{الرعب والتخويف}.. أكثر الأنواع السينمائية نجاجاً عبر التاريخ

بدأت صامتة وانطلقت ناطقة وما زالت رائجة

جين ليفي في خطر مفاجئ في «لا تتنفس»  -  تيبي هدرن ورود تايلور في «الطيور» لهيتشكوك
جين ليفي في خطر مفاجئ في «لا تتنفس» - تيبي هدرن ورود تايلور في «الطيور» لهيتشكوك
TT

{الرعب والتخويف}.. أكثر الأنواع السينمائية نجاجاً عبر التاريخ

جين ليفي في خطر مفاجئ في «لا تتنفس»  -  تيبي هدرن ورود تايلور في «الطيور» لهيتشكوك
جين ليفي في خطر مفاجئ في «لا تتنفس» - تيبي هدرن ورود تايلور في «الطيور» لهيتشكوك

أحد الأفلام الجديدة هذا الأسبوع فيلم رعب عن أعمى يجابه ثلاثة أشقياء، بينهم فتاة تؤديها جين ليفي، تسللوا إلى منزله الكبير لسرقته. عنوانه «لا تتنفس»، وهذا الطلب ينطلي على رغبة أن يحتذي المشاهد بذلك وهو يتابع لعبة تشويقية لا أبرياء فيها، تقوم على عدد من الحسابات الخاطئة، بينها توقع أن الرجل الأعمى لا يستطيع التصدي لمن اقتحم منزله، وأنه في أي مواجهة بين كفيف ومبصر، فإن الغلبة طبعًا للمبصر، كونه على الأقل قادرًا على تحديد خطوات الأعمى، وتجنّب ضرباته إذا ما وقعت.
المخرج فيد ألفاريز يعرف شروط مثل هذه اللعبة، وينجح في توفير المطلوب لنجاحها. وفي أحد أكثر المشاهد تشويقًا، يقوم بتعتيم غرفة تحت أرضية تعتيما كاملاً، مما يحوّل الأشرار إلى عميان أيضًا غير قادرين على رؤية محيطهم.
المخرج القادم من أوروغواي في ثاني عمل أميركي له (بعد فيلم رعب سابق، كان إعادة لفيلم سام رايمي Evil Dead)، لا بد أنه شاهد كثيرا من أفلام الرعب في حياته الشابة، وأحبها. هذا الفيلم يذكر مثلاً بفيلم ذي حبكة مشابهة، قام البريطاني ترنس يونغ بإخراجه سنة 1967 بعنوان «انتظر حتى الظلام» (Wait Until Dark)، حول أودري هيبورن، العمياء المتزوّجة التي لا تعرف أن زوجها أخفى في منزلهما دمية تحتوي على مخدرات، لكن ثلاثة أشرار يعرفون ذلك، ويقتحمون البيت مستغلين وضعها، وهي أيضًا ستدافع عن نفسها، مندفعة لدرء خطر لا كونها عمياء فقط، بل أنثى جميلة أيضًا.
* حقوق الكونت دراكولا
أفلام الرعب من بين أكثر الأنواع السينمائية نجاحًا عبر التاريخ. وفي حين توقف إنتاج أفلام المبارزات التاريخية وأفلام القراصنة والبحار، وقل إنتاج أفلام الويسترن والأفلام الحربية إلى ما هو عليه الآن، فإن أفلام الرعب استمرت في زخم استثنائي تشهد عليه كل سنة من السنوات الماضية. فمن عام 2010 إلى اليوم، بلغ عدد المنتج من هذا النوع 47 فيلمًا تم عرضه على الشاشات الكبيرة، وأكثر من ذلك مما توجه مباشرة إلى أسطوانات العرض. ومن بين هذه الأفلام، أقل من نصفها التي أضافت جديدًا وجيدًا، وهذا هو معدل لا بأس به، باعتبار أن كل نوعيات أفلام الرعب قد استنفذت، من أفلام البيوت المسكونة، إلى أفلام الوحوش المختلفة، ومن أفلام القتلة المقنعين إلى تلك التي تستخدم الحيوانات والطيور الأليفة وغير الأليفة رأس حربة في إثارة التخويف.
كل ذلك قديم جدًا. السينما الصامتة شهدته بوفرة، والثلاثينات نشرته بقوّة. في الأولى برز «كابينة دكتور كاليغاري» لروبرت واين (1920)، و«نوسفيراتو» للمخرج ف. مورناو (1922). وبعد نطق السينما، استعارت شركة يونيفرسال المخلوقات المرعبة من الأدب البريطاني، فاستحوذت على إنتاج أفلام فرانكنستاين ودراكولا والرجل - الذئب ودكتور جيكل ومستر هايد.
