نبأ سار للمستثمرين.. صعود أسواق المال ربما يستمر فترة أطول

معدلات الفائدة المنخفضة تجعل الأسهم جيدة

نبأ سار للمستثمرين.. صعود أسواق المال ربما يستمر فترة أطول
TT

نبأ سار للمستثمرين.. صعود أسواق المال ربما يستمر فترة أطول

نبأ سار للمستثمرين.. صعود أسواق المال ربما يستمر فترة أطول

كانت سوق الأسهم الآخذة في الصعود مدعومة بركيزتين أساسيتين: أرباح الشركات المرتفعة ومعدلات الفائدة المنخفضة. وقد بدت هاتان الدعامتان غير مستقرتين في مطلع هذا العام. ولحسن طالع المستثمرين فإن هناك الآن بعض الأنباء السارة عن كليهما.
لقد تهاوت معدلات الفائدة، التي كان من المتوقع أن ترتفع، تهاوت فعليا منذ بداية العام. والآن تؤكد سلسلة من البيانات الصادرة عن مسؤولي البنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي)، بما في ذلك كلمة لرئيسة البنك، جانيت يلين، في جاكسون هول، بولاية وايومنغ، أنه حتى لو كانت هناك بعض الزيادات على المدى القصير في أسعار الفائدة، فإن البنك المركزي يتوقع أن تستمر معدلات الفائدة المنخفضة نسبيا لسنوات.
وتشهد أرباح الشركات والتدفق النقدي، اللذان كانا قد توقفا في السابق، استقرارا وربما ارتفاعا، بحسب مجموعة من تقارير الشركات التي نشرت خلال موسم الأرباح الربع سنوية، والذي يقترب من نهايته.
وبنظرة عامة على هذه التقارير، فمن الصعب اعتبار هذه المعلومات ضمانة على أن الأسهم ستستمر في الزيادة، أو أن مستويات الأسواق الحالية ستبدو معقولة بعد سنوات من الآن. على أنه بالنسبة إلى المستثمرين فإن معدل الفائدة ومناخ الأرباح باتا صديقين من جديد، ومن دون هاتين الدعامتين كانت توقعات الأسهم لتصير أكثر تشاؤما إلى حد بعيد.
وتبين نظرة على أرباح الشركات أنها عانت سابقا من تراجع مستمر منذ الربع الثالث من 2014، مع تعرض الشركات الأميركية لأجواء معاكسة في الخارج، وتراجع للعائدات. كان الدولار القوي عائقا، وكان الاقتصاد العالمي يعاني حالة من الركود، وأدى النقص الحاد في الطاقة وأسعار السلع إلى خسائر للشركات العاملة في تلك الصناعات. وقد تسببت هذه الاتجاهات إلى هزة في سوق المال.
غير أن البيانات الواردة من تقارير أرباح الشركات كانت جيدة بما فيه الكفاية لأن يؤكد إدوارد يارديني، الاقتصادي المخضرم والمتخصص في استراتيجيات السوق، في رسالة للعملاء يوم الاثنين، أن «ركود الأرباح انتهى».
وكما اعترف، فالصورة ليست وردية تماما، والأرقام معقدة بما يكفي لأن تصاب رأسك بالدوار. على سبيل المثال، من المتوقع، على أساس سنة بسنة، أن تكون الأرباح قد تراجعت بأكثر من 2.2 في المائة للشركات على مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وفقا لإحصاء أجرته تومسون رويترز «آي بي إي إس». ومن الصعب أن يكون هذا مدعاة للابتهاج.
ومع هذا، فباستثناء الشركات العاملة في مجال الطاقة، تحسنت الأرباح على أساس عام بعام ووصلت لمعدل نمو إيجابي بلغ 2.3 في المائة. وفضلا عن هذا، أشار السيد يارديني إلى أنه بالمقارنة بمستوى الربع السابق، زاد إجمالي أرباح الشركات في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في الربع الثاني. وفي حين أن الإجماع في وول ستريت هو أن أرباح الربع الحالي ستشهد تراجعا آخر يحدث كل سنة، فإن السيد يارديني يتوقع أن الأرباح لن تكون على الأقل أسوأ مما كانت عليه في الربع السابق وربما تشهد زيادة متواضعة.
وأوضح: «الفكرة هي أن الأرباح أفضل كثيرا مما كنتم تتوقعون، بالنظر إلى الدولار، وبالنظر إلى ما حدث في أسعار الطاقة والسلع، وبالنظر إلى النمو البطيء في الاقتصاد العالمي».
وإضافة إلى هذا، فإن النقد الذي ولدته الشركات الأميركية سمح للشركات، ليس فقط بدفع حصص جيدة بشكل معقول، وإنما أتاح لها معاودة شراء كميات كبيرة من أسهمها. وقد عززت عمليات إعادة الشراء هذه السوق، فهي من خلال تقليل عدد الأسهم تجعل الأرباح على الأسهم تبدو أفضل كثيرا، وينبغي لهذا أن يستمر.
