صور «السيلفي» والسفر

رأي المتخصصين في تغير عادات المسافر

صور «السيلفي» والسفر
TT

صور «السيلفي» والسفر

صور «السيلفي» والسفر

المشهد السياحي في أيامنا هذه هو على الشكل التالي، سائح يبدو مكتئبا ويشكو من الضجر فجأة يسحب الكاميرا الخاصة به لالتقاط صورة سيلفي وفجأة تغمر السعادة وجهه، كما لو كانت أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة وعيد ميلاده حلت كلها مرة واحدة.. يحدث هذا المشهد حاليا في عدد لا يحصى من الأماكن السياحية في مختلف أنحاء العالم.
لو كان الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت الذي عاش في القرن السابع عشر موجودا في يومنا ما كان ليقول: «أنا أفكر إذن أنا موجود»، ولكن عوضا عن ذلك لقال: «أنا ألتقط سيلفي إذن أنا موجود».
ما الذي تقوله هذه الحاجة البائسة من قبل الناس لالتقاط سيلفي عن زمننا؟
فيما يلي ثلاثة آراء اجتماعية نفسية:
* التشاؤم الثقافي: الصور السيلفي تعني أن «الكثير يضيع»، حسبما يقول الباحث السياحي أولريش راينهارد الذي يرأس مؤسسة أبحاث المستقبل في هامبورغ. ويضيع على الناس مشاهدة الأشياء الغريبة، التي تدعو إلى الضحك لأنهم مركزون بالكامل على أنفسهم.. «لم نعد نملك ببساطة هبة استيعاب اللحظة».
* أبناء العصر الرقمي: إنها ممكنة فعليا، لذا نفعلها، يقول هذا الرأي إنه يتم ببساطة التقاط الصور السيلفي لأنه يسهل فعلها. ويقول إندري فيندلر، وهو باحث في ثقافة الإنترنت بجامعة فايمر: «السيلفي هو عَرَض لتغير أسلوب السفر»، ويضيف أن هناك أثرا متبادلا بين التكنولوجيا والسلوك الاجتماعي. ويقول: «لم تكن البطاقات البريدية موجودة سوى لوجود نظام بريدي. وهذا في المقابل كان له صلة وثيقة بابتكار السكة الحديدية». واليوم لديك الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي وفي المقابل الصور السيلفي التي توزع على نطاق واسع.
* ويقول رأي ثالث إننا لطالما كنا نصبو للاعتراف. فقيام المرء بعرض على أصدقائه أنه كان يقضي إجازة رائعة، وأنه كان سعيدا للغاية هو شيء لطالما أراد الناس فعله.
وتقول إستريد كارولوس، وهي اختصاصية نفسية إعلامية في جامعة فورتسبورج: «إذا تحدثنا من الناحية النفسية فنحن لم نتغير. في الماضي كان الأفراد يجلسون بعد أي عطلة من أجل أمسية لمشاهدة شرائح الصور. واليوم يمكن للأشخاص صناعة عرض مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي». وبالتالي ما هي إلا مسألة اختلاف الوسائل المستخدمة آنذاك والآن، ولكن الدافع يظل واحدا.
وتقر كارولوس أن وجهة نظر الأشخاص في عطلاتهم تغيرت في ظل الرغبة المستمرة في التقاط صور سيلفي رائع. وتقول: «لكن ليس صحيحا مطلقا أن الأشخاص الذين يحملون هواتف ذكية يشاهدون أقل ممن ليس لديهم مثل هذه الهواتف. إنها ليست بالضرورة وجهة نظر سيئة ولكن بالأحرى مختلفة».



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».