«نوسفيراتو» أحد أهم هذه الأفلام إلى اليوم؛ حكاية مصاص دماء يشبه في كل خصائصه دراكولا، بعدما اضطر المخرج مورناو إلى الاستغناء عن اسم دراكولا، بعدما رفض ورثة المؤلف برام ستوكر بيع الحقوق له. وتكوين الفيلم يحمل بعض التجريب، وبعض الفن الانطباعي، وكثيرا من التخويف الرصين. لقطاته مثيرة بحد ذاتها، كاشفة عن الخطر قبل حدوثه، مما يترك المشاهد أمام حتمية مشاهدته وهو يقع.
هذا النوع من الأفلام أسسته حكاية دراكولا، بوصفه مصاص دماء يتمتع بحياة لا تنتهي، إلا إذا ما أودع الرجل الشجاع، حين تتاح له الفرصة، وتدًا في القلب، أو أخر عودة الوحش إلى تابوته لكي يطلع عليه نور الصباح، فيحترق ويموت. لكن السينما في الخمسين الأخيرة تخلت عن هذين الشرطين، فصار التخلص من مصاصي الدماء أصعب بكثير مما كان عليه الوضع في النصف الأول من القرن الماضي، كذلك الحال بالنسبة للموتى الذين يتحوّلون إلى آكلي لحوم بشرية.
وفي العام 1969، قدّم المخرج جورج أ. روميرو «ليلة الموتى - الأحياء» الذي فتح الباب واسعًا أمام زمرة من أفلام تلك الوحوش الآدمية التي لا تشبع، وهو بنفسه استمر في السلسلة، بينما طرح آخرون نسخًا مشابهة.
* براعم غامضة
طبعًا التخويف متعدد المصادر، وتختلف أسبابه من فيلم لآخر، وكذلك نوعه. وفي كل نوع نماذج جيدة تحوّلت، كما «نوسفيراتو» و«ليلة الموتى - الأحياء» وأفلام شركة يونيفرسال، إلى كلاسكيات خالدة.
«سايكو» لألفرد هيتشكوك (1960) يتبوأ الصدارة، رغم أنه نوع مختلف عن أنواع أفلام الزومبيز وآكلي لحوم البشر، أو أي مخلوق متوحش شبيه. إنه مستأصل من حكاية منشورة مستوحاة بدورها من حادثة حقيقية: شاب يعاني من انفصام الشخصية، يقتل ضحاياه الذين تسوقهم الأقدار إلى فندقه. ولارتكاب الجريمة، يرتدي ملابس والدته من دون أن يدري، ثم يعود إلى شخصيته وينهر والدته لما ارتكتبه. طبعًا والدته متوفاة منذ سنوات بعيدة.
الخوف من القتلة المعانين من عقدة نفسية سوداء تبلور سنة 1978 إلى فيلم جيد آخر بعنوان «هالووين» لجون كاربنتر (إنتاج مصطفى العقاد) الذي تحول لسلسلة انتهت عمليًا قبل خمس سنوات.
هيتشكوك مرّة أخرى استخدم الطيور للتخويف. ففي عام 1963، عاد بفيلم «الطيور» حول هجوم غير متوقع لطيور السواحل على أناس بلدة صغيرة قريبة من سان فرانسيسكو. ولاحقًا، تم اعتماد الأسماك والكلاب والجرذان والتماسيح، وحتى الديدان، كمصدر شر يحصد أرواح الضحايا تبعًا لمبررات واهية وغير منطقية، لكنها فعالة في إثارتها الخوف.
والفضاء ليس بعيدًا عن كل هذا. ففيلم دون سيغال «غزو ناهشو الجسد» جاء فريدًا: عندما تمطر السماء فوق بلدة قريبة من سان فرانسيسكو، تتساقط براعم غامضة تنمو سريعًا كنباتات، ثم تتسلق الجدران، وتدخل من النوافذ المفتوحة إلى البشر النائمين، وتستولي عليهم. وسينما الخيال العلمي، كحال «غزو ناهشو الجسد»، مليئة بالأفلام التي اعتمدت على الرعب الناتج عن وجود مخلوقات فضائية تهبط إلى الأرض، أو يجد الإنسان نفسه أمامها وقد صعد إلى الفضاء، كما هو الحال في «غريب» (Alien).
ومن سمات السينما الماضية أنها كانت تبني الحدث بتمهل، فالرحلة إلى مجاهل الأمازون في «مخلوق البحيرة السوداء»، تبدأ عادية لنحو عشرين دقيقة، قبل أن يكتشف القائمين بها أن هناك مخلوقًا برمائيًا يعيش في المياه الداكنة.
وهكذا، تتعدد مصادر التخويف، وأساليب إثارة الفزع. تلك الغاية التي يسعى إليها المخرجون بكل ما أوتوا من وسائل. بعضها يكشف فقرًا في المخيلة، واتكالاً على المعهود، وبعضها - كما الحال في الفيلم الجديد «لا تتنفس» - ينجح في الإتيان بجديد، حتى مع تشابه حبكته مع فيلم آخر سبقه.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.