وتعد الأرباح والنقد العائد من الأرباح، جوهر ما يشتريه المستثمر. لكن ما هو سعر السهم المعقول لهذه الأرباح؟ الإجابة هي، على الأقل جزئيا، أن «الأمر يعتمد على معدلات الفائدة». عندما تكون معدلات الفائدة أقل، تزداد قيمة الأرباح، وتميل أسعار الأسهم للصعود، بحسب ما يقول أسواث داموداران، أستاذ الشؤون المالية بجامعة نيويورك، الذي أوضح هذه الحقيقة في معادلات تفصيلية ينشر كثير منها على موقعه الإلكتروني.
لكنه يقول إن أبسط طريقة للنظر إليها، والأهم بالنسبة إلى المستثمر، هي أن ينظر كيف تؤثر معدلات الفائدة على قيمة سهم وسند. وأضاف: «كان لمعدلات الفائدة المنخفضة تأثير كبير على البورصة. الأسهم أرخص كثيرا جدا من السندات بمعدلات الفائدة الحالية».
قد تبدو هذه المقارنة غريبة، إذا لم تكن معتادا على التفكير بهذه الطريقة. يسير الأمر على هذا النحو: بالنسبة إلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500، نسبة السعر إلى الأرباح نحو 20، وهو ما يعني أنه في مقابل كل ما يوازي 100 دولار من الأسهم، تحصل على أرباح بقيمة 5 دولارات. وبالمقارنة، فإن إذن خزانة مدته 10 سنوات، مع عائد 1.6 في المائة، يؤدي لأرباح بقيمة 1.60 دولار فقط عن استثمار 100 دولار. وللسند نسبة من السعر مقابل الأرباح تزيد عن 60، ما يعني أنه أغلى بواقع 3 مرات من السهم. وحسب قوله، إذا زادت معدلات الفائدة إلى 10 في المائة من مستواها القوي في 1979 على سبيل المثال، فإن نسبة السعر إلى الأرباح على السندات ستتهاوى إلى 10، ومن شأن أسعار الأسهم الحالية أن تبدو مرتفعة بصورة معقولة في هذا المناخ، على حد قوله.
ويضيف: «في العالم الذي نعيش فيه الآن، تجعل معدلات الفائدة المنخفضة الأسهم تبدو جيدة جدا، على الأقل مقارنة بالسندات». ويفسر هذا السبب في كون أحدث المؤشرات من سوق السندات وأحدث البيانات الصادرة عن الاحتياطي الفيدرالي بمثل هذه الأهمية للمستثمرين في الأسهم.
تشير هذه المؤشرات والبيانات إلى أنه في حين أن من المرجح أن ترتفع المعدلات بصورة معتدلة في الولايات المتحدة العام القادم، فربما لا تشهد زيادة كبيرة جدا، وستستمر المعدلات المتدنية معنا لبعض الوقت. التضخم متدن جدا، والنمو ضئيل والاقتصاد عرضة للتأثر بالأسهم.
في كلمتها يوم الجمعة في جاكسون هول، أقرت السيدة يلين بهذا أيضا. قالت إنه في حال واصل الاقتصاد التحسن، فإن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع معياره لمعدلات الفائدة على الصناديق الفيدرالية، كما صرح على مدار عدة أشهر. يستقر هذا المعدل الآن بين 0.25 و0.5 في المائة. لكن يلين أكدت كذلك على أن المركزي الأميركي من غير المرجح أن يرفع المعدلات بزيادة كبيرة.
تبين التوقعات أن معدل الصناديق الفيدرالية سيستقر «عند نحو 3 في المائة على المدى الأطول» بحسب قولها، مضيفة أنه «على العكس، فإن متوسط معدل الصناديق الفيدرالية كان يزيد عن 7 في المائة بين 1965 و2000». وأشارت إلى أنه عندما يحدث الركود القادم فإن المركزي قد يدرس طرقا تجريبية للتأثير على معدلات الفائدة.
وكان جون ويليامز، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، مهد الساحة لكلمة السيدة يلين من خلال رسالة نشرها هذا الشهر على موقع البنك، يشير فيها إلى أن معدلات الفائدة هوت إلى «مستوى طبيعي» متدن جدا، ومن غير المرجح أن يستمر لفترة ممتدة.
ويثير هذا مشكلات معقدة للمصرفيين المركزيين. ومع هذا، فبالنسبة إلى مستثمري الأسهم، يمثل هذا تأكيدا صريحا على افتراض محوري للسوق الآخذة في الصعود، فبينما قد تكون هناك بعض الزيادات على المدى القصير، فمن المرجح أن تستمر معدلات الفائدة المتدنية لفترة مقبلة.
وليس هذا بالشيء الإيجابي الخالص؛ إذ إنه لو كان النمو الاقتصادي أكثر قوة، فلربما كان التضخم أعلى وكان من شأن ذلك أن يرفع معدلات الفائدة. ومن دون نمو قوي، سيكون من الصعوبة بمكان توليد أرباح قوية على مستوى الشركات. ومع هذا، ففي الوقت الراهن، تظل الركيزتان الأساسيتان لسوق الأسهم كما هما لم تتغيرا. ومن الممكن أن يؤدي هذا إلى استمرار السوق الآخذة في الصعود بالنسبة إلى الأسهم، والتي تعيش عامها الثامن الآن، لفترة أطول.
* خدمة «نيويورك تايمز»



السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
TT

السعودية تعيد رسم اقتصاد المياه العالمي عبر «مؤتمر الابتكار»

مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)
مؤتمر «الابتكار في استدامة المياه» يُمثّل منصة استراتيجية لتبادل الأفكار والرؤى حول مستقبل القطاع (واس)

يعكس «مؤتمر الابتكار في استدامة المياه 2025» الذي تستضيفه مدينة جدة الأسبوع المقبل، قدرة السعودية على قيادة تحول عالمي يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.

يأتي المؤتمر في لحظة يصفها الاقتصاديون بأنها نقطة ارتكاز في تطور «اقتصاد المياه» خلال العقد المقبل، وتتسارع فيها التحولات المرتبطة بتلك الصناعة عالمياً، وتعيد تشكيل ميزان الابتكار والاستثمار في واحد من أكثر القطاعات الاستراتيجية تأثيراً على الأمن الغذائي والطاقة والنمو الاقتصادي.

وتحوّل الحدث الدولي الذي يقام خلال الفترة بين 8 و10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي.

ويجمع المؤتمر نحو 11 ألف مشارك من 137 دولة، إلى جانب عدد من كبرى شركات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة، ما يجعله أحد أهم التجمعات الدولية التي ترسم خريطة الاقتصاد المائي الجديد، ويعكس مكانة السعودية ودورها المتنامي في صياغة مستقبل هذا القطاع عالمياً.

المياه... قطاع اقتصادي مرتبط بالأسواق العالمية

يتناول المؤتمر المياه بوصفها قطاعاً اقتصادياً يرتبط مباشرة بالأسواق الدولية، مثل الطاقة والتقنية والتمويل، ويتمحور حول أربع ركائز رئيسية تشغل المستثمرين عالمياً، تتمثل في: «الاقتصاد الدائري للمياه» الذي يُعتبر سوقاً صاعدة تجذب شركات الكيميائيات النظيفة والطاقة المتجددة، ثم «الرقمنة والذكاء الاصطناعي» حيث التوسع في إدارة الشبكات الذكية وتحليل الطلب، فـ«تكامل المياه والطاقة» عبر ابتكار متسارع في تقنيات التحلية منخفضة الانبعاثات، وأخيراً «الاستثمار والتمويل» بدخول أكبر للصناديق والبنوك التنموية مع توسع مشاريع إعادة الاستخدام.

يجمع الحدث 11 ألف مشارك من 137 دولة وشركات كبرى بمجالات المياه والطاقة والتقنيات النظيفة (واس)

وتعكس تلك التحولات واقعاً جديداً، إذ لم تعد المياه بمثابة خدمة أساسية فحسب، بل فرصة استثمارية طويلة الأجل، ويُعدّ الابتكار اليوم محوراً اقتصادياً تعتمد عليه الحكومات والشركات الكبرى لمواجهة تحديات شُحَّها وارتفاع تكاليف الإنتاج وتزايد الطلب الصناعي.

«جائزة الابتكار» تُعزِّز اقتصاد المياه

تحوَّلت «الجائزة العالمية للابتكار في المياه»، المتزامنة مع المؤتمر، إلى منصة تُقرأ من خلالها مبكراً ملامح التقنيات التي ستقود اقتصاد المياه في السنوات المقبلة؛ إذ باتت الأرقام التي تُسجِّلها الجائزة كل عام تعكس حجم التحول العالمي نحو الابتكار، بوجود 2570 ابتكاراً مقدّماً من 300 جامعة ومعهد تمثل 119 دولة، مما يكشف عن سباق دولي واسع لإنتاج حلول جديدة، ويعكس أهمية الجائزة التي أضحت مرصداً عالمياً لاتجاهات التقنية، ويحدد ملامح المستقبل في أحد أكثر القطاعات ارتباطاً بحياة الإنسان والتنمية.

«مياهثون» تجمع المبتكرين والمستثمرين

وتعدّ فعالية «مياهثون» المصاحبة للمؤتمر منصة تنافسية تسهم في توليد شركات ناشئة ونماذج تطبيقية، ويتفق المختصون على أن قوة هذا المشروع تكمن في جمع المواهب والمنظمين والمستثمرين على مساحة واحدة، وهو عنصر تفتقر إليه منظومات الابتكار المائي عالمياً.

بناء حلول الاستدامة عبر الابتكار

يكشف المؤتمر عن أن الابتكار أصبح منهجاً لبناء حلول تمتد آثارها إلى مجالات واسعة باتت اليوم في قلب التحول المائي؛ فمجالات الطلب الزراعي وإعادة الاستخدام والسياحة والاقتصاد والمجتمع تمثل محاور رئيسية في نقاشات المياه، يستهدفها الابتكار لخفض الهدر، وتعزيز الكفاءة، ورفع قيمة العائد التنموي.

ويضطلع المؤتمر بدور محوري في توسيع آفاق الابتكار عبر استعراض وتبنّي التقنيات الحديثة التي تُعزِّز الكفاءة التشغيلية، وتُرسِّخ مفهوم الاستدامة البيئية، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة والعمليات الصناعية.

وتتجلى قدرة الابتكار على دعم الأمن الغذائي، ورفع كفاءة الطاقة، وزيادة مرونة المدن، وتمكين الاقتصادات من مواجهة ندرة المياه وتزايد الطلب، ما يؤكد أن مستقبل المياه يُعاد تشكيله اليوم عبر حلول أوسع من التقنية وحدها، وأكثر التصاقاً بحاجات التنمية الشاملة.

مكاسب دولية تعزّز مكانة السعودية

ينعقد المؤتمر فيما تحقق المملكة حضوراً متقدماً في أبرز المؤشرات الدولية المرتبطة بالمياه، إذ جاء اعتراف الأمم المتحدة بالنموذج السعودي في تحقيق الهدف السادس ليؤكد نجاعة السياسات الوطنية في إدارة الموارد وتعزيز الاستدامة، فيما شكّل توقيع ميثاق المياه العالمي في الرياض نقطة تحول عمّقت الشراكات الدولية، ورسّخت دور البلاد في قيادة الحوار العالمي حول أمن المياه.

وعزَّز إطلاق «المنظمة العالمية للمياه» صدارة السعودية للدول القادرة على صياغة الأطر الجديدة لهذا القطاع الحيوي، كما باتت المملكة أحد أهم الفاعلين في تشكيل مستقبل السياسات المائية عالمياً، بما تملكه من مبادرات رائدة وحضور مؤسسي مؤثر ورؤية واضحة لأمن المياه.

مركز إنتاج للابتكار المائي العالمي

تحوّل المؤتمر إلى منصة اقتصادية تُطلق شراكات، وتقدّم حلولاً جاهزة للتطبيق، وتستكشف أسواقاً جديدة، حيث تُمثل السعودية مركز إنتاج للابتكار المائي، إذ تقود تحولاً عالمياً يعيد تعريف اقتصاد المياه، ويرسخ نموذجاً يدمج بين الابتكار والاستثمار والسياسات الفاعلة، ليُعيد تشكيل مستقبل أحد أهم قطاعات الاقتصاد العالمي.


النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
TT

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)
عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز»، في تقرير محدث، سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة، مع إدراجها ضمن مسار إيجابي يرتفع إلى نسبة 3.5 في المائة خلال العامين المقبلين، ومع التنويه بأنّ هذه الأرقام «قابلة للتحسّن في حال تنفيذ الإصلاحات بشكلٍ سريع».

وتتلاقى مبرّرات الوكالة ضمنياً، مع تقديرات صندوق النقد الدولي التي تلاحظ أن التقدم المسجّل في ملف إبرام اتفاق مشترك مع لبنان، لا يزال «بطيئاً للغاية»، ويتعرض لانتكاسات تشريعية وقانونية، ما يؤكد مجدداً أن الأزمة لا تزال تتطلب توافقاً سياسياً جدياً لسن القوانين الإصلاحية الضرورية التي تمنح الصندوق الثقة الكافية للموافقة المكتملة على اتفاق يتضمن برنامج تمويل بمبالغ تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار، وقابلة للزيادة أيضاً.

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال اجتماعه مع وفد من صندوق النقد الدولي (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ورغم التباين في تقديرات النمو المتوقعة لهذا العام، فإن التبدلات الطارئة على المناخات السياسية وانضمام مسؤول مدني إلى اللجنة العسكرية المعنية بوقف الأعمال العسكرية بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، قلّصت نسبياً من مخاوف توسّع الأعمال الحربية، وأنعشت بالتالي، بحسب مسؤول مالي معني تواصلت معه «الشرق الأوسط»، التطلعات الحكومية لتصحيح الأرقام، وربما فوق مستوى 5 في المائة، ربطاً بكثافة النشاط التجاري والسياحي المعتاد في فترة الأعياد والعطلات بنهاية العام.

وتعدّ عودة الاقتصاد المحلي إلى مسار النمو الإيجابي، وبمعزل عن التفاوت في النسب المحققة أو المرتقبة، تحولاً نوعياً لتأثير عودة الانتظام إلى عمل المؤسّسات الدستورية، بعد 5 سنوات متتالية من الأزمات الحادة والتخبط في حال «عدم اليقين» سياسياً واقتصادياً. ثم تُوّجت باندلاع حرب تدميرية طاحنة، أودت إلى اتساع فجوة الخسائر الإعمارية والقطاعية بما يزيد على 7 مليارات دولار.

وتكفلت تضافر هذه الوقائع السلبية المتتالية بانكماش حاد للناتج المحلي من أعلى المستويات البالغة نحو 53 مليار دولار عشية انفجار الأزمة إلى نحو 20 مليار دولار في ذروة الانهيارات المالية والنقدية، والمعزّزة بإشهار الحكومة الأسبق بتعليق دفع مستحقات الديون العامة، قبل أن يستعيد الاقتصاد حيوية هشّة دفعت أرقامه إلى حدود 31.6 مليار دولار بنهاية عام 2023، وفق رصد إدارة الإحصاء المركزي، ليصل بعدها إلى نحو 43 مليار دولار، وفق تقرير مصرفي محلي، بدفع من مؤشرات متنوعة تشمل السياحة وزيادة الاستيراد واستمرار التضخم واستدامة التحويلات الخارجية، ولا سيما من المغتربين والعاملين في الخارج.

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام يُشير بيده أثناء حديثه خلال اجتماع مع وفد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (أ.ف.ب)

إعادة هيكلة القطاع المالي

لكن بلوغ مرحلة النمو المستدام للاقتصاد، والاستفادة من التزام الدول المانحة بدعم لبنان، يظل مشروطاً بتطبيق برنامج الإصلاح المعدّ من قبل صندوق النقد الدولي، حيث تتمحور المطالب الرئيسية حول إعادة هيكلة القطاع المالي، واعتماد استراتيجية متوسطة الأجل لتعبئة الإيرادات وترشيد النفقات، وخفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي واستعادة الاستدامة المالية، فضلاً عن أولويات معالجة ضعف الحوكمة وتعزيز إطار مكافحة الفساد، وإجراء عمليات تدقيق موثوقة لمجمل المؤسسات والحسابات العامة.

وليس خافياً في هذا السياق، ملاحظة إدارة الصندوق أن موازنة الحكومة للعام المقبل، لم ترتقِ إلى مستوى التطلعات الإصلاحية المطلوبة، والاستجابة لضرورة الشروع بإعادة هيكلة الديون الخارجية للبلاد، والتي تشمل سندات «اليوروبوندز» المقدرة بأكثر من 41 مليار دولار، كجزء لا يتجزأ من استعادة القدرة على تحمل الديون. في حين تنبّه إلى أن الحكومة تستمر في الاعتماد على سياسة التقشف القاسي بغية فائض تشغيلي جزئي في الخزينة، بدلاً من التركيز على الإصلاح الهيكلي، والنظر في إصلاح السياسة الضريبية لإتاحة الحيز المالي اللازم للإنفاق على الأولويات مثل إعادة الإعمار والحماية الاجتماعية.

كما تبرز التباينات التي تقارب التناقضات في نقاط محددة بشأن منهجية معالجة الفجوة المالية ستظل عائقاً محورياً على مسار المفاوضات المستمرة بين الحكومة وصندوق النقد، خصوصاً في مقاربة مسألة الودائع التي تناهز 80 مليار دولار، حيث تعلو التحذيرات والانتقادات الحادة لمنحى «الاقتراحات المسرّبة» من اللجنة الحكومية التي تعكف على إعداد مشروع القانون الرامي إلى تغطية عجز القطاع المالي، والمتضمنة صراحة أو مواربة شطب ما يصل إلى 30 مليار دولار من إجمالي المدخرات لدى المصارف، وحصر الضمانة للسداد بمبلغ 100 الف دولار، وإصدار سندات «صفرية» الفوائد لمدة تتعدى 20 عاماً للمبالغ الأكبر.

وقد حافظت «موديز» على تصنيف لبنان السيادي عند الدرجة «سي»، وعلى النظرة المستقبليّة «المستقرّة» في تحديثها للتقييم الائتماني السيادي للحكومة اللبنانيّة، مؤكدة أن هذا التصنيف يعكس احتماليّة كبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي سندات الدين الدولية (اليوروبوندز) نسبة 65 في المائة. في حين يتم تداول هذه السندات حالياً في الأسواق الدولية بأسعار تقارب 25 في المائة من قيمتها الدفترية، بعدما انحدرت خلال الحرب الأخيرة إلى 6 في المائة فقط.

ولم يفت الوكالة الإشارة إلى أنّ تصنيف لبنان سيبقى على حاله، إلا إذا تمّ تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وتحسين القدرة على تحصيل الإيرادات وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أولية كبيرة من جهة موازية، وذلك لضمان استدامة الدين في المستقبل.


«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
TT

«إيرباص» تدفع ثمن الاعتماد المفرط على نموذج طائرة واحد

شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)
شعار «إيرباص» خلف نموذج لطائرة يورودرون خلال المعرض الدولي للفضاء في مطار برلين (د.ب.أ)

تلقت شركة «إيرباص» الأسبوع الماضي تذكيراً قاسياً بأن طائرتها الأكثر مبيعاً في العالم، وهي سلسلة «إيه 320»، ليست محصنة ضد الصدمات، سواء كانت من مصدر فلكي، أو من خلل في الصناعة الأساسية. بعد أيام فقط من اضطرار العملاق الأوروبي لسحب 6 آلاف طائرة من طراز «إيه 320» بسبب خلل برمجي مرتبط بالإشعاع الكوني، اضطرت الشركة إلى خفض أهدافها لتسليم الطائرات لهذا العام بسبب اكتشاف عيوب في بعض ألواح جسم الطائرات (الفيوزلاج).

تؤكد هاتان النكستان المترابطتان -إحداهما متجذرة في الفيزياء الفلكية، والأخرى في مشكلات معدنية بسيطة- مدى هشاشة النجاح لشركة طيران تهيمن على أهم جزء في قطاع الطيران، وتتجه لتفوق «بوينغ» للعام السابع على التوالي في عدد التسليمات.

وقد علق الرئيس التنفيذي لـ«إيرباص»، غيوم فوري، لـ«رويترز» قائلاً: «بمجرد أن نتجاوز مشكلة، تظهر لنا مشكلة أخرى»، وذلك في معرض حديثه عن عدد الطائرات المحتمل تأثرها بمشكلات سمك الألواح.

جاءت هذه النكسات بعد أسابيع من تجاوز سلسلة «إيه 320»، بما في ذلك الطراز الأكثر مبيعاً «إيه 321»، لطائرة «بوينغ 737 ماكس» المضطربة بوصفها أكثر طائرة ركاب تم تسليمها في التاريخ.

خطأ برمجي مرتبط بالرياح الشمسية

بدأت أزمة الأسبوع الماضي عندما أصدرت «إيرباص» تعليمات مفاجئة لشركات الطيران بالعودة إلى إصدار سابق من البرنامج في جهاز كمبيوتر يوجه زاوية مقدمة الطائرة في بعض الطائرات، وذلك بعد أسابيع من حادثة ميلان طائرة «جيت بلو» من طراز «إيه 320» نحو الأسفل، ما أدى لإصابة نحو 12 شخصاً على متنها. أرجعت «إيرباص» المشكلة إلى ضعف في البرنامج تجاه الوهج الشمسي، والذي يمكن نظرياً أن يتسبب في انحدار الطائرة، في إشارة إلى الأسطورة اليونانية، حيث أطلق خبراء على الخلل اسم «علة إيكاروس». ورغم أن التراجع عن تحديث البرنامج تم بسرعة، فإن «إيرباص» واجهت بعد أيام قليلة مشكلة «أكثر رتابة» هددت بتقليص عمليات التسليم في نهاية العام: اكتشاف عيوب في ألواح الفيوزلاج.

تقليص الأهداف المالية

أدى اكتشاف الخلل في ألواح جسم الطائرة إلى انخفاض حاد في أسهم الشركة، حيث تراجعت أسهم «إيرباص» بنحو 3 في المائة خلال الأسبوع بعد أن انخفضت بنسبة 11 في المائة في يوم واحد. وفي غضون 48 ساعة، اضطرت «إيرباص» إلى خفض هدفها السنوي للتسليم بنسبة 4 في المائة.

تخضع «إيرباص» حالياً لضغوط من المحققين لتقديم المزيد من البيانات حول تعليق البرامج، بالإضافة إلى تردد بعض شركات الطيران في تسلم الطائرات المتأثرة دون ضمانات جديدة. كما تواجه الشركة أسئلة مستمرة حول سلاسل التوريد.

ويؤكد هذا الخلل، الذي اكتُشف لدى مورد إسباني، على التحديات التي تواجهها شركات الهياكل الجوية، ويبرز المخاوف المستمرة بشأن سلاسل التوريد التي اضطربت بسبب جائحة كوفيد-19. وأشار خبراء إلى أن حادثة الإشعاع الكوني هي تذكير بمدى تعرض الطيران للإشعاعات القادمة من الفضاء، أو الشمس، وهي مسألة أصبحت أكثر أهمية مع اعتماد الطائرات الحديثة على المزيد من الرقائق الإلكترونية. ودعا خبير الإشعاع الكوني جورج دانوس إلى ضرورة عمل المجتمع الدولي على فهم هذه الظاهرة بشكل أعمق.