووفقًا للإحصاءات الأميركية الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) الشهر الماضي، فإن الدخل الحقيقي للأسر الأميركية انخفض على مدار الـ15 عامًا الماضية، في حين وصل معدل المشاركة في القوى العاملة إلى مستويات قياسية على مدى العقود الماضي، في حين يقول الخبراء إن النمو المستدام للاقتصاد الأميركي ليس مضمونًا في ظل تقلبات المؤشرات الكلية.
وفي أوروبا، أصبحت المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية عقبة رئيسية أمام معدلات النمو الاقتصادي، إضافة إلى المؤثرات العالمية. فقرار بريطانيا بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي الذي نجم عن استفتاء أجري في 23 يونيو (حزيران) الماضي، فرض حالة من عدم اليقين حول العلاقة المتشابكة بين الطرفين، إضافة إلى تعامل المجتمع الدولي في الوقت الراهن.
أما في ألمانيا، فأزمة اللاجئين أصعب مشكلة تواجه الاقتصاد الألماني، ويقول محللون إن النمو الاقتصادي في ألمانيا سيعاني مزيدًا من الانتكاسة، إذا لم تتم معالجة المشكلة بشكل صحيح.
وفي فرنسا، أثرت الأحداث الإرهابية على مدار العامين؛ الماضي والحالي، على وضع الاقتصاد الفرنسي في المدى القصير والمتوسط، وعلى المدى الطويل تحتاج فرنسا إلى دفع معدلات النمو وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.
في حين تشهد إيطاليا هذا العام، إضافة إلى مشكلاتها القديمة، باقة جديدة من المشكلات التي تسبب أزمة حادة للاقتصاد الإيطالي، كتباطؤ معدلات الديون وارتفاع معدلات البطالة وأزمة القطاع المصرفي.
وفي الوقت ذاته، تشهد الدول النامية في مجموعة العشرين انخفاضًا في الواردات، إضافة إلى تباطؤ قطاع الصناعات التحويلية نتيجة مباشرة إلى تراجع معدلات النمو في الاقتصادات المتقدمة، وكذلك ضغوط خفض العملة المتزايد أمام ارتفاع سعر الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الأميركي.
وسجلت البرازيل أسوأ ركود اقتصادي على مدى الـ25 سنة الماضية، مما أثر على الأرجنتين، التي تواجه بدورها ضغوط خفض العملة مع تراجع الاحتياطي الأجنبي بسبب تراجع أسعار السلع في السوق، كما تشهد أيضًا عجزًا ماليًا متزايدًا وارتفاع التضخم بسبب السياسات المالية التوسعية والمعروض النقدي.
وتحتاج معظم البلدان النامية إلى الاستثمار والتمويل لتعويض الثغرات في تجارتها، فعلى الرغم من أن جميع البلدان تعترف بأهمية تعزيز الانتعاش الشامل للاقتصاد العالمي، فلديهم مصالحهم الخاصة ووجهات نظر مختلفة حول آفاق الاقتصاد العالمي، وأصبح من الصعب على نحو متزايد اتخاذ إجراءات مشتركة، للتنسيق بين سياسات التجارة والاستثمار.. ومن المتوقع أن تناقش مجموعة العشرين كيفية إنشاء آلية فعالة وواسعة متعددة الأطراف للبلدان النامية لمقاومة المخاطر المالية.
* «البريكست»
ويزيد قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي من المخاطر على الاقتصاد العالمي، حيث يضيف حالة من عدم اليقين المستمر، حتى الوصول إلى مرحلة إبرام المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.. فمعدلات النمو الاقتصادي قد تأثرت في الجانبين بعد تصويت يونيو الماضي، في حين يقول خبراء إن ما رأيناه خلال الشهرين الماضيين، ما هو إلا الأثر الأولي من هذه الشكوك.
وخفض صندوق النقد الدولي توقعات النمو للمملكة المتحدة إلى 1.7 في المائة للعام الحالي، من 1.9 في المائة. وقالت كريستين لاغارد، مدير إدارة الصندوق في حديث سابق، إن عدم اليقين السياسي لتصويت «البريكست» يعني استمرار تقلبات الأسواق المالية.
* التجارة العالمية
وحدد تقرير منظمة التجارة العالمية في الآونة الأخيرة، أن نمو التجارة العالمية على مدى السنوات الأربع الماضية أقل بكثير من المتوسط في العقود الأخيرة، لجميع الذين يؤمنون بأن التجارة هي محرك الازدهار. وتواصل الصين جهودها لعكس «الاتجاهات الحمائية» التي تلت الأزمة المالية، والتي لا تزال تؤثر على وضع الاقتصاد العالمي بمحركيه الاقتصاديين الكبيرين، الصيني والأميركي. في حين حددت منظمة التجارة العالمية أكثر من 1500 قانون وإجراء من التدابير المقيدة للتجارة التي وضعتها اقتصادات مجموعة الـ20 منذ عام 2008.
