الإخوان والسعودية.. القصة الكاملة (الحلقة الرابعة)

السعودية بين مكائد «الإخوان» وحراك الصحوة جهيمان امتعض من صفة عدم الوفاء لدى الجماعة

عوض القرني وسلمان العودة  وسفر الحوالي
عوض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي
TT

الإخوان والسعودية.. القصة الكاملة (الحلقة الرابعة)

عوض القرني وسلمان العودة  وسفر الحوالي
عوض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي

إن تاريخ العلاقة بين الدولة السعودية وجماعة الإخوان المسلمين مليء بنكران الجميل من قبل الجماعة، ففي عهد الملك عبد العزيز ومع كل الرعاية التي قدمت له فإن حسن البنا لم ينِ عن مهاجمة السعودية والملك نفسه؛ وذلك إما عن طريق الهجوم المباشر، من خلال ما ينشر في جريدة الإخوان المسلمين، وإما عبر التشكيك في رجالاته وقراراته، وإما عن طريق الهجوم على سياساته التي تعارض الجماعة، كما تقدم.

لم تتسن الفرصة لجماعة الإخوان المسلمين للتهجم على الملك سعود بسبب ظروفهم آنذاك واصطدامهم مع الضباط الأحرار، ولكنهم وبعد الدعم الكبير الذي حظوا به من قبل السعودية، فعاد مرشدهم عمر التلمساني في عهد الملك خالد لاتهام السعودية بتهمة باطلة تقدم ذكرها، وفعلوا الأمر عينه في عهد الملك فهد، وذلك بتأييدهم لصدام حسين في حرب الخليج الثانية واحتلال الكويت.
وفي عهد الملك عبد الله، واصلوا نفس النهج بالوقوف ضد ما كان يعرف بـ«محور الاعتدال» الذي كانت تقوده السعودية واصطفافهم مع «محور الممانعة» المعادي الذي تقوده إيران، ومن أبرز أنصار الممانعة مرشد الجماعة السابق مهدي عاكف، وهو ما استمروا فيه بعد 2011 وفترة الربيع الأصولي الذي كان يعرف بالربيع العربي.

* قصص كثيرة تستحق أن تروى في هذا الإطار، ولكن لنستمر فيما بدأناه سابقا ليتصل الحديث، ففي سياق مكائد الإخوان المسلمين لمن آواهم ونصرهم في السعودية ودول الخليج، فإنه وإن كان مستغربا أن يقوم «الإخوان» بمثل هذه المواقف ضد السعودية بعد كل ما صنعته، فإن علي عشماوي يعتبرها سلوكا إخوانيا مستقرا، فهو يقول: «فهم - أي (الإخوان) - يجيدون إيذاء كل من وقف معهم فترة من الزمن، إذا حدث واختلف معهم مرة، فقد ساعدتهم السعودية وقطر والكويت والكثير من الدول العربية، فما كان منهم إلا أن أساءوا إليهم وطعنوهم وانقلبوا عليهم... فعلوا كذلك مع الدول التي آوتهم وأحسنت وفادتهم.. وكما قلنا كان مدرسو (الإخوان) في جميع هذه البلدان يجندون الشباب ويشحنونهم ضد حكامهم وبلدانهم حتى ينقلبوا عليهم، وكلما وجدوا فرصة للانقضاض انتهزوها». ويضيف عشماوي: «لقد راقبوا جميع حكام الدول العربية التي عملوا بها وفتحت لهم أبوابها، كما جمعوا عنهم معلومات؟! وكم استعملوا تلك المعلومات ضدهم أحيانا أو للسيطرة والحصول على مزايا ومواقع في تلك الدول؟! لقد تعاونوا مع جميع الحكام ما داموا يحصلون على ما يريدون، ثم ما يلبثون أن ينقلبوا عليهم حين تختلف المصالح».

ثمة خصلة تميز جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها من التيارات والطوائف والجماعات في التاريخ الإسلامي وفي العصور الحديثة ألا وهي صفة عدم الوفاء، لا بمعنى التصرف الفردي فحسب، بل بمعنى بناء جماعة منظمة تقوم على هذا الأساس، وبناء منظومة دينية وسياسية وتربوية تشرع ذلك وتحث عليه وتحتفي به، وكيف أن هذه الجماعة المنظمة والمنظومة قد أدت إلى تحويل هذه المكائد لوقائع وأحداث عبر الاغتيالات والتفجيرات.

الغدر في التاريخ والواقع وفي حياة البشر يختلف عن الذكاء والفطنة، ويختلف عن الوعي والقيادة ويختلف عن الحرب والقتال، إنه مفهوم يكتنز دلالات سيئة.
والعنف المنظم كالذي اعتمدته جماعة الإخوان المسلمين، هو عنف من شروطه أن يقوم على اعتماد «المكائد»؛ إما ضد شخصيات عبر الاغتيالات أو ضد مجموعات أو تيارات مخالفة عبر التفجيرات التي يقتل فيها مدنيون وآمنون.
والغدر كما أنه مصطلح يكتنز صفات سيئة فهو يقوم كذلك على الاحتيال والكذب ويمارس اعتمادا على الاختلاط بعامة الناس والتماهي معهم، بينما يكون مبنيا في الأساس على خطط خادعة لتنفيذ أجندة سرية تخدم أهدافا سياسية للجماعة عبر العنف والمكيدة.
ومن المفارقات أن نجد سلفيا متشددا وإرهابيا انتهك أقدس الحرمات في الحرم المكي الشريف 1979 وهو جهيمان العتيبي ينعى على الإخوان المسلمين تبنيهم الغدر، فهو يتحدث عن الإخوان المسلمين قائلا: «ويحاولون أن يغدروا بمن يعملون تحت سلطته، وقد قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (لا غدر في الإسلام)» وفي معرض الإلزام يسألهم: «هل رخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السكوت... ومشاركة عدوهم في الأعمال أو حرضهم على نيل المراكز لديهم للغدر بهم»، وذكرهم بقول هرقل: «إن الرسل لا تغدر»، ثم قال: «أنتم تخططون للغدر وأتباع الرسول والرسول نفسه لا يغدرون... إنما المهم أن يوافقوكم على الاندماج في صفوف القوم... والسيطرة على المراكز للغدر بهم لإقامة دولتكم الإسلامية... بينما أنتم تخفيتم واندسستم بين الصفوف واندمجتم وغدرتم ولكنكم لم تقيموا دولتكم الإسلامية، وقتل منكم آلاف مؤلفة في حركات الغدر». (الرسالة السابعة: «البيان والتفصيل في وجوب معرفة الدليل» من كتاب: «رسائل جهيمان العتيبي» رفعت سيد أحمد. ص 460).

* هبوط العلاقات 1990
* التأريخ بهذا العام لقصة الهبوط في العلاقات بين السعودية وجماعة الإخوان المسلمين له ثلاثة أسباب:
1- تصريحات وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز التي أطلقها عام 2002 في حواره الشهير مع صحيفة «السياسة» الكويتية، في عددها رقم 122113 والمنشور بتاريخ 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2002، الذي قال فيه: «جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء. كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار»، مضيفا «عندما اضطهد (الإخوان) وعلقت لهم المشانق لجأوا إلى السعودية فتحملتهم، وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين»، مبينا أن «أحد (الإخوان) البارزين أقام 40 سنة عندنا، وتجنس بالجنسية السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلى قال: حسن البنا»! ويكمل الأمير نايف تعليقا على الغزو العراقي للكويت: «جاءنا عبد الرحمن خليفة و(راشد) الغنوشي و(عبد المجيد) الزنداني، فسألناهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا: نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء»، ويضيف «بعد وصول الوفد الإسلامي إلى العراق، فاجأنا ببيان يؤيد الغزو»! إذن، فقد وقفت جماعة الإخوان المسلمين الأم بمصر ضد السعودية مع صدام حسين وتبعتها على ذلك غالبية فروع الجماعة في البلدان العربية كالأردن وفلسطين واليمن والسودان، وقد كتب الإخواني الكويتي «إسماعيل الشطي» مقالات كثيرة في «الشرق الأوسط» حينها حول هذا الموضوع وأبان عن مرارة من موقف الجماعة الأم تجاه الغزو العراقي.

2- ما ذكره محمد حبيب، النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، في كتابه «ذكريات د. محمد حبيب عن الحياة والدعوة والسياسة والفكر»، بقوله في تفسير أحداث ذلك العام من وجهة نظر جماعته: «فلولا التسلط والقهر والاستبداد، ما استطاع صدام أن يتخذ قراره بغزو الكويت في 2 أغسطس (آب) من عام 1990، ولولا الاستبداد وحكم الفرد ما رضخ الحكام العرب لطلب استدعاء القوات الأجنبية لاحتلال منطقة الخليج»، ويضيف «ووقعت السعودية ودول الخليج في الشرك المنصوب». وهذا التفسير الذي انطلق منه موقف الجماعة هو تفسير منحاز تماما ضد السعودية في واحدة من كبرى الأزمات الإقليمية التي واجهتها.

3- المواقف التي عبرت عنها رموز الإسلام السياسي في السعودية، سواء من المنتمين إلى جماعات الإخوان المسلمين أو «من في حكمهم» كتيار السرورية الذي يوافق جماعة الإخوان المسلمين في الفكرة العامة وإن اختلف عنها في بعض التفاصيل.

* السعودية وحراك الصحوة 1991 - 2001
* لا أريد الإطالة في مفهوم الصحوة الذي يعني تجمعا ما لحركات الإسلام السياسي وحركات العنف الديني وحركات الدعوة الدينية بشكل عام كحركة التبليغ، والتيارات السلفية بأنواعها، وحزب التحرير والحركات المتفرعة عنه، وغيرها العشرات من الحركات، ولكن يهمنا في هذا السياق رصد جماعات الإسلام السياسي وجماعات العنف الديني المنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين، وسنعرض هذه المرحلة كالتالي:
1- المعارضة وتوزيع الأدوار: (معارضة صحوية) قادها سلمان العودة وسفر الحوالي وغيرهما كثير. فبعدما كان العودة يتحدث عن موضوعات مثل «الأسماء» و«الألقاب» و«الكنى»، أصبح يلقي محاضرات عن «أسباب سقوط الدول» ويحرض رجال الأمن على الدولة كما في كاسيت «أخي رجل الأمن»، ومثله فعل الحوالي في محاضرتين شهيرتين هما: «فستذكرون ما أقول لكم» و«ففروا إلى الله». وبعد دروس «الرد على الخرافيين» التي يهاجم فيها الصوفية، أصبح يكتب عن «وعد كسنجر»، وهاجم الرجلان بضراوة سياسة الدولة في بناء «التحالف الدولي» لتحرير الكويت بتطابق كامل مع رؤية جماعة الإخوان المسلمين ومواقفها المذكورة أعلاه. كما انتقل مؤسس تيار السرورية سوري الجنسية الإخواني السابق محمد سرور بن نايف زين العابدين إلى بريطانيا وأصدر من هناك مجلته الشهيرة مجلة «السنة» وأظهر عداوة شرسة للسعودية كدولة وهاجم كبار العلماء فيها، وقد ذكر بعض الباحثين أنه ألقى محاضرة في أحد المراكز الإسلامية في إنجلترا عام (1996) ووصلت مسجلة إلى السعودية، صرح فيها أمام الملأ بتكفير الملك الراحل فهد بن عبد العزيز والدولة السعودية.

2- (معارضة إسلام سياسي متعدد)، ويشمل بعض المنتمين للإخوان المسلمين وحزب التحرير ونحوهما، ومنها ما كان يعرف بـ«لجنة لجام» وهي لجنة تضم مجموعة من الإسلامويين في جامعة الملك سعود التي كانت المحرك الفاعل وراء «خطاب المطالب» وبعده بعام «مذكرة النصيحة»، وكان خلفها أسماء مثل سعد الفقيه ومحمد المسعري وعبد العزيز القاسم وغيرهم، وصولا لإعلان ما كان يعرف بـ«لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية» التي انطلق منها شق للخارج يقوده الإخواني سعد الفقيه والمنتسب إلى حزب التحرير محمد المسعري، وتحول اسمها مع الفقيه لـ«حركة الإصلاح».

3- سجن المحرضين وبداية الإرهاب: وعت الدولة حجم التهديد والتوجه المعادي لها من جماعات وتيارات الإسلام السياسي، فقبضت منتصف التسعينات على كثير من الأسماء أعلاه، ووقع تفجير مبنى الحرس الوطني بحي العليا في الرياض عام 1995، وخرج أسامة بن لادن قائد تنظيم القاعدة من السعودية إلى السودان التي كانت تسيطر على الحكم فيها جماعة الإخوان المسلمين وحسن الترابي، ومن هناك بدأ هجومه على السعودية يأخذ خطين متوازيين: الأول: تعزيز بناء «تنظيم القاعدة» الذي بدأه في الثمانينات. والثاني: إصدار بيانات تحت ما كان يعرف بـ«هيئة النصيحة والإصلاح» مذيلة باسم بن لادن من لندن، حيث كان يديرها «خالد الفواز»، التي بدأت تقريبا مع بداية «لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية» في نفس المدينة البريطانية لندن 1996، وهي بيانات موجهة للسعودية ومعادية لها. وقد كان التعاون شبه كامل بين الفقيه والفواز؛ فبحسب الموقع الرسمي لـ«لجنة مجلس الأمن المعنية بمتابعة الجزاءات بشأن تنظيم القاعدة وما يرتبط به من أفراد وكيانات» التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فقد «كانت للفواز اتصالات بسعد راشد محمد الفقيه الذي يرأس حركة (Movement for Reform in Arabia)، وكان للفقيه والفواز مكتب مشترك في أواخر التسعينات من القرن الماضي، حيث عمل الفقيه مع الفواز وقدم له المساعدة، وهو الذي كان بمثابة صلة وصل بين أسامة بن لادن والفقيه. وقد دفع الفقيه ثمن هاتف ساتلي، سلمه الفواز إلى أسامة بن لادن الذي استخدمه لتسهيل الهجومين اللذين شنا بالقنابل على سفارتي الولايات المتحدة لدى كينيا وتنزانيا عام 1998».
وقد كان بن لادن قد أعلن عن إنشاء ما كان يعرف بـ«الجبهة الإسلامية العالمية لمحاربة اليهود والنصارى» 1998 من أفغانستان بعدما حضر لها جيدا في السودان. ونفذ في السنة ذاتها عمليتي التفجير في السفارتين الأميركيتين لدى كينيا وتنزانيا.
4- الخروج من السجن ومرحلة الاضطراب: خرج رموز الإسلام السياسي من السجن بعد سنوات ودخلوا في مرحلة من الاضطراب في الموقف من الدولة، فبعضهم اختار الاستمرار في نفس الطريق السابق وإن بنبرة أخف، علا صوتها في مرحلة لاحقة، تلك التي كان يمثلها تيار السلفية الجهادية كناصر الفهد وعلي الخضير وأحمد الخالدي ومعهم الشيخ الطاعن في السن حمود العقلا، وسفر الحوالي، وبعضهم اختار الانحياز إلى خطاب كان في طور التشكل كان يعرف بـ«التنوير» كما يسميه طارحوه أو «العصرانية» كما يسميه خصومه كسلمان العودة.

* السعودية والإرهاب والممانعة 2001 - 2011
1- نتائج الاضطراب: كان هجوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على الولايات المتحدة في هجمات غير مسبوقة حدثا عالميا، نتج عنه إعلان حرب دولية ضد الإرهاب وسقطت معه دولتان هما أفغانستان والعراق، ولكنْ سعوديا أعلنت الدولة بكل قوة وقوفها ضد هذا العمل الإرهابي وأدانته وأعلنت المشاركة في الحرب على الإرهاب الذي يتقصد السعودية كغاية له، واختارت جماعة الإخوان المسلمين سياسة إنكار الحدث لتقدم نفسها كبديل عن «القاعدة» بل وعن السعودية، وقد حرك الحدث الجدل السابق سعوديا، فاختفى زعيم القاعدة بن لادن واستمر في التخطيط لبناء تنظيمه الذي عرف بـ«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب»، وحاول المضطربون تبين مواضع أقدامهم، وأصدروا «بيان التعايش» الذي كان ردا على بيان مثقفين أميركيين، وظهر كأنه تأييد لتيار «التنوير»، فشن تيار «السلفية الجهادية» حربا ضروسا ضد البيان، وأجبروا رموز الإسلام السياسي حينها على تقديم فروض التوبة التي وقع عليها أهم تلك الرموز: سفر الحوالي وسلمان العودة وناصر العمر عند شيخ سلفي جهادي اختاروه بعد رحيل العقلا هو عبد الرحمن البراك.

2- التردد والمساومة والبحث عن الأضواء: تردد كل من العمر والحواي والعودة والعواجي، بما يمثلونه من توجهات سابقة، فحاول العمر الانحياز إلى السلفية التقليدية، وقام الحوالي والعواجي بالتراوح بين تقديم خدمات للداخلية بتسليم المطلوبين وحل القضايا العالقة آنذاك والمساومة بعد 2003 وتفجيرات الرياض «غرناطة»، وقد قدموا خطابا يشبه خطاب جناح سياسي يدافع عن جناح مسلح، واختار العودة الإعلام والشهرة بمراوغات مستمرة تليق بسياسي محترف.
وعودا للجماعة الأم بمصر، فقد كانت الدول العربية منقسمة تجاه الأحداث الجديدة في المنطقة، وكان ثمة محوران هما «محور المقاومة» و«محور الاعتدال»، وكان الأول يضم الجمهورية الإسلامية في إيران ومعها بعض القوى السياسية من جماعات الإسلام السياسي الشيعي ممثلة في «حزب الدعوة» و«المجلس الإسلامي الأعلى»، أو النسخة الشيعية لجماعة الإخوان المسلمين التي استولت على الحكومة في العراق لاحقا وسوريا وحزب الله في لبنان وحركة حماس الإخوانية في فلسطين، وكان الثاني يضم السعودية ومصر ودول الخليج والأردن، وقد انحازت جماعة الإخوان المسلمين الأم بمصر إلى محور الممانعة ضد السعودية وحلفائها.

وعلى طول هذا العقد، ظلت الجماعة تقف على الضد من مصالح السعودية ومحور الاعتدال، ففي 2006 أيدت جماعة الإخوان المسلمين «مغامرة» حزب الله اللبناني التي أدخلته في حرب مفتوحة مع إسرائيل والتي أنكرتها السعودية وجرت على لبنان الخراب، ثم وقفت مع الحزب حين اجتاح بيروت بالقوة العسكرية التي كان يزعم توجيهها لإسرائيل في 2008.
وفي 2007، أيدت الجماعة انقلاب حماس في غزة الذي شق الصف الفلسطيني، وحركة حماس - بحسب ميثاقها - هي فرع فلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين بمصر وتنظيمها الدولي، وكانت حماس قد قدمت العهود والمواثيق في مكة وبجوار الحرم، في المعاهدة التي رعتها السعودية في فبراير (شباط) 2007 بين حركتي فتح وحماس، ولكنها حين عادت لفلسطين نكثت بالعهد وقامت بانقلابها في غزة وعادت أدراجها لمحور الممانعة الإيراني المعادي للسعودية.

وفي 2009، خرج المرشد العام للجماعة مهدي عاكف متهجما على الدول العربية ومحور الاعتدال، وكان يقصد السعودية ومصر تحديدا، ومؤيدا لإيران ليقول لقناة «الجزيرة»: «كل الأنظمة العربية أصبحت صهيونية أكثر من الصهاينة»: «كان الواجب على مصر أن تشكر حزب الله بدلا من أن تحقق مع الخلية التي لم يقصد السيد حسن نصر الله من إرسالها التخريب أو الاعتداء وإنما دعم المقاومة الفلسطينية»، «ما يقوم به حسن نصر الله من مقاومة... قد قصرنا نحن في القيام به»، «لقد خان السادات شعبه»، «يجب أن نقف ضد رئيسنا قبل أن نقف ضد زيارة نتنياهو»، «يأتي نتنياهو أو يأتي عباس لا فارق، فكلهم ملة واحدة». وبعد أقل من سنة من الوصول للسلطة في مصر، كتب الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي رسالة تقطر مودة لإسرائيل وتوقفت حماس كلية عن مهاجمة إسرائيل وحاربت الجماعات التي لم تلتزم بسياستها.
وفي العام نفسه 2009 وحين واجهت السعودية اعتداء مسلحا من جماعة الحوثي التابعة لإيران على حدودها ودخلت معهم في مواجهة مفتوحة، انحازت جماعة الإخوان المسلمين ضد السعودية وانحاز مرشد الإخوان المسلمين حينها مهدي عاكف إلى جانب إيران والحوثيين، وزعم في لقاء تلفزيوني أن السعودية تمول الرئيس اليمني حينذاك علي عبد الله صالح في حربه ضد الحوثيين، ثم أصدرت الجماعة بيانا انحازت فيه إلى الحوثيين ضد السعودية بما يحمل إدانة للسعودية، وتوالى رموز الجماعة كعصام العريان على نفس الموقف.
ولعله من المهم الإشارة إلى موقف كان لافتا في حينه ومثيرا للاستغراب وهو موقف الناشط السعودي المنسوب للسرورية محمد الأحمري، حيث كتب مقاله الشهير «خدعة التحليل العقدي» الذي جادل فيه بأهمية دعم محور المقاومة وحزب الله اللبناني على وجه الخصوص إثر حرب الثلاثين يوما التي سماها حزب الله آنذاك «النصر الإلهي»، منتقدا الأحمري في مقاله الموقف الديني والعقائدي من الشيعة أو تقديم الموقف السياسي على الموقف العقدي بخلاف طروحات التيار الذي ينتسب إليه.
وقد حصل الأحمري بعد سنوات على الجنسية القطرية.

وقد ورد في مذكرة اتهام مصرية حول «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين» صدرت في منتصف عام 2009 إشارة إلى اسم السعودي الدكتور عوض القرني كأحد الناشطين في التنظيم الدولي، وقالت عنه المذكرة ما نصه: «جناح التنظيم بالسعودية، ويضطلع بمسؤوليته الدكتور عوض محمد القرني، أستاذ الشريعة بجامعة الملك خالد، ويتخذ التنظيم من المكتبات المنتشرة بالمملكة غطاء لحركته وستارا لعقد لقاءات سرية لتلافي الرصد الأمني». كما ذكرت المذكرة من سمته «فرحان بن فريج المولد» ونسبت إليه أنه هو «الذي يتولى مسؤولية التنظيم بمنطقة مكة المكرمة ويضم بعض السعوديين والمصريين العاملين بالمملكة».

ثم أعادت لائحة اتهام صادرة عن النائب العام المصري، أعلنت في يوم الأربعاء 21 أبريل (نيسان) 2010، اتهام عوض القرني بتهمة جديدة هي تمويل التنظيم الدولي لـلإخوان، وقد نفى القرني التهمة واعتبرها مؤامرة صهيونية.
وقد أخطأت لائحة الاتهام في اسم عوض القرني وجعلته عائض القرني، وقد تبرأ عائض من هذا الاتهام واعترف بانتمائه للإخوان المسلمين أثناء دراسته الجامعية وقال: «أنا انتميت إلى فكر (الإخوان) في الكلية، يمكن في أول الكلية ثلاث سنوات أو أربع سنوات، وجلست مع الإخوان أربع سنوات».
وكان عوض القرني قد سئل قبل هذا الاتهام بسنوات عن الإخوان المسلمين والسرورية، فقال: «إن جماعة لها أكثر من سبعين عاما من الخبرة وتتوزع على القارات الخمس (يقصد الإخوان) لا يمكن مقارنتها بتيار ليست له هذه المكانة ولا الخبرة»، وذلك في لقاء معه على موقع شبكة «الأحرار»، الموقع شبه الرسمي للإخوان المسلمين السعوديين، الذي تم مسحه من الشبكة في وقت لاحق.
وقد أقر القرني بوجود تيار ديني في السعودية متأثر بجماعة الإخوان المسلمين، فقال في حوار نشرته «الشرق الأوسط»: «وجود (الإخوان) في السعودية... بين السعوديين هو تيار فكري يؤثر ويتأثر، ولا يستطيع أحد أن يقدم دليلا على أنه نشأ تنظيم خاص بالسعوديين على شاكلة التنظيمات في الدول الأخرى ومرتبطة بها تنظيميا»، وهو نفى بشدة أن يكون قادة الإخوان المسلمين قد صنعوا تنظيمات في السعودية، وقال: «كل من كتب عن (الإخوان) في السعودية من (الإخوان) أنفسهم، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي، يؤكدون فيما كتبوه أن (الإخوان) في مصر عندما جاءوا إلى السعودية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، كان لهم تنظيمهم الخاص، وأن مناع القطان كان على رأس هذا التنظيم، بل أكد بعضهم في كتاباتهم أن قيادات التنظيم عندما جاءوا إلى السعودية اتخذوا قرارا وكانوا متمسكين به، بعدم العمل التنظيمي بين السعوديين على الإطلاق» (صحيفة «الشرق الأوسط» 1 يونيو «حزيران» 2010». وهو كلام مرسل ويناقض ما ذكره الإخواني علي عشماوي، ومثله عبد الله النفيسي، الذي نقلناه بنصوصه أعلاه.

البنا أسس تنظيما للاغتيالات والجماعة دعمت انقلاب 1948 في اليمن - (الحلقة الأولى)
البنا لم يتردد في مهاجمة السعودية.. وانقلاب 1948 في اليمن شكل بداية التوتر - (الحلقة الثانية)

الإخوان السعودية.. القصة الكاملة (الحلقة الثالثة)



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.