القيارة بعد «داعش».. ظلام قبل موعده بسبب دخان حرائق النفط

الجيش باغت المسلحين فهربوا قبل أن يفخخوها لكنهم أشعلوا النار في الآبار

صبي يمشي أمام ملصق فيه تعليمات من تنظيم «داعش» لنساء القيارة (أ.ب)
صبي يمشي أمام ملصق فيه تعليمات من تنظيم «داعش» لنساء القيارة (أ.ب)
TT

القيارة بعد «داعش».. ظلام قبل موعده بسبب دخان حرائق النفط

صبي يمشي أمام ملصق فيه تعليمات من تنظيم «داعش» لنساء القيارة (أ.ب)
صبي يمشي أمام ملصق فيه تعليمات من تنظيم «داعش» لنساء القيارة (أ.ب)

يحل الظلام قبل موعده هذه الأيام في بلدة القيارة بشمال العراق، التي هجرها مقاتلو تنظيم داعش قبل نحو أسبوع، بعد أن أشعلوا النار في الكثير من آبار النفط بالمنطقة.
يحجب الدخان الذي يتصاعد في الهواء ضوء الشمس قبل حلول الظلام بساعات، وهو ما يصنع مشهدًا مروعًا في هذا المكان الصحراوي، الذي لا توجد به كهرباء وسط درجات حرارة بلغت 49 درجة مئوية.
وتمثل استعادة الجيش العراقي للقيارة، بالإضافة إلى قاعدة جوية قريبة في يوليو (تموز) أحدث وأهم تقدم في حملة تدعمها الولايات المتحدة لاستعادة الموصل أكبر مدينة خاضعة لسيطرة التنظيم المتشدد على الإطلاق. وتريد بغداد استعادة الموصل قبل نهاية العام، وتقول إن استردادها سينهي وجود المتشددين في العراق، بعد مرور أكثر من عامين على استيلائهم على ثلث أراضيه. كان بعض المسؤولين من دول أعضاء في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويدعم القوات العراقية قالوا إن هذا الجدول الزمني قد يكون مفرطًا في الطموح.
لكن من المؤكد أن خسارة القيارة وجهت ضربة لتنظيم داعش الذي كان يستخرج النفط من 60 بئرًا ويبيعه لمساعدته في تمويل أنشطته. وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، كان التنظيم يرسل حمولة 50 شاحنة على الأقل يوميًا من حقل القيارة وحقل النجمة القريب إلى سوريا المجاورة. ولا تزال هناك لافتة على الطريق الرئيسي تعلن أسعار الخام في أماكن مثل مدينة حلب السورية على بعد 550 كيلومترًا غربي القيارة.
وحدات تكرير النفط البدائية التي كانت تستخدم في التكرير للاستخدام المحلي مهجورة على الطريق المؤدي إلى خارج البلدة باتجاه الشرق. وتغمر رائحة البترول المكان، أما الرياح المحملة بالدخان من حرائق آبار النفط فتهب على وسط البلدة. إن قضاء بضع دقائق بالمنطقة كفيل بإصابتك بحرقة في الحلق، وسريعا ما بدأ الأطفال الذين يسيرون بالشوارع في السعال.
عبد العزيز صالح، 25 عامًا، وهو من سكان القيارة قال إنه يريد من بغداد إخماد الحرائق في أقرب وقت ممكن.
وأضاف: «إنهم يخنقوننا... الطيور والحيوانات سوداء.. الناس سود». وقال هو وسكان آخرون إن النفط تسرب إلى نهر دجلة القريب، وهي تأكيدات نفتها وزارة النفط التي قالت إنه تم احتواء التسريبات باستخدام الخنادق. وفي حين شوهدت عدة جثث طافية في النهر يوم الاثنين لم يتسن لـ«رويترز» التأكد مما إذا كان النفط لوث مياهه.
وأعلن العراق أنه أخمد حرائق في أربعة آبار نفطية بمنطقة القيارة لكن وكالة «رويترز» لم تستطع رصد أي جهود من هذا النوع في الآبار القريبة من مناطق سكنية. وأمكنت رؤية أكثر من عشرة أعمدة منفصلة من الدخان في الأفق مع حلول الظلام حين اقتربت قافلة من عربات الإطفاء من البلدة. ولم تتضح على الفور المدة التي ستحتاجها لإخماد ألسنة اللهب. حين أشعل الجيش العراقي النار في مئات الآبار النفطية الكويتية عام 1991 قبل تقدم القوات التي قادتها الولايات المتحدة استمرت معظم الحرائق لنحو شهرين، لكن بعض الآبار ظلت مشتعلة لعام تقريبًا. وقالت وزارة النفط إنها لا تتوقع استئناف الإنتاج بمنطقة القيارة قبل استعادة الموصل. وكان الحقلان الرئيسيان وهما القيارة والنجمة ينتجان 30 ألف برميل من الخام الثقيل يوميًا قبل أن يسيطر عليهما تنظيم داعش.
ورغم حرائق الآبار ما زالت القيارة مليئة بالسكان. ففي حين فرّ المدنيون في أغلب المناطق الأخرى التي تمت استعادتها من تنظيم داعش قبل أو أثناء الهجمات الحكومية بقي سكان القيارة البالغ عددهم نحو 20 ألف نسمة في ديارهم. وقال ضابط في مكافحة الإرهاب إن ذلك يرجع جزئيًا إلى السرعة التي استعاد بها الجيش القيارة إذ فاجأ مقاتلي تنظيم داعش. وتقع القيارة كذلك قرب قاعدة جوية عسكرية، لذلك فالكثير من السكان لهم أقارب من أفراد الجيش.
ومع انقطاع التيار الكهربائي وتبدد الخوف من العقاب، في ظل النظام الصارم الذي فرضه التنظيم المتشدد، خرج السكان إلى الشوارع يوم الاثنين ملوحين لمركبات الجيش التي سلمتهم إمدادات أساسية مثل زيت الطعام والسكر والأغذية المعلبة. ورفع الأطفال أياديهم بعلامة السلام، ولعب بعضهم وسط برك النفط المتسرب في الشوارع الرئيسية، بعد أن فجر تنظيم الدولة الإسلامية خطوط أنابيب وآبار قرب مستشفى رئيسي، في محاولة على الأرجح لحجب الرؤية عن طائرات التحالف.
والقادة على ثقة من أنه يمكن استعادة التيار الكهربائي قريبًا في القيارة، وقالوا إن المباني والشوارع الملغومة لا تمثل خطرًا كبيرًا، بالمقارنة بما كان عليه الحال في مدينتي الرمادي والفلوجة في غرب البلاد. وقال الضابط من جهاز مكافحة الإرهاب، الذي قاد عملية القيارة إلى جانب الفرقة المدرعة التاسعة من الجيش: «حاصرناهم بسرعة، فلم يكن لديهم الوقت الكافي لزرع الكثير من العبوات الناسفة». وأضاف: «كان هناك الكثير منها على الشارع الرئيسي الذي تصوروا أننا سنسلكه للدخول، لكننا دخلنا من الصحراء». لكنه قال إن المتشددين تمكنوا من القتال، ورغم ذلك جمعوا سريعا خمس عبوات ناسفة محمولة على مدرعات لمهاجمة القوات.
ومع الاقتراب من المدينة تظهر آثار القتال الذي أعقب ذلك فقد انهارت الكثير من المباني جراء القصف الجوي. وأعلن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أنه شن أكثر من 500 ضربة جوية لدعم القوات العراقية، وهو ما يقرب من عدد الضربات في معركة العام الماضي لاستعادة مدينة الرمادي الأكبر كثيرًا.
وستشكل القيارة وقاعدتها الجوية - حيث ستتمركز قوات تعزيز أميركية قوامها 560 جنديًا - القاعدة الرئيسية للهجوم المرتقب لاستعادة الموصل التي تبعد 60 كيلومترًا إلى الشمال.
وبعد أن عرض رجلان من القيارة جثة أحد مقاتلي التنظيم التي سحقت عندما تعرض المبنى الذي كان بداخله لقصف جوي، قاما بتنبيه الجنود إلى مهاجم انتحاري محتمل مختبئ في منزل قريب، فتوجهوا للتحقق من ذلك. على مسافة نحو مائة متر من الجثة الممزقة يشتعل حريق في أحد الآبار ناشرا الدخان ووهج النيران في السماء.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.