ومهما كانت المبررات لهذه الخطوات التي كانت لها أسباب منطقية بعد ضرب الأزمة المالية، فقد أصبح من الجلي أن هذا الاتجاه لا يزال مستمرًا، بينما وجدت منظمة التجارة العالمية أن هناك 21 حاجزًا حمائيًا لا تزال الاقتصادات الكبرى تعتمد بعضًا منها في العالم بمعدل شهري، ويمكن للقمة أن تكسب التأييد لعكس هذا الاتجاه، إذ إن القمة وقتها ستكون لعبت دورًا رئيسيًا في وضع الاقتصاد العالمي على المسار الصحيح.
وقال وزير التجارة الصيني قاو هوتشنغ في تصريحات سابقة، إن آفاق الاقتصاد العالمي لا تزال قاتمة، على الرغم من أنه تم التغلب على آثار الأزمة المالية لعام 2008، مضيفًا أن الاقتصادات الكبرى يجب أن تقود الطريق في معالجة المشكلات، بما في ذلك تباطؤ التجارة والنمو.
ووافق وزراء مجموعة العشرين خلال الاجتماعات المنعقدة على مدار الشهور الماضية، على خفض تكاليف التجارة، وزيادة تنسيق السياسات وتعزيز التمويل، كما وافقوا على خطة متكاملة لنمو التجارة.
* معدلات النمو العالمي
وعلى رأس جدول الأعمال في قمة 2016، فرضية أصبحت من الجدليات، وهي كيف يمكن للدول العمل معًا بشكل أفضل لتعزيز «النمو الاحتوائي»، فما زال الاقتصاد العالمي بحاجة لخطوات جريئة لزيادة الإنتاج، فكون أنه من السهل في أوقات التحديات الاقتصادية خفض إجراءات البحث والتطوير، يضر بمصلحة الإنتاج والنمو على المدى الطويل.
وخفض البنك الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي في 2016، والصادرة في يونيو الماضي، إلى 2.4 في المائة، من 2.9 في المائة، وخفض صندوق النقد الدولي توقعاته في أبريل (نيسان) العام الحالي إلى 3.1 في المائة من 3.2 في المائة.
ولا يزال الاقتصاد العالمي بحاجة إلى إيجاد سبل لمعالجة عدم المساواة، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء والمرتبط بمعدلات النمو، تزامنًا مع تراجع المداخيل في كثير من البلدان المتقدمة أو الركود الذي أثار الإحباط، إضافة إلى عدم الاستقرار السياسي، غير أن قمة سبتمبر متوقع منها أن تشهد خطوات جريئة مرة أخرى لتشجيع نمو مستدام وشامل، بحيث يتم تقاسم الفوائد إلى حد ما.
* تعزيز إدارة مجموعة العشرين للاقتصاد العالمي
وفي السنوات القليلة الماضية خرج الاقتصاد العالمي من أدنى مستوياته السابقة، وتطور في أداء جيد، لكنه لا يزال يفتقد للقوة التي تكشف هذه المستويات المنخفضة في الاستثمارات العالمية وعودة معدلات تدفق الأموال إلى ما قبل الأزمة المالية العالمية.
ولمواجهة التحديات المذكورة سلفًا، فإن المجتمع الدولي يحتاج إلى المضي قدمًا في الإصلاحات الهيكلية لتعزيز الإدارة الاقتصادية العالمية لتغير منظور آفاق النمو الاقتصادي العالمي، ويمكن أن تلعب دول مجموعة العشرين دورًا حيويًا في هذا الصدد عن طريق الموازنة بين المنافع العامة والخاصة لكل طرف.
وتأتي التوقعات الاقتصادية لقمة العشرين المقبلة متفائلة نوعًا ما، على عكس قمة القادة في واشنطن قبل 8 سنوات، ولكن من المؤكد أنه لا يوجد مجال للتهاون، غير أنه من المؤكد أن القرارات التي ستتخذ في هانغتشو سيكون لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي.
مجموعة العشرين.. خط التوازن بين المنافع العامة والخاصة
«البريكست» والتجارة العالمية ومعدلات النمو على أجندة تحديات القمة
مجموعة العشرين.. خط التوازن بين المنافع العامة والخاصة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة